تركيا و”إسرائيل”: ملامح تفاهمات إقليمية يعززها التعاون في مجال الغاز
سياقات - مارس 2022
تحميل الإصدار

الحدث

استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الأربعاء 9 مارس/آذار 2022، في العاصمة التركية أنقرة، الرئيس “الإسرائيلي” (إسحق هرتسوغ)، في أول زيارة من نوعها منذ 14 عاما. استغرقت الزيارة يومين تم خلالها استكمال مناقشة خطوات استعادة العلاقات بين الجانبين، بعد لقاءات متواصلة جرت منذ أشهر بين الجانبين على مستويات متعددة، أغلبها عبر القنوات الأمنية. ومرت العلاقات التركية الإسرائيلية بفترة من التوترات والقطيعة منذ حادث السفينة مرمرة في عام 2010 والذي أسفر عن مقتل نشطاء أتراك على أيدي القوات الإسرائيلية. ورغم تسوية القضية، إلا أن العلاقات السياسية لم تعد إلى سابق عهدها، بينما تزايدت وتيرة التعاون الاقتصادي خلال العقد الماضي، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين الجانبين من 3.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 8.1 مليار دولار في عام 2021.

التحليل: أبعاد استراتيجية لتطبيع علاقات تركيا و”إسرائيل”

قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إن علاقات إسرئيل بتركيا مهمة لتعزيز الاستقرار في المنطقة.
  • أطلقت أنقرة مراجعة لسياستها الخارجية في النصف الثاني من 2020، ضمن تقييم عام استهدف الاستعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية حاسمة عام 2023. بدأ الحزب الحاكم بمراجعة للأوضاع الداخلية، خاصة الضغوط الاقتصادية التي تطلبت بالأساس تخفيف التوترات الجيوسياسية. ومن ثم تبنت أنقرة سياسة تهدئة جادة مع الاتحاد الأوروبي، الشريك الاقتصادي الأول لتركيا. كما بدأت تخفيف حدة الصراع مع الأطراف الإقليمية، السعودية ومصر، واليونان، و”إسرائيل”، والإمارات. ثم جاء تغير الإدارة الأمريكية وفوز “بايدن”، ليعزز من مناخ التهدئة الإقليمية بشكل عام. 
  • كذلك، تسعى تركيا إلى التصدي لمساعي فرض العزلة عليها في منطقة شرق المتوسط التي قادتها مصر واليونان، ومن ثم عملت على فتح مسارات للتفاهم مع مصر خاصة في ملفي الترسيم البحري والصراع في ليبيا، ثم التعاون في مجال الطاقة مع مصر و”إسرائيل” بهدف تخفيف حدة عداء التحالف القائم بين مصر، واليونان، و”إسرائيل”، وقبرص، والذي مثل العداء لتركيا أحد أهم دوافعه.
  • تحمل زيارة رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي لأنقرة مؤشرات هامة تجاه تفعيل مسارات تعاون بين الجانبين خاصة في الجانب الاقتصادي. وفي حين تبدو تركيا حاسمة نحو تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، فإنها توازن بين هذا التوجه وبين تمسكها بنفوذها المتنامي في القدس وفي الملف الفلسطيني بصورة عامة. وتسعى لأن يسهل تطبيع العلاقات مع تل أبيب من ممارسة نفوذ أوسع في الملف الفلسطيني. 
  • في المقابل، تسعى تل أبيب لتحقيق التوازن بين تحالفاتها في شرق المتوسط وامتعاضها من بعض المواقف التركية تجاه القضية الفلسطينية، وبين عدم تفويت فرصة إصلاح علاقتها بتركيا، والتي تحمل آفاقا اقتصادية وأمنية مهمة، خاصة في ظل ترجيح التوصل لاتفاق نووي دولي مع إيران. 

الطاقة كمحور استراتيجي في حسابات الكيان “الإسرائيلي”

  • تبحث “إسرائيل” عن مسارات إضافية لصادراتها من الغاز الطبيعي بجانب المسارين المصري والأردني، حيث تمتلك احتياطات ضخمة في حقلي “ليفايثان” و”تمار” تصل إلى 900 مليار متر مكعب. بينما تفتقد لأي محطات لتسييل الغاز. وتعتمد في تصدير الغاز على مسارين لخطوط الأنابيب:
    1. خط العريش-عسقلان والذي ينقل الغاز “الإسرائيلي” إلى محطات التسييل المصرية. 
    2. خط داخلي يمر من حقل “ليفايثان” شمال “إسرائيل” إلى شمال الأردن. ومؤخرا تم استخدام نفس المسار الأردني في زيادة كميات الغاز المصدرة إلى مصر.
  • ثمة أسباب تدفع “إسرائيل” حاليا للبحث عن مسارات أخرى لتعظيم الاستفادة من احتياطات الغاز لديها: 

أولاً حرب روسيا على أوكرانيا

التي دفعت أوروبا إلى البحث عن بدائل للغاز الروسي الذي يغطي 40% من احتياجاتها، إضافة لارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى مستويات غير مسبوقة، مما يجعل “إسرائيل” ضمن البدائل المقترحة في المدى الطويل لتعويض أوروبا عن الغاز الروسي. 

ثانياً في يناير 2022 تخلت الولايات المتحدة عن دعمها لخط أنابيب الغاز إيست ميد (EastMed)

والذي كان من المفترض أن ينقل الغاز من “إسرائيل” وقبرص إلى أوروبا. ورغم أن الخط الذي يبلغ طوله 1900 كم وتكلفته تصل لـ7 مليار دولار، كان يواجه تحديات فنية ومالية؛ إلا أن التحدي الرئيسي أمام الخط تمثَّل في الأزمات الجيوسياسية المعقدة في منطقة شرق المتوسط والتي أدت في النهاية إلى تخلي واشنطن رسيما عن دعم المشروع. 

ثالثاً، على المدى الطويل، فإن الاتجاه الدولي المتسارع نحو الطاقة المتجددة

والذي يقود إلى توقعات بانخفاض الطلب على الغاز الطبيعي بشكل ملحوظ بحلول عام 2050، يدفع “إسرائيل” لتعجيل الاستفادة من احتياطات الغاز لديها.

لهذه الأسباب، قد تعيد “إسرائيل” التفكير في مشروع عطله توتر علاقاتها مع تركيا، وهو نقل الغاز إلى تركيا عبر خط أنابيب بحري. يُعد هذا المشروع الأقصر والأقل تكلفة للأسواق الأوروبية، كما يتجنب مناطق النزاع في شرق المتوسط بين تركيا من ناحية، واليونان وقبرص من ناحية أخرى.

وفي نفس الوقت، تُعد تركيا مستورداً كبيراً للغاز الطبيعي، وتحرص على تنويع مصادر وارداتها (روسيا-أذربيجان-إيران). كما تحرص على تموضعها كناقل للغاز الطبيعي إلى الأسواق الأوروبية، والذي لا يقدم لها مكاسب اقتصادية فحسب، ولكنه يمنحها كذلك مكاسب جيوسياسية في علاقاتها مع أوروبا. أي أن مشروع نقل الغاز “الإسرائيلي” إلى أوروبا يمكن أن يخدم أهدافا استراتيجية مشتركة بين أنقرة وتل أبيب. وربما يمثل هذا المشروع الجسر الاقتصادي الذي يخلق مصلحة جيوسياسية مشتركة للطرفين في المستقبل القريب.