سقف لأسعار النفط الروسي.. تحديات تقوض فعالية القرار
سياقات - ديسمبر 2022
تحميل الإصدار

الحدث

توصل الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع (G7)* يوم الجمعة 2 ديسمبر/كانون الأول 2022 إلى اتفاق بشأن تحديد سقف لأسعار النفط الروسي المنقول بحراً عند 60 دولار للبرميل، مع آلية تعديل تتضمن مراجعة القرار كل شهرين لإبقائه أقل من 5% على الأقل من أسعار النفط العالمية، وفي الوقت نفسه؛ دخل حيز التنفيذ الحظر على مستوى الاتحاد الأوروبي على الواردات المنقولة بحراً من النفط الروسي -تدفقات خطوط الأنابيب غير مشمولة بالحظر الأوروبي- يوم 5 ديسمبر/كانون الأول، وفي سياق متصل؛ قرر تحالف “أوبك بلس” في مطلع الشهر الجاري الإبقاء على استراتيجيته الإنتاجية بخفض مليوني برميل يوميًا المتفق عليها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

سقف لأسعار النفط الروسي

التحليل: الحاجة للنفط روسيا ما زالت أقوى من قرار سقف الأسعار 

  • يستهدف قرار الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع تقليص عائدات النفط الروسية، للحد من قدرات موسكو على تمويل حربها في أوكرانيا، وتستند الفكرة الرئيسية للقرار على التوازن بين تعظيم الضغط على روسيا والحفاظ على استقرار أسواق النفط العالمية، وذلك من خلال وضع سقف سعر لشراء النفط الروسي أعلى بقليل من تكلفة الإنتاج الروسية، بما يقلل أرباح موسكو دون أن يحدث خللا في إمدادات النفط الروسي إلى أسواق النفط العالمية، إذ إن عدم حصول روسيا على أي قدر من الأرباح لصادراتها النفطية سيدفعها إلى وقف صادراتها، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية.
  • أعلن الاتحاد الأوروبي الحظر التدريجي على صادرات النفط الروسي في يونيو/حزيران الماضي، مستهدفا تحديد سقف للأسعار في مطلع ديسمبر/كانون أول، انعكس هذا في استمرار التراجع في عائدات النفط الروسي خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث سجلت 15.3 مليار دولار في سبتمبر/أيلول، وهو أقل إيرادات شهرية من صادرات روسيا للنفط هذا العام، لكنّ الاتحاد لم يتمكن من تنويع مصادر وارداته من النفط الخام بصورة كافية، حيث ما زال يعتمد على موسكو في حوالي نصف وارداتها من النفط.
  • ومع هذا؛ عوضت موسكو خسائرها في أسواق النفط الأوروبية من خلال إعادة توجيه صادراتها النفطية بأسعار مخفضة إلى الهند والصين بشكل رئيسي، لذلك؛ ورغم تراجع إيرادات النفط الروسية، إلا أنها مازالت إجمالا أعلى من متوسط الإيرادات الشهرية لعام 2021 والذي بلغ 14.9 مليار دولار.

