بايدن يدشن الحرب الباردة مع الصين في قمتي مجموعة السبع (G7) والناتو
سياقات - يوليو 2022
تحميل الإصدار

الحدث

● أعلنت دول مجموعة السبع (G7) بقيادة الولايات المتحدة يوم الأحد 26 يونيو/حزيران 2022، إطلاق برنامج “الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار” (PGII)، والذي يستهدف من خلاله أعضاء مجموعة السبع على مدى السنوات الخمس المقبلة، استثمار 600 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية للدول النامية، كأول تحرك غربي مؤسسي في مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية، وللتأكيد على جدية المبادرة، أعلن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أن الولايات المتحدة ملتزمة بجمع ثلث التمويل اللازم، أي 200 مليار دولار، من خلال التمويل الفيدرالي، واستثمارات القطاع الخاص، في إطار البرنامج المعلن.
● في سياق متصل، اعتمد حلف شمال الأطلسي “الناتو” يوم الأربعاء 29 يونيو/حزيران، وثيقة “المفهوم الاستراتيجي 2022“، تحدد المبادئ والأهداف والتهديدات الرئيسية للحلف، بالإضافة للتهديدات المعتادة في وثائق الحلف، مثل التهديدات التي تشكلها روسيا والإرهاب، أشارت الوثيقة، للمرة الأولى، إلى الصين كتهديد للتحالف، وأكدت أن “الطموحات المعلنة لجمهورية الصين الشعبية وسياساتها القسرية تتحدى مصالحنا وأمننا وقيمنا”، وتعهدت الدول الأعضاء في الحلف، كما جاء في الوثيقة، بالعمل “معًا بشكل مسؤول، كحلفاء، لمواجهة التحديات النظامية التي تفرضها جمهورية الصين الشعبية على الأمن الأوروبي الأطلسي”، كما تعهدت الوثيقة بتعزيز قدرة الحلف “على الصمود والاستعداد، والحماية من تكتيكات جمهورية الصين الشعبية القسرية”.

