شتاء أوروبا الساخن .. الاحتجاجات الاقتصادية المتزايدة تهدد باضطرابات سياسية
سياقات - أكتوبر 2022
تحميل الإصدار

الحدث

شهد شتاء أوروبا في عدة عواصم أوروبية موجة من الاحتجاجات والإضرابات خلال الأسابيع القليلة الماضية، والتي ارتفعت وتيرتها خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري بسبب تنامي التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.
– في فرنسا خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع واشتبكوا مع الشرطة وحطموا نوافذ المتاجر للمطالبة بزيادة الرواتب.
– وفي بريطانيا نظم عمال السكك الحديدية وعمال الموانئ والممرضات والمحامون سلسلة من الإضرابات في الأشهر الأخيرة للمطالبة برفع الأجور.
– أما في ألمانيا فقد تسببت الإضرابات المطالبة بزيادة الأجور التي قام بها عمال الخطوط الجوية في تعطل الرحلات الجوية.
– وانضم آلاف الرومانيين إلى مسيرة في بوخارست للتعبير عن استيائهم من ارتفاع تكاليف المعيشة.
– وفي جمهورية التشيك طالبت حشود ضخمة في براغ الحكومة الائتلافية بالاستقالة، منتقدة دعمها لعقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا.
– بينما احتج آلاف المتظاهرين في النمسا على غلاء المعيشة وطالبوا بزيادة في الأجور والمعاشات التقاعدية.

شتاء أوروبا الساخن .. الاحتجاجات الاقتصادية المتزايدة تهدد باضطرابات سياسية

التحليل: تزايد الاضطرابات الاجتماعية يهدد الوحدة الأوروبية في مواجهة روسيا

  • تأتي موجة الاحتجاجات والإضرابات المتزايدة التي تشهدها أوروبا في سياق استمرار تزايد التضخم وارتفاع أسعار الطاقة؛ حيث وصل حجم التضخم في غالبية دول الاتحاد الأوروبي إلى مستوى قياسي بلغ 9.9٪، وكذلك تضاعفت أسعار فواتير الطاقة 6 مرات عما كانت عليه قبل نحو عام، مما اضطر عددا من الشركات والصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة في جميع أنحاء أوروبا إلى خفض الإنتاج أو حتى إعلان إفلاسها.
  • في الوقت نفسه تعاني الأسر من الطبقة المتوسطة والفقيرة في جميع أنحاء أوروبا من الارتفاع الحاد في تكاليف المعيشة، نتيجة لذلك؛ وجهت الحكومات الأوروبية مبالغ هائلة وصلت إلى حوالي 576 مليار يورو لإغاثة الأسر والشركات المتضررة منذ سبتمبر 2021، وهو الأمر الذي يعكس الطبيعة الواسعة للأزمة.
  • تمثل معاناة الأوروبيين من التكلفة الاقتصادية الباهظة للدعم الأوروبي لأوكرانيا عاملاً مؤثراً في عدم الاستقرار السياسي المحتمل داخل الكتلة الأوروبية؛ حيث يشير نجاح الأحزاب اليمينية المتطرفة في انتخابات أوروبية مؤخرا إلى أن مشاعر الاستياء والسخط التي يتم التعبير عنها في الاحتجاجات والإضرابات التي شهدتها أوروبا لم تكن سوى مؤشر على تغيرات سياسية تتشكل داخل القارة، لم تستثنِ حتى البلاد التي تمتعت ببيئات سياسية مستقرة منذ عقود، كما هو الحال مع بريطانيا التي شهدت أسرع استقالة لرئيس وزراء في تاريخ المملكة المتحدة، وذلك بعد أن تسببت الخطط الاقتصادية لرئيسة الوزراء المستقيلة “ليز تراس” في إثارة عاصفة من الانتقادات السياسية والشعبية.
  • لن تتوقف آثار الأوضاع الاقتصادية المتأزمة فقط عند حدود الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في أوروبا؛ لكنها ستضع الموقف الأوروبي من الحرب الروسية الأوكرانية أمام اختبار حقيقي، إذا إن استمرار التضخم وأزمة أسعار الطاقة سينعكس سلبا على تأييد الأوروبيين لحكومات بلادهم بشأن استمرار الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا والحفاظ على موقف متشدد تجاه روسيا، وكذلك فإن الاحتجاجات المطالبة بمزيد من الحياد تجاه الحرب الروسية الأوكرانية –كما هو الحال في الاحتجاجات التي شهدتها جمهورية التشيك في سبتمبر/أيلول الماضي- يمكن أن يتسع نطاقها في جميع أنحاء أوروبا؛ الأمر الذي سيفرض تحديات على قدرة الاتحاد الأوروبي والحكومات على الحفاظ على موقف موحد في وجه روسيا.
شتاء أوروبا الساخن .. الاحتجاجات الاقتصادية المتزايدة تهدد باضطرابات سياسية
  • على الجانب الآخر؛ كشفت المقترحات التي قدمتها دول داخل الاتحاد الأوروبي في الأسابيع القليلة الماضية لمواجهة آثار التضخم وأزمة الطاقة على الاقتصاديات الأوروبية، عن الفجوة التي تتزايد بين بلدان شمال منطقة اليورو وبلدان جنوبها؛ حيث لاقى اقتراح مجموعة من الدول بقيادة فرنسا بوضع حد أقصى لأسعار استيراد الغاز الطبيعي معارضة شديدة من ألمانيا وهولندا، كما واصلت نفس تلك الدول رفضها لاقتراح مقدم من إسبانيا وإيطاليا وفرنسا حول آلية إصدار الديون المشتركة لصرف القروض اللازمة لمعالجة أزمة الطاقة داخل الاتحاد، بينما ساهم إعلان ألمانيا عن خطة طوارئ وطنية للطاقة بقيمة 200 مليار يورو دون استشارة باقي أعضاء الاتحاد الأوروبي، في مزيد من انعدام الثقة داخل الكتلة الأوروبية، لتؤكد هذه التطورات أن احتمالات اتجاه بعض الحكومات الأوروبية -تحت ضغوط المطالب الاجتماعية- للبحث عن مصالحها الخاصة بعيدا عن الكتلة الأوروبية لم تعد مستبعدة كما كانت مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا.
  • لا تقف موسكو بعيدة عن الاضطرابات الاجتماعية التي تشهدها أوروبا، فمع بروز تيارات اليمين واليسار المتطرفة، ضاعفت موسكو من جهودها في استخدام التعبئة السياسية العكسية ضد التضامن الأوروبي مع أوكرانيا، مستهدفة من وراء ذلك تعميق الإحباط الشعبي من سياسات الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية التي تواصل تقديم مساعداتها العسكرية والاقتصادية إلى أوكرانيا، وتتجه بجدية نحو الاستغناء عن الغاز والنفط الروسي الرخيص نسبياً، علاوة على ذلك؛ تواصل موسكو مساعيها لتعزيز الانقسامات المجتمعية داخل أوروبا عبر تقديم دعمها الدبلوماسي والمادي للأحزاب والسياسيين الموالين لموسكو.
شتاء أوروبا الساخن .. في فرنسا خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع واشتبكوا مع الشرطة وحطموا نوافذ المتاجر للمطالبة بزيادة الرواتب.

