تقرير حالة دولة المملكة العربية السعودية 2022
تقرير حالة دولة - أكتوبر 2022
تحميل الإصدار
تقرير حالة المملكة العربية السعودية

استشراف حالة الدولة

  • من المستبعد حصول تطورات تقود إلى زعزعة نظام الحكم في المملكة العربية السعودية في المدى المنظور، دون إغفال حقيقة الصعوبات التي ستواجه الجيل الثالث من “آل سعود” في تجربته القادمة، وفعلى الرغم من أن الأمير “محمد بن سلمان” لم يتوج ملكا بصورة كاملة، لكن الترتيبات الاستثنائية التي أصبح بموجبها رئيسا للوزراء عززت من حقيقة أنه من يدير السياسة في المملكة، ولا يبدو أن هذا الموقع سيتعرض لتحد ملموس عندما تحين لحظة انتقال الحكم.
  • أعادت حرب أوكرانيا للسعودية الكثير من زخمها الجيوسياسي، وستكون محل اهتمام القوى الدولية خلال السنوات القليلة القادمة، وستواصل المملكة مساعيها إلى تنويع تحالفاتها الدولية، مما سيضعها على مسار خارجي محفوف بالمخاطر؛ حيث تسعى المملكة إلى بناء رأس مال سياسي مع الغرب، وروسيا، والصين، لكن هذه المعادلة ليس من المرجح أن تمضي دون انتكاسات في ظل احتدام الصراع بين الغرب من ناحية، وكل من روسيا والصين من ناحية أخرى.
  • تمر الشراكة السعودية الأمريكية بمرحلة إعادة تقييم من الجانبين، فمن جانب السعودية، ثمة شكوك عميقة تجاه التزام واشنطن بأمن الرياض، خصوصا مع قدوم إدارة “بايدن”، ومن ثم تسعى لعقد اتفاقيات أمنية ثنائية مع الولايات المتحدة على غرار الاتفاقيات المبرمة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”؛ أما من جانب إدارة “بايدن”، فقد أصبح التزام السعودية بأجندة الولايات المتحدة تجاه عزل روسيا دوليا، وعدم الانفتاح على الصين في المجالات الاستراتيجية خاصة التسليح والتقنيات المتقدمة، محل شك واضح.
  • إقليميا، ستواصل المملكة سياسة نشطة تقوم على استراتيجية أكثر تصالحية، ومن المرجح أن تتمسك بتعزيز مجلس التعاون الخليجي، وأن تحافظ على التنسيق الواسع مع الإمارات ومصر رغم التباينات في بعض الملفات، كما من المتوقع أن تواصل العلاقات السعودية التركية تطورها رغم التحديات، بينما من المرجح أن تكون خطوات بناء التفاهمات مع إيران بطيئة ومحدودة، في حين ستحافظ العلاقات الأمنية والتجارية مع “إسرائيل” على تصاعدها.
  • ستكون المملكة من بين أسرع الاقتصادات نموًا في العالم عام 2022، ومن المتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 7.6٪ هذا العام، وهو الأسرع منذ 2011، كما ستعزز عوائد النفط الاستثمار في قطاع البناء والصناعة، وستدفع لمضاعفة الفائض في الحساب الجاري، لكنّ الأدوات الرئيسية لتمويل المشاريع الكبرى مازالت هي الحكومة، وهو ما يعكس استمرار ضعف الاستثمارات والقطاع الخاص، ومن ثم؛ فإن من المرجح تقلص خطط الإنفاق الحكومي على المشروعات الكبيرة مثل “نيوم” بمجرد تراجع أسعار النفط مجددا.
  • تحافظ المملكة على عدة عوامل لاستقرارها على الصعيد المجتمعي، تتمثل في الدعم المستمر الذي تقدمه المؤسسة الدينية لعائلة آل سعود، والطبيعة القبلية المحافظة للمجتمع السعودي، وثقافة احترام النظام الملكي، وتدفق عوائد النفط، والقمع المحلي المستمر لمعارضي السلطات، كما تبرز تأثيرات رؤية 2030 على الواقع الاجتماعي، من خلال دورها في إحداث تحول في المجتمع السعودي قد يخلق توترات بين القوى الأكثر ليبرالية والمحافظة في البلاد.
  • الإجراءات الحكومية التي تشمل خفض الدعم الحكومي، وزيادة الضرائب، تعني تفكيكا تدريجيا لدولة الرفاه السائدة في البلاد، حيث سينخفض ​​دخل الأسرة وسترتفع التكاليف، ومن المستبعد أن ينمو القطاع الخاص بالسرعة الكافية لخلق عددٍ كافٍ من الوظائف للشباب السعودي، وقد تؤدي هذه التراكمات إلى تعرض النظام الملكي والحكومة لمزيد من الضغوط الشعبية، لكن في المقابل؛ لن تتردد الحكومة في تخفيف بعض الإصلاحات أو تأخيرها، أو حتى إزالتها تمامًا، إذا تسببت في الكثير من ردود الفعل الشعبية.

