الصين تزيد اعتمادها على التكنولوجيا المحلية لتعزيز بدائل أدوات الهيمنة الأمريكية
سياقات - مايو 2022
تحميل الإصدار

الحدث

● طلبت السلطات الصينية من المؤسسات الحكومية والشركات المدعومة من الدولة إزالة جميع أجهزة الحاسوب وبرامج تشغيلها الأجنبية في غضون عامين، واستبدالها بتكنولوجيا صينية تعمل على أنظمة تشغيل وبرامج محلية، وسيتسبب القرار الصيني في خسائر ضخمة للشركات الأمريكية العاملة في السوق الصينية مثل HP وDell، حيث سيتم الاستغناء عن حوالي 50 مليون جهاز حكومي بأجهزة منتجة محليا؛ مما يساهم في زيادة أرباح الشركات الصينية Lenovo وHuawei، بالإضافة إلى ذلك؛ سيشجع القرار الصيني أنظمة التشغيل المحلية مثل Kingsoft وStandard Software، لتحل محل نظام التشغيل Microsoft Windows، ومن غير المرجح أن يشمل القرار الصيني المكونات المتطورة مثل المعالجات الدقيقة (Microprocessors) والتي لا يوجد لها بديل محلي.

التحليل: التكنولوجيا في قلب سباق الهيمنة الأمريكي الصيني

  • يعكس هذا القرار مخاوف الصين المتزايدة بشأن أمن المعلومات، وتسعى بكين إلى حماية المؤسسات والوكالات الحكومية من مخاطر التجسس الإلكتروني، لاسيما بعد تزايد الهجمات الإلكترونية بشكل مكثف دوليا واستخدامها من قبل الحكومات كواحدة من الأدوات الأكثر فاعلية لتحقيق الأهداف السياسية، كما يأتي هذا القرار الصيني ضمن سياق أوسع يتعلق بالمنافسة المحتدمة بين الولايات المتحدة والقوى الغربية من جهة والصين والقوى المناهضة للغرب من جهة أخرى، حيث تعمل الصين على خطط حثيثة لإيجاد بدائل لأدوات الهيمنة الأمريكية الاقتصادية والتكنولوجية، وكذلك الحد من سيطرة واشنطن على سلاسل التوريد التكنولوجية باعتبارها أحد المصادر الرئيسية للنفوذ الجيوسياسي الأمريكي.
  • هذا التنافس تجلى في تزايد السباق التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين في العقد الأخير، لا سيما في مجال التكنولوجيا الناشئة، مثل شبكات إنترنت الجيل الخامس (5G)، والذكاء الاصطناعي (AI)، وإنترنت الأشياء (IoT)، وأشباه الموصلات المتقدمة (Semiconductors)، وفي قمة الناتو في بروكسل 2021، تبنى التحالف وثيقة “استراتيجية الناتو 2030” التي من بين بنودها الحفاظ على التفوق التكنولوجي للتحالف في مواجهة الصين وروسيا، وتقر الاستراتيجية صراحة أن الناتو لم يعد بإمكانه اعتبار تفوقه التكنولوجي أمرًا مفروغًا منه، خاصة مع سعي الصين لأن تصبح القوة الرائدة في العالم في مجال الذكاء الاصطناعي في العقد المقبل، لذلك؛ يكثف الناتو عمله لضمان تفوقه في سبع تقنيات رئيسية تخريبية/معطلة “Disruptive Technologies”: الذكاء الاصطناعي، البيانات والحوسبة، التحكم الذاتي، التقنيات التي تدعم الكم، التكنولوجيا الحيوية، التكنولوجيا فوق الصوتية، والفضاء.
  • وبالتالي؛ فإن قرار الصين يأتي في إطار جهودها الواسعة لتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأمريكية، وهي نقطة الضعف البارزة التي عانت منها الصين مؤخرا بعد العقوبات الأمريكية المفروضة على شركات التكنولوجيا الصينية وفي مقدمتها شركة “هواوي” (Huawei)، والتي تسببت في خسائر اقتصادية ضخمة لبكين، فضلا عن الخسائر الجيوسياسية المتعلقة بتعطيل تمدد النفوذ الصيني عبر شركاتها التكنولوجية في أوروبا وأمريكا.
  • أثارت طموحات الصين التكنولوجية وازدهار شركاتها في العقد الأخير، مخاوف واشنطن من توسيع نفوذ بكين، في قطاعات استراتيجية، وفي هذا الإطار اعتمدت الولايات المتحدة مجموعة سياسات لمنع الصين من استخدام قوتها الاقتصادية والتكنولوجية لتحقيق أهدافها السياسية وبسط نفوذها في مناطق مختلفة حول العالم، حيث حرصت واشنطن على تجنب الاعتماد على التكنولوجيا الصينية في المجالات التي تثير مخاطر الأمن القومي، وكذلك حماية التقنيات الحيوية من نقلها من الولايات المتحدة إلى الصين.
  • وتقع أشباه الموصلات، والتي تبلغ  قيمتها السوقية حوالي 600 مليار دولار، في قلب المنافسة الاستراتيجية والتكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، ولا تعد أشباه الموصلات عنصر حيوي للنمو الاقتصادي والتطور التكنولوجي فحسب؛ ولكنها ضرورية أيضا في قطاع الدفاع وما يتعلق بصناعة الصواريخ والأمن السيبراني؛ مما يجعل تصميمها وإنتاجها والحصول عليها ضرورة استراتيجية لكل من واشنطن وبكين، وتنحصر مراكز التصميم والإنتاج الرئيسية لأشباه الموصلات في مجموعة صغيرة من الدول الحليفة لواشنطن، كوريا الجنوبية واليابان وتايوان، بالإضافة إلى الولايات المتحدة نفسها (8 من أكبر 15 شركة لأشباه الموصلات في العالم موجودة بالولايات المتحدة)، بينما تعد الصين مستورداً صافياً لأشباه الموصلات، وتعتمد بشكل كبير على الشركات الأمريكية، إذ بلغت قيمة واردات الصين من أشباه الموصلات في عام 2020 نحو 350 مليار دولار.
