تركيا واليونان تستخدمان لغة الحرب مع تفاقم صراع السيادة في بحر إيجة
سياقات - سبتمبر 2022
تحميل الإصدار

الحدث

تصاعدت مؤخرا بصورة لافتة التوترات بين تركيا واليونان؛ على وقع اتهام أنقرة أثينا بعسكرة الجزر القريبة من ساحل بحر إيجة التركي، وتهديد الطائرات العسكرية التركية، واتهم الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” الجيش اليوناني باستخدام منشآته على جزر بحر إيجة لمنع الطائرات العسكرية التركية من التحليق في الأجواء الدولية، ووجه “أردوغان” تحذيرا لليونان موضحاً أن أنقرة لن تقبل الاستفزازات المستمرة وسترد في المستقبل، وأضاف في لهجة غير مسبوقة: “احتلالكم لجزر إيجة لا يُلزمنا، حين تأتي اللحظة، سنفعل ما يلزم، وقد نأتي ذات ليلة على حين غرة”. في المقابل؛ اتهمت اليونان تركيا بانتهاك مجالها الجوي بشكل منتظم من قبل الطائرات المقاتلة التركية، كما طلبت أثينا من واشنطن وقف صفقة طائرات إف-16 لأنقرة، كما اعترضت على بيع غواصات ألمانية لتركيا، الأمر الذي أدى إلى إيقاف تركيا في مطلع يونيو/حزيران الماضي لجميع المباحثات الثنائية مع اليونان.

حدود التصعيد المحتمل بين تركيا واليونان

التحليل: حدود التصعيد المحتمل بين تركيا واليونان

  • تبرز القضايا المرتبطة ببحر إيجة كمحور رئيسي لخلاف طويل الأمد بين تركيا واليونان، حيث تحذر تركيا من تسليح اليونان لعدد 18 جزيرة شرق بحر إيجة، والتي من المفترض أن تكون منزوعة السلاح والقوات العسكرية بناء على عدة اتفاقيات منذ عام 1922 بين الجانبين[1]، لذلك؛ لوحت أنقرة للمرة الأولى في فبراير/شباط الماضي بإعادة بحث مسألة سيادة اليونان على الجزر بسبب انتهاكها شرط عدم تسليحها، وهو التحذير الذي تجدد في يونيو/حزيران، بينما تصر أثينا على حقها في تسليح الجزر أسوة بتراجع الدول الأوروبية عن ترتيبات مماثلة مع تغير الظروف وتطور الواقع مقارنة بالفترة التي أقرت فيها هذه الترتيبات.
  • يتمثل السبب الآخر في إصرار اليونان على أن مجالها الجوي يمتد لمسافة تصل إلى 10 أميال بحرية من شاطئ أي جزيرة في بحر إيجة (بزيادة 4 أميال عن حدود المياه الإقليمية للجزر)، ونظرًا لأن جميع الجزر تقع على مسافات متقاربة من بعضها البعض، فإن هذا التفسير يمنح اليونان السيطرة على بحر إيجة بأكمله، من جانبها؛ رفضت تركيا ذلك التفسير حيث لا تعترف بمنطقة الـ 4 أميال التي أضافتها اليونان.
  • يفتح هذا الأمر المجال بصورة متكررة لاحتمالات الاحتكاك بين طيران البلدين، كما جرى آخر مرة في 28 أغسطس/آب حين تعرضت طائرات تركية لمضايقة من قبل نظام الدفاع الجوّي اليوناني “إس-300″، وفق ما أعلنت أنقرة، كما تقوم اليونان بصورة مستمرة من خلال مسؤوليتها عن منطقة معلومات الطيران في المجال الجوي الدولي لبحر إيجة، بمحاولات لمنع الطائرات العسكرية التركية من الطيران في المجال الدولي للبحر.
  • ولا يمكن هنا إغفال آثر اكتشافات النفط والغاز في بحر إيجة وشرق المتوسط على تسريع وتيرة التوترات بين الجانبين؛ حيث باتت الحدود البحرية لا تعكس فقط السيادة على بحر إيجة، لكن أيضا تعكس حجم الموارد الهيدروكربونية التي يمكن لأي من الطرفين الحصول عليه. لذلك؛ أعلنت اليونان نيتها زيادة عرض المياه الإقليمية لجزر إيجة إلى 12 ميل -وبالتبعية زيادة مجالها الجوي- استناد إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) التي وقعت عليها أثينا، بينما رفضت أنقرة الانضمام إليها، وجاء الرد التركي واضحا، حيث حذر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في 29 أغسطس/آب، من أن نية اليونان توسيع مياهها الإقليمية في بحر إيجة إلى 12 ميلًا ستكون “سببًا للحرب”.
  • يأتي تصاعد التوتر بين الدولتين العضوتين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) في وقت يسعى الحلف فيه إلى ضمان توحيد جبهته الداخلية ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، ومنع تسبب أي أزمة بين أعضائه في تقويض وحدة الموقف الأوروبي. في الوقت نفسه، تدرك الولايات المتحدة ومعها الناتو حيوية وأهمية الدور التركي ضمن المعادلة الغربية لضمان تحقيق توازن جيواستراتيجي ضد روسيا، وضمان الأمن الإقليمي على المدى الطويل. تدفع هذه المعطيات الولايات المتحدة والناتو لإعطاء الأولوية لتخفيض التصعيد بين تركيا واليونان، على الرغم من أن الموقف الغربي عموما يميل بشكل واضح تجاه أثينا.
  • على الجانب الآخر؛ فإن السياق الداخلي في كل من تركيا واليونان، حيث الضغوط الاقتصادية ونسب التضخم العالية التي يعاني منها كلا البلدين، وكذلك اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في العام المقبل لكل من أنقرة وأثينا؛ هذا السياق سيحفز كلا من الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” ورئيس الوزراء اليوناني “كيرياكوس ميتسوتاكيس” لتبني خطاب متشدد بشأن القضايا العالقة بينهما في بحر إيجة، سعيا منهما لتعزيز شعبيتهما قبل الاستحقاقات الانتخابية.