البيئة السياسية

  • من المستبعد حصول تطورات تقود لزعزعة نظام الحكم في المملكة العربية السعودية على المدى المنظور، دون إغفال حقيقة الصعوبات التي ستواجه الجيل الثالث من “آل سعود” في تجربته القادمة. وأزالت قرارات العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز” الأخيرة الكثير من حالة عدم اليقين التي خيمت على مسألة انتقال الحكم في ظل الظروف الصحية التي يعاني منها. صحيح أن ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” لم يتوج ملكا بصورة كاملة، ولكن الترتيبات الاستثنائية التي أصبح بموجبها رئيسا للوزراء كامل الصلاحيات عززت من حقيقة أنه من يدير السياسة في المملكة، ولا يبدو أن هذا الموقع سيتعرض لتحد ملموس داخل العائلة المالكة عندما تحين لحظة انتقال الحكم بصورة كاملة.
  • ومع أن بعض الجهات الغربية، مثل “وحدة معلومات إيكونيميست”، ترى بأن ولي العهد يمكن أن يحتفظ بالسلطة لعقود قادمة، مما يوفر له فرصة إعادة تشكيل وجهة وهوية المملكة، إلا أن الصراع الداخلي والتنافس بين المعسكرات داخل الأسرة المالكة على النفوذ والسيطرة لا يمكن استبعاده بصورة كاملة، خاصة وأن قرارات العاهل السعودي كرّست هيمنة أبنائه على مفاتيح الحكم الأمنية والاقتصادية، وهو ما قد يراكم الشعور بالتهميش لدى بعض البيوت المهمة في العائلة المالكة.
  • في هذا الإطار يمكن الإشارة إلى عمليات الاعتقال الواسعة التي قام بها ولي العهد في مطلع عام 2020، والتي طالت شخصية محورية مثل ولي العهد السابق الأمير “محمد بن نايف”، والتي تشير في حقيقتها لحجم التخوف الذي ساور “بن سلمان” من إمكانية تعرضه لعملية إقصاء من داخل العائلة، كما أن حملات الاعتقال طالت أيضاً أفراد الأسرة الحاكمة الأصغر سنًا، الذين يُفترض أن “محمد بن سلمان” قد تصالح معهم، مما يشير إلى أن أفراد الأسرة أيضاً الذين كانوا على استعداد للعمل مع “بن سلمان” غير موثوق بهم، وليس من المستبعد أن يتآمر بعضهم ضده.
  • من جهة أخرى، تواجه المملكة تحديات يفرضها الواقع بالنظر لحتمية تقليل الاعتماد على النفط مستقبلاً، والحاجة لتلبية المطالب الاقتصادية المتزايدة للمجتمع السعودي، الذي يمثل فيه الشباب تحت 35 سنة نحو 70٪ من إجمالي عدد المواطنين، ولمعالجة ذلك يراهن ولي العهد على رؤية “السعودية 2030″، وهي برنامج للتنمية الاقتصادية والتحديث وتنويع مصادر الاقتصاد مع تعميق طابع أكثر ليبرالية في المجتمع الذي طالما هيمنت عليه تقاليد متدينة ومحافظة، ومن المتوقع أن تقود إجراءات هذه الرؤية للتقليل من دور الركائز الأساسية المتعارف عليها لنموذج الحكم السعودي، خاصة من ناحية نفوذ الأمراء والمؤسسة الدينية.
  • في حال لم تُحقق الرؤية التي يقدمها ولي العهد النتائج المرجوة، سيؤثر ذلك بصورة مباشرة على الدعم الذي قد يتوفر له حاليا لدى قطاعات من الشارع والنخب السعودية؛ في ظل أنه بات يمثل مركز صنع السياسة في البلاد دون شركاء آخرين، أي أنه سيتحمل المسؤولية كاملة.
  • وستقود أي إخفاقات اقتصادية أو سياسية إلى تعزيز المعارضة داخل الأسرة المالكة ضد الأمير “محمد بن سلمان”؛ فبعد أن تجاوز ولي العهد النهج التقليدي القائم على الإجماع في الحكم، وابتعاده عن تسوية الخلافات ضمن الأسرة الحاكمة، سيواجه خطر تحالف أطراف من العائلة المالكة والمؤسسة الدينية ضده في حال فشل في إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي وتوفير مستوى مقبول من فرص العمل.

