مآلات الاحتجاجات الشعبية في مصر
مآلات - نوفمبر 2020
تحميل الإصدار

خلاصة

تمثل احتجاجات سبتمبر/أيلول 2020 إشارة مهمة على أن البلاد لا تسير في اتجاه استقرار طويل الأمد نتيجة تجاهل قضايا اقتصادية وسياسية عميقة. ومع ترجيح أن الحكومة ستستمر في إعطاء الأولوية للأمن، ووسط الاستياء المتزايد من الظروف المعيشية السيئة، فقد تتصاعد الاحتجاجات مرة أخرى. لكن الجيش ليس من الوارد أن يتدخل للإطاحة بالسيسي طالما أن استقرار الدولة لن يصبح مهددا. وبينما تؤكد هذه الورقة أن أساس الاستقرار في مصر هش للغاية، فإنها تذهب إلى أن مفتاح العلاج يتمثل في رفع يد الجيش عن الاقتصاد وتشجيع القطاع الخاص وتعزيز استقلاليته، بالتوازي مع الانفتاح السياسي كضرورة لنزع فتيل الاحتقان المجتمعي، وكلا الأمرين غير مدرجين على أجندة نظام الحكم في مصر في المدى القريب.

مقدمة

  • في 20 سبتمبر/أيلول، شهدت مصر احتجاجات اندلعت في المناطق الريفية، للمرة الأولى. ويعتبر ذلك تاريخا مهما، لأنه في 20 سبتمبر/أيلول من العام الماضي، اندلعت احتجاجات لافتة في أعقاب مقاطع فيديو نشرها رجل الأعمال والممثل “محمد علي” عن فساد الرئيس المصري وعائلته وقيادات في الجيش، وخرجت حشود إلى الشوارع مطالبة بتنحي الرئيس السيسي وتطهير الجيش.
  • هذا العام، شهدت عدة محافظات في الثلث الأخير من أيلول/سبتمبر 2020 احتجاجات رافضة لإجراءات هدم المباني السكنية “المخالفة”؛ بدأت في بعض قرى محافظة الجيزة (وسط) وتصدّرت عموما هذه الموجة من الاحتجاجات، ثم انتقلت بعدها إلى محافظات صعيد مصر (جنوب) مثل أسيوط وسوهاج وقنا والمنيا وبني سويف والفيوم وأسوان والأقصر. كما أنها في بعض المراحل شملت محافظات رئيسية مثل القاهرة والقليوبية والإسكندرية، ورغم هيمنة أجواء القمع والخوف، رفع المحتجون شعارات تطالب برحيل السيسي.
  • وفي يوم “جمعة الغضب” 25 سبتمبر/أيلول، بلغت الاحتجاجات ذروتها ونتج عنها سقوط عدد من القتلى، وبلغت حصيلة الاعتقالات طوال الاحتجاجات -التي غطت إجمالا 19 محافظة- نحو ألفي معتقل، مما يشير إلى أن النظام يشعر بالتهديد من التظاهرات.

“انتفاضة الفقراء”.. تمرد على منطق “المواطن الزبون”

