محادثات أمريكا وروسيا لن توقف حرب أوكرانيا ولكن قد تضبط حدودها
سياقات - نوفمبر 2022
تحميل الإصدار

الحدث

كشفت صحيفة وول ستريت جورنال، أن “جيك سوليفان” مستشار الأمن القومي الأمريكي عقد عدة مناقشات مع نظيره الروسي “نيكولاي باتروشيف”، رئيس مجلس الأمن الوطني الروسي، وكبير معاوني السياسة الخارجية في الكرملين “يوري يوشاكوف” على مدار الأشهر الماضية، وسبق أن أشارت صحيفة واشنطن بوست إلى أن مسؤولين أمريكيين يحاولون إقناع أوكرانيا بعقد مفاوضات مع روسيا، والتراجع عن رفضها المعلن للتفاوض مع موسكو في ظل وجود “فلاديمير بوتين” في منصبه.

محادثات أمريكا وروسيا لن توقف حرب أوكرانيا ولكن قد تضبط حدودها

التحليل: تزايد مساعي واشنطن لاحتواء مخاطر حرب أوسع بين روسيا وحلف الناتو

  • النجاحات التي حققتها أوكرانيا في ساحة المعركة بعد أن شنت هجوما مضادا في “خاركيف” في سبتمبر/ أيلول الماضي، تسببت في تعرض قوات روسيا لهزيمة استراتيجية دفعتها للتراجع عن مساحات واسعة من الأراضي التي احتلتها بعد 24 فبراير/شباط، وجاء الإعلان الروسي عن التراجع شرق نهر “دنيبر” فيما يبدو أنه تمهيد لانسحاب كامل من مدينة “خيرسون”، وهي العاصمة الإقليمية الوحيدة التي احتلتها روسيا منذ بداية الغزو، ليعبر عن حجم الخسائر الروسية في الوقت الراهن.
  • لا يعني هذا التراجع الروسي أن موسكو يمكن أن تخضع بسهولة لانسحاب كامل في أي وقت قريب، بل إن استمرار الهزائم العسكرية لروسيا التي يمكن أن تهدد الدولة أو تتسبب في إضعاف قبضة “بوتين” على السلطة، يمكن أن يحول الحرب في شرق أوكرانيا إلى حرب وجودية لروسيا، وبمعنى آخر؛ فإن استمرار الخسائر التي تلحق بالجيش الروسي في أوكرانيا ستؤدي إلى تصاعد مخاطر استخدام موسكو لترسانتها النووية، لإثبات أنها لا تزال قوة يجب الخوف منها، وهو الأمر الذي أشار إليه “بوتين” وقادة جيشه في أكثر من مناسبة من خلال التهديد باستخدام محتمل للأسلحة النووية و”القنابل القذرة”.
  • تحتفظ روسيا بترسانة نووية ضخمة وذلك بعد أن واصلت تحديث قوتها النووية الاستراتيجية، ووفقا لبعض التقديرات، تمتلك روسيا 4477 رأساً نووياً، وتعوض تلك الترسانة روسيا عن ضعف قواتها التقليدية أمام تفوق الترسانة التقليدية لحلف الناتو، وبالرغم من خسائر روسيا في شرق أوكرانيا والتي كشفت المشكلات الهيكلية في الأداء العسكري الروسي وضعف القدرة على استبدال الأفراد والعتاد والذخيرة المفقودة، ولكن يظل السلاح النووي الروسي مصدر تهديد قائم، وعامل مؤثر في صنع القرار في الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “الناتو”.
  • كما لا يتوقف الأمر على احتمالات التصعيد النووي فقط، ولكن يشمل أيضاً احتمالات استخدام أسلحة غير تقليدية؛ إذ ستسعى موسكو لزعزعة استقرار خصومها كلما تدهورت أوضاع قواتها في أوكرانيا، وذلك من خلال أساليب غير تقليدية ويصعب تتبعها في بعض الأحيان في المجالات البيولوجية أو الكيميائية أو الفضاء الإلكتروني أو الذكاء الاصطناعي.
  • تشير الخطوات التي اتخذتها روسيا في أكتوبر/تشرين أول الماضي إلى أهداف روسيا العسكرية والسياسية على المدى المتوسط في أوكرانيا، حيث قامت بتعيين الجنرال “سيرغي سوروفيكين” كقائد جديد لعملياتها في أوكرانيا، وكذلك أعلنت عن الأحكام العرفية في المناطق الأربعة الخاضعة لسيطرتها في أوكرانيا. وتتلخص الاستراتيجية الروسية في المرحلة القادمة في التحول إلى الدفاع الاستراتيجي على جميع الجبهات لإجبار أوكرانيا على وقف تقدمها؛ مما يؤدي إلى تجميد الصراع بشكل فعال، والحفاظ على المكاسب الميدانية التي حققتها روسيا حتى الآن.
  • في الجانب الآخر؛ فإن أصوات رسمية وغير رسمية باتت تتعالى في الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو ترى أن التراجع المحتمل للعمليات العسكرية في الشتاء، وانسحاب روسيا من “خيرسون” وعودتها لاتفاق نقل الحبوب، يمثل فرصة لإطلاق مفاوضات بين موسكو وكييف لإنهاء الحرب، خاصة في ظل التخوفات من أن استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، قد يؤدي إلى أي من المخاطر التالية:
  • أولاً، حدوث ركود اقتصادي عالمي وما يصاحبه من انقسامات سياسية والتي أصبحت لها مظاهرها على جانبي المحيط الأطلسي من تمدد التيارات اليمينية والشعبوية المتطرفة، وكذلك تزايد الاضطرابات الاجتماعية بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد الأكثر استقرارا منذ عقود في القارة الأوروبية، الأمر الذي يهدد الموقف الغربي الموحد تجاه دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا، كما قد يهدد أيضا استقرار بعض الحكومات الغربية.
  • ثانياً، الغموض حول المعوقات المحتملة التي قد يفرضها الجمهوريون، بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، على المساعدات والدعم الذي تقدمه واشنطن لأوكرانيا، والذي بلغ حجمه منذ بداية الغزو حوالي 45 مليار دولار، كما يتزايد قلق الإدارة الأمريكية من تراجع التزام بعض الدول الأوروبية تجاه دعم أوكرانيا؛ مما قد يؤدي إلى تراجع موقف أوكرانيا العسكري.
  • ثالثاً، أن استمرار الحرب ومواصلة الخسائر الروسية في أوكرانيا، ستؤدي إلى تصعيد خطير للصراع وتوسع روسيا في سياسة الأرض المحروقة، وهو ما يعني تدميرا واسعا للبنية التحتية الأوكرانية، بل إن التلويح باستخدام السلاح النووي لم يتصاعد إلا مع ظهور مؤشرات الإخفاقات العسكرية الروسية، وتدرك الولايات المتحدة أن تجاوز روسيا للخط النووي لن يعني إلا مشاركة واشنطن وحلفائها في الناتو بشكل مباشر في الحرب.

