استراتيجيتا اليابان وكوريا الجنوبية: تحالف استراتيجي مع الغرب لاحتواء الصين
مآلات - مارس 2023
تحميل الإصدار
خريطة أفكار استراتيجية اليابان وكوريا الجنوبية لإحتواء الصين

ملخص

● تشير زيارة الأمين العام للناتو لكل من اليابان وكوريا الجنوبية إلى تبلور استراتيجية غربية تقوم على أن مصالح وأمن شمال الأطلسي وآسيا لم تعد منفصلة، خاصة في ظل احتمالات تنامي العلاقات الروسية الصينية. وتفرض أولوية احتواء الصين تعزيز الروابط الاقتصادية والعسكرية الغربية مع قوى منطقة الإندو-باسيفيك، لزيادة الضغط على الصين، ولمنعها من توسيع نفوذها باعتبار أن الهيمنة الإقليمية تمثل خطوة ضرورية في مسار صعود الصين كقوة دولية، ومن ثم يعمل الغرب على تعطيلها.
● لا يمكن فصل إعلان اليابان وكوريا الجنوبية عن توجهات استراتيجية أمنية جديدة عن الصراع الدولي المتصاعد، خاصة وأنه يواكب تبني بكين سياسة خارجية أكثر جرأة، وسيؤدي تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين الغرب من جهة وبين اليابان وكوريا الجنوبية من جهة أخرى، إلى تحفيز مخاوف الصين أكثر، وتزايد التوترات الجيوسياسية في منطقة الإندو-باسيفيك.
● تؤسس استراتيجية الأمن القومي الجديدة لليابان لتغييرات جذرية في سياسة طوكيو الأمنية والدفاعية؛ إذ تسمح للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية بامتلاك طوكيو قدرات الهجوم المضاد كخطوة وقائية ضد أي هجوم محتمل. يعكس هذا التغير نجاح واشنطن في استقطاب حليف معتبر لجهودها الهادفة لإعاقة الصعود الصيني، خاصة وأن الاستراتيجية اليابانية الجديدة تقر تأسيس قيادة عسكرية موحدة للقوات البرية والبحرية والجوية اليابانية والأمريكية.
● تتعهد استراتيجية كوريا الجنوبية لمنطقة الإندو-باسيفيك بمواصلة تعزيز “التحالف” مع الولايات المتحدة، وتطويره إلى تحالف استراتيجي عالمي شامل. وعلى الرغم من اللغة الهادئة تجاه الصين، فإن الاستراتيجية تُلزم حكومة سيول بمعارضة أي محاولات أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن في منطقة الإندو-باسيفيك، ومن المتوقع في المقابل أن تمارس الصين ضغوطاً اقتصادية على كوريا الجنوبية بقدر الخطوات العملية التي ستتخذها سيول في اتجاه تطبيق الاستراتيجية.
● ستؤدي الاستراتيجية اليابانية وزيادة ميزانيتها الدفاعية إلى تعميق علاقات طوكيو مع دول الإندو-باسيفيك ذات الأهداف المشتركة، مثل كوريا الجنوبية وأستراليا والفلبين وتايوان، لكن خلال العقد الجاري، والذي تعتبره واشنطن حاسما في التصدي لنفوذ الصين، ليس من المرجح أن تخفف الولايات المتحدة تواجدها الاستراتيجي في المنطقة.

أمريكا و اليابان وكوريا الجنوبية

مقدمة

  • أجرى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) “ينس ستولتنبرغ” زيارة إلى اليابان وكوريا الجنوبية في الفترة من 29 يناير/كانون الثاني إلى 1 فبراير/شباط الجاري، حيث التقى في العاصمة سيول مع وزيري الدفاع والخارجية لكوريا الجنوبية، كما التقى في العاصمة طوكيو مع رئيس الوزراء الياباني “فوميو كيشيدا”، وقد جاءت هذه الزيارة عقب إعلان اليابان في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي عن استراتيجية الأمن القومي الجديدة، كما أعلنت كوريا الجنوبية في نفس الشهر استراتيجيتها لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ (منطقة الإندو-باسيفيك).
  • وتأتي زيارة “ستولتنبرغ” في سياق تسارع التنافس الدولي بين الولايات المتحدة والصين، حيث استطاعت واشنطن مؤخرا أن تضع على أجندة الناتو ومجموعة السبع أولوية احتواء الصين والتصدي لما تعتبره جهودها لتقويض النظام الدولي، وهو ما يتطلب بالضرورة تعزيز الروابط الاقتصادية والعسكرية مع قوى منطقة الإندو-باسيفيك، بصورة خاصة اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وجزر المحيط الهادئ، لزيادة الضغط على الصين من جهة، ولمنعها من توسيع نفوذها على حساب جيرانها من جهة أخرى، باعتبار أن الهيمنة الإقليمية تمثل خطوة ضرورية في مسار صعود الصين كقوة دولية، ومن ثم يعمل الغرب على تعطيلها. ولا يمكن فصل إعلان اليابان وكوريا الجنوبية عن توجهات استراتيجية عن هذا الصراع المتصاعد، خاصة وأنه يواكب تبني بكين سياسة خارجية أكثر جرأة.