الخلاصة

  • لا تزال المواجهة العسكرية بين تركيا واليونان في بحر إيجة غير مرجحة في المدى القصير؛ حيث تجنب الطرفان الصراعات العسكرية خلال عقود من الخلافات العميقة، كما أن الجانبين ليسا جاهزين لتحمل التبعات السياسية والاقتصادية المتوقعة للمواجهة المسلحة في المدى القصير. ومع ذلك، فإن وقوع أي حادثة في بحر إيجة وخروج سلوك أي من الطرفين عن السيطرة في هذه الأجواء المتوترة، يظل احتمالا واردا قد ينتج عنه خطر نشوب اشتباكات محدودة.
  • من المتوقع أن تدفع الولايات المتحدة ومن خلفها الناتو والاتحاد الأوروبي إلى تهدئة التوترات تركيا واليونان والعودة إلى المباحثات حول القضايا الشائكة، ومع ذلك؛ فإن هدوءً طويل الأمد بين أنقرة وأثينا لا يبدو احتمالا مرجحا نظرا لطبيعة القضايا الخلافية التي ترتبط بالسيادة؛ حيث نتجت هذه القضايا عن أوضاع فرضتها الحرب قبل أكثر من مائة عام، ولا يتصور أن يتم تغييرها بصورة طوعية.
  • باتت تركيا تنظر لمسألة السيادة في بحر إيجة كعائق أمام طموحها للصعود مجددا كقوة دولية، ودفعها هذا في السنوات الماضية لاختبار نهج الدبلوماسية القسرية (Coercive Diplomacy) في هذه المنطقة. وخلال العامين الماضيين تبنت أنقرة سياسة تهدئة التوترات كان هذا الملف أيضا أحد دوافعها الرئيسية. في المقابل، فإن أولوية أثينا باتت تحقيق “توازن قوة” ضد تركيا من خلال تعزيز التعاون العسكري مع الولايات والمتحدة وفرنسا، وليس الرهان على إقناع تركيا بالمفاوضات بالتخلي عن رغبتها في إعادة نقاش ترتيبات السيادة في بحر إيجة.

[1]  معاهدة “لوزان” عام 1923، ومعاهدة “صداقة” عام 1930، ومعاهدة “باريس” عام 1947.

إقرأ أيضاً:

أردوغان في سوتشي … هكذا تعزز حرب أوكرانيا صداقة تركيا وروسيا

أردوغان يستقبل رئيس فنزويلا: تركيا ماضية في نهج مستقل عن الغرب

تركيا و”إسرائيل”: ملامح تفاهمات إقليمية يعززها التعاون في مجال الغاز

من الاقتصاد والثقافة إلى الأمن والتسليح.. نضوج النفوذ التركي في أفريقيا

تركيا من القوة الناعمة إلى الصارمة.. كيف غيّرت من نهج سياستها الخارجية؟