  • أدت السياسات والقرارات الحكومية، خاصة المتعلقة برفع الأسعار، دورًا مهمًا في إشعال موجة الاحتجاجات الأخيرة. وكانت قرارات هدم المنازل المخالفة هي الشرارة التي فجَّرت الغضب المتراكم. فقد أصدرت الحكومة قرارًا بإزالة الأبنية المخالفة أو دفع غرامات، مما هدد الفقراء في أبسط متطلباتهم المعيشية وهو المأوى. وبحسب تقارير رسمية، فإن عدد المنازل المخالفة التي تم بناؤها في الفترة بين 2017 و2000 بلغ نحو مليونَي منزل. وقد توعدت الحكومة بهدم هذه المنازل المخالفة ما لم يقم أصحابها بتعديل أوضاعها والمصالحة عليها من خلال دفع غرامات مالية. 
  • جاء هذا القرار وسط معاناة المواطنين جراء تداعيات كورونا، وعزز من قناعة أن الدولة لا توفر جهدا في استنزاف جيوب مواطنيها الخاوية أصلا. وبينما تتوسع حكومات العالم في الإنفاق الاجتماعي لتخفيف أعباء الضغوط الاقتصادية على المواطنين التي خلفتها جائحة كوفيد 19، قررت الحكومة المصرية رفع أسعار الكهرباء والمترو، وتقليل وزن رغيف الخبز. وفي العموم، تأتي هذه القرارات ضمن نهج ثابت للنظام المصري يعيد تعريف العلاقة مع المواطنين باعتبارهم “زبائن” للدولة. ومما زاد من هذا الشعور، تقييم البرلمان أن الحكومة ستجمع ما بين 300 مليار و500 مليار جنيه مصري (32 مليار دولار) من الغرامات ورسوم البناء وحدها، وأن الحكومة ستزيد الإيرادات الضريبية لأنها ستمتلك معلومات محدثة عن أصحاب المنازل وحجم ممتلكاتهم.
  • ندد “السيسي” في وقت لاحق بالاحتجاجات واستفاد من الأزهر في دعم موقفه، رغم التوترات بينهما بسبب محاولات “السيسي” تقويض التوازن الهش بين الدين والدولة. فقد وصف الأزهر في بيان الاحتجاجات بـ”الحركات الهدامة التي تستهدف زعزعة النظام العام والنيل من أمن مصر الحبيبة ونشر الفوضى وتعطيل مناخ التنمية والاستثمار”.
  • من الواضح أن الحكومة تفاجأت من رد الفعل وشعرت بالقلق من جغرافيا المظاهرات التي عكست تغلغل الغضب إلى طبقات دنيا واستعدادها لتحدي الآلة الأمنية نتيجة انتهاء مبررات صبرها. ومن ثم لم يتسم التعامل الأمني بالعنف المعهود، كما أعلنت الحكومة مد أجل التصالح وفوضت المحافظين لتخفيض قيمة ما يمكن أن يدفعه المواطنون مع إمكانية تقديم تسهيلات في السداد. 
  • تمثل “انتفاضة الفقراء” -كما أطلق عليها- محطة مهمة في تطورات المشهد السياسي بمصر من عدة جوانب:

أولا: أنها المرة الأولى التي تخرج فيها مظاهرات واحتجاجات في أكثر من محافظة مصرية، خاصةً في محافظات الصعيد التي لا تشهد عادة انتفاضات من هذا النوع، وترفع مطالبات برحيل رأس النظام السياسي. 

ثانيا: أنها من المرات القليلة التي تنتفض فيها الفئات الفقيرة والمهمشة من مناطق مختلفة في الوقت ذاته احتجاجًا على أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية. 

ثالثا: انتشار الاحتجاجات على رقعة جغرافية كبيرة من القرى، جعل قمعها صعبًا نسبيًا نظرا لعدد القرى الهائل في مصر وعدم إمكانية تأمينها بشكل استباقي مقارنة بالميادين الرئيسية في العاصمة والمدن الكبرى.

رابعا: مشاركة حديثي السن في هذه الاحتجاجات على نحو واضح. ويمكن وصف هذا الجيل من المحتجين بأنهم أبناء عهد السيسي؛ إذ أنهم لم يشاركوا في ثورة يناير لأنهم كانوا أطفالًا وقتها. ومن ثم نشؤوا أساسا في مرحلة هيمن على المجال العام فيها دعاية موحدة في الإعلام والصحف والجامعة والمدرسة والمسجد، كما أن انتشار ثقافة الخوف وغياب المظاهر الاحتجاجية جعل من المتوقع أن الشباب دون سن الـ20 عاما أبعد عن ثقافة التظاهر. ومن ثم كان خروجهم إعلانا عن فشل جهود الدولة لفرض رواية موحدة.