السياسية الخارجية

  • أعادت حرب أوكرانيا موقع المملكة العربية السعودية المحوري في سوق الطاقة العالمي، ومن ثم استعادت الرياض الكثير من زخمها الجيوسياسي خاصة وأنها تؤثر بصورة حاسمة في موقف منظمة أوبك من خلال قدرتها على التأثير في مواقف الإمارات والكويت، فضلا عن تنامي التنسيق مع روسيا ضمن تكتل أوبك+. ونظرا لأن الحرب وتداعياتها من المرجح أن تستمر في المستقبل المنظور، فإن السعودية ستكون محل اهتمام القوى الدولية الرئيسية، وقد ظهر هذا واضحا في زيارة ولي العهد السعودي إلى باريس في يوليو/تموز، وزيارة كل من الرئيس الأمريكي والمستشار الألماني للرياض، وهي تحركات توضح كيف أدى الوضع الجيوسياسي الناتج عن غزو روسيا لأوكرانيا إلى تدعيم إعادة تأهيل ولي العهد السعودي دوليا.
  • ومع هذا، فإن هذه الفرصة تضع المملكة على مسار خارجي محفوف بالمخاطر؛ حيث ستعمل على تحسين العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت حماية العلاقة مع روسيا لضمان استمرار فاعلية أوبك+. تسعى المملكة إلى بناء رأس مال سياسي مع الغرب وروسيا، والصين، وهي معادلة ليس من المرجح أن تمضي دون انتكاسات في ظل احتدام الصراع بين الغرب من ناحية وكل من روسيا والصين من ناحية أخرى.

التحالف مع الولايات المتحدة يمر بمرحلة “إعادة تقييم”