اليابان نحو عقيدة عسكرية هجومية

  • صدرت الوثيقة الأولى للأمن القومي الياباني عام 2013 في عهد رئيس الوزراء “شينزو آبي” والذي كان يتبنى توجهات معلنة لتغيير عقيدة البلاد الأمنية في ظل التغيرات الإقليمية والدولية، وعلى الرغم من اتخاذه بعض الخطوات وتمسكه بالدفاع عن هذا النهج حتى اغتياله العام الماضي، إلا أن تغييرا حقيقيا في الدستور الياباني لم يحدث أبدا، خاصة المادة التاسعة والتي تلتزم فيها طوكيو بعدم امتلاك جيش تقليدي والاكتفاء فقط بـ”قوة الدفاع الذاتي اليابانية” (JSDF)، وكذلك فرض حظر كامل فيما يتعلق بتصدير الأسلحة. لذلك؛ تمثل وثيقة الأمن القومي الجديدة أهمية خاصة كونها تقر جملة خطوات غير مسبوقة كفيلة بأن تجعل القيود الدستورية غير مؤثرة حتى وإن بقيت دون تعديل.
  • تشمل استراتيجية الأمن القومي اليابانية الجديدة ثلاث وثائق دفاعية، أقرتها الحكومة رسميا في 16 ديسمبر/كانون أول 2022، وتتمثل هذه الوثائق في:
    1. استراتيجية الأمن القومي: التي تحدد الخطوط العامة للسياسة الدفاعية للبلاد العقد القادم.
    2. استراتيجية الدفاع الوطني: تحدد الأهداف الدفاعية ووسائل تحقيقها.
    3. برنامج البناء الدفاعي: يحدد نفقات الدفاع والمشتريات الرئيسية خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة.
  • تعتبر مبادئ الأمن القومي لليابان التي حددتها الاستراتيجية أن التحالف الياباني الأمريكي، وتوفير الردع الموسع، هو “حجر الزاوية في سياسة الأمن القومي لليابان” كما تعتبر أن هذا التحالف يلعب دورًا لا غنى عنه لأمن اليابان ولتحقيق السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. لذا؛ تشدد الاستراتيجية على ضرورة الحفاظ على التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة وتعزيزه، والعمل على تقوية التحالف الياباني الأمريكي في جميع المجالات، بما في ذلك الدبلوماسية والدفاع والاقتصاد.
  • تعتبر الوثيقة اليابانية أن الأنشطة الصينية العسكرية “تمثل بشكل غير مسبوق أعظم تحد استراتيجي لضمان سلام وأمن اليابان”، وأنها “مصدر قلق كبير” لليابان والمجتمع الدولي؛ إذ ترصد الوثيقة زيادة الصين المستمرة لنفقاتها الدفاعية، وتعزيز قدراتها العسكرية على نطاق واسع وسريع، بما في ذلك قدراتها النووية والصاروخية، بالإضافة إلى تكثيف الصين محاولاتها لتغيير الوضع الراهن من جانب واحد بالقوة في المجالين البحري والجوي في بحر الصين الشرقي والجنوب، مثل اقتحامها للمياه الإقليمية والمجال الجوي حول جزر “سينكاكو/ديايو” (Senkaku/Diaoyu) المتنازع عليها بين الجانبين.
  • وتنظر اليابان إلى تزايد التوغلات الصينية في المجال الجوي لتايوان ضمن التهديدات الأمنية الرئيسية للبلاد، إذ إن سلوك الصين يمكن أن يؤدي إلى صراع كبير بين واشنطن وبكين حول تايوان، وهو صراع من المحتمل أن تنجر إليه اليابان، نظراً لقربها من مضيق تايوان، وحقيقة أنها تضم قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة في “أوكيناوا” يمكن أن تصبح هدفاً للهجمات الصينية.
  • وتعتبر استراتيجية اليابان الدفاعية صراحة أن “الأنشطة العسكرية لكوريا الشمالية تشكل تهديدًا أكثر خطورة ووشيكًا للأمن القومي لليابان أكثر من أي وقت مضى” حيث تسلط الضوء إلى جوانب مثل تطوير كوريا الشمالية السريع للتقنيات المتعلقة بالصواريخ الباليستية العابرة للقارات، فضلا عن تعزيز قدراتها النووية من حيث النوعية والكمية بالسرعة القصوى، بالإضافة إلى إطلاق بيونج يانج في العام الماضي فقط أكثر من 50 صاروخ باليستي سقطت في المياه بين اليابان وكوريا الشمالية، كما أجرت تحليقا واحدا فوق اليابان بصاروخ باليستي عابر للقارات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
