ما وراء قرار “أوبك بلس” … الشراكة السعودية الأمريكية في مرحلة إعادة تقييم
مآلات - أكتوبر 2022
تحميل الإصدار

ملخص

◀ اعتُبر قرار (أوبك+) في واشنطن “إهانة” متعمدة للإدارة الأمريكية؛ حيث طالب أعضاء بارزون في الكونجرس، بوقف صفقات السلاح إلى المملكة، وتجميد التعاون معها، فيما أكد البيت الأبيض أن الرئيس بصدد إجراء إعادة تقييم للعلاقات مع المملكة، وأن قرار السعودية ستكون له عواقب، في المقابل؛ تجادل السعودية بأن هناك دوافع فنية خلف قرار خفض الإنتاج، حيث أبدت الرياض تخوفات خلال الشهور القليلة الماضية حول فائض العرض في أسواق النفط العالمية.
◀ لم تكن تبريرات السعودية “الفنية” مقنعة بصورة عامة؛ خاصة وأن قرار زيادة أو خفض إنتاج النفط كان في أوقات كثيرة مرتبطا بحسابات جيوسياسية، وليس من المستبعد أن يستهدف الموقف السعودي معاقبة إدارة “بايدن” قبيل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني، حيث أرسلت الرياض في الآونة الأخيرة عدة إشارات تدل على انزعاجها من طريقة إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لملف العلاقات السعودية الأمريكية، حيث إن العامل الشخصي يبدو مؤثرا بنسبة معتبرة في مشهد توتر العلاقات الأمريكية السعودية الراهن.
◀ يعكس قرار أوبك+ عمق أزمة العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، والتي نتجت عن تراكم عدم الثقة بينهما، حيث ترى الرياض أن واشنطن لم تعد تقدم التزاما حقيقيا تجاه أمن السعودية بصورة خاصة وأمن منطقة الخليج بصورة عامة إزاء التهديدات الإيرانية، أما إدارة “بايدن”، فقد بات لديها شكوكا متزايدة إزاء التزام السعودية بأجندة الولايات المتحدة تجاه عزل روسيا دوليا، وعدم الانفتاح على الصين في المجالات الاستراتيجية.
◀ من المرجح أيضا أن مشهد انحياز السعودية لما تعتبره واشنطن مصالح روسيا، وقدرتها على ممارسة ضغوط على باقي أعضاء أوبك، يرسل رسالة إنذار لكلا الحزبين أن الولايات المتحدة عليها اتخاذ تدابير تضمن مواجهة هذا التهديد المحتمل في المستقبل، لكن واشنطن ستكون حذرة إزاء تأثير أي تدابير مقترحة أو أي تغير مقترح في مستوى العلاقة مع الرياض بحيث لا يمس علاقات واشنطن بأصدقائها في المنطقة، وبحيث لا يأتي بنتائج عكسية ومزيد من الإحباط الإقليمي ودعم السردية التي تقول إن الولايات المتحدة ليست شريكًا موثوقا.
◀ ومن جانب السعودية؛ ستسعى الرياض لتهدئة غضب الولايات المتحدة لأن أولويتها ما زالت تجديد الشراكة مع واشنطن وليس إنهائها، ودون أن تتراجع عن موقفها الرئيسي بخصوص المطالبة بتجديد الالتزام الأمريكي تجاه أمن السعودية، وفي نفس الوقت؛ ستواصل السعودية سياسة تنويع التحالفات الدولية بما فيها العلاقات مع الصين وروسيا.

