زيارة “شي” للرياض: شراكة السعودية والصين ليست بديلا عن التحالف مع أمريكا
سياقات - ديسمبر 2022
تحميل الإصدار

الحدث

● أجرى الرئيس الصيني “شي جين بينغ” زيارة إلى المملكة العربية السعودية يوم الخميس 8 ديسمبر/كانون الأول، امتدت لثلاثة أيام، تمثل أكبر نشاط دبلوماسي بين الصين والعالم العربي في تاريخ الصين الحديث؛ حيث شارك “شي” في قمة دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك شارك في قمة عربية-صينية التقى خلالها بعدد من الزعماء العرب.
● وقّع “شي” مع العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز” اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة يلتزم فيها رئيسا البلدين بعقد اجتماعات نصف سنوية، كما وقعا مذكرات تفاهم لـ”مواءمة” مبادرة الحزام والطريق الصينية مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030، ووقعت الشركات الصينية والسعودية على 34 اتفاقية بقيمة 30 مليار دولار، تغطي الطاقة الخضراء، وتكنولوجيا المعلومات، والبنية التحتية.

السعودية والصين تستكشفان حدود الشراكة في عالم مضطرب

التحليل: السعودية والصين تستكشفان حدود الشراكة في عالم مضطرب

  • ترتكز العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل رئيسي على استثمارات البنية التحتية وتجارة البضائع والنفط، ولكنها امتدت في السنوات الأخيرة أيضًا إلى مجالات التكنولوجيا والأمن، ومنذ عام 2005 وقعت الصين صفقات وعقود استثمارية ضخمة مع دول مجلس التعاون الخليجي بقيمة 116 مليار دولار، جاء نحو ثلث هذا المبلغ من تعاقدات مع المملكة العربية السعودية.
  • تعد الصين في الوقت الراهن الشريك التجاري الأول للسعودية، حيث بلغت قيمة التجارة بين بكين والرياض في عام 2021 ما يناهز 80 مليار دولار، وتلقت السعودية في العام الجاري حوالي 5.5 مليار دولار من الاستثمارات والعقود من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية. في حين تمثل الصين السوق الأكبر لاستقبال صادرات النفط السعودي، حيث استقبلت بكين في العام الجاري حوالي 40% من إجمالي وارداتها النفطية من دول مجلس التعاون الخليجي، جاءت نصف هذه الواردات من السعودية وحدها.
  • تأتي زيارة الرئيس الصيني “شي” للسعودية لتؤكد على مساعي الرياض تأسيس موقعها كقوة متوسطة على الساحة الدولية، تحاول تحقيق أكبر استفادة من أهميتها الاستراتيجية التي تزايدت في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي هذا الإطار، تسعى المملكة من خلال بناء علاقات أوسع مع الصين إلى إنجاز هدفين رئيسيين:
    • أولاً: شهدت سياسة الولايات المتحدة الخارجية تحولا في أولوياتها الدولية بعيدا عن منطقة الشرق الأوسط بصورة ملموسة، الأمر الذي انعكس على إثارة التخوفات والشكوك لدى السعودية تجاه التزام أمريكا كضامن رئيسي للأمن الإقليمي ومُوَاجِه للتهديدات الإيراني. نتيجة لذلك؛ يأتي تعميق العلاقات مع الصين ضمن استراتيجية واسعة ومدروسة تستهدف تنويع بدائل تحالفات المملكة، وعدم الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة، كما تدرك الرياض أن اختيار علاقة واحدة مع أحد الجانبين على حساب الآخر سيكون له تكلفة باهظة، لذلك؛ تحرص الرياض على تطوير علاقتها مع الصين، شريكها التجاري الأكبر، وفي الوقت نفسه تحرص على الحفاظ على علاقتها مع الولايات المتحدة، حليفها الأمني الأول.
    • ثانياً: مع بروز الصين كقوة دولية صاعدة، لا تريد الرياض أن تنحصر علاقات الصين في منطقة الخليج فقط في علاقات استراتيجية مع إيران التي وقعت بكين معها العام الماضي اتفاقية شراكة استراتيجية تمتد إلى 25 عام. وتستهدف السعودية تعزيز الوزن الخليجي والعربي في دائرة علاقات الصين بالمنطقة كي تقيّد من دعم بكين لإيران في السياسة الإقليمية، خصوصا الملف النووي.
    • ثالثا: توفر العلاقة مع الصين فرصا اقتصادية متنوعة تخدم توجهات ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الذي يسعى لتنويع اقتصاد المملكة وجذب استثمارات خارجية كبيرة في مجالات البنية التحتية والتصنيع والتكنولوجيا.