  • وفيما يتعلق بالتهديد الروسي؛ تقرر الوثيقة أن عدوان روسيا على أوكرانيا يُظهر بوضوح أنها لا تتردد في اللجوء إلى القوات العسكرية لتحقيق أهدافها الأمنية. لذلك؛ تصنف الاستراتيجية اليابانية الأنشطة الخارجية والعسكرية لروسيا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، باعتبارها “مصدر قلق أمني قوي”، وتشير إلى تسريع روسيا أنشطتها العسكرية في جوار اليابان، خاصة تعزيز تسليحها في “الأقاليم الشمالية” في إشارة إلى جزر كوريل التي لا تعترف اليابان بسيادة روسيا عليها. علاوة على ذلك؛ تزيد روسيا من التنسيق الاستراتيجي مع الصين في السنوات الأخيرة، خاصة الأنشطة العسكرية في جوار اليابان. ومن الجدير بالذكر، أن روسيا صنفت اليابان كدولة “غير ودية”، بعد أن انضمت طوكيو إلى مجموعة السبع في فرض عقوبات على موسكو في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
  • أقرت طوكيو في الاستراتيجية الدفاعية زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري السنوي، من 1% إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث ستنفق طوكيو نحو 320 مليار دولار على مدى خمس سنوات، وستصل ميزانية الدفاع السنوية إلى ما يقرب من 80 إلى 90 مليار دولار بحلول عام 2027، كما تستهدف اليابان شراء 16 مقاتلة أمريكية F-16، وتطوير المقاتلة النفاثة FX بالاشتراك مع بريطانيا وإيطاليا، فضلا عن تمويل بحوث تطوير صواريخ بعيدة المدى وفرط صوتية.
  • من الناحية العملية؛ لا تمتلك اليابان في الوقت الحالي سوى القدرة على اعتراض الصواريخ الموجهة إليها، وهو أمر غير كاف لردع التهديدات الإقليمية. ولهذا؛ فإن الاستراتيجية الجديدة تؤسس لتغييرات جذرية في سياسة اليابان الأمنية والدفاعية؛ إذ تسعى طوكيو ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية إلى امتلاك قدرات الهجوم المضاد (Counterstrike) كخطوة وقائية ضد أي هجوم محتمل، الأمر الذي يعني قدرة اليابان على استهداف المنشآت العسكرية الثابتة في عمق أراضي العدو، وفق الشروط التالية:
    1. وجود تهديد حتمي لليابان أو لدولة صديقة يقود لتهديد حتمي لليابان.
    2. غياب أي بدائل أخرى لتفادي الضربات المعادية المحتملة.
    3. أن يكون الرد متناسبا وفي حدود الحد الأدنى اللازم للقضاء على مصدر التهديد.
  • وبناء على ذلك؛ اتخذت اليابان خطوات على المدى البعيد نحو زيادة مدى صاروخ كروز المحلي إلى نحو 1500 كم، وكذلك تطوير بدائل يمكن إطلاقها من الجو والبحر والغواصات، كما أعلنت أنها ستحصل على 500 صاروخ كروز الأرضي من طراز “توماهوك” (Tomahawk) من الولايات المتحدة، والتي يصل مداها إلى 1600، وهي خطط تساهم في ردع تهديدات بكين وبيونج يانج لأمن وسيادة اليابان، كما أنها تشير بشكل واضح لاتجاه طوكيو وواشنطن نحو مستوى أعمق بكثير من التعاون والتكامل العسكري القائم حالياً، خاصة وأن الاستراتيجية تقر تأسيس قيادة عسكرية موحدة للقوات البرية والبحرية والجوية اليابانية والأمريكية.
  • بالرغم من أن الصين هي التهديد المحوري الذي يهيمن على الاستراتيجية الدفاعية الجديدة لليابان، فإن طوكيو تنتهج سياسية إقامة علاقة متوازنة ومستقرة مع بكين ضمن مقاربة “علاقات اقتصادية ساخنة وعلاقات سياسية باردة”، ففي الوقت الذي تتخذ فيه طوكيو خطوات لتعزيز قدراتها على الردع، تتجه أيضاً إلى دعم علاقاتها الاقتصادية القوية مع الصين، وهي حقيقة تتجلى في مكانة الصين كأكبر شريك تجاري لليابان.
  • في المقابل؛ من المرجح أن تواصل بكين معارضتها لتحركات اليابان الساعية إلى تعزيز قدراتها العسكرية، كما يمكن أن تتجه بكين إلى فرض عقوبات اقتصادية على الشركات اليابانية ومنعها من الوصول إلى السوق الصينية الضخمة حال انخرطت اليابان فيما تعبتره الصين إجراءات غير مقبولة، مثل مشاركة طوكيو في نظام “الدرع الصاروخي الأميركي”، أو المشاركة في تحالف عسكري ثلاثي يضم الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.