آلية تنفيذ قرار سقف أسعار النفط الروسي

  • تعتمد آلية تنفيذ حد أقصى لأسعار النفط الروسي على امتثال شركات خدمات الشحن البحرية المتواجدة داخل دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي للقرار، بحيث تواصل تلك الشركات شحن وتأمين النفط الروسي لأي جهة في العالم، طالما كان سعر شراء شحنات النفط الروسية يساوي أو أقل من سقف السعر المحدد.
  • وتعتقد واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون أن خدمات الشحن والتأمين للنفط المنقول بحراً تمثل نقطة ضعف يمكن الاستفادة منها ضد روسيا؛ حيث تعتمد الغالبية العظمى من شحنات النفط الروسية المنقولة بحراً -بغض النظر عن وجهتها النهائية- على شركات الشحن والتأمين الغربية، إذ تنقل سفن يونانية أكثر من 50% من النفـط الروسي المنقول بحراً، فيما تقوم واحدة من كبرى شركات تأمين ناقلات النفط المتواجدة في بريطانيا بتأمين حوالي 95% من النفـط الروسي المنقول بحراً.
  • من الناحية النظرية؛ هذا يعني أن موسكو التي تمتلك أسطول نقل بحري ضئيل، لن تتمكن من مواصلة الشحن البحري لصادراتها النفطية بالمستويات الحالية التي تبلغ من 3 إلى 3.5 مليون برميل يوميًا إلا إذا استخدمت شركات الشحن والتأمين الممتثلة لقرار سقف الأسعار.
  • على الجانب الآخر؛ هناك عوامل سياسية وقانونية وعملية قد تحد من مستوى نجاح فرض سقف أسعار على صادرات النفط الروسي:
    • أولاً: سيكون لفرض سقف سعر بمقدار 60 دولار تأثيرا محدودا على عائدات النفط الروسي؛ حيث يُباع النفـط الروسي (خام أورال) منذ بدء الحرب بأسعار أقل حوالي 30% من السعر القياسي لخام برنت، ويتم حالياً تداول معظم النفـط الروسي عند حوالي 60 دولار أو أقل؛ وهذا يعني أن روسيا وعملاءها سيستمروا في استخدام شركات الخدمات الغربية دون أضرار تلحق بهم، علاوة على ذلك؛ فإن استمرار مبيعات النفط الروسي عن حد 60 دولار للبرميل ستحافظ على أرباح معتبرة تجنيها موسكو؛ حيث إن التكلفة الفعلية للنفط الروسي تقدر بنحو 40 دولار للبرميل
    • ثانياً: لن يكون الحد الأقصى فعالا إذا لم يلتزم به كبار مشتري النفط الروسي: الصين والهند وتركيا؛ إذ تستقبل هذه الدول وحدها ما يتجاوز ثلثي النفط الخام الروسي المنقول بحراً.
    • ومن المرجح أن تواصل تلك الدول تلقي كميات كبيرة من واردات الخام الروسي المخفضة دون الالتزام بقرار سقف الأسعار، ومن خلال إيجاد بدائل محلية تغنيهم عن استخدام شركات الخدمات الغربية.
    • ثالثاً: سيتعرض قرار سقف الأسعار للفشل إذا استطاع مشترو النفط الروسي مواصلة استخدام شركات الخدمات الغربية مع دفع أسعار لروسيا تتجاوز الحد الأقصى، على سبيل المثال؛ فإن الدول المستوردة يمكنها التحايل على تنفيذ القرار من خلال التلاعب بالوثائق المقدمة إلى شركات الخدمات الغربية والتي تثبت تسعير شحنات النفط الروسية بسعر أقل من الحد الأقصى بينما تواصل تلك الدول دفع أسعار لروسيا تتجاوز الحد الأقصى من خلال تعويض فارق السعر بزيادة المدفوعات لسلع روسية أخرى، وهو أمر لا يمكن لواشنطن وحلفائها إثباته.
    • رابعاً: إذا تمكنت روسيا من بيع جميع صادراتها النفطية دون استخدام أي من خدمات الشركات الغربية، فلن يكون لسقف الأسعار أي تأثير على عائدات النفط الروسية، كما تسعى موسكو منذ غزوها لأوكرانيا إلى إضافة عشرات ناقلات النفط البحرية إلى أسطولها لتجنب العقوبات الغربية، حيث أضافت 103 سفينة خلال العام الجاري.

خلاصة

  • من غير المرجح أن تخفض روسيا إنتاجها النفطي في الوقت الراهن؛ إذ إن موسكو لن تكون حريصة فقط على مواصلة التكسب من عائدات النفط التي تغذي آلة الحرب في أوكرانيا، ولكنها تدرك أيضا أن تخفيض إنتاجها سيتسبب في أضرار لحلفاء وأصدقاء ومستوردين رئيسيين -خاصة الصين والهند وتركيا- فضلا عن الضرر المحتمل للتفاهمات بين موسكو ومنظمة أوبك.
  • في حال ارتفاع أسعار النفط وزيادة الفجوة بين سقف الأسعار المفروض غربيا على النفـط الروسي والأسعار الدولية، من الوارد أن تقوم موسكو بتخفيض إنتاجها اليومي من النفط، مما يعني أن أسواق النفط العالمية ستفقد حوالي من مليون إلى مليون ونصف برميل يومياً، وسيؤدي ذلك إلى مزيد من ارتفاع أسعار النفط العالمية، وزيادة الضغوط التضخمية دوليا، كما يملك “بوتين” خيارا آخر للضغط على الغرب من خلال خفض إمدادات النفـط الروسي في خط أنابيب “دروجبا” (Druzhba) الذي يضخ حوالي 750 ألف برميل يومياً إلى شرق ووسط أوروبا. 
  • قرار تحالف “أوبك بلس” بالإبقاء على تخفيضات الإنتاج المتفق عليها في أكتوبر/تشرين الأول، لا يعكس فقط استقرار التعاون مع روسيا، ولكن الأهم من ذلك أنه يعكس رغبة دول “أوبك” في إضعاف فاعلية سقف الأسعار، نظراً لتخوفاتهم من استخدام نفس الآلية مع دول المجموعة لاحقا.
  • من المرجح أن قرار تحديد سقف الأسعار سيكون له تأثير محدود على أسواق النفط العالمية في الأشهر القادمة؛ لكنه يعكس كيف غيرت التطورات الجيوسياسية المرتبطة بحرب أوكرانيا ديناميكيات أسواق النفط، حيث يذهب مزيد من النفط الـروسي إلى آسيا، بينما يتنافس المستوردون الأوروبيون على نفط الشرق الأوسط.

* تشمل دول مجموعة السبع كل من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان

إقرأ أيضاً:

الطاقة الأوكرانية وخطة الاستنزاف الروسية

تسعير النفط السعودي باليوان الصيني.. مناورة أم تحول استراتيجي؟

صراع التحكم في أسعار النفط بين الولايات المتحدة الأمريكية وتحالف أوبك بلس

قطع الغاز الروسي عن بولندا وبلغاريا: أوراق “بوتين” المحدودة لن تحبط إجراءات عزل روسيا