“جزر سليمان” محطة جديدة في الطريق إلى الحرب الباردة بين أمريكا والصين
سياقات - أبريل 2022
تحميل الإصدار

الحدث

● أعلنت الصين إبرام اتفاق أمني واسع النطاق مع “جزر سليمان”، الثلاثاء 19 أبريل/نيسان الجاري، و”جزر سليمان” هي دولة أرخبيلية تضم ما يقرب من 1000 جزيرة استوائية وجزيرة مرجانية، بينها ستة جزر رئيسية، تقع بين “فانواتو” و”بابوا غينيا الجديدة”، وتواجه الشمال الشرقي لأستراليا على بعد حوالي 1600 كيلومتر. ويبلغ عدد سكانها نحو 800 ألف نسمة.
● وصف وزير الخارجية الصيني “وانغ وينبين” الاتفاق بأنه “تعاون طبيعي بين دولتين مستقلتين تتمتعان بالسيادة”، فيما حاول رئيس وزراء “جزر سليمان”، “ماناسيه سوغافاري”، التقليل من المخاوف الغربية، بالتأكيد على عدم وجود خطط لبناء أي قاعدة بحرية صينية في جزر سليمان، لكنّ مسودة غير مؤكدة للاتفاق سُرّبت الشهر الماضي تثير قلق الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا؛ لأنها تضمنت مقترحات تجيز نشر قوات من الشرطة والبحرية الصينية في الأرخبيل، بطلب حكومة “جزر سليمان” للحفاظ على “النظام الاجتماعي”.
● في تحرك سريع، أعلن البيت الأبيض، الجمعة 22 أبريل/نيسان، أن وفدا أمريكيا رفيع المستوى، من مسؤولين كبار في مجلس الأمن القومي، ووزارة الخارجية، والبنتاغون، حذر القيادة في “جزر سليمان” من أن هذا الاتفاق “قد تكون له تداعيات أمنية إقليمية” على واشنطن وحلفائها، وذكر البيت الأبيض أن “الوفد أوضح أنه إذا اتّخذت خطوات باتجاه وجود عسكري دائم بحكم الأمر الواقع، أو لفرض الهيمنة أو لإقامة منشأة عسكرية، فستكون للولايات المتحدة هواجس كثيرة وسترد وفق ما يقتضيه الأمر“، الوفد الأمريكي الذي أجرى جولة شملت هاواي وفيجي وبابوا غينيا الجديدة وجرز سليمان، وبدأت قبل يوم من إعلان توقيع الاتفاق، اجتمع مع “سوغافاري” و24 شخصا بين أعضاء في الحكومة ومسؤولين رفيعي المستوى في الأرخبيل، وبحث تسريع فتح سفارة أميركية، و”تعزيز الروابط بين الشعبين”، وبحسب الإعلان الأمريكي، فقد جدد رئيس الوزراء “سوغافاري” التأكيد على تطميناته بشأن عدم تضمن الاتفاق إقامة أي قاعدة عسكرية صينية، أو وجود طويل الأمد أو فرض هيمنة.