استراتيجية كوريا الجنوبية لمنطقة الإندو-باسيفيك

  • ترتكز استراتيجية كوريا الجنوبية لمنطقة الإندو-باسيفيك على الالتزام بالقيم الدولية وتعزيز النظام الدولي القائم على القواعد، ويظهر في الوثيقة تباينا واضحا في اللهجة المستخدمة تجاه كلٍ من الولايات المتحدة واليابان والصين، حيث تعهدت بمواصلة تعزيز “التحالف” مع الولايات المتحدة، معتبرة أنه “محور السلام والازدهار” في المنطقة على مدار السبعين عامًا الماضية، كما أكدت العمل على أن يتطور إلى “تحالف استراتيجي عالمي شامل لا يشمل الأمن فحسب، بل يشمل أيضًا الاقتصاد والتقنيات المتطورة والفضاء الإلكتروني وسلاسل التوريد”.
  • في المقابل؛ وصفت العلاقة مع اليابان بـ”شراكة تقدمية” (forward-looking partnership) بين دولتين يجمعهما “تفكير متشابه” (like-minded)، في إشارة إلى التزامهما بقيم الديمقراطية والليبرالية والدفاع عن النظام الدولي القائم على القواعد، كما تؤكد الاستراتيجية ضرورة تحسين العلاقات مع اليابان ومواصلة الجهود الدبلوماسية لاستعادة الثقة المتبادلة في إشارة للخلافات العالقة بين البلدين.
  • وبخصوص الصين؛ فقد انتهجت الاستراتيجية لغة هادئة مقارنة بالوثيقة اليابانية استهدفت عدم استعداء الصين؛ حيث تعتبر استراتيجية سيول أن بكين هي “الشريك الرئيسي لتحقيق الازدهار والسلام في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”، مؤكدة السعي إلى علاقة “أكثر صلابة ونضجًا” قائمة على الاحترام المتبادل والمعاملة بالمثل، لكن في الوقت عينه توجه الاستراتيجية رسالة إلى الصين، مفادها أن التعاون المستقبلي سيعتمد في المقام الأول على تصرفات الصين ومدى التزامها بالمعايير والقيم الدولية.
  • وبينما تجاهلت الوثيقة روسيا بطريقة لافتة، فقد أكدت التزام كوريا الجنوبية بتعزيز شراكتها مع الناتو، وتطوير هذه الشراكة من خلال بعثة كوريا التي تم إنشاؤها مؤخرًا إلى الناتو، كما أشادت بمشاركة الرئيس “يون سوك يول” قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في يونيو 2022، كأول رئيس كوري يقوم بذلك. وقد ضاعفت كوريا الجنوبية مبيعات الأسلحة للغرب بشكل ملحوظ، تماشيا مع مساعي تعزيز العلاقات الأمنية والعسكرية بين سيول وحلف شمال الأطلسي، حيث وقعت بولندا في أغسطس/آب الماضي صفقة مبيعات قياسية لأسلحة من كوريا الجنوبية بقيمة 15 مليار دولار، وعموما منذ عام 2014، باعت كوريا الجنوبية أسلحة لكل من النرويج وفنلندا وإستونيا وتركيا وأستراليا والهند.
  • وستنظر الصين إلى تموضع كوريا الجنوبية كمورد للأسلحة باعتباره تهديداً لنفوذها الإقليمي؛ حيث يمكن لدول مثل فيتنام والفلبين وإندونيسيا وماليزيا أن ترى في أسلحة كوريا الجنوبية ذات الأسعار المعقولة نسبياً خيارا جذابا لتطوير قدراتها العسكرية ضد أي احتمالات للعدوان الصيني.
  • تُلزم الاستراتيجية الجديدة كوريا الجنوبية بالمشاركة النشطة في الشؤون الإقليمية، ومعارضة أي محاولات أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن في منطقة الإندو-باسيفيك، وهو ما يعني أن حكومة سيول سيكون عليها السير عكس الحكومات السابقة التي ابتعدت عن الانخراط في نزاعات شرق وجنوب بحر الصين ومضيق تايوان، تجنباً لرد فعل بكين، ومن المتوقع أن تمارس الصين ضغوطاً اقتصادية على كوريا الجنوبية بقدر الخطوات العملية التي ستتخذها سيول في اتجاه تطبيق الاستراتيجية.

