واشنطن تعزز وجودها العسكري في الفلبين ضمن جهود محاصرة الصين بحريا
سياقات - مايو 2023
تحميل الإصدار

الحدث

أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية يوم الأربعاء 3 مايو/أيار وثيقة من ست صفحات تحت مسمى “المبادئ التوجيهية الدفاعية الثنائية“، تحدد التزامات الولايات المتحدة للفلبين بموجب معاهدة الدفاع المشترك لعام 1951. وتشير الوثيقة بعبارات واضحة إلى أن معاهدة الدفاع المشترك سيتم تفعيلها إذا تعرض أي من الجانبين للهجوم على وجه التحديد في بحر الصين الجنوبي، وأيضًا إذا كانت سفن خفر السواحل هي الهدف. وجاء إصدار الوثيقة خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الفلبيني “فرديناند ماركوس” إلى واشنطن في الفترة من1 إلى 4 مايو/أيار الجاري.    

العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والفلبين ( أمريكا والفلبين )

التحليل: العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والفلبين

شهدت الشهور القليلة الماضية منذ وصول الرئيس الفلبيني “ماركوس” إلى السلطة في يونيو/حزيران الماضي تناميا لافتا في العلاقات الدبلوماسية والعسكرية بين الولايات المتحدة والفلبين:

  • أولاً، أجرى المسؤولون الأمريكيون زيارات رفيعة المستوى إلى الفلبين، على رأسها زيارات منفصلة لكل من نائبة الرئيس “كامالا هاريس”، وزير الخارجية “أنطوني بلينكين”، ووزير الدفاع “لويد أوستن”. بالإضافة إلى لقاء “ماركوس” مع “بايدن” مرتين خلال العام الماضي على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، وقمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في تايلاند.
  • ثانياً، أحيت الفلبين في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي اتفاقية التعاون الدفاعي المعزز (EDCA) الموقعة عام 2014، بعد تعطيلها خلال رئاسة “رودريغو دوتيرتي” (2016-2022)، كما وسّع “ماركوس” في فبراير/شباط الماضي حدود الاتفاقية بإضافة 4 قواعد عسكرية جديدة، ليصبح إجمالي القواعد التي يمكن أن يستخدمها الجيش الأمريكي في الفلبين 9 قواعد، بينما ستزيد واشنطن إنفاقها السنوي في تلك المواقع من 80 مليون دولار إلى أكثر من 100 مليون دولار بنهاية 2023.
  • ثالثاً، أجرت الولايات المتحدة والفلبين في أبريل/نيسان الماضي مناورات “باليكاتان” أو “كتفا بكتف”، وهي أكبر تدريبات عسكرية مشتركة بين الجانبين وأكثرها تطورًا من الناحية التكنولوجية، وشارك فيها 17600 جندي وشملت تدريبات بالذخيرة الحية في البحر للمرة الأولى، بينما اقتصرت التدريبات السابقة على مكافحة الإرهاب.
  • رابعاً، أصدر كبار مسؤولي السياسة الخارجية والدفاع من الولايات المتحدة والفلبين بيانًا مشتركًا في مطلع أبريل/نيسان الماضي عقب اجتماعهم في واشنطن، التزموا فيه بإكمال خارطة طريق مدتها 10 سنوات تتعهد فيها الولايات المتحدة بتوفير المعدات العسكرية للفلبين، بما في ذلك الطائرات بدون طيار وطائرات النقل العسكرية وأنظمة الدفاع الساحلي والجوي. 
  • تشير المواقع الأربعة الجديدة التي تمت إضافتها لاتفاقية التعاون الدفاعي المعزز إلى مساعي واشنطن المتواصلة لتوسيع تواجدها العسكري بالقرب من جزيرة تايوان وبحر الصين الجنوبي لمواجهة تمدد النفوذ العسكري الصيني في المنطقة. وتقع ثلاث من القواعد الجديدة، هي قاعدة “ميلكور ديلا كروز” ومطار “Lal-lo” والقاعدة البحرية “كاميلو أوسياس”، شمالي الفلبين، حيث تفصل بين الأخيرة وجنوب تايوان نحو 400 كم فقط، بينما الموقع الرابع في جزيرة “بالاباك” (Balabac) جنوبي الفلبين، التي تبعد حوالي 257 كم من جزر “سبراتلي” (ٍSpratly island) الواقعة في بحر الصين الجنوبي، وهي منطقة نزاع مستمر بين بكين ومانيلا، حيث يطارد خفر السواحل الصينية سفن الصيد الفلبينية بشكل مستمر. 
  • وعلى الرغم من أن اتفاقية التعاون الدفاعي المعزز لا تسمح لواشنطن بإنشاء قواعد عسكرية دائمة، إلا إنها تسمح للقوات الأمريكية بوضع أنظمة أسلحة وإنشاء بنية تحتية حيوية في قواعد عسكرية ذات مواقع استراتيجية في جميع أنحاء الفلبين. على سبيل المثال؛ ستتمكن أمريكا من إنشاء مدارج المطارات ومخازن الوقود والإسكان العسكري في القواعد الواقعة بالقرب من الشواطئ الجنوبية لتايوان أو تلك الواقعة بالقرب من بحر الصين الجنوبي. الأمر الذي يعني تمكين الولايات المتحدة من الحفاظ على تواجد عسكري طويل في تلك المواقع، مع إمكانية استخدامها في حال اندلاع نزاع مسلح مع الصين، حيث تساهم تلك المواقع في تحسين قدرات المراقبة والاستجابة البحرية السريعة وتوفير الدعم اللوجستي للقوات الأمريكية ضد الصين.
  • تستهدف الولايات المتحدة احتواء الصين وإعاقة صعودها وتحولها لقوة مهيمنة. لذلك؛ تعتمد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ استراتيجية محاصرة الصين بحريا واعتراض تحركاتها، وهو ما يتطلب توسيع الانتشار الأمريكي الاستراتيجي والعسكري، بدءا من أستراليا وجزر المحيط الهادئ، مرورا بقواعدها العسكرية في اليابان وكوريا الجنوبية، ووصولا إلى البحار القريبة من الصين، وذلك عبر إقامة تحالفات أمنية وعسكرية مثل تحالف “أوكوس” مع كلا من بريطانيا وأستراليا أو من خلال تعميق العلاقات العسكرية مع حلفائها مثل تعزيز الشراكات الدفاعية مع اليابان وكوريا الجنوبية، بالإضافة لخطط التعاون العسكري بين اليابان وتايوان.
  • على الجانب الآخر؛ تمنح القواعد العسكرية التابعة لاتفاقية التعاون الدفاعي المعزز الفلبين القدرة على تعزيز أمنها الداخلي عبر نشر الإمدادات العسكرية في جميع أنحاء البلاد، والتي يمكن استخدامها أثناء مكافحة التمرد المحلي أو الاستجابة للكوارث الطبيعية. كما تعزز الاتفاقية قدرة مانيلا على الدفاع عن مطالبها في المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي -تطلق عليه مانيلا بحر الفلبين الغربي- إذ يمكن أن يساعد التواجد العسكري الأمريكي في ردع التعديات الصينية على المياه الفلبينية. 
  • وبالرغم من تأكيد رئيس الفلبين أن القواعد العسكرية لن تستخدم في أي عمل هجومي ضد الصين، إلا أن بلاده باتت منخرطة أكثر من أي وقت مضى في لعب دور محوري في استراتيجية الردع الأمريكية ضد الصين. وفي حالة نشوب نزاع مسلح بين واشنطن وبكين، فمن المرجح أن تتعرض الفلـبين لضربات صينية بهدف تعطيل أو تدمير قدرات الاستجابة الأمريكية السريعة. كما أن تاريخ التوترات بين الصين والفلبين في بحر الصين الجنوبي يشير إلى احتمالات حدوث المزيد من المواجهات في الممر المائي المتنازع عليه، خاصة في ظل التواجد المتزايد للبحرية الأمريكية في المياه الفلبينية.