  • الاحتجاجات الأخيرة تعزز توقعات وحدة الاستخبارات التابعة للمجلة الاقتصادية الشهيرة إيكونومست “إيكونومست إنتلجنس” بأن الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الوباء ستضع ضغوطًا كبيرة على الاستقرار السياسي. وترى الوحدة أن استمرار ولاء الأجهزة الأمنية والجيش للسيسي هو الضامن النهائي لاستقرار النظام. وحذرت من أن المخاطر السياسية “المرتفعة” تثير قلق المستثمرين المحليين والأجانب، ودعا الشركات لاتخاذ خطوات احترازية ضد الصدمات السياسية غير المتوقعة.

تعزيز الأمن مقابل تعميق الفقر

  • بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (رسمي)، فقدَ ما يقرب من 2.5 مليون شخص وظائفهم حتى أغسطس/آب 2020، وارتفع معدل البطالة من 7.7٪ إلى نحو 9.6٪ خلال شهور جائحة كورونا. كما خسر 26.2% من الأفراد العاملين بالأسر المصرية عملهم نهائيًا بسبب كورونا خلال الفترة من نهاية فبراير/شباط وحتى نهاية مايو/أيار 2020. بالإضافة إلى ذلك ضربت الجائحة قطاع السياحة الحيوي الذي يعمل به نحو مليوني مصري، حيث تشير التقديرات إلى أن خسائر القطاع السياحي لا تقل عن 70٪ خلال عام 2020. وبعيدا عن المؤشرات الكلية، وبشكل مباشر تماما، تشير تقديرات المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية إلى أن دخل الأسرة المصرية تناقص بنحو 10٪ لكل فرد خلال أشهر الجائحة
  • يُعد تنامي الفقر سمة بارزة خلال سنوات ما قبل الجائحة، فقد ارتفعت معدلات الفقر في البلاد لتصل إلى 33٪ من عدد السكان عام 2018، مقابل 27.8٪ لعام 2016، وذلك نتيجة تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي. وبصورة عامة، أصدر البنك الدولي بيانا في شهر مايو/ أيار 2019، قال فيه إن نحو 60٪ من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر.
  • يتصدر صعيد مصر قائمة المحافظات الأكثر فقرا في الجمهورية وفق التقدير الرسمي للدولة. حيث سجلت محافظة أسيوط نسبة فقر بين مواطنيها بلغت 66.7٪، تلتها محافظة سوهاج بنسبة 59.6٪، ثم الأقصر 55.3٪، والمنيا 54٪، ثم قنا 41٪. بل إن محافظتي أسيوط وسوهاج بهما ما يقرب من 46 قرية تتراوح نسبة الفقر فيها بين 80 و100٪، فضلا عن معاناة 236 قرية في سوهاج من الفقر، وهي نسبة تمثل 87٪ من قرى المحافظة، وهو ما جعلها تسجل النسب الأعلى بين أفقر 1000 قرية في مصر. 
  • تعكس هذه الأرقام وغيرها فصاما مذهلا بين واقع الاقتصاد الكلي الذي تعتبره المؤسسات الدولية “نقطة مضيئة” بين دول المنطقة، خاصة ما يتعلق بمعدل النمو، وبين تدهور معيشة قطاع واسع من المصريين، وتعرض دخول الطبقة الوسطى للتآكل بصورة ملحوظة. فمثلا، انخفض متوسط الأجور الحقيقية بنسبة 17٪ بين عامي 2012 و2018، وبات الآن قرب مستويات عام 1998. كما أصبح نحو نصف المتعلمين العاملين بأجر مصنفين كأصحاب أجور “تحت خط الدخل المنخفض”. 
