تحالف الإمارات وأمريكا أعمق من إدانة غزو روسيا لأوكرانيا
سياقات - مارس 2022
تحميل الإصدار

الحدث

فشل مجلس الأمن الدولي، في جلسة الجمعة 25 فبراير/ شباط 2022، في تبني مشروع قرار أمريكي يدين الحرب الروسية ضد أوكرانيا، بعد استخدام روسيا حق النقض (الفيتو)، حيث صوتت 11 دولة لصالح مشروع القرار، فيما امتنعت الصين والهند والإمارات عن التصويت، وأكدت الخارجية الإماراتية أن التطورات الخطيرة في أوكرانيا تقوض الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، داعية إلى خفض التصعيد بشكل فوري وإنهاء الأعمال العدائية.
في السياق طلبت جريدة ناشيونال الإنجليزية الإماراتية من محرريها عدم الإشارة إلى العملية العسكرية في أوكرانيا بكونها “غزوا” بحسب رسالة بريد إلكتروني نشرها مراسل صحيفة تيليغراف البريطانية “كامبيل ماكدرميد”.

التحليل: الإمارات بين الحليف الأمريكي والصديق الروسي

  • كان من المفاجئ امتناع الإمارات عن التصويت لصالح مشروع القرار، فبالرغم من تنامي العلاقات الاقتصادية والأمنية خلال السنوات القليلة الماضية بين أبوظبي وموسكو، إلا أنها مازالت محدودة مقارنة بالشراكة الواسعة بين الإمارات والولايات المتحدة في مختلف الجوانب الاقتصادية والعسكرية والأمنية، وعلى الرغم من أن امتناع الامارات عن دعم مشروع القرار لم يستهدف تعطيله، باعتبار أن الفيتو الروسي كان متوقعا، إلا أنها خطوة تكشف عن تعقيدات الحسابات الجيوسياسية التي تواجه قوى الإقليم، نتيجة التوترات التي يولدها تصاعد الصراع الدولي بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى.
  • استفادت الإمارات من عودة روسيا النسبية للمنطقة، حيث اتسمت العلاقة بينهما بالتعاون في ملفات مثل سوريا وليبيا، كما أن ثمة مشروعات مشتركة، بعضها مازال في إطار الدراسة، لبرامج تصنيع عسكري مشترك، ومن خلال آلية “أوبك+”، تمكنت الامارات وروسيا طوال السنوات القليلة الماضية من العمل المشترك لضمان ضبط أسعار النفط، وهو الأمر الذي يخدم كافة الأطراف، ويمثل استمراره مصلحة مشتركة؛ كما أظهرت كل من السعودية والإمارات حرصا على الحفاظ على التنسيق مع روسيا في هذا الصدد، وبصورة عامة، تبدو العلاقات الروسية الاماراتية منتعشة على المستوى الاقتصادي؛ حيث تمثل الإمارات المستثمر العربي الأول في روسيا (80٪ من إجمالي الاستثمارات العربية في روسيا)، والوجهة الأولى عربيا للاستثمارات الروسية (90٪ من إجمالي الاستثمارات الروسية في البلدان العربية)، كما أنها الشريك التجاري الخليجي الأول مع روسيا والثاني عربيا، فقد سجلت العلاقات التجارية بين البلدين مستوى غير مسبوق مؤخرا، وقفز حجم التبادل التجاري بين البلدين من 1.63 مليار دولار في 2017، مقتربا من حاجز 5 مليارات دولار عام 2021.
  • ومع هذا، فإن هذه الأرقام تبدو محدودة مقارنة بالميزان التجاري الأمريكي الإماراتي الذي تجاوز 23 مليار دولار في عام 2021، ليس هذا فحسب؛ بل إن الامارات هي المستثمر العربي الأول في السوق الأمريكية بإجمالي استثمارات بلغ 44.7 مليار دولار حتى عام 2020، والأهم من ذلك؛ أن حجم وطبيعة الشراكة العسكرية والأمنية بين البلدين، لا تدع مجالا للشك في أن الامارات العربية المتحدة لا تتجه قريبا للاستغناء عن تحالفها مع الولايات المتحدة، حيث تمثل الأسلحة الأمريكية حوالي ثلثي مشتريات الجيش الإماراتي طوال السنوات الماضية، وبينما وقعت الإمارات صفقات أسلحة روسية مهمة خلال الفترة من 2009-2013، فإن مكانة روسيا كمزود مهم للسلاح بالنسبة للإمارات، تراجعت نسبيا منذ العام 2014 لمصلحة مشتريات أسلحة فرنسية وتركية وهولندية.
