اجتماع “بيرنز-نارشكين” يشير لمكاسب تركيا الجيوسياسية من حرب أوكرانيا
سياقات - نوفمبر 2022
تحميل الإصدار

الحدث

عقد مديرا الاستخبارات الأمريكية والروسية اجتماعا نادرا، الإثنين 14 نوفمبر تشرين ثاني، في تركيا، حيث نقل “وليام بيرنز” مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) والسفير الأمريكي السابق في موسكو إلى نظيره الروسي “سيرغي ناريشكين” رسالة تحذر من “عواقب استخدام روسيا أسلحة نووية ومخاطر التصعيد على الاستقرار الاستراتيجي”

وفق ما قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، وشدد المصدر نفسه على أن بيرنز “لا يجري مفاوضات من أي نوع” ولا “يبحث تسوية للحرب في أوكرانيا”، مضيفا أنه تم إبلاغ الأوكرانيين مسبقا بالاجتماع، فيما أعلن الكرملين أن المحادثات تمت “بمبادرة من الجانب الأمريكي”، وهو اللقاء الأعلى تمثيلاً على المستوى الرسمي بين البلدين، منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.

التحليل: وساطة تركيا قد تمنحها مكاسب طويلة الأجل

  • لا يمثل هذا اللقاء مفاجأة كاملة بعد أن تم الكشف عن مباحثات أجريت مؤخرا بين مستشاري الأمن القومي في البلدين، كما أنه في ضوء ما أعلنه الجانبان، يتعزز من الاستنتاجات الرئيسية التي نرجحها حتى الآن، والتي تتلخص في أن المحادثات الأمريكية الروسية مازالت في مراحل مبكرة، وتتمحور بصورة أساسية حول ضبط حدود استمرار الصراع وليس حول أجندة إنهائه، خاصة تجنب التصعيد النووي من قبل روسيا وتجنب إمداد الولايات المتحدة لأوكرانيا بأسلحة هجومية، مثل الصواريخ، تهدد الداخل الروسي.
  • وبينما سيكون بمقدور واشنطن دفع كييف للبدء في مفاوضات مع موسكو، في ظل المخاوف الأوروبية من أن تفاقم الصراع سيقود إلى ركود اقتصادي طويل وربما تفكك وحدة الموقف الغربي، فسيظل من غير المرجح أن تُسفر أي مفاوضات محتملة بين الجانبين الروسي والأوكراني عن اتفاق نهائي في المدى القصير، كما أنه من غير المرجح أن نرى قريبا تراجعا في الدعم الغربي لأوكرانيا اقتصاديا وعسكريا.
يسلط انعقاد الاجتماع الرفيع في تركيا الضوء على المكاسب الجيوسياسية التي تجنيها أنقرة جراء ما تسميه "سياسة متوازنة" تجاه الحرب في أوكرانيا
  • من جهة أخرى؛ يسلط انعقاد الاجتماع الرفيع في تركيا الضوء على المكاسب الجيوسياسية التي تجنيها أنقرة جراء ما تسميه “سياسة متوازنة” تجاه الحرب في أوكرانيا، حيث نجحت تركيا مؤخرا في إعادة روسيا إلى اتفاقية نقل الحبوب، والتي توسطت فيها أنقرة بصورة أساسية، وهو ما عزز من وضع الرئيس التركي “أردوغان” كوسيط قوي بين الغرب و”بوتين” قبل ذلك؛ وفي سبتمبر/أيلول، ساعد “أردوغان” أيضًا في التوسط في تبادل رفيع المستوى لـ 270 سجينًا بين روسيا وأوكرانيا، لذلك؛ لم يكن من المفاجئ أن يكون الرئيس التركي على اللائحة المحدودة للزعماء الذين اجتمع بهم “بايدن” خلال قمة مجموعة العشرين.
  • يواكب هذا الدور المتنامي مع روسيا، استمرار الدعم التركي لأوكرانيا، وتنامي النفوذ التركي الإقليمي عموما، فبالإضافة للإمداد العسكري التركي لأوكرانيا، تسلّمت بولندا الشهر المنصرم أولى منظومات مسيرات “بيرقدار تي بي 2″، فيما وقعت وزارة الدفاع الجورجية اتفاقاً مع شركة تشغيل المصانع العسكرية والترسانات التركية المساهمة “أسفات” لاستيراد مدرعات، وهو ما يفتح المجال لنفوذ جيوسياسي تركي أوسع في أوروبا، في عصر ما بعد حرب أوكرانيا، كقوة تعادل في مواجهة ما تعتبره هذه الدول تهديدا روسيا لأمنها.
  • ولا يتوقف الطموح التركي على الاستفادة من هذا الموقع بين روسيا والغرب على الحرب؛ إذ يعمل المسؤولون الأتراك على خطة لتحويل البلاد إلى مركز دولي لتداول الغاز الطبيعي من عدة مصادر، تبدأ من الحصول على حقوق إعادة بيع الغاز الروسي وإعادة تصديره، وهو المقترح الذي طرحه الرئيس الروسي بالفعل على نظيره التركي، لكن أنقرة تخطط لأبعد من هذا، حيث تطمح لمزج الغاز الروسي مع غاز بلدان أخرى مثل أذربيجان وإيران والعراق، وربما “إسرائيل”، وإعادة بيعه إلى أوروبا والمشترين الآخرين، وهذا يتطلب بطبيعة الحال استمرار التفاهمات مع روسيا فحسب، وفي نفس الوقت الحفاظ على علاقات وثيقة مع الدول الأوروبية.