  • يعكس هذا الفصام إرادة وأولويات سياسية وليس ضيقا في الموارد الماليةفبينما تتوسع الدولة في الاقتراض لتمويل مشروعات عملاقة ليست ذات طابع تنموي، تراجع الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة (من 4.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي بموازنة 2016/2017، إلى 1.5٪ فقط بموازنة 2017/2018). وبحسب البارومتر العربي، تراجع رضا المصريين عن خدمات القطاع الصحي الحكومي إلى 31٪، وهي نسبة أقل 20 نقطة تقريبا مقارنة بعام 2010.
  • الجماهير العربية عموما، تراجع لديها تحقيق الديمقراطية كأولوية خلال السنوات الماضية. حيث اعتبرها 2٪ فقط أولوية قصوى في مؤشر البارومتر العربي (2018-2019). بينما جاءت الظروف الاقتصادية في قمة أولويات نحو 40٪ من جمهور 10 دول عربية، بينها مصر. وفي استطلاع مؤسسة زغبي الأمريكية (عام 2018) جاءت الديمقراطية أولوية أخيرة من بين 10 بدائل اقترحها الاستطلاع على مواطني 8 دول عربية بينها مصر أيضا. وجاءت الاهتمامات الأساسية متمثلة في التوظيف والتعليم والإصلاح السياسي والحكومي ومحاربة الفساد. 
  • لكن للمفارقة، بلغت نسبة الثقة في السيسي “بدرجة كبيرة أو كبيرة للغاية” نحو 68%، وهي أكثر من مثيلاتها في معظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفقا لآخر استطلاع أجرته شبكة “البارومتر العربي”. وبغض النظر عن مدى دقة هذه النسبة في ظل أجواء القمع الراهنة، فإن تفسيرها يكمن في قدرة النظام على الحد من انعدام الأمن الشخصي لدى المواطنين، في فترة كانت تعصف بالمنطقة حروب واضطرابات، وهو ذلك الشعور بعدم الأمان الذي استغلته دعاية الدولة المكثفة لسنوات. فقد كشفت استطلاعات الرأي التي أجرتها شبكة “البارومتر العربي” عن هذه المفارقة: تحسن مستويات الأمن الشخصي، مع زيادة مستويات انعدام الأمن الاقتصادي. إذ يظهر المتغير الأول (الحكومة “تضمن أو تضمن بالكامل” توفير الأمن) تحسناً ملحوظاً بنسبة تقارب 80% منذ عام 2016، بعد أن شهدت هبوطا حادا بلغ 19% فقط عام 2013. أما الشعور بانعدام الأمن الاقتصادي، فقد ظل مرتفعا. فضلا عن أن نسبة المواطنين الذين يشعرون بالرضا إزاء الجهود التي تبذلها الحكومة لخلق فرص العمل (جيد أو جيد جداً) لا تتجاوز 20% فقط.
  • لذا، يبدو حتى الآن أن الأمن الشخصي لا يزال يتفوق على الأمن الاقتصادي، إلا أن ذلك آخذ في الانحسار. ويمكن ملاحظة ارتفاع وتيرة التوترات الاجتماعية التي تتجلى بوضوح في انهيار الثقة الاجتماعية. فعند السؤال عن إمكانية الثقة في “معظم الأشخاص”، أجاب 30% فقط من المشاركين في الاستطلاع بنعم عام 2019 مقابل 55% عام 2011. وفي حين كان 10% فقط يفكرون في الهجرة عام 2011، ازدادت النسبة زيادة هائلة بلغت 30%. 
  • تشير هذه الأرقام، إلى مخاطر كبيرة؛ حيث تبدو القبضة الأمنية المشددة ليست فقط حامية للنظام من الغضب الشعبي، ولكن أيضا حاجزا بين مخاوف الأفراد من بعضهم البعض نتيجة الاحتقان الاجتماعي الذي غذّته الدولة نفسها. ولزيادة المعضلة، فإن تدابير قمع المعارضة من شأنها أن تسهم في تفاقم الظروف الاقتصادية الصعبة أصلاً، وبالتالي تتسبب في تزايد حالة السخط المتراكم.

