تطور العلاقات لا يكفي للتحالف ضد إيران، اجتماع مصر والإمارات وإسرائيل
سياقات - مارس 2022
تحميل الإصدار

الحدث

• عقد يوم الإثنين 21 مارس/ آذار 2022، اجتماع ثلاثي في منتجع شرم الشيخ المصري، جمع الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد”، ورئيس الحكومة الإسرائيلي “نفتالي بينيت”، واكتفت البيانات الرسمية من الأطراف الثلاثة بالإشارة إلى مناقشة مستجدات القضايا الإقليمية والدولية فيما يشمل موقفها من إيران، وبحث استقرار أسواق الطاقة العالمية والأمن الغذائي، تأتي القمة الثلاثية التي تمثل تطورا لافتا في العلاقات بين كل من مصر والإمارات وإسرائيل، بعد أن استقبلت القاهرة رئيس الوزراء الإسرائيلي في سبتمبر/أيلول 2021، وهي الزيارة التي تعد الأولى “المعلنة” منذ عقد كامل. بينما استقبلت أبوظبي “نفتالي بينيت” في ديسمبر/ كانون الأول 2021 وهي أول زيارة رسمية لرئيس وزراء إسرائيلي لدولة الإمارات العربية المتحدة.

إيران والشراكة الأمنية وتعزيز مجالات التعاون الاقتصادي

إيران والشراكة الأمنية وتعزيز مجالات التعاون الاقتصادي

  • يعكس الاجتماع عمق تطور العلاقات بين الحكومات الثلاث. لكنّه لا يعني بالضرورة أن الأطراف الثلاث بصدد تبني أجندة إقليمية موحدة تماما تجاه القضايا الرئيسية، على سبيل المثال، فإن القاهرة وأبوظبي وتل أبيب تنظر إلى الملف الإيراني، الذي كان حاضرا بصورة رئيسية في اجتماع شرم الشيخ، من خلال مقاربات متفاوتة. فبينما تتبنى حكومة “بينيت” مقاربة متشددة لا تستبعد الخيارات العسكرية، فإن الإمارات قررت تبني سياسة تهدئة تجاه إيران وتعزيز الروابط التجارية والاقتصادية على المدى لتخفيف حدة العداء، فيما تمسكت مصر طوال السنوات الماضية بسياسة عدم التصعيد وتحفظت على مساعي السعودية لتوسيع المواجهة مع طهران إقليميا.
  • ومع هذا، فإن الدول الثلاث تنظر بقلق لأنشطة إيران في المنطقة، ومن ثم، تحمل مخاوف جادة تجاه إتمام الولايات المتحدة لاتفاق نووي مع إيران، والذي بموجبه سترفع واشنطن العقوبات ضد إيران، مثل تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، بالإضافة إلى رفع العقوبات الاقتصادية خاصة تلك المتعلقة بصادرات النفط الإيراني، وهو الأمر الذي سيوفر لإيران موارد اقتصادية هامة، ستنعكس إيجابيا على استقرار الوضع الداخلي المتأزم اجتماعيا نتيجة العقوبات، كما ستمثل دفعة ملموسة لنفوذ طهران الإقليمي، وستمنحها المزيد من الموارد لدعم أذرعها في دول المنطقة. كما أن عودة طهران المرتقبة إلى سوق الطاقة العالمي، ستأتي في ظل تداعيات حرب أوكرانيا والعقوبات الأمريكية على صادرات النفط الروسي، وسعي أوروبا لتوفير مصادر بديلة للطاقة، وهو ما سيؤدي إلى زيادة أهمية طهران كمصدر محتمل لصادرات النفط والغاز إلى أوروبا.

إقرأ أيضاً:

ليست الأولى، ولكنها الأخطر.. ما وراء استهداف الحوثيين للإمارات

ما أبرز مشروعات مصر لاستصلاح الأراضي؟

أسلحة نوعية للأردن.. هل دخلت المملكة مربع الرسائل الأمريكية لإيران؟

صفقة F35 على المحك.. شروط أمريكية ومناورة إماراتية

  • لا يقتصر تخوف دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات والبحرين، على تعزيز مكانة إيران كمصد للطاقة فحسب، ولكن قبل ذلك، يرجع إلى عدم إدراج واشنطن في الاتفاق النووي لأي ضمانات أمنية تتعلق بوقف التهديد الإيراني لدول الخليج، وأنشطة إيران في المنطقة عموما، إذ لم تشمل المباحثات النووية برنامج الصواريخ الإيرانية أو دعم إيران لوكلاء في اليمن ولبنان والعراق، وهو الأمر الذي عزز لدى السعودية والإمارات والبحرين الشعور بعدم الثقة تجاه إدارة “بايدن”، وزاد الشكوك حول جدوى الاعتماد على التزام أمريكا بضمان أمن منطقة الخليج. ومن ثم، كانت العلاقات الأمنية مع إسرائيل أحد البدائل التي تراهن عليها هذه الدول.
  • ومع التصعيد الذي شهدته منطقة الخليج خلال الشهرين الماضيين، سواء باستهداف الحوثيين للعمق الإماراتي، وتزايد استهداف العمق السعودي، وأخيرا القصف الصاروخي الإيراني على أربيل والذي استهدف بحسب طهران مقرا للموساد الإسرائيلي، تبنت حكومة “بينت” الترويج لإنشاء نظام دفاعي إقليمي ضد الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية، يشمل نظام دفاع جوي بالليزر، وهو الأمر الذي طرحه مجددا في اجتماع شرم الشيخ بهدف ضم مصر إلى المشروع المزمع.
  • وبينما تسعى إسرائيل لتعزيز دورها كفاعل إقليمي مؤثر وقادر على ضبط التحالفات الاستراتيجية بين واشنطن وحلفائها في المنطقة، وهو ما ظهر في دورها في إقناع الإمارات بالتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لدعم إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. كما يظهر الآن في محاولتها لبناء جبهة إقليمية موحدة ضد إيران، من خلال تطوير التنسيق الأمني بين الأطراف الإقليمية خاصة في منطقة الخليج، والحفاظ على الشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج وواشنطن، بل إن حكومة إسرائيل رغم القلق تجاه تطبيع العلاقات بين الإمارات وسوريا والتمهيد لإعادة اندماج الأخيرة في النظام العربي، إلا أنها مازالت تدرس حسابات هذه الخطوة ومدى الفوائد التي قد تتحقق من ورائها.
  • فيما يتعلق بالإمارات، فإن الاجتماع الثلاثي يعيد التذكير بالاتفاق الثلاثي الذي رعته الإمارات بين الأردن وإسرائيل، (الكهرباء مقابل الماء)، والذي يمثل خطوة استراتيجية في تعزيز العلاقات بين الطرفين، وعلى الرغم من عمق العلاقات بين النظام المصري الحالي وحكومة الاحتلال، إلا أن الحضور الإماراتي يفتح المجال لاحتمالية التوصل لاتفاقات تجارية واستثمارية ذات طابع استراتيجي بين الأطراف الثلاثة توفر لها الإمارات التمويل اللازم على غرار الاتفاق الأردني الإسرائيلي، وهو ما يشير لدور الإمارات المحوري في جهود إدماج إسرائيل في النظام الإقليمي عبر علاقات تجارية واقتصادية عميقة.
  • على الجانب الآخر، تعاني مصر اقتصاديا نتيجة سياسات التوسع في الاستدانة وضعف الاستثمارات الخارجية، هذه الأوضاع آخذة في التفاقم في ظل التداعيات التي فرضها الغزو الروسي لأوكرانيا، خاصة ارتفاع أسعار الطاقة والقمح عالميا، (تعتمد مصر على 80% من ورادتها من القمح على روسيا وأوكرانيا)، ثم بدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الشهر الجاري، رفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ 2018، هذه التطورات تضافرت معا لينتج عنها انخفاض متسارع في قيمة الجنية المصري أمام الدولار بنحو 14%، خلال الأيام القليلة الماضية، مما انعكس مباشرة على ارتفاع حاد في أسعار السلع الرئيسية. وبينما تدرك إسرائيل والإمارات أهمية استقرار النظام المصري، فإن ضعف مصر اقتصاديا يفتح المجال لاحتمالات أن تنخرط بشكل أوسع في أجندات إقليمية مقابل تلقي الدعم المالي. بالإضافة إلى ذلك فإن سعي مصر لإدخال تعديلات أمنية على ملاحق معاهدة “كامب ديفيد” يتطلب تطوير العلاقات الأمنية والاقتصادية مع إسرائيل لتسهيل المباحثات الأمنية.
  • الخلاصة، أن الأطراف الثلاث رغم مخاوفها من إطلاق يد إيران في المنطقة عقب الاتفاق النووي، إلا أن كلا منها يفضل الاستمرار في العمل وفق سياسته الخاصة. ومن ثم فإن الملمح الذي قد يكون أكثر أهمية للقمة الثلاثية هو تقدم خطوات إدماج إسرائيل في تحالفات المنطقة باعتبارها شريكا أمنيا يعوض تراجع الاهتمام الأمريكي، بالإضافة إلى تواصل تعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية طويلة الأجل بين إسرائيل وأطراف عربية، وهو المسار الذي تتبنى الإمارات الترويج له. في حين أن مصر تبدو خياراتها الخارجية محدودة في ظل تفاقم أوضاعها الاقتصادية، وهو ما يجعل اعتمادها على دول الخليج أمرا لا مفر منه.