صدام “البرهان” و”حميدتي”: جيش السودان يقرر إنهاء مغامرة “الدعم السريع”
سياقات - أبريل 2023
تحميل الإصدار

الحدث

تشهد العاصمة السودانية الخرطوم، ومدن سودانية أخرى، منذ صباح 15 أبريل/نيسان قتالا عنيفا بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. بدأت الاشتباكات عند محاولة “الدعم السريع” السيطرة على مناطق استراتيجية بالخرطوم بينها المطار، والقصر الرئاسي، ومقر القيادة العامة للجيش، كما شملت لاحقا مقري إقامة رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش “عبد الفتاح البرهان”، ونائب رئيس المجلس السيادي قائد قوات “الدعم السريع” “محمد حمدان دقلو” (حميدتي).

نهاية وفاق البرهان وحميدتي يزيد فوضى عملية الانتقال المتعثرة في السودان 

التحليل: نهاية وفاق البرهان وحميدتي يزيد فوضى عملية الانتقال المتعثرة في السودان 

أشرنا في “أسباب” إلى إرهاصات هذا الاقتتال مع توقيع الاتفاق الإطاري بالسودان بداية ديسمبر/كانون أول الماضي، والذي تضمن بند دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وفق جداول زمنية محددة، غير أن ذات الاتفاق حدد القوات النظامية في الجيش والشرطة والمخابرات العامة والدعم السريع رغم أنها قانونا تابعة للجيش وهو ما أثار حفيظة العسكريين. خلال الثلاث شهور الماضية تفاقمت الخلافات بين الجيش والدعم السريع على خلفية هذه القضية واعتبرها قادة الجيش أمن قومي للسودان.