التحليل: من الإجراءات الأمريكية الأحادية إلى “مأسسة” الحرب الباردة مع الصين

  • لم يذكر المفهوم الاستراتيجي للناتو في عام 2010 الصين ولا منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بينما خصصت وثيقة الحلف الجديدة مساحة كبيرة للصين، وأشارت إلى أن طموحات بكين وسياستها القسرية تمثل تحديات لمصالح وأمن وقيم التحالف، وتعكس الإشارة إلى الصين – للمرة الأولى – باعتبارها “تحديًا” استراتيجيا لحلف الناتو، نجاح مساعي واشنطن المستمرة لحشد حلفائها لمواجهة نفوذ الصين المتنامي، ليس فقط في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولكن على المستوى الدولي.
  • والأهم من ذلك، أن المفهوم الاستراتيجي للحلف في نسخته الجديدة، يتعهد بتعميق التعاون مع الاتحاد الأوروبي بشأن مواجهة الصين، هذا التعهد الذي يأتي في سياق حرب أوكرانيا، يعكس التقدم الذي حققته واشنطن تجاه توحيد الموقف الغربي تجاه أولوية احتواء الصعود الصيني، وتجنب الازدواجية في التعامل مع الصين التي خيمت على الغرب خلال السنوات الماضية.
  • في هذا السياق تأتي مبادرة “الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار”، والتي تستهدف الحد من نفوذ بكين المتزايد في العديد من دول العالم عبر “مبادرة الحزام والطريق”، وذلك من خلال خطة عالمية للبنية التحتية الموجهة إلى الدول النامية، بحيث توفر بديلا لتلك الدول عن سياسات الإقراض الصـينية المتبعة في مبادرة الحزام والطريق.
  • استهدفت الصين منذ ما يقرب من عقد التركيز على مشاريع التعدين والطاقة والبنية التحتية الاستراتيجية في الدول النامية، بإجمالي الاستثمارات تزيد عن 1 تريليون دولار، كان الدافع الاستراتيجي الرئيسي للمبادرة الصينية هو تأمين طرق التجارة التي لا تخضع لسيطرة الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي، وكذلك بناء سلاسل توريد تهيمن عليها بكين، ومع الوقت، تحولت المبادرة الصينية إلى شبكة ضخمة عالمية من المشاريع، تمنح الصين نفوذا جيوسياسيا في آسيا وأفريقيا وأوروبا، بالإضافة إلى دفع بكين لزيادة تواجدها العسكري والأمني خارجيا، كمبرر للحفاظ على استثماراتها الدولية، كما في حالة “جزر سليمان” ثم قاعدة “ريام” في كمبوديا.
بايدن يدشن الحرب الباردة مع الصين في قمتي مجموعة السبع (G7) والناتو
خريطة مسارات مبادرة “الحزام والطريق” والتي تتكون من 6 ممرات برية، وممران بحريان. (المصدر: موقع مبادرة الحزام والطريق)
  • في المقابل، تستهدف مبادرة “الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار” الشراكة مع البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل لتمويل البنية التحتية في القطاعات الرئيسية التي تعزز الأولويات الأساسية الأربع الحاسمة للنمو المستدام والشامل، والتي تحددها المبادرة في: المناخ وأمن الطاقة، التوصيل الرقمي، الصحة والأمن الصحي، والمساواة والإنصاف بين الجنسين.
  • ويعتمد نهج المبادرة الرئيسي على الجمع بين التمويل الحكومي ورأس المال الخاص، ودعم الإصلاحات السياسية والمؤسسية لتهيئة الظروف والقدرة على المشاريع السليمة، والنتائج الدائمة، واجتذاب التمويل الخاص، ولم يقدم الإعلان الرسمي عن المبادرة أية تفاصيل حول مصادر التمويل وآلية الجمع، بينما سلط الضوء على 10 مشاريع فقط تصل تكلفتها إلى 6.7 مليار دولار، بحيث يتم تمويل 25% من تلك المشاريع عبر حكومات مجموعة السبع.
  • يمكن النظر للمبادرة على أنها إعادة تسمية الالتزامات الحالية لواشنطن والدول الغربية تحت مظلة مشروع أكبر وأوسع؛ فعلى سبيل المثال، تعهد الاتحاد الأوروبي في ديسمبر الماضي بتقديم نحو 300 مليار يورو ضمن مبادرة “البوابة العالمية” (Global Gateway) للاستثمارات في البنية التحتية حول العالم، ومن المحتمل أن جزء من هذه الأموال سيُضمَّن في إطار مساهمة الاتحاد الأوروبي في “مبادرة الشراكة”.
  • وكذلك مشروع الطاقة الشمسية في أنغولا، والذي تقوم بإنشائه شركة أمريكية، وتبلغ تكلفته 2 مليار دولار، سيكون ضمن المبالغ التي تعهدت بها الولايات المتحدة للمشاركة في المبادرة، كما توجد مشاريع أولية أخرى تشملها المبادرة حتى الآن، مثل، إقامة منشأة لتصنيع اللقاحات في السنغال، ومفاعل معياري في رومانيا، وكابل اتصالات بحري بطول 1000 ميل يربط سنغافورة وفرنسا عبر مصر والقرن الأفريقي.
  • من خلال المقارنة مع “مبادرة الحزام والطريق”، فإن “مبادرة الشراكة” تعد أصغر نطاقًا من جهة استهداف جمع 600 مليار دولار على مدار خمس سنوات قادمة، بينما المبادرة الصينية تشارك في مشاريع للبنية التحتية حول العالم بقيمة تجاوزت 700 مليار دولار فعليا، أي أن المبادرة الأمريكية قد تكون غير كافية لأن تكون بديلا متكاملا للمبادرة الصينية، وإذا أرادت الولايات المتحدة وشركاؤها في مجموعة السبع تقديم بديل لمبادرة الحزام والطريق، فعليهم بذل مزيد من التركيز على الاستثمارات في البنية التحتية الصلبة.
  • تعتمد “مبادرة الشراكة” على تحفيز الاستثمارات من القطاع الخاص، عكس المبادرة الصينية التي تعتمد على اتفاقات تمويل حكومية ينتج عنها ديون متراكمة لمصلحة الصين، ولكي تنجح في تحفيز استثمارات القطاع الخاص، والتقليل من المخاطر التي قد تمنع الاستثمار الخاص من قبل المستثمرين الدوليين والمؤسسات المالية المحلية، سيكون على الولايات المتحدة وشركائها تقديم المساعدة الفنية للحكومات والكيانات الأخرى، ودعم الإصلاحات التنظيمية والمؤسسية الرئيسية التي تؤثر على مناخ الأعمال والاستثمار في الدول المستهدفة.
  • من هذه الزاوية، تراهن الولايات المتحدة على أن هذه الإصلاحات ستمكّن واشنطن بصورة أعمق من تشكيل قواعد السوق والتجارة طويلة الأجل، وهو الأمر الذي يخلق نفوذا يمكنه مجابهة العلاقات التجارية مع الصين، كونها ستكون خاضعة لقواعد ساهمت واشنطن في تشكيلها.