اتفاق الغاز الثلاثي يضع “إسرائيل” ومصر في معادلة أمن الطاقة الأوروبية
سياقات - يونيو 2022
تحميل الإصدار

الحدث

● وقعت مصر والاتحاد الأوروبي و”إسرائيل” يوم الأربعاء 15 يونيو/حزيران 2022، مذكرة تفاهم لزيادة صادرات الغـاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي، بموجب الاتفاقية التي وقعت في القاهرة، وتستمر لثلاث سنوات يمكن تمديدها لمرتين آخرين، حيث سترسل “إسرائيل” المزيد من الغـاز إلى محطات تسييل الغـاز المصرية، إدكو ودمياط، ومن ثم تصديره إلى الأسواق الأوروبية، وفي المقابل، سيشجع الاتحاد الأوروبي شركات الطاقة الأوروبية على مزيد من الاستثمارات في التنقيب على الغـاز والبنية التحتية اللازمة للإنتاج والتصدير في مصر و”إسرائيل”.
● وقعت مصر ودولة الاحتلال اتفاقية استراتيجية في فبراير/شباط 2018 لتصدير الغـاز إلى مصر بقيمة 19.5 مليار دولار، وبدأت مصر في استقبال واردات الغـاز الإسرائيلي في مطلع عام 2020 عبر خط أنابيب “العريش-عسقلان” البحري، وبلغ متوسط إمدادات الغـاز القادمة من إسرائيل حوالي ​​430 مليون قدم مكعب يوميا خلال النصف الثاني من عام 2021، في بداية شهر مارس/آذار الماضي، رفعت حكومة الاحتلال صادراتها من الغـاز إلى مصر عبر استخدام خط أنابيب “الغـاز العربي” البري لأول مرة، ليصل حجم الغـاز المتدفق إلى مصر في نهاية مارس/آذار الماضي، حوالي 720 مليون قدم مكعب يوميا.

إسرائيل تجنى مكاسب اقتصادية وجيوسياسية

التحليل: “إسرائيل” تجنى مكاسب اقتصادية وجيوسياسية

  • تعاني “إسرائيل” منذ اكتشاف حقلي “ليفايثان” و”تمار” قبل عقد من الزمان من تحديات تعوق زيادة صادراتها للخارج، حيث ظل الهاجس الأمني هو العائق الرئيسي أمام تطوير بنية تحتية قادرة على تصدير الغـاز إلى الخارج، لكنّ عوامل مثل تطور علاقات دولة الاحتلال بجيرانها، ثم الحرب في أوكرانيا ساهمت في تعزيز فرص “إسرائيـل” لزيادة صادراتها من الغـاز إلى الخارج، والتوجه نحو تحقيق أكبر استفادة من أزمة الطاقة في أوروبا، وحتى البحث عن مسارات جديدة بالإضافة للمسار المصري الوحيد حاليا.
  • وفي حين تعطلت مساعي إطلاق مشروع خط أنابيب “إيست ميد”، تنظر حكومة الاحتلال إلى عدة بدائل أخرى لتصدير الغـاز إلى أوروبا، تشمل مقترحات بمد خط أنابيب إلى تركيا، أو إنشاء محطة تسييل عائمة أمام السواحل الإسرائيلية، في نفس الوقت، تتجه “إسرائيل” إلى توسيع صادرات الغـاز إلى مصر من خلال مقترحات بمد خط بري من صحراء النقب إلى سيناء، أو خط بحري من حقل “ليفايثان” إلى محطة إدكو، بالإضافة إلى استمرار صادراتها من الغـاز الطبيعي إلى الأردن، وكذلك احتمالية وصول الغـاز الإسرائيلي إلى لبنان من خلال اتفاق بين الأخيرة ومصر.
  • المكاسب الاقتصادية الكبيرة التي ستعود على “إسرائيل” من توسيع قاعدة تصديرها للغـاز ستكون هي الأوضح، بالإضافة إلى ذلك؛ فإن المكاسب الجيوسياسية على المستويين الإقليمي والدولي لا يجب إغفالها؛ إذ إن مساهمة دولة الاحتلال في أمن الطاقة الأوروبي يزيد من تأثيرها السياسي داخل الاتحاد الأوروبي، مع التأكيد على أنه سيظل تأثيرا محدودا بعد أن أظهر الاتحاد موقفا حازما تجاه الخضوع لروسيا، كما أن صادرات “إسرائيل” من الغـاز لمصر والأردن، وربما لبنان لاحقا، يمنح حكومة الاحتلال أداة تمدد في المحيط العربي، من خلال تعزيز المصالح المشتركة مع تلك الدول. 
  • في الجانب الآخر، تحقق هذه الاتفاقية مستهدفا مصريا بالتحول لمركز لتصدير الغـاز في المنطقة، خاصة وأن تعاقدها مع حكومة الاحتلال طويل نسبيا (حتى عام 2035)، لكنّ هذه الاستفادة تظل محدودة في ظل قدرة مصر على تصدير الغــاز الطبيعي ستتراجع بسبب زيادة الاستهلاك المحلي، مع ملاحظة تناقص إنتاج الغاز من الحقول المصرية في الربع الأول من العام الجاري بمقدار 4% مقارنة بالعام الماضي، كما تقود معادلة الاستهلاك والإنتاج إلى تحول مصر إلى دولة مستوردة للغـاز الطبيعي في الأعوام المقبلة.
  • بناء على ذلك؛ فإن الغـاز القادم من “إسرائيل” سيمثل غالبية صادرات محطات التسييل المصرية إلى الخارج، بالإضافة إلى دخول جزء من “الغـاز الإسـرائيلي” إلى السوق المحلية المصرية، وهذا يعني أن زيادة صادرات الغـاز الإسرائيلية إلى مصر ستحقق مكاسب اقتصادية محدودة للقاهرة على المدى المتوسط، من خلال فارق شراء وبيع الغـاز الإسرائيلي ورسوم تسييله، بينما سيتعزز الدور الإسرائيلي في تحقيق أمن الطاقة المصري كمورد رئيسي للغـاز.