  • من جانب الصين؛ ساهمت التغيرات الهيكلية التي تشهدها أسواق الطاقة العالمية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، في تحفيز الصين لتوسيع علاقاتها مع دول الخليج الغنية بموارد الطاقة، ليس فقط مع السعودية، ولكن أيضا قطر التي وقعت معها اتفاقا استراتيجيا لتوريد الغاز المسال لمدة27 عاما، حيث تستهدف الصين بشكل استراتيجي تأمين إمدادات الطاقة الأساسية لاقتصادها، وكذلك ضمان تدفق النفط والغاز في حال تصاعدت التوترات بشأن تايوان إلى عقوبات غربي. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن استمرار إمدادات الطاقة من الخليج، تمنح بكين أيضا قدرة تفاوضية كبيرة للحفاظ على أسعار وارداتها النفطية الروسية عند مستويات منخفضة.
  • في الوقت عينه؛ لا تسعى الصين لتغيير معادلة الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، والتي مازالت ترتكز على الدور الأمريكي، وذلك لعدة أسباب:
    • أولاً: ترتبط السياسة الخارجية الصينية بشكل كبير بالتنمية الاقتصادية، وهو الأمر الذي منعها من تشكيل تحالفات أمنية دائمة في الخارج يمكن أن تورط بكين في صراعات بعيدة المدى، تؤدي إلى أزمات ومشاكل تعيق الاستثمارات الصينية. وبناء على ذلك؛ من غير المتوقع أن تسعى الصين إلى استبدال أمريكا والقيام بأدوارها في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من عدم استقرار سياسي واضطرابات مزمنة. وعلى العكس من ذلك تستفيد الصين من الدور الأمريكي في المنطقة كضامن للأمن والاستقرار، والذي يوفر للصين المزيد من المصالح الاقتصادية.
    • ثانياً: تتخوف الصين من أن انخراطها المتزايد في الشرق الأوسط خاصة فيما يتعلق بالتحالفات السياسية والعسكرية، يتطلب توجيه مزيد من مواردها للمنطقة، بينما تأتي منطقة المحيطين الهندي والهادئ كأولوية للصين لمواجهة أنشطة الولايات المتحدة في هذه المنطقة والتي تعد الساحة الرئيسية للتنافس بين بكين وواشنطن خلال السنوات القادمة.
  • في الجانب الأمريكي؛ لا تتسبب استثمارات الطاقة وعقود البناء ومجمل العلاقات التجارية والاقتصادية بين السعودية -ودول الخليج عموما- والصين في إثارة الكثير من القلق لدى الإدارة الأمريكية، بينما تنحصر تخوفات واشنطن فيما إذا كانت السعودية ودول الخليج، والدول العربية عموما، تتجه لمنح الصين موطئ قدم استراتيجي في منطقة الخليج من خلال التعاون في المجالات الآتية:
    • أولا: مجال تكنولوجيا الاتصالات وخاصة التعامل مع شركة “هاواوي” (Huawei) الصينية التي تخضع لعقوبات شديدة من قبل الحكومة الأمريكية، خاصة في مجال شبكات الجيل الخامس (G5)، ويعزو التخوف الأمريكي إلى إمكانية استخدام بكين المعدات و التكنولوجيا الصينية الصنع للتجسس على التكنولوجيا العسكرية الأمريكية.
    • ثانيا: تحرص الولايات المتحدة على إبقاء التعاون العسكري بين دول الخليج، وحلفائها العرب عموما، وبين الصين محدودا وبعيدا عن المستويات الاستراتيجية، خاصة أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة من الأجيال المتقدمة والصواريخ الباليستية وأنظمة التجسس العسكرية، وهي سياسة لا تقتصر على الأسلحة الصينية، وإنما تشمل أيضا الأسلحة الروسية، حيث تعتمد السعودية ودول الخليج بصورة رئيسية على المعدات العسكرية الأمريكية، فقد حصلت السعودية على  73٪ من مشترياتها العسكرية من الولايات المتحدة في الفترة من 2015-2019، وهو أمر لا يمثل فقط سوقا مربحة جدا لشركات السلاح الأمريكية، لكنّه أيضا يحافظ على نفوذ أمني أمريكي طويل المدى في المنطقة، يشمل مثلا عقود وبرامج تدريب مشتركة طويلة الأجل، وتواجد ميداني في كافة دول الخليج، وهي أمور لا تسعى واشنطن للتخلي عنها لمصلحة الصين أو روسيا.
    • ثالثا: تنظر الولايات المتحدة عن كثب إلى مشاريع البنية التحتية التي تقوم بها السعودية والصين وباقي دول الخليج، والتي من المحتمل أن يكون لها أغراض ذات استخدام مزدوج، كما هو الحال مع الضغوط التي مارستها أمريكا على الإمارات لوقف عمليات البناء التي تقوم بها الصين لميناء بالقرب من أبو ظبي، وذلك لاعتقاد أمريكا أن الميناء سيكون بمثابة قاعدة بحرية للصين.
    • رابعا: تتخوف واشنطن من أن تندفع الرياض إلى تعاون نووي متطور مع الصين بهدف الحفاظ على توازن القوى بينها وبين طهران، لاسيما مع غموض مستقبل المفاوضات النووية مع إيران، الأمر الذي لن يؤدي فقط إلى تزايد النفوذ الصيني في منطقة الخليج، لكن يمكن أيضاً أن يتسبب تزايد النشاط النووي في تهديد المصالح الأمريكية الرئيسية بالمنطقة.