  • أسهمت أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب في أوكرانياً في تخفيف حدة توتر العلاقات السعودية الأمريكية؛ حيث تسارعت وتيرة مبيعات الأسلحة الأمريكية منذ فبراير/شباط 2022، خاصة عقب زيارة “بايدن” للمملكة والتي اجتمع خلالها مباشرة مع ولي العهد السعودي منهيا مقاطعة التواصل المباشر معه، بالإضافة إلى ذلك؛ وافق عملاقا الدفاع الأمريكيان لوكهيد ورايثيون على مساعدة الحكومة السعودية في جهودها الرامية إلى توطين قطاعها الدفاعي، وقبل ذلك تم تجاوز الخلاف الأمريكي السعودي حول الحرب في اليمن بوقف مؤقت لإطلاق النار، وإعادة الولايات المتحدة التأكيد على التزامها بأمن السعودية.
  • لكن؛ وبعد أن لاح تحسن جزئي على صعيد العلاقات السعودية الأمريكية، عvقب زيارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى المملكة في منتصف يوليو/تموز الماضي، انفجر الخلاف بين الجانبين مجددا على خلفية سياسة إنتاج النفط وقرار أوبك+، والذي عكس عمق أزمة العلاقة بين الجانبين، والتي نتجت عن تراكم عدم الثقة بينهما. فمن جانب السعودية كانت هناك شكوك تجاه التزام واشنطن بأمن الرياض، خصوصا مع قدوم إدارة “بايدن” والتي تبنت خطابا حادا تجاه ولي العهد السعودي وحرب اليمن وتمسكت بعقد اتفاق مع إيران. أما من جانب إدارة “بايدن”، فقد أصبح التزام السعودية بأجندة الولايات المتحدة تجاه عزل روسيا دوليا، وعدم الانفتاح على الصين في المجالات الاستراتيجية خاصة التسليح والتقنيات المتقدمة، محل شك واضح، خاصة عقب قرار أوبك+.
  • ليس من المستبعد أن يستهدف الموقف السعودي معاقبة إدارة “بايدن” قبيل انتخابات التجديد النصفي، لكن بصورة أشمل يبدو أن التجاهل السعودي لرغبة واشنطن حيال سياسة إنتاج النفط يرجع إلى قناعة الرياض بأن واشنطن لم تعد تقدم التزاما حقيقيا تجاه أمن منطقة الخليج إزاء التهديدات الإيرانية، وترى السعودية أن هذا لن يتحقق دون التوصل لاتفاقات أمنية رسمية ثنائية مع الولايات المتحدة على غرار الاتفاقات المبرمة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”، ثمة قناعة سعودية بعدم كفاية التحالف الأمني ​​غير الرسمي الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين “إسرائيل” والدول العربية لمواجهة إيران؛ على اعتبار أن الولايات المتحدة قادرة على فعل المزيد وأن وجودها العسكري يمثل الحصن القادر على منع إيران من توسيع نفوذها الجيوسياسي في المنطقة.

اختبار بدائل التحالف الدولية

  • لذلك، ستواصل السعودية، على الأرجح، تنويع تحالفاتها الدولية، وهو توجه يمكن ملاحظته منذ تقليص الولايات المتحدة لالتزاماتها الإقليمية في عهد الرئيس الأمريكي “باراك أوباما”، والتراجع الملحوظ للمظلة الأمنية الأمريكية، والذي سلط الضوء عليه الفشل في الرد على هجوم واسع استهدف منشآت النفط السعودية عام 2019، في عهد “دونالد ترامب” رغم صداقته الدافئة مع الرياض، وفي عهد “بايدن” اتسع الخلاف نتيجة سياسته الأكثر تشدداً حيال المملكة، خاصة إصراره على التعامل مع رئيس الدولة الرسمي، الملك “سلمان بن عبد العزيز”، بدلاً من ولي العهد، “محمد بن سلمان”، الذي يعتبر الحاكم الفعلي للبلاد.
  • في المقابل، قامت المملكة بتعميق علاقاتها مع خصمي الولايات المتحدة، الصين وروسيا؛ حيث وقعت اتفاقيات تعاون عسكري مع الدولتين، كما وافقت السعودية من حيث المبدأ على التآزر بين استراتيجية رؤية السعودية 2030 ومبادرة الحزام والطريق الصينية، في خطوة تؤكد تمسك الرياض بتعزيز العلاقات الثنائية مع الصين، التي تمثل الشريك التجاري الرئيس للمملكة ومصدر مهم لزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث تضاعفت تدفقات الاستثمار الوافدة من الصين من 1.3 مليار دولار أمريكي في عام 2016 إلى 2.5 مليار دولار أمريكي في عام 2021، وتشير التوقعات إلى أن المملكة ستعمل على جذب الاستثمارات الصينية نحو مدينتها الصناعية وموانئها التجارية.
  • يتماشى ذلك مع استراتيجية الاستثمار الوطنية، التي تم إطلاقها في نوفمبر/تشرين ثاني 2021، والتي تهدف إلى زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر من 0.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 إلى 5.7٪ بحلول عام 2030، علاوة على ذلك؛ فإن التدفقات الثابتة للاستثمار الأجنبي المباشر من الصين النابعة من “مبادرة الحزام والطريق” سوف تعمل على تعزيز قطاع الخدمات اللوجستية في المملكة، والذي يعتبر أولوية استراتيجية في إطار رؤية 2030.

