نتائج الانتخابات التركية 2023 … ماذا تعني محليا وخارجيا؟
مآلات - مايو 2023
تحميل الإصدار

خلاصة

● يشير التقدم الواضح للرئيس أردوغان على منافسه في نتائج الانتخابات التركية 2023 إلى أنه يتجه لولاية رئاسية ثالثة (ثانية في ظل النظام الرئاسي واسع الصلاحيات)، وهو ما يعني عموما استمرار السياسات الرئيسية التي انتهجها الرئيس خلال رئاسته، خصوصا بعد ضمان الائتلاف الحاكم أغلبية مريحة ومفاجئة.
● مازال حزب العدالة والتنمية هو الحزب الأكثر تمثيلا في عموم تركيا، وهي ميزة لا يتمتع بها أي حزب آخر من الأحزاب التركية، وتعكس عمق القاعدة الداعمة للحزب ولسياساته. لكنّ النتائج تشير أيضا إلى أن هذه المكانة بات من الممكن تحديها، خاصة في مركز الثقل السياسي في أنقرة وإسطنبول، والمحافظات الشرقية ذات القاعدة التصويتية الكردية.
● تهيمن التوجهات المحافظة على تفضيلات الناخبين الأتراك، وهو عامل مهم في توجيه السياسة الخارجية التركية المقبلة، حيث ستكون الحكومة الجديدة مطالبة بتوكيد السياسات التي تلبي توجهات القاعدة المحافظة، خاصة الالتزام بخطط إعادة اللاجئين السوريين بما يتطلب التطبيع مع نظام الأسد، ومواصلة المواقف الخارجية الحاسمة ومواجهة الضغوط الغربية، بالإضافة للمضي قدما في مشروعات الصناعات الدفاعية التي باتت تمثل واحدة من علامات الفخر الوطني.
● سيمثل استمرار حكم “أردوغان” تعزيزا لمسيرة الصعود التركي كقوة دولية متوسطة، والتي يعمل فيها على إرساء نهج خارجي متوازن تكون تركيا فيه عضوا فاعلا في الناتو، لكنّها مستقلة عن النفوذ الغربي ودون أن تكون معادية له. لذلك؛ ستواصل علاقة تركيا أردوغان مع الغرب تسجيل موجات من التوتر بين الجانبين. مع الإشارة إلى أن تركيز الحكومة التركية الجديدة المتوقع على أولوية تحسين الاقتصاد سيجعل أنقرة أكثر ميلا لاحتواء التوترات الخارجية عموما.
● من المرجح أن تعطي نتائج الانتخابات التركية 2023 دفعة لسياسة تركيا تجاه دول المنطقة العربية والتي تستهدف تعزيز التعاون والحد من الخلافات، خاصة وأن دول الخليج سيكون لها أهمية متزايدة في حسابات تركيا الإقليمية. وستكون دول الخليج في المقابل أكثر حماسة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية بعد أن أظهرت الانتخابات أن أردوغان مازال رجل تركيا القوي.

خريطة أفكار نتائج الانتخابات التركية 2023

مقدمة: نتائج الانتخابات التركية 2023 تظهر تفوق أردوغان

  • أعلن رئيس الهيئة العليا للانتخابات في تركيا، أحمد ينار، الإثنين 15 مايو/أيار، حصول الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” على 49.5% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية، متقدما بحوالي 2.5 مليون صوت على منافسه زعيم المعارضة “كمال كيليتشدار أوغلو” الذي حصل على 44.8%. بينما جاء مرشح اليمين المتطرف “سنان أوغان” ثالثا بنسبة 5.1٪. وبهذه النتيجة، تقرر إجراء جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى في تاريخ البلاد. فيما أظهرت النتائج غير النهائية فوز تحالف “الجمهور” الحاكم بنسبة 49.37% من الأصوات، وتحقيق أغلبية مريحة بعدد مقاعد 322 من إجمالي 600 مقعد. في المقابل، حصل “تحالف الأمة” المعارض على 35.12% من أصوات الناخبين، بإجمالي مقاعد 213، فيما حصد العمل والحرية المعبر عن الكتلة الكردية 65 مقعدا.
  • ويشير التقدم الواضح للرئيس أردوغان على منافسه إلى أنه يتجه لولاية رئاسية ثالثة (ثانية في ظل النظام الرئاسي واسع الصلاحيات)، وهو ما يعني عموما استمرار السياسات الرئيسية التي انتهجها الرئيس خلال رئاسته، مع توقعات بمراجعة السياسات الاقتصادية. ورغم التراجع غير المفاجئ في التصويت لحزب العدالة والتنمية، فإن نتائج الانتخابات البرلمانية تحمل مفاجأة من حيث احتفاظ الائتلاف الحاكم بأغلبية مريحة، ستمكنه من إقرار السياسات والقوانين في البرلمان دون معوقات من المعارضة، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، مثل انتشار القوات التركية في الخارج، وأولويات السياسة الخارجية، والسياسات المالية.
  • ونرصد فيما يلي خلاصة نتائج الانتخابات البرلمانية:
جدول (1) نتائج الانتخابات التركية 2023
جدول (1) نتائج الانتخابات البرلمانية*

* استنادا إلى البيانات الأولية المعلنة من وكالة الأناضول الرسمية. (المصدر: أسباب)
** تضم مقاعد حزب الشعب الجمهوري مقاعد أحزاب أخرى قدمت مرشحيها على قوائم الحزب، وهي: حزب الديمقراطية والتقدم برئاسة على باباجان (14 مقعد)؛ حزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو (10 مقاعد)، وحزب السعادة (10 مقاعد)، والحزب الديمقراطي (3 مقاعد)، ومقعد واحد لكل من حزب الجيد وحزب التغيير التركي، أي إن حزب الشعب الجمهوري يمتلك فعليا 130 مقعدا فقط متراجعا عن برلمان 2018.