جزر سليمان

التحليل: جزر جنوب الهادئ الصغيرة تعود إلى اللعبة الجيوسياسية الكبرى

  • دولة “جزر سليمان” غير بعيدة عن ممرات التجارة التي تربط الولايات المتحدة بآسيا، ويمكن استخدامها لإغلاق ممرات الشحن الحيوية الخاصة بأستراليا ونيوزيلندا، وطالما كانت “جزر سليمان”، وجيرانها، أولوية استراتيجية في جنوب المحيط الهادئ منذ الحرب العالمية الثانية، حيث بادرت اليابان باحتلالها لتأمين مجالها الجنوبي، قبل أن يطرد الأمريكيون وقوات الحلفاء قوات جيش الإمبراطورية الياباني في معارك طويلة وقاسية، أشهرها معركة وادي القنال Guadalcanal.
  • مع انتهاء الحرب الباردة، وهيمنة الولايات المتحدة على الهادئ، تراجعت الأهمية الجيوسياسية لجزر جنوب المحيط الهادئ الصغيرة، حيث أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في هونيارا، عاصمة “جزر سليمان”، قبل 29 عامًا. لكنّ الصعود الصيني ووضع واشنطن جهود احتواء الصين كأولوية خارجية أعاد الأهمية الجيوسياسية لهذه الدول الصغيرة، في فبراير/شباط من هذا العام تعهدت واشنطن بإعادة فتح سفارتها، وفي نفس الشهر، أصبح “أنتوني بلينكين” أول وزير خارجية أمريكي يزور “جمهورية جزر فيجي” منذ ما يقرب من 40 عامًا.
  • تبرر حكومة “جزر سليمان” توقيع الاتفاقية بحاجتها إلى “تنويع” علاقاتها مع “شركاء آخرين”، بحسب رئيس الوزراء، وموازنة علاقاتها مع أستراليا، ضمن سياسة “أصدقاء للجميع، لا أعداء لأحد” ”friends to all, enemies to none” التي أعلنتها الحكومة عام 2020، قبل ذلك، وفي عام 2019، حولت “جزر سليمان” الاعتراف الدبلوماسي إلى الصين من تايوان، منذ ذلك الحين عززت الصين العلاقات الاقتصادية، بإشراك “جزر سليمان” في مبادرة الحزام والطريق، ووعدت ببناء ملعب بملايين الدولارات في البلاد قبل دورة ألعاب المحيط الهادئ العام المقبل، وباتت الشركات الصينية تهيمن تقريبًا على كل قطاع من قطاعات اقتصاد “جزر سليمان”، بدءًا من استخراج الموارد الطبيعية إلى تجارة التجزئة، وزادت المساعدات المقدمة إلى حكومة جزر سليمان، بما قوض مكانة أستراليا كأكبر جهة مانحة للأرخبيل.
  • كانت ردود الفعل في “جزر سليمان” حادة، في استطلاع للرأي أواخر العام الماضي، قال أكثر من 90 في المائة من سكان جزر سليمان إنهم يريدون أن تعمل بلادهم عن كثب مع الدول الديمقراطية الليبرالية بدلاً من الصين، وقال 79 في المائة إنهم لا يريدون أن تتلقى بلادهم مساعدات مالية من الصين، لذلك من المرجح أن يفاقم الاتفاق التوترات بين أولئك الذين يدعمون توثيق العلاقات مع الصين وأولئك الذين لا يدعمونها، وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، هزت عاصمة البلاد “هونيارا” احتجاجات تطالب “سوغافاري” بالتنحي بسبب قرار 2019 بإنهاء العلاقات مع تايوان، بالإضافة إلى الغضب من الحكومة والصعوبات الاقتصادية التي تفاقمت بسبب جائحة كوفيد، تصاعدت الاحتجاجات، مما أدى إلى أعمال عنف وإحراق وتخريب العديد من الشركات المملوكة للصينيين.
  • تدخلت أستراليا لنشر قوات لحفظ السلام في “جزر سليمان” بطلب من حكومة الأرخبيل، بموجب معاهدة أمنية ثنائية وقعها البلدان في عام 2017، منذ ذلك الحين، سعت بكين إلى تعزيز وسائل حفظ الأمن في الجزيرة، فأرسلت مدربين للشرطة ومعدات لمكافحة الشغب، ويجادل رئيس الوزراء “سوغافاري” بأن الاتفاق ضروري لتغطية “الثغرات الأمنية الحرجة” وتحسين قدرة السلطات على التعامل مع عدم الاستقرار، بينما يرى معارضو “سوغافاري”، الذي يقود الحكومة للمرة الرابعة، أن دوافعه أقل ارتباطا باللعبة الجيوسياسية الدولية، وتتعلق أكثر برغبته في حماية بقائه في السلطة، حيث أشار إلى أنه يريد تأجيل انتخابات العام المقبل عن طريق تعديل الدستور، ومن ثم، يشعر معارضوه بالقلق من أن تحديه قد يؤدي إلى مزيد من الاحتجاجات، ومن ثم يفتح الباب لطلب المساعدة الصينية، فتهديد أي شيء تقريبًا مرتبطًا بالصين، من مواطنيها إلى الشركات الصغيرة إلى البنية التحتية التي يبنيها أي مقاول صيني، كافيًا لاستدعاء القوات الصينية، لذا؛ فإن التهديد بالتدخل الصيني بات يقوض بالفعل الديمقراطية في بلادهم.

إقرأ أيضاً:

تسعير النفط السعودي باليوان الصيني.. مناورة أم تحول استراتيجي؟

صواريخ الصين الباليستية..خيارات السعودية الصعبة بين واشنطن وبكين

جنوب شرق آسيا..حلبة جديدة للمنافسة الأمريكية الصينية

الصين والهند في صراع للاستحواذ على السوق في آسيا.. من ينجح؟

أما من جانب الصين، فإن الاتفاقية تقدم دلالات هامة:

  • أولا: تتبع الاتفاقية نفس نمط الاتفاقيات “الغامضة” الذي انتهجته الصين في مناطق أخرى، آخرها إيران، حيث تقدم الصين صفقات تظل تفاصيلها غير معلنة، تشمل المساعدة الإنمائية ومشروعات البنية التحتية الاستراتيجية وترتيبات أمنية وتعاون عسكري، وكان من اللافت أن تعليقات الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي لم تستشهد أبدا بنص الاتفاقية، أي أن النص النهائي مازال غامضا، لذا يصعب الحكم على آثاره الكاملة، وإذا كانت الصين لديها القدرة على جلب السفن والأفراد العسكريين إلى “جزر سليمان”، فلن تكون هناك حاجة حقيقية لقاعدة عسكرية دائمة، كما أن الاتفاقية “الغامضة” يمكن أن تتطور لاحقا كما حدث في حالة الاتفاق بين الصين وجيبوتي في القرن الأفريقي.
  • ثانيا: تشير الاتفاقية إلى أن سياسة ضبط النفس التي طالما تفضلها بكين آخذة في التآكل، مع السعي إلى تطبيع وجود قوات الأمن والدفاع الصينية في الخارج، في محاولة لتغيير نظرة العالم إزاء دورها من “توسع صيني” إلى الاعتراف بالوجود الصيني. قبل عدة سنوات، تحولت بكين من المساهمة في بعثات الأمم المتحدة بعناصر الشرطة فقط إلى المساهمة بالوحدات العسكرية كوسيلة لبدء تطبيع وجود القوات الصينية في الخارج، وفي عام 2017، افتتحت الصين أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي بعد عدة سنوات من الانضمام إلى عمليات مكافحة القرصنة الدولية في خليج عدن، وفي السنوات الأخيرة، عززت الصين تدريبها المشترك على الدفاع ومكافحة الإرهاب مع دول منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) في آسيا الوسطى، وتشير التقارير إلى قيام الصين بتدريب وبناء نقاط حدودية لقوات الأمن الطاجيكية، وربما تقوم أيضًا بنشر وحدة صغيرة خاصة بها داخل طاجيكستان كجزء من عمليات مكافحة الإرهاب الإقليمية.
  • ثالثا: يمنح الاتفاق الصين فرصة لإغراء دول صغيرة أخرى تسعى إلى تعزيز أمنها الداخلي وتنويع علاقاتها الأمنية الخارجية، وبالتالي، قد تصبح صفقة “جزر سليمان” نموذجًا للمساعدة الأمنية الصينية في أماكن أخرى، في آسيا الوسطى وجنوب آسيا وأفريقيا، وبينما تنتشر الاستثمارات الصيني في كل مكان في العالم، خاصة بعد أن وقعت أكثر من 140 دولة على مبادرة الحزام والطريق، فقد تواجه بعض هذه الدول ضغوط للقبول بترتيبات تسمح لقوات الصينية بالتدخل لحماية المشروعات والأصول المملوكة للصين، أي أن الصين ربما تحاول إرساء مبدأ استخدام القوة العسكرية لحماية وجودها الاقتصادي في الأماكن التي تدعي أن الحكومة لا تملك فيها القدرة على تحقيق الاستقرار.

الخلاصة

  • يندرج الاتفاق بصورة مباشرة في إطار توسع النفوذ الصيني، والانتشار الاستراتيجي لبكين في منطقة المحيط الهادئ والطرق التجارية، ويتزايد القلق الأمريكي بصورة خاصة لأن الاتفاقية ستمنح بكين أول موطئ قدم عسكري لها في جنوب المحيط الهادئ، كان إعلان الصين عن التوقيع قبل يوم واحد من زيارة الوفد الأمريكي لجزر سليمان، بمثابة فتح جبهة جديدة في التنافس الجيوسياسي بين الصين والغرب.
  • الاتفاقية ستحفز انخراطًا غربيًا أكبر مع دول جزر المحيط الهادئ التي أصبحت مجددا في قلب التنافس الدولي، والتي تظهر بالفعل في مبادرات مثل “تعهد واشنطن باسيفيك” Washington’s Pacific Pledge، و”أستراليا باسيفيك ستيب أب” Australia’s Pacific Step-Up، و”إعادة ضبط باسيفيك نيوزيلندا” New Zealand’s Pacific Reset، “نهوض باسيفيك المملكة المتحدة” The U.K.’s Pacific Uplift، بالإضافة إلى إعادة فتح السفارة الأمريكية في هونيارا.
  • تخلق الاتفاقية تحديا بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها خاصة أستراليا إزاء نفوذ الصين المتزايد، وتشير إلى أن سياسة “إعادة الصين إلى صندوقها” لا تبدو ناجعة، ولا يكفي التعويل في المدى البعيد على إمكانية تقليص قوة الصين في المنطقة إلى الحد الأدنى، ذلك يعني أن أستراليا أقل أمنا نتيجة لهذا الاتفاق، وسيدفع هذا أستراليا إلى أحد طريقين: الأول هو التعايش مع النفوذ الصيني، بينما الثاني هو تعزيز التعاون مع واشنطن والانخراط في جهود احتواء الصين طويلة الأجل، الراجح حتى الآن أن أستراليا تتبنى النهج الثاني.

مصادر

Baker, R. (2022, April, 8). In the Solomon Islands, China seeks to normalize its global security presence. Stratfor. https://worldview.stratfor.com/article/solomon-islands-china-seeks-normalize-its-global-security-presence

Cave, D. (2022, April 20). Why a Chinese security deal in the Pacific could ripple through the world. The New York Times. https://www.nytimes.com/2022/04/20/world/australia/china-solomon-islands-security-pact.html?

Gunia, A. (2022, April 20). An Archipelago in the South Pacific is becoming the newest scene of tensions between China and the U.S. Time. https://time.com/6168173/solomon-islands-china-security-pact/