خريطة أفكار ما وراء قرار أوبك بلس و العلاقات السعودية الأمريكية

مقدمة

  • قرر تحالف (أوبك+)[1]*، يوم الأربعاء 5 أكتوبر/تشرين الأول 2022، خفض إنتاجه من النفط بنحو مليوني برميل يوميا، رغم محاولات الإدارة الأمريكية الحثيثة لإقناع المملكة العربية السعودية عبر قنوات تواصل دبلوماسية مكثفة بضرر مثل هذه الخطوة على الاقتصاد العالمي، فضلا عن اعتبارها تخدم مصلحة روسيا في تحقيق مكاسب تعوض الأسعار المنخفضة التي تبيع بها نفطها للصين والهند، وكشفت تقارير عن أن حجم الخفض الذي تمسكت به السعودية فاجئ حتى الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” الذي كان يأمل في خفض مليون برميل يوميا فقط.
  • كذلك، سيقوض هذا القرار على الأرجح مساعي الولايات المتحدة لفرض حدود قصوى لأسعار النفط الروسي؛ إذا إن تفعيل ذلك المخطط الغربي سيؤدي إلى ردع بعض مستهلكي النفط الروسي عن شراء كميات كبيرة من موسكو بسعر أعلى من السقف المحدد، وسيتسبب ذلك في فقد موسكو لبعض منافذ تصدير إنتاجها النفطي، ومن ثم ستضطر إلى تخفيض إنتاجها، الأمر الذي سيؤدي بجانب تخفيضات أوبك+ إلى مزيد من خفض الإنتاج العالمي، وبالتالي ارتفاع الأسعار العالمية.
  • اعتُبر القرار في واشنطن “إهانة” للإدارة الأمريكية؛ فقد جاء بعد أسابيع من تخلي الرئيس “جو بايدن” عن وعده بمعاملة السعودية كدولة “منبوذة”، وزار الرياض لحث ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” على دعم زيادات الإنتاج لخفض أسعار النفط، أعقبت الزيارة زيادة متواضعة في إنتاج “أوبك+” بمقدار 100 ألف برميل يوميًا، لكن التخفيضات الأخيرة نسفت الزيادة السابقة، لذلك ارتفعت حدة الانتقادات الأمريكية، حيث طالب أعضاء بارزون في الكونجرس، بينهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية بوب مينينديز، بوقف صفقات السلاح إلى المملكة، وتجميد التعاون معها، فيما أكد البيت الأبيض أن الرئيس بصدد إجراء إعادة تقييم للعلاقات مع المملكة، وشدد “بايدن” على أن قرار السعودية ستكون له عواقب، لم يحددها.

حسابات فنية: رواية السعودية غير المقنعة

  • تجادل السعودية ومعها أعضاء تحالف أوبك بلس بأن هناك دوافع فنية خلف قرار خفض الإنتاج، حيث أبدت الرياض تخوفات خلال الشهور القليلة الماضية حول فائض العرض في أسواق النفط العالمية، والذي أدى إلى انخفاض خام برنت بنحو 10 دولارات للبرميل في الفترة ما بين شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول، وسط توقعات باستمرار انخفاض الأسعار في ظل احتمالات حدوث ركود عالمي.
  • من جهة أخرى؛ ترغب السعودية في الاحتفاظ بجزء من فائض إنتاجها النفطي لتحقيق مكاسب من خلاله في المدى القصير، مع توقعات تناقص صادرات النفط الروسية بسبب العقوبات الغربية، وكذلك مع توقعات بزيادة الطلب الصيني بعد تخفيف بكين قيود مواجهة فيروس كورونا.
  • بالإضافة لما سبق؛ فإن القرار الممتد حتى ديسمبر/كانون أول 2023 قد لا يستهدف فقط تقويض المساعي الغربية لفرض حد أقصى لسعر النفط الروسي، ولكن الأهم من ذلك أن السعودية وباقي أعضاء أوبك ليس من المستبعد أن لديهم تخوفات من أن نجاح واشنطن وحلفائها في وضع حد أقصى لسعر النفط الروسي، يمكنه أن يدفع الغرب إلى فرض قيود مماثلة على النفط غير الروسي في المستقبل.
  • على الرغم من هذا القرار؛ ثمة فجوة بين وعود أوبك بلس الشهرية وإنتاجها الفعلي في الاتساع، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الانخفاض غير الطوعي في إنتاج بعض الأعضاء، حيث وصلت الفجوة بين مستهدف إنتاج أوبك+ المعلن وإنتاجها الحقيقي في أغسطس/آب إلى 3.6 مليون برميل يومياً، بعد تناقص كبير في إنتاج روسيا بسبب العقوبات وكذلك نيجيريا بسبب تراجع الاستثمارات في القطاع النفطي وسرقة النفط من خطوط الأنابيب، نتيجة لذلك؛ فإن خفض الإنتاج الفعلي من المتوقع أن يكون أقل بكثير مما أعلنت عنه أوبك+، في حدود 800 ألف إلى مليون برميل يوميا (نحو 1% من إمدادات النفط العالمية)، وسيتحمل عبء هذا الخفض فعليا كل من السعودية والإمارات والكويت والعراق. 