الخلاصة

  • منذ بداية غزو روسيا لأوكرانيا حافظت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو على مشاركة غير مباشرة في الصراع تتناسب مع مصالحهم، وهو الأمر الذي يزداد صعوبة مع استمرار الحرب والتهديد بالتصعيد النووي، وبينما لا نتوقع تراجع الدعم الغربي العسكري لأوكرانيا في المدى القصير، إلا أن التواصل الاستراتيجي الأمريكي مع روسيا يشير إلى الحرص على تجنب أي مواجهة نووية ستتجاوز تداعياتها حتما ساحة الحرب الأوكرانية.
  • يشير غياب “بوتين” عن قمة العشرين إلى أن التفاهمات الأمريكية الروسية مازالت في مراحل مبكرة، وتتمحور حول حدود استمرار الصراع وليس حول أجندة إنهائه، وبينما سيكون بمقدور واشنطن دفع كييف للبدء في مفاوضات مع موسكو، فمن غير المرجح أن تُسفر أي مفاوضات محتملة بين الجانبين الروسي والأوكراني عن اتفاق نهائي في المدى القصير؛ حيث ترتكز المطالب الروسية على اعتراف أوكرانيا بالحدود الجديدة مع روسيا، والسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم، وهو أمر بعيد المنال، خاصة في ظل صلابة المقاومة التي تبديها القوات الأكرانية.