حدود الاستقرار الراهن

  • الاستقرار كما يتصوره نظام السيسي، ليس استعادة لحظة ما قبل يناير ومعالجة تداعياتها على الدولة المصرية، بل ضرورة القضاء على كل المقدمات التي أدت إلى لحظة يناير. وهذا أنتج سياسات أمنية بالأساس تتسم بضرورة السيطرة على السياسة والتحكم في الاقتصاد. لكن وعلى الرغم من تحقيق الاستقرار وتلبية الاحتياجات العاجلة، مازالت الدولة فاشلة في معالجة القضايا الهيكلية، بل وتؤدي إلى تفاقم هذه القضايا التي تسبب المظالم وتفاقم المخاطر. 
  • تخلص ورقة بحثية مهمة لمبادرة الإصلاح العربي، أعدها يزيد صايغ وآخرون، أن أساس الاستقرار الحالي في مصر بالغ الهشاشة. ويتفق هذا مع مؤسسة فيتش سليوشنز (Fitch Solutions) في تقديرها لحالة مصر. حيث صنّف البلاد كبيئة عالية المخاطر (28.3/100 على مؤشر مخاطر الصراع)[1] ليس فقط نتيجة احتمال الهجمات الإرهابية، ولكن أيضا بسبب النوبات الدورية من الإضرابات واسعة النطاق والاضطرابات الاجتماعية في المراكز الحضرية الرئيسية. وهو الذي يفسر الاستنفار الأمني المبالغ فيه إزاء أي دعوات للتظاهر رغم محدودية الاستجابة الشعبية، خاصة الحشد الأمني المذهل لمواجهة تظاهرات سبتمبر/أيلول 2019. 
  • يذهب أحدث تقديرات شركة “آي إتش أس ماركت” (IHS Markit) للبيانات الاقتصادية إلى أنه من غير المرجح أن تؤدي الاحتجاجات ضد سياسات التقشف إلى حشد أكثر من عدة مئات من المتظاهرين في وقت واحد، وأنها ستكون غير قادرة على تحدي موقف الرئيس، ليس فقط بسبب القبضة الأمنية، ولكن بسبب غياب المعارضة بعد الضربات التي وُجهت لجماعة الإخوان وقمع الحركات العمالية والمعارضة العلمانية. لكن في المقابل، يرى أحدث تقدير مخاطر لوحدة الاستخبارات في إيكونومست أنه على الرغم من أن الإجراءات الأمنية سوف تحتوي المعارضة، إلا أن تأثير وباء كوفيد 19 على الوظائف سيؤدي إلى إثارة الاستياء.
  • ومن ثم تظل دائما مخاطر الانفجار محتملة وواردة نتيجة ما يلي:

أولا: تفاقم الضغوط الاقتصادية والانفصام بين واقع معيشة غالبية المواطنين، وبين الاستقرار الكلي للاقتصاد القائم على عسكرته مع استمرار تراجع دور القطاع الخاص اللازم لنمو حقيقي وتوليد فرص عمل. 

ثانيا: غياب قنوات الاتصال بين النظام السياسي والمجتمع، والتي طالما كانت مساحة فعالة لاستيعاب المطالب الاجتماعية الأساسية خلال العقود الماضية من خلال شبكات الحزب الوطني والمجالس المحلية على سبيل المثال. لذلك بدت الحكومة متفاجئة من انفجار الغضب الشعبي بسبب قانون المباني، وخروج مظاهرات بين فئات وفي جغرافيا لم تكن عادة ضمن خريطة الاحتجاجات. أي أن ظاهرة الاحتجاج في جزء منها نتيجة عدم وجود أدوات ومسارات وسيطة للنظر في المظالم المجتمعية واتخاذ إجراءات سريعة بشأنها. 

ثالثا: لا تبدو الحكومة جادة في معالجة المتطلبات الاقتصادية التي تعتبر المحرك الرئيسي للاحتجاجات، خاصة في ظل حقيقة أن أكثر من نصف سكان البلاد تقل أعمارهم عن 24 عاما، وأن أكثر من ثلث المصريين تقل أعمارهم عن 14 عاما. وهو ما يتم ترجمته في حاجة مصر لتوفير 3.5 ملايين وظيفة على مدار السنوات الخمس المقبلة، أي بمعدل 750 ألف وظيفة سنويا. 

