دعوة “ماكرون” للاستقلال الاستراتيجي عن أمريكا.. هل تثير انقساما غربيا تجاه الصين؟
سياقات - أبريل 2023
تحميل الإصدار

الحدث

صرح الرئيس الفرنسي “إمانويل ماكرون” أن على أوروبا أن تنأى بنفسها عن التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان، وأن تتجنب الخطر الكبير المتمثل في الوقوع في أزمات ليست خاصة بأوروبا. جاءت تصريحات الرئيس الفرنسي، التي أثارت الجدل في واشنطن وعواصم أوروبية، خلال مقابلة أجراها مع مراسلين من موقع بوليتيكو (Politico) والصحيفة الفرنسية اليومية (Les Echos)، بعد زيارته للصين مع رئيسة المفوضية الأوروبية “فون دير لاين” في مطلع الشهر الجاري، وهي خامس زيارة يقوم بها قادة أوروبيون إلى بكين منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بما في ذلك المستشار الألمانى “أولاف شولتس” ورئيس المجلس الأوروبي “تشارلز ميشيل” ورئيس الوزراء الإسباني “بيدرو سانشيز”. 

مساعي ماكرون للزعامة الأوروبية تصطدم بتواصل اعتماد فرنسا الأمني على واشنطن 

التحليل: مساعي ماكرون للزعامة الأوروبية تصطدم بتواصل اعتماد فرنسا الأمني على واشنطن 

تأتي تصريحات “ماكرون” في سياق دفعه باتجاه سياسة خارجية أوروبية أكثر استقلالية مع تكامل أوثق ومزيد من الإنفاق المشترك من الاتحاد الأوروبي، تحت لافتة “الاستقلال الاستراتيجي” للاتحاد الأوروبي (Strategic Autonomy). حيث تتطلع باريس إلى الحد من الاعتماد الأمني الأوروبي على الولايات المتحدة، وتعزيز استقلالية أوروبا لتجنب مخاطر تحول الكتلة الأوروبية إلى دول تابعة حال حدوث أزمة عالمية مثل مواجهة أمريكية صينية حول تايوان على سبيل المثال.

  • سعى ماكرون خلال زيارته للصين إلى رسم نهج مختلف في العلاقات مع بكين مقارنة بنهج الولايات المتحدة الأكثر صرامة، وبدلا من إظهار روح الوحدة الأوروبية، عكست تصريحات ماكرون انقسامات محتملة داخل الكتلة الأوروبية حول النهج تجاه الصين، حيث ترى العديد من عواصم أوروبا الشرقية أن هناك توازيا بين التهديدات التي تمثلها الصين لتايوان والتهديدات التي يمكن أن تمثلها روسيا لدول أوروبا الشرقية، وهو الأمر الذي يدفع تلك الدول إلى رفض التصريحات الفرنسية والحرص على وحدة الموقف السياسي مع واشنطن تجاه الصين.
  • تسلط الزيارات المتتالية لقادة بعض الدول الغربية لبكين الضوء على نهج أوروبا ثنائي المسار نحو الصين؛ إذ تواصل دول الاتحاد الأوروبي انتقادها لدعم الصين لروسيا، والتهديد بفرض عقوبات إذا زودت بكين موسكو بالأسلحة، وكذلك مطالبة بكين باحترام حقوق الإنسان؛ لكنها في الوقت نفسه مهتمة بالحفاظ على قنوات اتصال رفيعة المستوى مع الصين، وتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية الوثيقة بين الجانبين. 
  • ومع ذلك؛ فإن العلاقات الاقتصادية بين بكين والكتلة الأوروبية قد تأثرت إلى حد ما خلال السنوات الأخيرة بسبب استمرار المخاوف الجيوسياسية وكذلك المتعلقة بحقوق الإنسان في السيطرة على علاقة العديد من دول الاتحاد الأوروبي بالصين. وبالنظر إلى حجم الاستثمارات الصينية المباشرة داخل السوق الأوروبية فقد تقلصت من 47.4 مليار يورو في عام 2015 إلى 10.6 مليار يورو في عام 2021، كما أن الاقتراح الذي مضى عليه عقد من الزمن بشأن “اتفاقية شاملة للاستثمار” بين الصين والاتحاد الأوروبي لم يصبح محلاً للنقاش والتفاوض بين الجانبين.
  • على الجانب الآخر؛ تواصل الصين جهودها لبناء علاقات ثنائية قوية، خاصة مع القادة الأوروبيين، بهدف إحباط التنسيق الدبلوماسي الواسع بين الدول الغربية وواشنطن تجاه بكين، وكذلك تقويض محاولات الولايات المتحدة لعزل الصين اقتصادياً. وتأتي الخطوات الصينية لاكتساب أصدقاء جدد في وقت أظهرت فيه بكين نفسها أكثر مبادرة من الناحية الدبلوماسية، وتحديداً من خلال التوسط في استعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، وكذلك -ولكن بدرجة أقل- عندما أعلنت عن مقترح مكون من 12 نقطة لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
  • ويُنظر إلى الترويج الفرنسي لاستقلال أوروبا الاستراتيجي الريبة والتشكك داخل الكتلة الأوروبية لاسيما بعد المحاولات الفرنسية الفاشلة لإشراك “بوتين” في مسار أقل عدوانية قبل أن يقوم الأخير بغزو أوكرانيا مطلع العام الماضي. لذلك؛ ليس من المتوقع أن تتسبب تصريحات ماكرون في إحداث شرخ في وحدة الموقف الغربي من خلال الاتجاه إلى نهج أكثر تشددا نحو الصين والاحتشاد خلف أجندة “فون دير لاين” للأمن الاقتصادي، والتي ترتكز على تطوير أوروبا لاستراتيجيتها الخاصة بالمشاركة الاقتصادية مع الصين. 
  • وتبدو الدعوة الفرنسية مبالغة في تصوير قدرة الكتلة الأوروبية على الاستقلال الأمني عن الولايات المتحدة؛ فبينما لا تعارض واشنطن العلاقات التجارية الأوروبية مع الصين، قد نجحت مؤخرا وبالفعل من خلال الناتو، ومن خلال مجموعة السبع، في توحيد الموقف الغربي إزاء خطورة مساعي الصين لتغيير النظام الدولي، ومن ثم أطلقت من خلال الناتو ومجموعة السبع خططا استراتيجية لاحتواء جهود الصين، والحد من العلاقات العسكرية والتكنولوجية المتقدمة معها، فضلا عن منافستها في جهود التنمية الدولية، ودعم الدول الفقيرة التي توظفها الصين لحيازة نفوذ طويل الأجل في آسيا وأفريقيا بصورة خاصة.