شراكة استراتيجية بين أمريكا وجزر المحيط الهادئ كأحدث مظاهر الحرب الباردة مع الصين
سياقات - أكتوبر 2022
تحميل الإصدار

الحدث

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، عن أول وثيقة إستراتيجية لها على الإطلاق للشراكة مع دول جزر المحيط الهادئ في قمة غير مسبوقة استضافتها يومي 28 و29 سبتمبر/أيلول الماضي، وقد صادق جميع قادة دول جزر المحيط الهادئ الـ 14 الذين حضروا القمة على الوثيقة، التي تتضمن العديد من البنود لزيادة التعاون، ووفقا للوثيقة فإن الولايات المتحدة ستستثمر ما يناهز 810 مليون دولار في برامج موسعة لمساعدة جزر المحيط الهادئ في البنية التحتية والتعليم ومكافحة تغير المناخ.

جزر المحيط الهادئ في معادلة التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين

التحليل: جزر المحيط الهادئ في معادلة التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين

  • تأتي هذه الخطوة في إطار تصاعد جهود الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ الصيني المتصاعد في جزر المحيط الهادئ، حيث تسعى واشنطن إلى إعادة بناء نفوذها في المنطقة عبر التركيز على المجالات ذات الاهتمام الرئيسي لبلدان جزر المحيط الهادئ، والمتمثلة في التنمية الاقتصادية وتعزيز قدرة الدول على الصمود أمام ارتفاع مستويات سطح البحر والظواهر المناخية القاسية المتعلقة بتغير المناخ وهي القضية الأهم لتلك الدول.
  • تمتلك الولايات المتحدة سجلا حافلا بالسياسات المتقلبة مع جزر المحيط الهادئ، مما رسخ التصورات لدى الدول الجزرية بعدم الثقة في علاقات طويلة الأجل مع واشنطن، حيث تدرك هذه الدول أن أولوية أمريكا في المنطقة ترتبط بمصالح واشنطن الأمنية، لذلك؛ تركز الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في منطقة المحيط الهادئ على إعادة بناء الثقة مع دول المنطقة عبر عقد شراكات اقتصادية وتنموية على نطاق واسع، الأمر الذي حرصت واشنطن على تأكيده في وثيقة الشراكة الاستراتيجية، إذ أعلنت اهتمامها بتعزيز “منتدى جزر المحيط الهادئ” (PIF)، وهي المنصة الرئيسية متعددة الأطراف في المنطقة، وفي الوقت نفسه، قللت واشنطن من التأكيد على أهدافها الأمنية في وثيقة الشراكة.
  • بينما تعتمد أمريكا على تحقيق مصالحها الأمنية في المنطقة من خلال إقامة تحالفات أمنية وعسكرية في نطاق ضيق، كما هو الحال في تحالفها الثلاثي أوكوس مع بريطانيا وأستراليا، وكذلك “اتفاقيات الارتباط الحر” مع “بالاو” و”جزر مارشال” و”ميكرونيزيا” والتي تسمح للجيش الأمريكي بالوصول إلى المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية مقابل المساعدات الاقتصادية، تأمل الولايات المتحدة من خلال تلك الاستراتيجية في تعزيز قدراتها العسكرية، وحماية خطوط الاتصال الحيوية في المحيط الهادئ.
  • في الجانب الآخر؛ بدأت الصين خلال السنوات القليلة الماضية جهودا متدرجة لملء الفجوة التي أحدثها الغياب الأمريكي طويل الأجل عن منطقة جزر المحيط الهادئ، ولم تدرك واشنطن وحلفاؤها حجم الاختراق الصيني للمنطقة إلا بعد أن وقعت بكين إتفاقية أمنية مع جزر سليمان في أبريل/نيسان الماضي، وهي الاتفاقية التي منحت الصين أول موطئ قدم عسكري لها في جنوب المحيط الهادئ، وتسعى بكين من خلال تعميق علاقاتها مع دول جزر المحيط الهادئ إلى تعزيز مصالحها الجيوسياسية في المنطقة، والمتمثلة في تحقيق الانتشار الاستراتيجي والذي يُمكّن بكين من تطويق ومحاصرة “تايوان” تمهيدا لضمها للأراضي الصينية في المستقبل، كما تأمل الصين أيضًا في تأمين ممرات الشحن الحيوية في بحر الصين الجنوبي، وكذلك بناء القدرة على تعطيل خطوط الاتصال بعيدة المدى بين واشنطن وشركائها الآسيويين.
  • في إطار التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين في منطقة جزر المحيط الهادئ، ويبدو أن كلا الطرفين ينتهج استراتيجية تختلف إلى حد كبير عن الآخر، إذ تستهدف الاستراتيجية الصينية إقامة شراكات متعددة الأطراف تتضمن سياسات تجارية وأمنية تفصيلية ومحددة، حيث اقترحت بكين في مايو/أيار الماضي اتفاقا تجاريا وأمنيا مع جزر المحيط الهادئ، والذي رفضته الجزر بسبب تخوفاتها من المقترح الذي يمنح بكين وصولاً أمنياً وعسكرياً للمنطقة، بينما ارتكزت وثيقة الاستراتيجية الأمريكية على الالتزام فقط بمبادئ المشاركة مع جزر المحيط الهادئ دون الإشارة إلى تفاصيل إجرائية، وكذلك حرصت واشنطن على تجنب الأهداف الأمنية، الأمر الذي دفع جميع دول جزر المحيط الهادئ إلى التوقيع على الوثيقة بالرغم من الاعتراضات التي أبدتها جزر سليمان وتراجعت عنها فيما بعد.

الخلاصة

  • بالرغم من أن دول جزر المحيط الهادئ لا يمكن اعتبارها شركاء اقتصاديين مهمين للولايات المتحدة أو للصين؛ إلا أن الأهمية الاستراتيجية لهذه الجزر قد برزت خلال المنافسة الجيوسياسية المتزايدة بين واشنطن وبكين في منطقة المحيط الهادئ خلال السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي دفع كلا القوتين الدوليتين إلى السعي لتعزيز نفوذهما في جزر المحيط الهادئ عبر بناء العلاقات وعقد الشراكات مع دول المنطقة.
  • سيتمثل التحدي الأبرز أمام واشنطن لإنجاح التعاون مع الباسفيك في قدرتها على تلبية الاحتياجات الرئيسية للدول الجزرية بشكل أكثر فعالية من بكين، دون أن تتسبب الضرورات الأمنية والأولويات العديدة الأخرى لواشنطن حول العالم بتقويض الشراكة الجديدة.
  • ستواصل الباسفيك استخدام قوتها التفاوضية التي اكتسبتها من التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وبكين من أجل تعظيم الاستثمارات والمزيد من الإجراءات بشأن تغير المناخ؛ حيث سيتمثل التحدي الرئيسي لحكومات جزر المحيط الهادئ في استمرار جني المكاسب الاقتصادية والتنموية من هذه الاتفاقيات، دون التورط في مخاطر الاختيار الصفري ما بين الولايات المتحدة والصين، وتحمل مخاطر لعبة التنافس القطبي بين القوتين الدوليتين.