  • سعت الصين من خلال مبادرة “صنع في الصين 2025” إلى إنتاج معظم احتياجاتها من أشباه الموصلات من أجل تقليل اعتمادها على واشنطن، وترسيخ مكانتها كدولة رائدة في مجال التكنولوجيا المتطورة، في المقابل تحركت واشنطن بقوة لمواجهة الاستراتيجية الصينية، إذ عقدت صفقة مع شركة TSMC التايوانية – وهي الشركة المهيمنة على السوق العالمي لأشباه الموصلات – لإنشاء مصنع ضخم في الولايات المتحدة ونقل خبراتها إلى السوق الأمريكي، وكذلك فرضت قيود دولية على عمليات نقل التكنولوجيا المتطورة لأشباه الموصلات إلى الصين.
  • تسببت الإجراءات الأمريكية في تعطيل طموحات بكين، حيث كانت تستهدف إنتاج 75% من احتياجاتها من أشباه الموصلات بحلول عام 2025، ومع ذلك لم يتخطَ إنتاجها الحالي 15%، والأخطر من ذلك؛ أنها منعت بكين من اللحاق بركب تطوير أشباه الموصلات، وهي خسارة مؤثرة للصين في إطار صراع التفوق التكنولوجي مع واشنطن، حيث تحتاج التكنولوجيا الناشئة إلى أشباه الموصلات الأحدث والأكثر تطورا، والتي لم تعد الصين قادرة على الحصول عليها.
  • لم تكن منصات التواصل الاجتماعية هي الأخرى بعيدة عن الصراع الجيوسياسي بين واشنطن وبكين، إذا أصبحت تشكل مجالا جديدا للمناورة الجيوسياسية، فبعد أن هيمنت الولايات المتحدة على منصات التواصل الاجتماعي لعقدين من الزمان، عظمت خلالهما قوتها السياسية والاقتصادية والثقافية؛ استطاعت الصين من خلال منصة “تيك توك” (TikTok) وهي أول منصة تواصل اجتماعي خارج الولايات المتحدة، منافسة الشركات الأمريكية الكبرى وتحقيق نجاح عالمي وصل للحد الذي جعلها المنصة الأكثر استخداما على مستوى العالم منذ عام 2020، برزت مخاوف واشنطن حول منصة “تيك توك” خلال فترة رئاسة ترامب والتي شهدت محاولات مكثفة لحظر المنصة أو بيعها إجباريا لأحد الشركات الأمريكية، ويمكن فهم التخوفات الأمريكية من سعي بكين لإيجاد بدائل لمنصات التواصل من زاوية القيمة الاستراتيجية لمنصات التواصل الاجتماعي، وقدرتها الهائلة على التأثير الثقافي والأيديولوجي، ومزايا التحكم والوصول إلى البيانات الرقمية، بالإضافة إلى قيمتها الاقتصادية.
  • في سياق متصل؛ يندرج التوسع في البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس ضمن صراع أوسع بين الولايات المتحدة والصين للسيطرة على صناعات المستقبل، حيث استهدفت الصين من خلال عملاق التكنولوجيا “هواوي” تحقيق قدر كبير من السيطرة على انشاء وتطوير البنية التحتية لشبكات 5G في عدة مناطق حول العالم، والأهم في هذا السياق هو ما تقدمه تلك البنية التحتية (5G) من دعم وتدفقات اقتصادية لمبادرة الحزام والطريق الصينية التي تعد واجهة السياسة الخارجية الصينية وأداة بكين الناعمة لتمدد نفوذها الخارجي. في الجانب الآخر، حظرت واشنطن على شركاتها التعامل مع “هواوي” في انشاء البنية التحتية 5G داخل أمريكا، وضغطت في الوقت نفسه على حلفائها الأوروبيين ودول عربية لفرض حظر تام على “هواوي” من نشر البنية التحتية 5G. وتعزو خطوات واشنطن إلى تخوفاتها من استخدام الصين للبنية التحتية في أغراض التجسس أو تعطيل شبكات الاتصالات الغربية.

المصادر

Duchâtel, M 2022, Semiconductors at the heart of the China-US rivalry, Polytechnique Insights, https://www.polytechnique-insights.com/en/braincamps/economy/the-technology-war-between-china-and-the-usa/semiconductors-at-the-heart-of-the-china-us-rivalry/

Foreign Policy 2021, Semiconductors and the U.S.-China Innovation Race, https://foreignpolicy.com/2021/02/16/semiconductors-us-china-taiwan-technology-innovation-competition/

Gray, J 2021, TikTok and geopolitics: how ‘digital nationalism’ threatens to entrench big tech, The Conversation, https://theconversation.com/tiktok-and-geopolitics-how-digital-nationalism-threatens-to-entrench-big-tech-160919

Kahata, A 2020, Managing U.S.-China Technology Competition and Decoupling, CSIS, https://www.csis.org/blogs/technology-policy-blog/managing-us-china-technology-competition-and-decoupling

Voelsen, D, Rühlig, T, & Seaman, J 2019, 5G and the US–China Tech Rivalry – a Test for Europe’s Future in the Digital Age, German Institute for International and Security Affairs, https://www.swp-berlin.org/en/publication/5g-and-the-us-china-tech-rivalry-a-test-for-europes-future-in-the-digital-age