  • مع تفاقم حدة الأزمة أواخر فبراير/شباط، حشد “حميدتي” قرابة 30 ألف مقاتل إضافي إلى قواته بالخرطوم تحسباً لأي تحركات من الجيش، غير أن وساطات جمعته بالبرهان بداية مارس/آذار بهدف التهدئة، وطلبت قيادات الجيش من “حميدتي” إعادة قواته إلى أماكنهم خارج الخرطوم لكنه لم يستجب، ثم عقدت “ورشة الإصلاح الأمني والعسكري” في 26 مارس/آذار، وفشلت في الخروج بتوافق بين ممثلي الجيش والدعم السريع ليتم إرجاء التوقيع على الاتفاق النهائي وتشكيل الحكومة الذي كان مقررا له بداية أبريل/نيسان الجاري.
  • تلاقت رغبة عدد من الأطراف الداخلية والخارجية بضرورة تحجيم نفوذ “حميدتي” في المشهد بعد توقيع الاتفاق الإطاري، حيث سعى “حميدتي” خلال الفترة الأخيرة لامتلاك طائرات مسيرة وأسلحة ثقيلة، فرأت قيادة الجيش أن الوقت قد حان لإنهاء حالة قوات الدعم السريع ووضع حد لطموح “حميدتي” دون أي تأن في ذلك، وعليه تمسكت قيادات الجيش بمطلب الدمج وتكوين جيش سوداني موحد خلال الفترة الانتقالية المقررة عامين بحسب الاتفاق الإطاري، في حين أصر “حميدتي” على أن يكون الدمج خلال عشر سنوات.
  • بالإضافة لذلك؛ أعلن البرهان في 12 أبريل/نيسان عن تكوين قوة للتدخل السريع تحت إمرة القائد العام للجيش، وعن اتجاه الجيش لتعزيز قدراته من الطيران المسير لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. كما أعلن عن قرب تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحت قيادته، كبديل عن المجلس السيادي، ويليه في التراتبية العسكرية رئيس أركان الجيش الفريق أول محمد عثمان الحسين، ثم الفريق أول شمس كباشي؛ وهو ما يجعل من “حميدتي” مجرد عضو في مجلس يهمين عليه قيادات الجيش دون امتيازاته السابقة كنائب لرئيس المجلس السيادي.
  • خارجياً؛ استفزت تحركات “حميدتي” في أفريقيا الوسطى ومناوشاته على الحدود مع تشاد بالتعاون مع قوات فاغنر الروسية الولايات المتحدة الأمريكية ودولا غربية؛ وهو ما أعطى ضوءًا أخضرا بشكل ضمني للعسكريين من أجل تحجيم نفوذه. من جهة أخرى؛ استشعر النظام المصري خطر تنامي نفوذ قائد مليشياوي مثل “حميدتي” على الأمن القومي المصري، حيث ترى القاهرة أن الجيش السوداني هو صمام الأمان بالنسبة لمصر وهو المعبر عن “تقاليد الدولة” وليس قائد الميليشيا التي تتورط وتوظف في صراعات في عدة دول؛ فدعمت القاهرة واستضافت المجموعة المدنية الرافضة للاتفاق الإطاري لعرقلة تنفيذه بالتوازي مع تعميق العلاقة المستمر مع قيادة الجيش، وإن كان الدور المصري وحده ليس حاسما في ترجيح موازين القوة في السودان في ظل قدرة أطراف أخرى على الضغط على الجيش اقتصاديا مثل السعودية والإمارات، أو سياسيا مثل الولايات المتحدة، التي ربما لا تنوي ممارسة ضغوط فورية على “البرهان”؛ باعتبار أن إضعاف “حميدتي” المقرب من روسيا يمثل مصلحة أمريكية.
  • يستند “حميدتي” على الدعم الإماراتي والعلاقات المعقدة مع روسيا؛ فمع تفاقم حدة الأزمة بينه وبين “البرهان” في فبراير/شباط الماضي زار الإمارات لمدة أسبوع لبحث تطورات الوضع ومآلاته، وقبل بدء الاقتتال بيومين زار الرئيس الإماراتي “محمد بن زايد” القاهرة للقاء نظيره المصري “عبدالفتاح السيسي” وهو ما قد يشير إلى محاولة الإمارات الضغط على الجيش السوداني عبر حليفه المصري للتفاهم مع “حميدتي” والتخلي عن إجراءات تهميشه. كما عمل الإعلام المحسوب على الإمارات خلال الأيام الماضية على إعادة تأهيل صورة “حميدتي” باعتباره الداعم لعملية التحول للحكم المدني في مواجهة تمسك “البرهان” ببقاء نفوذ الجيش وتحالفه مع “فلول” نظام البشير من الإسلاميين.
  • وعلى الرغم من أن “حميدتي” هو من أطلق شرارة المواجهة العسكري، فإن هذا لا يعني أنه يتمتع بأفضلية في تشكيل المشهد الحالي. فالواقع أن تحرك الدعم السريع جاء كخطوة استباقية للتصدي لإجراء تقليم أظافره، وهو ما يعكس قناعة “حميدتي” أنه بلا خيارات بعد أن صارت المواجهة وجودية بالنسبة لمستقبله. 
  • تميل موازين القوة العسكرية لمصلحة الجيش؛ نظرا لتسليح قوات الدعم السريع المتوسط، وصعوبة استمرار قدرتها على القتال في مواجهة الجيش. ومع هذا؛ فليس من المرجح أن تنتهي المواجهات سريعا، ربما باستثناء العاصمة التي من المرجح أن يحسم الجيش سيطرته عليها. لكن يظل التهديد الأبرز هو أن انتهاء مخطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش وميل قياداته لتفكيك هذه المنظومة بدلا من احتوائها، يعني على الأرجح تحول “الدعم السريع” إلى مليشيا إقليمية متمردة، خاصة في مناطق نفوذها غربي السودان، مما يزيد من التهديدات المتعلقة بتماسك ووحدة البلاد، التي تعاني أصلا من تداعيات انحسار ظل الدولة مقابل تعميق الولاءات الجهوية والقبلية والعرقية.