استهداف إدارة “بايدن”

  • أرسلت الرياض في الآونة الأخيرة عدة إشارات تدل على انزعاجها من طريقة إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لملف العلاقات السعودية الأمريكية، في المقابل لم تُظهر تحركات إدارة “بايدن” تجاوبا كبيرا مع الانزعاج السعودي، بل على العكس سعت الإدارة الأمريكية في ملف النفط لإيجاد بدائل عن التفاهم مع الرياض، وسبق أن أوضحنا في “أسباب” أن التغير الذي طرأ على العلاقة عقب وصول “بايدن” للسلطة نتج عن توجه مقصود من الإدارة الأمريكية، بينما جاءت تحركات السعودية كرد فعل للتعبير عن الغضب.
  • يبدو العامل الشخصي مؤثرا بنسبة معتبرة في مشهد توتر العلاقات الأمريكية السعودية الراهن؛ فليس من المتوقع أن يغض “بن سلمان” الطرف عن رفض “بايدن” علانية التواصل معه، مكتفيا بتواصله مع الملك “سلمان”، ويبدو أن اجتماع “بايدن” في الرياض مع “بن سلمان” ليس كافيا من جهة نظر ولي العهد السعودي.

ويرى الدبلوماسي الأمريكي المخضرم في الشرق الأوسط “آرون ديفيد ميللر”، أنه طوال تاريخ العلاقة بين البلدين “نادرا ما كانت سلسلة التوقعات والإهانات أكبر مما هي عليه الآن، ولا توجد ثقة تقريبا ولا احترام متبادلا على الإطلاق”.

  • لذلك؛ ليس من المستبعد أن يستهدف الموقف السعودي معاقبة إدارة “بايدن” قبيل انتخابات التجديد النصف في نوفمبر/تشرين الثاني؛ فعلي الرغم من محاولة الجانبين نفي علاقة قرار أوبك+ بالانتخابات الأمريكية، إلا أنه تسبب في زيادة الصعوبات التي تواجه “بايدن” قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس القادم، فإلى جانب التضخم الذي تعاني منه أمريكا، من المتوقع أن يساهم القرار في استمرار زيادة أسعار الوقود في الولايات المتحدة، وهي واحدة من الأمور التي لها تأثير مباشر على نتائج الانتخابات التي ستحدد من سيسيطر على الكونجرس الأمريكي خلال العامين المقبلين.
  • ولا توجد حلول سريعة يمكن أن تساعد “بايدن” في خفض أسعار الوقود قبل الانتخابات، فبينما قررت الإدارة الأمريكية تحرير 10 ملايين برميل نفط من الاحتياطيات الاستراتيجية -التي انخفضت لأدنى مستوياتها منذ 1984-، فمن غير المرجح أن يؤدي هذا إلى تراجع ملموس لأسعار الوقود في الولايات المتحدة، كما أن حظر صادرات النفط الأمريكية غير مرجح؛ إذ لن يتسبب فقط في انتقادات من الجمهوريين، ولكن سيقابل بتخوفات من حلفاء واشنطن من أن يساهم في تفاقم أزمة الطاقة العالمية، فضلا عن تخوفات من أن يتسبب في تأثير عكسي بمزيد من ارتفاع أسعار الوقود في أمريكا.
  • لذلك؛ لم تكن تبريرات السعودية “الفنية” مقنعة بصورة عامة؛ ليس فقط لأن الولايات المتحدة ودول أوروبا لديها أيضا تبريرات فنية حول تأثير زيادة الأسعار على الركود العالمي وأزمة التضخم التي تعاني منها الكثير من الدول حول العالم، ولكن لأن قرار زيادة أو خفض إنتاج النفط كان في أوقات كثيرة مرتبطا بحسابات جيوسياسية، وكثيرا ما استجابت السعودية لمطالب أمريكية بهذا الصدد باعتبار أن هذا أحد أوجه الشراكة الواسعة بين الجانبين، ومن ثم؛ فإن تفسير التحرك السعودي باعتباره إهانة متعمدة للإدارة الأمريكية قبيل انتخابات حرجة، لا يتسم بقدر كبير من المبالغة.

إقرأ أيضاً:

تقرير حالة دولة المملكة العربية السعودية 2022

توتر العلاقات السعودية الأمريكية.. مناورات قد تعيد تأكيد الشراكة

تسعير النفط السعودي باليوان الصيني.. مناورة أم تحول استراتيجي؟

صواريخ الصين الباليستية..خيارات السعودية الصعبة بين واشنطن وبكين

حسابات جيوسياسية: مسار السعودية المحفوف بالمخاطر

  • أعادت حرب أوكرانيا موقع المملكة العربية السعودية المحوري في سوق الطاقة العالمي، ومن ثم استعادت الرياض الكثير من زخمها الجيوسياسي خاصة وأنها تؤثر بصورة حاسمة في موقف منظمة أوبك من خلال قدرتها على التأثير في مواقف الإمارات والكويت، فضلا عن تنامي التنسيق مع روسيا ضمن تكتل أوبك+، ونظرا لأن الحرب وتداعياتها من المرجح أن تستمر في المستقبل المنظور، فإن السعودية ستكون محل اهتمام القوى الدولية الرئيسية، وقد ظهر هذا واضحا في زيارة ولي العهد السعودي إلى باريس في يوليو/تموز، وزيارة كل من الرئيس الأمريكي والمستشار الألماني للرياض، وهي تحركات توضح كيف أدى الوضع الجيوسياسي الناتج عن غزو روسيا لأوكرانيا إلى تدعيم إعادة تأهيل ولي العهد السعودي دوليا.
  • ومع هذا فإن هذه الفرصة تضع المملكة على مسار خارجي محفوف بالمخاطر؛ حيث تسعى إلى إعادة رسم حدود علاقتها بالولايات المتحدة، وبناء رأس مال سياسي مع الغرب وروسيا والصين في نفس الوقت، وهي معادلة ليس من المرجح أن تمضي دون انتكاسات في ظل احتدام الصراع بين الغرب من ناحية وكل من روسيا والصين من ناحية أخرى، يظهر هذا بصورة واضحة في المشهد الراهن؛ فبينما لا تخطط السعودية لدعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا، فإن قرار أوبك+ تم تفسيره أمريكيا وأوروبيا على حد سواء كدعم لموسكو، وهو ما يضع السعودية في مواجهة ضغوط لا تقتصر على إدارة “بايدن” ولكن أيضا دول أوروبية.
  • لكن هذه الضغوط ليس من المتوقع أن تحد من اتجاه السعودية لتوسيع بدائل سياستها الدولية، حيث يعكس قرار أوبك+ عمق أزمة العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، والتي نتجت عن تراكم عدم الثقة بينهما، فمن جانب السعودية كانت هناك شكوك متراكمة تجاه التزام واشنطن بأمن الرياض، تفاقمت مع قدوم إدارة “بايدن” والتي تبنت خطابا حادا تجاه ولي العهد السعودي، وأوقفت دعمها لحرب اليمن ورفعت الحوثيين من قائمة الإرهاب بينما يواصلون قصف الأراضي السعودية، فضلا عن تمسكها بعقد اتفاق مع إيران، أما من جانب إدارة “بايدن”؛ فقد أصبح التزام السعودية بأجندة الولايات المتحدة تجاه عزل روسيا دوليا، وعدم الانفتاح على الصين في المجالات الاستراتيجية خاصة التسليح والتقنيات المتقدمة، محل شك واضح، خاصة عقب قرار أوبك+.
  • لذلك وبصورة أشمل من العوامل الشخصية، فإن التجاهل السعودي لرغبة واشنطن حيال سياسة إنتاج النفط يرجع إلى قناعة الرياض بأن واشنطن لم تعد تقدم التزاما حقيقيا تجاه أمن السعودية بصورة خاصة وأمن منطقة الخليج بصورة عامة إزاء التهديدات الإيرانية، وترى السعودية أن هذا الالتزام لن يتحقق دون التوصل لاتفاقات أمنية ثنائية مع الولايات المتحدة على غرار الاتفاقيات المبرمة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”، حيث من الواضح أن السعودية مقتنعة بعدم كفاية الترتيبات الإقليمية التي تتوسط فيها الولايات المتحدة بين “إسرائيل” والدول العربية لمواجهة إيران؛ على اعتبار أن الولايات المتحدة قادرة على فعل المزيد وأن وجودها العسكري يمثل الردع الكافي لمنع إيران من توسيع نفوذها الجيوسياسي في المنطقة.
  • الشكوك السعودية حيال التزام الولايات المتحدة بأمن المملكة لا تعني أن الرياض قررت إنهاء الاعتماد على واشنطن، أو أنها بصدد التحالف مع أعدائها بصورة سافرة، هذا التحول قد يستغرق عقدًا كاملاً لتحقيقه، ستكون السعودية خلاله في وضع ضعيف أمنيا وعسكريا، ولا توجد مؤشرات على استعداد المملكة لإجراء مثل هذا التحول.

وتشير خطوات المملكة الأخيرة لمحاولة احتواء الغضب الأمريكي؛ حيث صوتت ضد روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة وأعلنت عن دعم مالي واسع لأوكرانيا، وهي خطوات وصفتها واشنطن بأنها “غير كافية” لكن “جديرة بالملاحظة”، ويبدو أن القرار القادم لأوبك+ في ديسمبر كانون أول سيكون هو المؤشر “الكافي” الذي تنتظره واشنطن.