الخلاصة: شتاء أوروبا الساخن

  • على الرغم من أن تجنب ارتفاع التضخم والركود الاقتصادي المصاحب له في أوروبا أمر غير مرجح في المدى القصير؛ إلا أن قدرة صانعي السياسات داخل الكتلة الأوروبية للوصول إلى حلول مشتركة، ستحد من أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة داخل أوروبا، في حين أن إخفاق قادة الاتحاد الأوروبي في تعزيز تحالفاتهم والوصول إلى صيغ مشتركة لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتنامية ستكون له انعكاساته المباشرة على تزايد السخط الاجتماعي واتساع نطاق الاحتجاجات والإضرابات داخل القارة الأوروبية.
  • عدم وجود حلول قصيرة المدى لأزمة الطاقة في أوروبا يعني أن أسعار الطاقة في العام المقبل لن تكون أفضل حالا من العام الجاري، ونتيجة لذلك؛ فإن من المتوقع أن تتجه الحكومات الأوروبية إلى زيادة مستوى الدعم للأسر والشركات المتضررة في المدى القصير، وفي الجانب الآخر؛ في حال إذا ما قطعت روسيا كامل إمداداتها من الغاز الطبيعي عن أوروبا خلال الشتاء الحالي، فإن تحول الاحتجاجات والإضرابات المنتشرة في أوروبا إلى اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق سيكون احتمالا غير مستبعد.
  • ستواجه الدول الأوروبية اختبارًا كبيرًا للوحدة السياسية إذا استمر عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في النمو، إذ من المحتمل مع تزايد الضغوط الشعبية أن تتجه بعض الحكومات الأوروبية -خاصة في شرق أوروبا- إلى تحول في سياستها الخارجية بشأن العقوبات على روسيا، سيدفع هذا الاتحاد ربما إلى التوسع في منح الاستثناءات لبعض الدول، لكنّ انهيار الموقف الأوروبي الموحد تجاه دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا لا يبدو مرجحا في المدى القصير.

إقرأ أيضاً:

أزمة أوكرانيا.. مغامرة بوتين تضع أمن الطاقة الأوروبي على المحك

حرب ألمانيا على إمدادات الطاقة الروسية تتصاعد بتأميم مصافي روسنفت

أزمة أوكرانيا.. هل يعوض الغاز القطري أوروبا عن الغاز الروسي؟