  • لفهم موقف الإمارات في مجلس الأمن، والذي بدا داعما لروسيا على حساب الولايات المتحدة، حليفها الاستراتيجي، سنعيد التذكير بقراءتنا في “أسباب” لسياسة الخارجية الإماراتية الراهنة القائمة على تصفير المشاكل، وهي سياسة يحركها بالأساس الرغبة في احتواء التوترات الخارجية، وخفض مستوى التوترات في المنطقة، لكنّ تغليب الولايات المتحدة للملف الصيني على أولياتها بالمنطقة، أدى من وجهة نظر الإامارات والسعودية إلى التأثير على التزام واشنطن تجاه أمن دول الخليج، خاصة في ظل الهجمات التي تعرضتا لها من قبل إيران ووكلائها بالمنطقة، ومن ثم ترى الإمارات أنه من الخطورة الاعتماد على واشنطن بصورة حصرية ودائمة، وتعمل على إبقاء خياراتها مفتوحة تجاه الاستفادة من خيارات إضافية، خاصة روسيا والصين وإسرائيل، ليست كبديل عن الولايات المتحدة، ولكن على الأقل لملء الفراغات التي تتركها واشنطن خلفها.
  • الموقف الإماراتي أيضا ليس بعيدا عن الخلاف مع واشنطن حول صفقة طائرات إف-35 التي قررت أبوظبي تعليق المفاوضات بخصوصها، للإعراب عن غضبها إزاء الضغوط الأمريكية والاشتراطات المرهقة المرتبطة بالصفقة، خاصة الإصرار الأميركي بتخلي الإمارات عن التعاون مع الصين في شبكات الجيل الخامس، لأسباب تتعلق بأمن التكنولوجيا الأمريكية العسكرية، حيث تشعر الإمارات أن واشنطن لا تقدر مخاوفها الأمنية وحاجتها لتعزيز قدراتها العسكرية في مواجهة التهديدات الخارجية، كذلك، فإنه ليس بعيدا عن سياق رسائل الحنق من مماطلة واشنطن مؤخرا تجاه إعادة تصنيف جماعة الحوثي كجماعة إرهابية، بعد الهجمات التي تعرضت لها أبو ظبي في 17 يناير/كانون الثاني الماضي، إلى جانب رغبة أبوظبي بكسب موسكو في جولات تصويت قادمة بمجلس الأمن لمعاقبة الحوثيين، حيث تأمل الامارات بموقف روسي مغاير للتوقعات، كما أن روسيا قد تكون وسيطا مناسبا للضغط على إيران إذا ما تطلب الأمر ذلك مستقبلا، خاصة وأنها تشترك مع الإمارات في رفض تحول إيران لقوة نووية عسكرية.
  • ثمة بعد آخر يتعلق بالتنافس التقليدي بين الامارات وقطر، فبينما تبدي إدارة “بايدن” تقديرا لافتا للشراكة مع قطر على خلفية الملف الأفغاني، والذي تجلى في تصنيف الإدارة لقطر “كحليف رئيسي من خارج الناتو”، لا تحظى الإمارات بنفس النفوذ مقارنة بإدارة “ترامب”، كما أن مناخ العلاقة مع إدارة “بايدن” ربما لا يعكس من وجهة نظر الإمارات عمق التحالف بين البلدين، ومن ثم فإن هذا الموقف يستهدف حث واشنطن على مزيد من التنسيق مع الامارات.

الخلاصة

  • أن الشراكة بين الولايات المتحدة والإمارات تبدو أعمق من مسألة الامتناع عن التصويت، وليس من المرجح أن الإمارات بصدد التخلي عن تحالفها مع واشنطن لمصلحة أي قوة دولية أخرى، لكنّ ثمة تناقضات في محددات المشهد الجيوسياسي في المنطقة تنتج بشكل أساسي عن تخلي واشنطن نسبيا عن التزاماتها التقليدية تجاه المنطقة، وهو ما يربك حسابات حلفائها ويدفعهم لاختبار بدائل أخرى تثير بدورها قلق واشنطن التي تنظر لأي نفوذ روسي أو صيني محتمل في المنطقة كتهديد لنفوذها الطويل في الشرق الأوسط، ومع تصاعد حدة التنافس، والصراع، بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، ستجد دول المنطقة نفسها أمام فرص أقل للمناورة بين مصالح هذه الأطراف، وسيكون عليها إما أن تتبنى مجتمعة أجندة إقليمية وتدافع عنها، أو ستضطر للانحياز الصريح خلف واحدة من القوى الدولية، والتي ستكون على الأرجح الولايات المتحدة والمعسكر الغربي.