أردوغان في سوتشي … هكذا تعزز حرب أوكرانيا صداقة تركيا وروسيا
سياقات - أغسطس 2022
تحميل الإصدار

الحدث

● أجرى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان”، زيارة لافتة إلى سوتشي، يوم الجمعة 5 أغسطس/آب، حيث اجتمع مع نظيره الروسي “فلاديمير بوتين”، وأكد الرئيسان، بحسب بيان مشترك؛ أهمية العلاقات القائمة على الثقة بين تركيا وروسيا في إرساء الاستقرار إقليميا ودوليا، كما شددا على عزم البلدين التضامن والتنسيق خلال التحرك ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا، وقوة إرادة البلدين المشتركة حيال تطوير العلاقات رغم كافة التحديات الإقليمية والعالمية وحرب أوكرانيا، كماأشار البيان أيضا إلى أن الرئيسين اتفقا على اتخاذ خطوات ملموسة حيال زيادة حجم التجارة بين البلدين، وتعزيز التعاون في قطاعات مثل المواصلات والتجارة والزراعة والصناعة والتمويل والسياحة والمقاولات.

لقاء بوتين وأردوغان إبان حرب أوكرانيا في سوتشي

التحليل: تركيا تجني مكاسب سياستها المتوازنة تجاه حرب أوكرانيا

  • تأتي هذه الزيارة بعد القمة الثلاثية في طهران، في 18 يوليو/تموز، التي كانت أول تحرك خارجي للرئيس الروسي منذ بدء حرب أوكرانيا، حيث تشير هذه الزيارة إلى أن سياسية تركيا “المتوازنة” تجاه حرب أوكرانيا نجحت في تحقيق معادلة صعبة: استعادت حيوية موقع أنقرة الجيوسياسي المهم للغرب في مواجهة روسيا من ناحية؛ والاحتفاظ بعلاقات عمل وصداقة مفيدة مع روسيا من ناحية أخرى، وهو الأمر الذي يتجلى في منح “بوتين” لـ”أردوغان” نصرا دبلوماسيا لافتا متمثلا في”اتفاقية “مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية”، أو ما بات يعرف باتفاقية إسطنبول لشحن الحبوب الأوكرانية، هذا النصر الدبلوماسي الدولي جاء على الرغم من أن الدعم العسكري التركي لأوكرانيا، بطرق مباشرة وغير مباشرة، لم يتوقف منذ بداية حرب أوكرانيا.
  • يمثل العامل الاقتصادي الداخلي أحد أهم محركات السياسة الخارجية التركية حاليا، ومن المؤكد استمراره كذلك على الأقل حتى الانتخابات المقررة العام المقبل، ومن هذه الزاوية؛ فإن “أردوغان”، من خلال الحفاظ على هذه المعادلة المعقدة بين الغرب وروسيا، بالإضافة لتعزيز مكانة بلاده الجيوسياسية، يسعى إلى ضمان مكاسب اقتصادية تتمثل في استمرار تدفق السياح الروس، ورجال أعمال ومستثمرين روس، والذين قد يجدوا في تركيا بيئة مناسبة في ظل العقوبات الغربية التي يتوقع لها أن تطول، كما أن تركيا فيما يبدو تتجه لتعزيز الروابط التجارية مع روسيا التي تسعى لضمان توفير بدائل لإغلاق الأسواق الأوروبية.