  • يبدو الحل المنطقي هو منح الأولوية للانفتاح في كل من السوق والسياسة. وقيام المجتمع الدولي بالضغط للبدء بمرحلة جديدة من إدارة البلاد. فمن الناحية الاقتصادية، لا ينظر السيسي للقطاع الخاص على أنه شريك، بل يتعامل معه كـ”طرف تابع” وظيفته الأساسية هي تمويل مشاريع الدولة التي يحتكرها الجيش دون أي إمكانية لمنافسته. ليس هذا لأن السيسي لا يثق في طبقة رجال الأعمال وأنه يعتبر الجيش أكثر انضباطا من أي جهة مدنية، فحسب؛ وإنما لأنه يملك تصورا يتمثل في إعادة إحياء رأسمالية الدولة التي يهيمن عليها بشكل أساسي الجيش ومؤسساته وشبكة مقاولي الباطن الموثوق فيهم.
  • وفي مسار السياسة، لا يبدو السيسي متحمسا لخلق شبكات مصالح سياسية يمكنها أن تنمو وتتطور وتنتزع نفوذا داخل أجهزة الدولة ينافس نفوذ الجيش على غرار خبرة الحزب الوطني الديمقراطي. لذلك، حتى حزب السلطة “مستقبل وطن” لم يتطور على الإطلاق لنسخة قريبة ولو نسبيا من بنية الحزب الوطني وشبكات نفوذه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. 
  • النظام إذا مازال من غير المرجح أن يتبنى هذا النهج؛ فالسيسي تهيمن عليه رغبته الصلبة في الحفاظ على السلطة مهما كان الثمن طويل الأجل، ومازال يجد تعارضا بين الانفتاح مع الاحتفاظ بالسلطة، ومن ثم ستظل الأولوية هي العمل على استمرار نهج تعزيز السلطة بما يتطلب ذلك من ضمان ولاء الجيش عن طريق إبقاء هيمنته الشاملة، وعدم السماح بأي هامش من الممارسة السياسية التي قد تولد مزيدا من قدرة المعارضة على التعبئة.
  • وبحسب تقديرات وحدة الاستخبارات في إيكونومست، فإن احتمالات تجدد الاضطرابات في أنحاء البلاد بما يؤدي إلى الإطاحة بالحكومة والسيسي تظل “معتدلة”. لذلك، تنصح الشركات بتضمين بند تغيير سلبي جوهري في عقودها بمصر، والذي من شأنه أن يوفر للمستثمرين الحماية القانونية للانسحاب في حالة حدوث صدمة سياسية دراماتيكية غير متوقعة، أو شراء التأمين ضد المخاطر السياسية (PRI) من شركات التأمين الخاصة أو العامة، مثل بنوك التنمية متعددة الأطراف (وخاصة البنك الدولي).

[1] حيث 0 = أعلى مخاطر، 100 = أقل مخاطر.

المصادر

  • أحمد الغنيمي، فخاخ الاستقرار ونظام 3/7 في مصر، جدليّة، 2/10/2020.
  • اسحاق ديوان ونديم حوري ويزيد صايغ، “مصر بعد فيروس كورونا: العودة إلى المربع الأول”، مبادرة الإصلاح العربي، 26/8/2020.
  • الباروميتر العربي الدورة الخامسة 2018-2019: https://www.arabbarometer.org/ar/surveys/arab-barometer-wave-v/
  • كليمنس بريسينجر وآخرون، “التأثير الاقتصادي الناجم عن وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد ١٩) على قطاع السياحة والتحويلات المالية: رؤي ثاقبة من مصر”، المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، 14/4/2020.
  • Fitch Solutions, Egypt: Crime and Security Risk Report – Q4, September 2020.
  • IH Markit, Country/Territory Report – Egypt, 30 September 2020.
  • Khalil Shikaki, Stability vs. Democracy in the post Arab-Spring: What Choice for the EU?, EU-LISTCO: Policy Papers Series No: 4, January 2020.
  • The Economist Intelligence Unit, Egypt risk: Political stability risk, 14/09/2020.
  • The Economist Intelligence Unit, Street protests erupt in Egypt, 01/10/2020.
  • The Economist Intelligence Unit, Risk assessment – Egypt, 01/10/2020.