خاتمة: إعادة تقييم العلاقات السعودية الأمريكية

  • من المرجح أن تميل عملية إعادة تقييم العلاقات مع السعودية التي تقوم بها الإدارة الأمريكية إلى التشدد في ربط المصالح الأمريكية الدولية بمستوى الدعم الأمني والعسكري الذي تطالب به السعودية؛ لكن واشنطن ستكون حذرة إزاء تأثير أي تغير مقترح في مستوى العلاقة مع الرياض لأن هذا التغيير من المحتمل أن يمس علاقات واشنطن بالعديد من أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة، والذين تتقاطع مصالحهم مع السعودية كما تتقاطع مع الولايات المتحدة، وكما حدث في مسألة قرار أوبك+ ليس من المستبعد أن يتضامن بعضهم مع الموقف السعودي.
  • وعلى سبيل المثال؛ سيكون لجوء الولايات المتحدة إلى وقف المبيعات العسكرية إلى السعودية محدودا وانتقائيا، كي لا يأتي بنتائج عكسية ويؤدي إلى مزيد من الإحباط الإقليمي ودعم السردية التي تقول إن الولايات المتحدة ليست شريكًا موثوقا، وفي حين أن انعكاسات حرب أوكرانيا أثبتت أن روسيا لا تستطيع أن تحل محل الولايات المتحدة كضامن أمني للخليج، فإن هذا لا ينطبق على الصين التي من الممكن أن تملأ أي فراغ تتخلف عنه الولايات المتحدة.
  • في ظل هذه القيود، ليس من الواضح بعد ما هي الإجراءات طويلة الأجل التي سيتفق عليها البيت الأبيض مع الكونغرس، بغض النظر عن الأغلبية الحزبية القادمة، من أجل مواجهة قدرة أوبك+ على التحكم في سوق النفط العالمي، فمثلا، مازال الغموض يكتنف تمرير تشريع “نوبك” (NOPEC)، خاصة بعد أن واجه هذا المقترح على مدار أعوام عديدة بعوائق كبيرة.

المرجح هو أن مشهد انحياز السعودية لما تعتبره واشنطن مصالح روسيا، وقدرتها على ممارسة ضغوط على باقي أعضاء أوبك، يرسل رسالة إنذار لكلا الحزبين أن الولايات المتحدة عليها اتخاذ تدابير تضمن مواجهة هذا التهديد المحتمل في المستقبل.

  • ومن جانب المملكة؛ ستسعى الرياض لتهدئة غضب الولايات المتحدة لأن أولويتها مازالت تجديد الشراكة مع واشنطن وليس إنهائها، ودون أن تتراجع عن موقفها الرئيسي بخصوص المطالبة بتجديد الالتزام الأمريكي تجاه أمن السعودية، وفي نفس الوقت، ستواصل السعودية سياسة تنويع التحالفات الدولية بما فيها العلاقات مع الصين وروسيا؛ حيث وقعت اتفاقيات تعاون عسكري مع الدولتين، وتتمسك الرياض بتعزيز العلاقات الثنائية مع الصين، التي تمثل الشريك التجاري الرئيس للمملكة ومصدر مهم لزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تضاعفت تدفقات الاستثمار الوافدة من الصين من 1.3 مليار دولار أمريكي في عام 2016 إلى 2.5 مليار دولار أمريكي في عام 2021، وتشير التوقعات إلى أن المملكة ستعمل على جذب الاستثمارات الصينية نحو مدينتها الصناعية وموانئها التجارية.

[1]*  تشمل الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) حاليًا: الجزائر، وأنغولا، وغينيا الاستوائية، والجابون، وإيران، والعراق، والكويت، وليبيا، ونيجيريا، وجمهورية الكونغو، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وفنزويلا. في حين تنضم إليها 10 دول أخرى لتشكل معا تحالف (أوبك+)، هي: روسيا، أذربيجان، البحرين، بروناي، كازاخستان، ماليزيا، المكسيك، عمان، السودان، جنوب السودان.

إقرأ أيضاً:

الاقتصاد المصري 2022 .. تدهور يقودها نحو مزيد من تآكل نفوذها الإقليمي

تحالف الإمارات وأمريكا أعمق من إدانة غزو روسيا لأوكرانيا

القمة الخليجية الـ 42 بين المصالح السعودية والتحديات الإقليمية