مواصلة سياسة التهدئة الإقليمية

  • يتعزز النفوذ الإقليمي للمملكة العربية السعودية من خلال عائدات النفط شبه القياسية، وستواصل الرياض اتباع سياسة خارجية أكثر تصالحية، مدفوعة بالمخاوف الأمنية الناشئة عن الانكماش العسكري الإقليمي للولايات المتحدة والحاجة إلى تحقيق توازن مع إيران، والتركيز على التنمية الاقتصادية المحلية، ومن المرجح أن تتمسك المملكة بتعزيز مجلس التعاون الخليجي، وأن تحافظ على التنسيق الواسع مع كل من الإمارات ومصر رغم التباينات في بعض الملفات، ومن المتوقع أن تواصل العلاقات السعودية التركية تطورها رغم التحديات، بينما من المرجح أن تكون خطوات بناء التفاهمات مع إيران بطيئة ومحدودة.
  • نشط ولي العهد دبلوماسيا إقليميا خلال الفترة الماضية، حيث سافر إلى اليونان ومصر وتركيا والأردن، وأكدت المناقشات مع رئيس الوزراء اليوناني، “كيرياكوس ميتسوتاكيس”، على التحالف المشترك مع السعودية الذي يركز على التعاون الدفاعي والذي تم تطويره على مدار العامين الماضيين، بناءً على رغبة مشتركة في مواجهة تطلعات تركيا على الصعيد العسكري والإقليمي، وجاءت الزيارة لتطمئن اليونان بأن التقارب التركي السعودي لن يأتي على حساب العلاقة معهم، وهي رسالة أيضا إلى الرئيس التركي “أردوغان”.
  • كذلك، فإن العلاقات الأمنية والتجارية بين “إسرائيل” والمملكة تشهد تصاعداً، نظرًا للمصالح الإقليمية المشتركة، والتي تتمحور حول المصالح التجارية والمخاوف الأمنية خاصة احتواء إيران، ويُعتقد أن ولي العهد السعودي يدعم بقوة التقارب مع “إسرائيل”، وهو ما ظهر في اتفاقية تسلم السيادة على جزيرتي “تيران وصنافير” وفتح المجال السعودي للطيران الإسرائيلي، ما جعل السعودية “عضو أمر واقع” في اتفاقيات أبراهام، وبحسب ما ورد، فإن السعودية تمنح تأشيرات خاصة لرجال الأعمال الإسرائيليين، ويبدو أن توقيع العقود والصفقات الاستثمارية بين الطرفين يتم عبر شركات في دول ثالثة.

إقرأ أيضاً:

توتر العلاقات السعودية الأمريكية.. مناورات قد تعيد تأكيد الشراكة

تسعير النفط السعودي باليوان الصيني.. مناورة أم تحول استراتيجي؟

صواريخ الصين الباليستية..خيارات السعودية الصعبة بين واشنطن وبكين

الحالة الاقتصادية

  • ستكون المملكة من بين أسرع الاقتصادات الرئيسية نموًا في العالم في عام 2022، متفوقةً في أدائها على الدول الآسيوية مثل الصين والهند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية، فضلاً عن مجموعة الدول الصناعية السبع المتعثرة وغيرها من الاقتصادات الناشئة الرئيسية، حيث تعافت المملكة بسرعة من الركود الناجم عن الوباء في عام 2020 وتحصد حالياً ثمار ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، وزيادة إنتاجها.
  • وتشير توقعات (IHS Markit) إلى أن عام 2022 سيشهد نموا وافرا للاقتصاد السعودي، حيث سيؤدي ارتفاع أسعار النفط والاندفاع الاستثماري المرتبط برؤية 2030 إلى دفع النمو إلى نحو 7.0٪، في حين أن مؤسسة “فيتش” تتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 7.6٪ في عام 2022، وهو أسرع معدل نمو في المملكة منذ عام 2011.
  • من وجهة نظر مالية؛ ستحقق المملكة فوائض كبيرة في الميزانية في عام 2022 بفضل ارتفاع أسعار النفط وزيادة حجم الإنتاج الخام، وتتوقع “وحدة معلومات إيكونيميست” أن يسجل الفائض في الحساب الجاري بنسبة 15.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 – أي أكثر من ثلاثة أضعاف الفائض المسجل في عام 2021، وسيعزز هذا من الاستثمار في قطاع البناء والصناعة، وتحسن السيولة في الكيانات ذات الصلة بالحكومة، مثل صندوق الاستثمارات العامة، وصندوق التنمية الوطنية، وصندوق التنمية السياحية، من خلال تغذية نشاط استثماري أقوى.
  • وعلى الرغم من أن السوق سيستفيد من النظرة الجيوسياسية المحسنة في المنطقة، على خلفية تحسين العلاقات السعودية مع جيرانها، لكن تقلبات الحرب في اليمن، وتوتر العلاقات مع الولايات المتحدة، ومجمل التوترات الدولية قد تحد نسبيا من هذه الآفاق الإيجابية.
  • في المقابل؛ سيظل رصيد الخدمات يعاني من عجز كبير، على الرغم من أن الدخل من الخدمات سيرتفع مدعومًا بتزايد عائدات السياحة، إلا أنه سيتم تعويضه من خلال زيادة المدفوعات للمقاولين الأجانب حيث تمضي الحكومة قدمًا في خطط التنمية الاقتصادية الطموحة، وسيحصل الإنفاق الاستثماري الثابت على دفعة جديدة؛ حيث أعلنت الحكومة العديد من المشاريع الاستثمارية للمضي قدمًا بقوة في أجندة رؤية 2030، تم تأكيد هذا السيناريو في الربع الأول من عام 2022 حيث نما الاستثمار الثابت بنسبة 18.6٪ على أساس سنوي.
  • لكنّ الأدوات الرئيسية لتمويل المشاريع مازالت هي الحكومة نفسها، ممثلة في صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الصناعية السعودي، حيث يلعب “صندوق الاستثمارات العامة” دور المطور الرئيسي، ويجتذب المزيد من التمويل من القطاع الخاص من خلال برنامج شريك، وقد كشف “محمد بن سلمان”، في 26 يوليو/تموز، أن الغالبية العظمى من تمويل المرحلة الأولى من تطوير مدينة نيوم التي تبلغ تكلفتها 1.2 تريليون ريال سعودي (319 مليار دولار أمريكي) سيأتي من الدولة، وهو ما يعكس استمرار ضعف الاستثمارات والقطاع الخاص. ومن ثم، فإن التوقعات ترجح تقلص الخطط المرتبطة بهذا المشروع بشكل كبير بمجرد أن تنخفض أسعار النفط مجددا.
  • على الجانب الآخر؛ ستؤدي أسعار المواد الغذائية العالمية إلى ارتفاع تضخم أسعار المستهلكين خلال عام 2022، لكن سيظل التضخم هادئًا نسبيًا في السعودية، حيث لا تزال المملكة تعاني من معدل منخفض نسبيًا لتضخم الأسعار، لا سيما أسعار المواد الغذائية والسلع والطاقة.
  • من المهم الالتفات إلى المخاطر التي تحيط بالاقتصاد السعودي، بالإشارة إلى أن ارتفاع أسعار النفط يمكن أن يدفع النظام السعودي إلى تسريع خطوات التحول الاجتماعي والاقتصادي بوتيرة قد تعتبر سريعة بشكل مفرط من قبل الأطراف الأكثر تحفظًا في المجتمع السعودي، وهو ما قد يؤدي إلى “ردات” فعل تقود لانتكاسة على الصعيد الاقتصادي الكلي، كما أن احتمالية فشل الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية أو ذهابها لخطوات انفعالية وغير مدروسة في السياسة الخارجية قد يؤدي إلى تدهور معنويات المستثمرين.
  • كذلك يوجد خطر قد يؤثر على الاقتصاد السعودي يتمثل في إمكانية تباطؤ النشاط الاقتصادي في الصين بسبب سياسة “صفر كوفيد” والتي يمكن أن تعيق الطلب مؤقتًا في سوق التصدير الرئيسي للمملكة، إضافة لخطر حدوث ركود على صعيد الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يؤثر على الصادرات السعودية، وإن كان التقدير الأساسي يذهب باتجاه استمرار صادرات النفط المربحة.