خاتمة

تشير زيارة الأمين العام للناتو لكل من اليابان وكوريا الجنوبية إلى تبلور استراتيجية غربية تقوم على أن مصالح وأمن شمال الأطلسي وآسيا لم تعد منفصلة، خاصة في ظل احتمالات تنامي العلاقات الروسية الصينية، وسيؤدي تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة وبين اليابان وكوريا الجنوبية من جهة أخرى، بالإضافة إلى الاستراتيجيات الأمنية الجديدة لطوكيو وسيول، إلى تحفيز مخاوف الصين أكثر باعتبار ذلك تصعيدا في الجهود الأمريكية الاستراتيجية لاحتواء نفوذ بكين؛ الأمر الذي يساهم في تزايد التوترات الجيوسياسية في منطقة الإندو-باسيفيك.

ستؤدي الاستراتيجية اليابانية وكذلك زيادة الميزانية الدفاعية إلى تعميق علاقات طوكيو مع دول الإندو-باسيفيك ذات الأهداف المشتركة المتعلقة بأنشطة الأمن البحري، مثل كوريا الجنوبية وأستراليا والفلبين وتايوان، حيث ستعتبر هذه الدول أن الخطوات اليابانية ستساهم في تخفيف أعباء أنشطة الأمن البحري المتمثلة في حرية الملاحة وحقوق الصيد والتي تأتي ضمن قائمة أولوياتهم الأمنية، كما أنها تدعم جهودهم في مواجهة تهديدات بكين وبيونج يانج المتزايدة.

التغيرات الجذرية في العقيدة الدفاعية لليابان تعني ببساطة أن واشنطن نجحت في استقطاب حليف معتبر للجهود الغربية الاستراتيجية الهادفة لإعاقة الصعود الصيني، وهو نجاح يأتي بعد نجاح آخر يتمثل في خطط إعادة تسليح ألمانيا لمواجهة التهديد الروسي، وكلاهما تطوران لهما تداعيات جيوسياسية بعيدة المدى على المستوى الدولي من المبكر تماما الجزم بها حاليا.

تعزيز الشراكة الأمريكية مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية يأتي بعد تشكيل واشنطن تحالفات ثلاثية ورباعية على غرار تحالف “أوكوس” (AUKUS) (يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا)، وتحالف “كواد” (QUAD) (يضم الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا)، وفي هذا الإطار يمكن النظر إلى استراتيجيتي كل من اليابان وكوريا الجنوبية، ضمن مساعي واشنطن لدفع البلدين إلى تعزيز علاقاتهما الثنائية، وتجاوز الخلافات التاريخية، باعتبار أن تشكيل تحالف يجمع الدول الثلاث، أو انضمام كوريا الجنوبية لتحالف “كواد” يعزز من تنظيم الجهود الأمريكية الاستراتيجية لاحتواء الصين.

خلال العقد الجاري، الذي تعتبره واشنطن حاسما في التصدي لنفوذ الصين، ليس من المرجح أن تخفف الولايات المتحدة تواجدها الاستراتيجي في منطقة الإندو-باسيفيك، لكن وفي المدى الطويل، ربما يساهم تطوير اليابان لقدراتها العسكرية وامتلاكها قدرات أعلى في تقليل العبء الأمني الذي تتحمله الولايات المتحدة في المنطقة، وربما يقلل من انخراط القوات الأمريكية بشكل مباشر في حماية مصالحها الأمنية في الإقليم.