حدود الاعتماد الأوروبي على “الغاز الإسرائيلي”

  • ويأتي هذا الاتفاق في إطار استراتيجية أمن الطاقة التي اعتمدتها أوروبا في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، والتي تستهدف الاستغناء عن الغـاز الروسي الذي يمثل 40% من احتياجات القارة، ويسعى الاتحاد الأوروبي لتوفير مصادر متنوعة للغـاز الطبيعي، لتجنب تفاقم أزمة الطاقة في الشتاء القادم، بعد أن قطعت روسيا إمدادات الغـاز عن بولندا وبلغاريا وهولندا والدنمارك، وخفضت إمدادات الغـاز إلى ألمانيا عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 بنسبة 40%، وكذلك خفضت صادراتها إلى إيطاليا بنسبة 15%.
  • يواجه الاتحاد الأوروبي عدة تحديات تجعل من إنهاء اعتماده على الغـاز الروسي أمرا غير ممكن على المدى القصير، حيث تحتاج أوروبا إلى تطوير بنيتها التحتية لتكون قادرة على استقبال الغـاز المسال، مثل إنشاء محطات لإعادة تحويل الغـاز المسال إلى حالته الغـازية، بالإضافة إلى ذلك؛ فإن القدرات التصديرية الحالية لكبار مصدري الغـاز المسال بلغت الحد الأقصى، مع التزام بعضهم بعقود طويلة الأجل أغلبها مع الأسواق الآسيوية، مما يجعل كميات الغـاز المسال التي يمكن أن توفرها تلك الدول للاتحاد الأوروبي في المدى القريب محدودة.
  • ترتبط صادرات مصر و”إسرائيل” من الغـاز المسال إلى أوروبا بعامل جوهري، هو الطاقة الإنتاجية القصوى لمحطات التسييل المصرية والذي يبلغ (12.2 مليون طن سنويا)، وقد اقتربت صادرات محطات التسييل من الحد الأقصى للإنتاج في الشهور الخمس الأولى من العام الجاري، حيث بلغت صادرات الغـاز المسال 4.7 مليار متر مكعب، وبناء على ذلك، فإن أقصى قدرة تصديرية لمصر وإسرائيل من الغـاز المسال في الوقت الحالي تقترب من 11 مليار متر مكعب سنويا، أي 7% من حجم الغـاز الروسي، وهو ما يقدر بنحو 3% من احتياجات أوروبا، بينما تشير توقعات الاتحاد الأوروبي إلى إمكانية استقبال 7 مليار متر مكعب فقط من محطات التسييل المصرية خلال العام الجاري، أي نحو 2% من احتياجات أوروبا.
  • تشير هذه الأرقام إلى محدودية الحجم الذي ستوفره صادرات مصر وإسرائيل من الغـاز المسال إلى أوروبا في الوقت الراهن، ومع هذا؛ فإن أوروبا لا تبحث عن مورد كبير بقدر ما تستهدف تقسيم وارداتها من الغـاز على عدد أوسع من الموردين، وعدم الاعتماد على مصدر رئيسي لتجنب تكرار الوقوع تحت ضغط سياسي على غرار العلاقة مع روسيا، لذلك فإن الاتفاق مع “إسرائيـل” يتزامن مع محادثات أوسع بين الاتحاد الأوروبي وقطر والجزائر على سبيل المثال.