الوضع الاجتماعي

  • تحافظ المملكة على عدة عوامل استقرار على الصعيد المجتمعي، تتمثل في الدعم المستمر الذي تقدمه المؤسسة الدينية لعائلة آل سعود، والطبيعة القبلية المحافظة للمجتمع السعودي، وثقافة احترام النظام الملكي، وتدفق عوائد النفط، والقمع المحلي المستمر لمعارضي السلطات.
  • تترافق الخطوات الاقتصادية للحكومة السعودية مع تحولاتٍ اجتماعية لا تخطئها العين، إذ إن خُلاصة الإجراءات الحكومية التي تشمل خفض الدعم الحكومي، وزيادة قيمة الضرائب، تعني تفكيكا تدريجيا لدولة الرفاه التقليدية السائدة في البلاد، من ناحية فقدان المواطنين للمزايا التي لطالما اعُتبرت حقوقاً ثابتة، حيث سينخفض ​​دخل الأسرة بينما وسترتفع التكاليف، أي إنه من المتوقع أن تصبح البيئة الاقتصادية أكثر صعوبة على الأسر السعودية خلال العقد المقبل، مقارنة بالمعايير التاريخية.
  • وفي الوقت نفسه؛ من المستبعد أن ينمو القطاع الخاص بالسرعة الكافية لخلق عددٍ كافٍ من الوظائف للشباب السعودي الذين يصلون إلى سوق العمل، على الأقل ليس خلال السنوات العديدة القادمة، حيث يدخل أكثر من 300 ألف باحث عن عمل جديد إلى السوق كل عام، وفقًا لصندوق النقد الدولي، وقد تؤدي هذه التراكمات إلى قدر من الاستياء العام، مما يؤدي إلى تعرض النظام الملكي والحكومة لمزيد من الضغوط الشعبية.
  • لن تتردد الحكومة السعودية في تخفيف بعض الإصلاحات أو تأخيرها، أو حتى إزالتها تمامًا، إذا تسببت في الكثير من ردود الفعل الشعبية، لكن الاتجاه العام يذهب نحو تصاعد منسوب الاستياء الشعبي خلال السنوات القادمة، لكن حدوث تطورات راديكالية في أوساط المجتمع السعودي سيكون مرتبطاً بالضرورة بتحولات وصدمات واسعة على الصعيد السياسي العام، مثل عودة أسعار النفط للهبوط بصورة حادة، مما يجبر الرياض على تقليص الإنفاق الاجتماعي أكثر.
  • تبرز تأثيرات رؤية 2030 على الواقع الاجتماعي، من خلال دورها في إحداث تحول تدريجي في المجتمع السعودي، مما يخلق توترات بين القوى الأكثر ليبرالية والمحافظة في البلاد خلال العقد المقبل، وستفتح الحكومة السعودية الباب أمام مزيدٍ من الاستثمار الأجنبي، وزيادة أنشطة “الترفيه” في المملكة، فضلاً عن تطوير السياحة غير الدينية، ومن المحتمل أيضاً أن يكون هناك دور أكبر للمرأة في الحياة العامة، كما يجرى الحديث عن إنشاء نظام قضائي مستقل في مدينة نيوم، خارج الإطار القضائي الحالي، وهو الأمر الذي سيضع المؤسسة الدينية السعودية في اختبار جديد.
  • جرى الحديث في عام 2018 عن أن محمد بن سلمان عمد إلى تقليل النفوذ والمزايا المالية الممنوحة للقبائل السعودية الرئيسة قبل أن يتدخل والده الملك سلمان شخصيًا للحفاظ على الدعم المالي لزعماء القبائل، وتشير التوقعات إلى أن المجموعات القبلية المستاءة من عمليات البناء في منطقة نيوم ربما لا تمثل تهديدا على استكمال المشروع، خاصة وأن التعامل الأمني أظهر عدم نية ولي العهد لتقديم تنازلات للقبائل.
  • وتشير مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي أن الجيل القادم من السعوديين أقل تقبلاً لفكرة الاعتماد على “الصدقات” أو شبكات المحسوبية القبلية التقليدية، وبدلاً من ذلك أصبح لديه توقعات توظيف أوضح، ويحتاج أيضًا إلى تحسينات ملحوظة في توافر الإسكان، وشفافية الحكومة، ومواجهة الفساد الملحوظ الذي يؤثر على إنفاق الدولة.
  • في العقود الماضية؛ كان انتقاد الحكومة وأسرة آل سعود أو تحدي التقاليد الاجتماعية من المحرمات، ومع ذلك فإن النقاشات في “الديوانيات” ووسائل الإعلام التقليدية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي تتحول بانتظام الآن للتطرق للشأن العام، وسوق الوظائف، والسياسة الاقتصادية والإنفاق الحكومي، وجودة الخدمات العامة والفساد وعدم المساواة في الدخل.