  • لذلك؛ يبدو التخلي ولو مؤقتا عن عملية عسكرية في شمال سوريا هو السيناريو المرجح، ليس فقط لتجنب إعادة التوتر مع الغرب خاصة الولايات المتحدة التي كررت رفضها لمثل هذه العملية؛ ولكن لعدم تضرر التفاهمات مع روسيا أيضا، وهو ما أشار إليه الرئيس “أردوغان” خلال عودته من طهران، حيث ألمح في حديث مع الصحفيين -على طائرة العودة- إلى أن أنقرة قد تعيد النظر في توقيت العملية العسكرية في شمال سوريا حتى لا تأتي بنتائج سلبية على ملفات التعاون التي تعززت بين البلدان الثلاث (تركيا وروسيا وإيران) خلال القمة وفي الآونة الأخيرة عمومًا، ولم يتم الإعلان عن تفاصيل هذه التفاهمات الثلاثية، لكنّها حسب المؤشرات تركزت حول آليات للتجارة بين الدول الثلاث بالعملات المحلية، وهو توجه بات ضروريا لكل من موسكو وطهران لمواجهة سياسة العقوبات الأمريكية، وهو ما عززته تقارير صحفية نقلت تأكيد “أردوغان” على اتفاقه مع “بوتين” على تحويل تركيا جزء من مدفوعات الغاز الروسي إلى الروبل.
  • في المقابل؛ لا يعني هذا أن تركيا تخلت عن أهدافها الأمنية في شمال سوريا، حيث توسعت مؤخرا بالفعل في العمليات الأمنية في شمال العراق ومناطق بسوريا، لاستهداف قادة وكوادر حزب العمال الكردستاني والمجموعات السورية المرتبطة به، وتبدو هذه العمليات التي تعتمد على جهد استخباري لافت، واستخدام أوسع لسلاح الطائرات بدون طيار، وحتى الطيران العسكري، أقل تكلفة من ناحية انعكاسها على العلاقات مع طرفي المعادلة السورية (روسيا وإيران من ناحية، والولايات المتحدة من ناحية أخرى)، هدوء التوترات خلال الأشهر القليلة القادمة مهم للحكومة التركية لأنه يعني استمرار التدفق الواسع للسياح من كافة بقاع العالم إلى تركيا، التي تشير الأرقام إلى أنها بصدد تحقيق معدلات سياحة قد تفوق مستويات ما قبل الجائحة.
  • يدرك “بوتين” جيدا أن أنقرة لن تكون جزءً من تحالف مناهض للغرب في حرب أوكرانيا، كما أنه يعي موقعها كعضو رئيسي في حلف “الناتو” الذي يصعّد من جهوده لإبقاء النفوذ الروسي داخل حدوده روسيا، لكنّه في المقابل يفتقد لأصدقاء في أوروبا مقارنة بوضع الاتحاد السوفيتي السابق الذي كان يتمتع بستار حديدي من دول أوروبا الشرقية، لذلك؛ تمثل مقاربة تركيا المتوازنة فرصة لبوتين للإبقاء على بعض الصداقات المهمة في أوروبا، بالإضافة لكونها أحد الأسواق المهمة لاستقبال واردات الطاقة، وفي ظل حالة التعبئة الغربية في مواجهة روسيا يبدو الموقف التركي مهماً لموسكو لأنه يمثل قناة مفيدة لإدارة المصالح التكتيكية. (طالع المزيد: مآلات حرب أوكرانيا وإعادة رسم حدود صراع الغرب وروسيا)
  • بصورة عامة؛ تتماشى هذه التحركات التركية مع تقديرنا في “أسباب” بأن أنقرة ستواصل السعي لإرساء سياسة خارجية أكثر استقلالا عن الغرب، لكنّها ليست معادية له؛ حيث لا تخطط تركيا للتخلي عن تحالفها الاستراتيجي العسكري مع الغرب، كما لا تنوي الحد من العلاقات الاقتصادية الواسعة معه، والحقيقة أنها تعمل على تعزيز كليهما، لكنّها في المقابل تعمل على تنويع علاقاتها الاقتصادية والأمنية كي تقلل من فرص تعرضها لضغوط حلفائها وأعدائها على حد سواء، الحدود التي ستصل إليها تركيا في هذا المسعى مازالت محل اختبار، خاصة وأن سياستها تجاه حرب أوكرانيا لم تتعارض مع مصالح الغرب، بل هي محل ترحيب كونها توفر قناة للتفاهمات مع موسكو.