خلاصة

  • ستعتمد الرياض في إدارة سياستها الخارجية تجاه كل من واشنطن وبكين على استراتيجية “التحوط”، بمعنى تجنب الانحياز الكامل لأحد المعسكرين الأمريكي أو الصيني، على غرار الدبلوماسية الشائعة خلال حقبة الحرب الباردة، مواصلة الحفاظ على التوازن في العلاقات بين القوتين الدوليتين. فحتى الآن ما زالت السعودية حريصة إعادة تجديد تحالفها الأمني والعسكري مع واشنطن وتسعى لوضع إطار اتفاق واضح يدعمه الكونغرس ولا يخضع لتقلب توجهات إدارات البيت الأبيض.
  • تعاون السعودية العسكري مع الصين ما زال محدودا مقارنة بالولايات المتحدة؛ ففي عام 2021 باعت واشنطن أسلحة بقيمة 1.3 مليار دولار للمملكة، بينما باعت الصين أسلحة بقيمة 40 مليون دولار فقط)، ومع ذلك؛ فإن سعي المملكة إلى تطوير وتنويع خياراتها العسكرية، خاصة في ظل القيود السياسية المرتبطة بإقرار صفقات التسلح المهمة في واشنطن ودول أوروبية، قد يؤدي إلى تطور العلاقات العسكرية بين السعودية والصين في المدى المتوسط، ضمن خيارات أخرى تشمل دولا أوروبية وتركيا وحتى روسيا، خاصة وأن ولي العهد السعودي يتبنى توجها لتوطين الصناعات العسكرية.
  • من غير المرجح أن تدفع الولايات المتحدة شركاءها في الخليج والمنطقة العربية إلى الاختيار بين أحد الجانبين الأمريكي أو الصيني؛ وذلك لأن العديد من أشكال التعاون بين تلك الدول والصين لا تمثل تهديدًا كبيرًا لمصالح واشنطن، كما أن انسحاب دول الخليج من مواصلة التعاون مع الصين قد يكون من المستحيل تنفيذه من الناحية العملية؛ إذ إن اقتصاديات السعودية وغالبية دول الخليج متشابكة مع الاقتصاد الصيني بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن اتباع أمريكا لهذا النهج في التعامل مع حلفائها سيدفعهم في المقابل لمطالبة واشنطن بمزيد من الضمانات الأمنية والاقتصادية، والتي قد تكون واشنطن مترددة أو غير قادرة على تقديمها.