البيئة الأمنية

  • لاتزال علاقة المملكة الدفاعية والأمنية مع الولايات المتحدة، هي الأكثر أهمية، بالإضافة لعلاقات الرياض الأمنية المهمة مع فرنسا والمملكة المتحدة، وسعيها مؤخراً لتحسين العلاقة على الصعيد الدفاعي مع الصين وروسيا.
  • كشفت العمليات العسكرية والاستخبارية السعودية في اليمن عن نقاط ضعف نسبية وثغرات على صعيد القدرات العسكرية، لا سيما على صعيد القدرات الجوية والاستهداف الموجه، والتنسيق الجوي-البري، والدعم اللوجستي، كما أظهرت الهجمات بصواريخ كروز والطائرات بدون طيار على البنية التحتية النفطية السعودية في سبتمبر 2019 عن المزيد من نقاط الضعف في القدرات الدفاعية.
  • أدى الصراع المسلح في اليمن إلى زيادة الجدل حول محددات السماح للسعودية باقتناء الأسلحة الغربية المتطورة لا سيما الأسلحة الدقيقة وصواريخ الدفاع الجوي، وهو ما ظهر تحديداً في الصعوبات التي واجهت الرياض مع الولايات المتحدة، وتزداد الحاجة السعودية لاستيراد الأسلحة من الخارج بالنظر لضعف مقدراتها المرتبط بالتصنيع المحلي، وهو ما دفع الرياض للإعلان عن نيتها تخصيص 50٪ من نفقاتها لتطوير بنية التصنيع المحلي كجزء من مبادرة رؤية 2030، وأنشأت في هذا الإطار شركة الصناعات العسكرية السعودية للإشراف على الإنتاج الدفاعي المحلي.
  • على صعيد آخر، شهدت الأعوام الماضية تراجعاً ملحوظاً في قدرات التنظيمات المسلحة داخل المملكة، دون أن ينفي ذلك إمكانية عودة تهديد هذه الجماعات في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي تعيشها المملكة، وتورط المملكة في صراعات مسلحة في الخارج، كما في حالة حرب اليمن.
  • يتواصل خطر هجمات الحوثي على البنية التحتية الاستراتيجية، التي تشمل منشآت الطاقة وتحلية المياه، باستخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية، حيث يمتلك مقاتلو الحوثي في ​​اليمن قدرة متزايدة على استهداف الأصول الجوية، وكذلك السفن البحرية.
  • من المرجح أن يتم استئناف تمرد شيعي منخفض المستوى في المنطقة الشرقية في حالة نشوب صراع مفتوح مع إيران، مع ضرورة الإشارة إلى أن هذه الاضطرابات لن يكون بوسعها وقف إنتاج الطاقة بدون دعم خارجي، وهو أمر يصعب الحصول عليه بشكل متزايد.

إقرأ أيضاً:

القمة الخليجية الـ 42 بين المصالح السعودية والتحديات الإقليمية

زعامة اقتصادية لا تقبل القسمة: التنافس السعودي الإماراتي يعيد ترتيب المشهد خليجيا

حدود الممكن في العلاقات السعودية التركية بعد المصالحة الخليجية