“أوبك بلس” تخفض إنتاجها والسعودية تدير بثقة علاقاتها مع واشنطن
سياقات - أبريل 2023
تحميل الإصدار

الحدث

أعلنت المملكة العربية السعودية ودول أخرى من تحالف “أوبك بلس” عن خفض مفاجئ لإنتاج النفط بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً تبدأ من شهر مايو/أيار القادم وحتى نهاية العام، يتضمن ذلك تخفيض السعودية لإنتاجها النفطي بمقدار 500 ألف برميل يومياً، فيما مددت روسيا خفض إنتاجها الطوعي بمقدار 500 ألف برميل يومياً حتى نهاية العام بدلا من نهاية يونيو/حزيران، ليصبح إجمالي التخفيضات التي أقرتها “أوبك بلس” منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي حوالي 3.66 مليون برميل يومياً (نحو 4% من الطلب العالمي على النفط). وفي استجابة للتخفيض غير المتوقع، ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 6.5%، وسجل خام برنت حوالي 85 دولار للبرميل وخام غرب تكساس الوسيط 80 دولار حتى كتابة هذه السطور.

أوبك بلس تخفض إنتاجها والسعودية تدير بثقة علاقاتها مع واشنطن

التحليل: السعودية توظف إنتاج النفط وأوبك بلس كأداة نفوذ دولي

يعد خفض السعودية حوالي 5% من إنتاجها النفطي اليومي خطوة جديدة تظهر مكانة السعودية باعتبارها القوة المهيمنة التي يمكنها تشكيل أسعار النفط في المستقبل؛ حيث ستؤدي هذه التخفيضات إلى زيادة الطاقة الاحتياطية لدى المملكة، الأمر الذي يعزز موقع السعودية المحوري في أسواق النفط العالمية، حيث تجعل هذه الطاقة الاحتياطية المملكة قادرة تماما على كبح ارتفاع الأسعار في المستقبل عن طريق زيادة انتاجها النفطي. 

  • لا يبدو أن قرار السعودية تخفيض إنتاجها النفطي مدفوع فقط بالقلق حول استقرار أسواق النفط كما جاءت تصريحات الرياض الرسمية؛ فبالرغم من انخفاض أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة بسبب أزمة القطاع المصرفي الأمريكي ومخاوف الركود وارتفاع المخزونات، فلاتزال غالبية التوقعات تشير إلى انخفاض العرض أمام الطلب وزيادة الأسعار في وقت لاحق من هذا العام والعام المقبل، ويعزو ذلك بالأساس إلى زيادة الطلب الصيني المتوقعة على النفط بعد إنهاء إجراءات إغلاق كورونا الصارمة. 
  • بينما يظهر أن السبب الرئيسي وراء القرار السعودي هو رغبة الرياض في الإبقاء على أسعار النفط مرتفعة بما يكفي لتحقيق أرباح قياسية مماثلة لتلك التي تحصلت عليها العام الماضي، والتي بلغت حوالي 161 مليار دولار. ويبدو أن الرياض ستفضل دائماً أسعار نفط مرتفعة في حدود 90 دولار للبرميل، لتمويل أجندة الإصلاح الاقتصادي المحلي الطموحة -رؤية 2030- والتي تشمل مخططات لاستثمار ما يناهز 3.2 تريليون دولار لتنويع الاقتصاد السعودي بحلول عام 2030، الأمر الذي تجلى بوضوح في إعلان السعودية عن موجة ضخمة من الاستثمارات في الشهور السابقة شملت توقيع عقود بقيمة 8.5 مليار دولار لبناء مصنع هيدروجين أخضر بالقرب من مدينة “نيوم”، وتخصيص 8.8 مليار دولار لمنشآت سياحية على البحر الأحمر، و50 مليار دولار أخرى لتطوير ضواحي العاصمة الرياض.
  • يمثل قرار السعودية وتحالف “أوبك بلس” نقطة توتر جديدة بين واشنطن والرياض. حيث يتسبب القرار في رفع أسعار الوقود في الولايات المتحدة التي تكافح لخفض التضخم دون التسبب في ركود، كما أنه يساعد روسيا على زيادة عائداتها النفطية، في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن وحلفاؤها إلى تقويض تلك العائدات التي تغذي آلة الحرب الروسية عبر فرض سقف أسعار على النفط الروسي. 
  • ومع هذا؛ فإن التوتر هذه المرة سيكون عابرا ومحدودا مقارنة بالتوتر الناتج عن التخفيض السابق؛ وذلك لأن العلاقات السعودية الأمريكية تشهد مؤخرا تطورات إيجابية نحو استعادة الشراكة ومعالجة التوترات، كما ظهر أن غضب واشنطن السابق كان متسرعا بالنظر إلى أن تداعيات قرار أوبك بلس -في أكتوبر/تشرين أول- على أسعار النفط كانت محدودة، مما عزز رواية السعودية أن القرار كان فنيا.
  • من ناحية جيوسياسية؛ فإن استنفاد أمريكا لحصة كبيرة من احتياطي النفط الاستراتيجي والذي بلغ 372 مليون برميل، وهو أدنى مستوى للاحتياطي منذ عام 1983، يجعل خيارات واشنطن المتاحة لخفض أسعار الوقود محدودة بخلاف اللجوء إلى السعودية ودفعها لزيادة المعروض في السوق، الأمر الذي يعزز من نفوذ الرياض في واشنطن، ويزيد من ثقة ولي العهد السعودي، لاسيما مع الزيادة المتوقعة لأسعار الوقود في وقت لاحق من هذا العام وفي الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين ثاني 2024، إذ دائما ما يكون ارتفاع أسعار الوقود قضية سياسية بارزة خلال الانتخابات.

إقرأ أيضاً:

النفـط السعودي يتحدى بثقة تهديدات بعقوبات أمريكية

سقف لأسعار النفـط الروسي.. تحديات تقوض فعالية القرار

تسعير النفـط السعودي باليوان الصيني.. مناورة أم تحول استراتيجي؟

صراع التحكم في أسعار النفط بين الولايات المتحدة الأمريكية وتحالف أوبـك بلس