جدول (2) نتائج الانتخابات البرلمانية التركية - الكتلة التصويتية الجديدة وتحرك الأصوات بين الأحزاب مقارنة بنتائج 2018*
جدول (2) الكتلة التصويتية الجديدة وتحرك الأصوات بين الأحزاب مقارنة بنتائج 2018*

* أرقام مقربة، استنادا إلى البيانات الأولية المعلنة من وكالة الأناضول الرسمية. (المصدر: أسباب)

أولا: موقع العدالة والتنمية ومستقبله

  • مازال حزب العدالة والتنمية هو الحزب الأكثر تمثيلا في عموم تركيا؛ حيث حصد في كافة المحافظات نسبة تمثيل لا تقل عن 20٪، ولم يتراجع أبعد من المركز الثاني، باستثناء محافظة واحدة صغيرة هي تونجلي ذات الكثافة الكردية والعلوية والتي جاء فيها ثالثا بنسبة 13.2٪، خلف حزب اليسار الأخضر (42.8٪)، وحزب الشعب الجمهوري (32٪). هذه الميزة لا يتمتع بها أي حزب آخر من الأحزاب التركية، ومازالت تعكس عمق القاعدة الداعمة للحزب ولسياساته. وتجدر الإشارة هنا إلى الدعم الواسع الذي تلقاه أردوغان والحزب الحاكم في المحافظات المتضررة من الزلزال، وهو أمر سبق أن رجحناه في أسباب؛ حيث راهن سكان هذه المناطق – المحسوبة على حزب العدالة والتنمية – على كفاءة أردوغان في قيادة جهود إعادة البناء.
  • لكنّ النتائج تشير إلى أن هذه المكانة بات من الممكن تحديها، خاصة في مركز الثقل السياسي في أنقرة وإسطنبول، حيث تشير النتائج في البرلمان والرئاسة إلى أن الحزب الحاكم لم يحرز تقدما كبيرا في جهود استعادة تأييد أوسع في الطبقة الوسطى المدينية في العاصمتين قبل أشهر قليلة من موعد انتخابات البلدية.
  • أما في المحافظات الشرقية، فمن الواضح أن العدالة والتنمية مازال عاجزا عن اختراق الكتلة التصويتية الكردية، ويشير نمط التصويت للعدالة والتنمية في المحافظات الشرقية إلى أن تأثير تحالفه مع حزب الهدى (كردي/إسلامي) كان محدودا؛ حيث تراجعت حصة العدالة والتنمية في مقاعد البرلمان في تلك المحافظات الاثنا عشر من 18 مقعدا في برلمان 2018، إلى 16 مقعدا، على الرغم من حصوله على نسبة تصويت أعلى في بعض هذه المحافظات خاصة ديار بكر وباتمان وإيغدير.
  • لذلك؛ أكد الرئيس التركي أكثر من مرة أن الحزب بصدد مراجعة نقاط ضعفه ومحاسبة نفسه في ضوء نتائج الانتخابات. وهي مراجعة نتوقع أنها لا تقتصر على تقييم أداء الحزب أو إدارة الحملة الانتخابية، ولكنها على الأرجح تشمل مراجعة السياسات الاقتصادية بصورة خاصة، فضلا عن تبني توجهات سياسية تخاطب بعض الكتل التصويتية التي لم تصوت للحزب، وسيكون التحدي الرئيس أمام الحزب الحاكم في هذا الصدد، هو محاولة كسب المزيد من قاعدة التصويت الكردية دون أن يصطدم بالتوجهات القومية المتنامية.

ثانيا: هيمنة التوجهات المحافظة على تفضيلات الناخبين الأتراك

  • تشير البيانات (جدول 1 و2) إلى أن تراجع التصويت للحزب الحاكم لا يعكس تراجع قاعدة المحافظين الشعبية، والتي تشمل المتدينين والقوميين على اختلاف توجهاتهم. فبينما خسر العدالة والتنمية كتلة تصويتية كبيرة، فقد خالف حزب الحركة القومية المشارك في الائتلاف الحاكم كافة التوقعات وحافظ تقريبا على قاعدته الانتخابية. والأهم من ذلك، أن أحزابا إسلامية وقومية حصدت أصواتا جديدة تفوق ما خسره الحزب الحاكم، مثل حزب الرفاه الجديد (إسلامي)، وحزب الظفر (قومي متطرف)، والذي حصد مرشحه الرئاسي “سنان أوغان”، عدد أصوات يعكس أيضا تبلور قاعدة مؤثرة داعمة لخطاب اليمين المتطرف.
  • وحتى الأصوات الجديدة التي حصدها حزب الشعب الجمهوري، ممثل اليسار الأتاتوركي، لم تأت كلها من قاعدة الحزب التقليدية؛ فمن المؤكد أن نسبة معتبرة من هذه الأصوات جاءت من القاعدة المحافظة المؤيدة لأحزاب السعادة، والديمقراطية والتقدم، والمستقبل، التي قدمت مرشحيها على قوائم حزب الشعب الجمهوري.
  • لا يحمل هذا المؤشر مغزى انتخابيا محليا فحسب، لكنّه سيكون عاملا مهما في توجيه السياسة الخارجية التركية؛ حيث ستكون حكومة الرئيس أردوغان المقبلة، في حال فوزه كما هو مرجح، مطالبة بتوكيد السياسات التي تلبي توجهات هذه القاعدة المحافظة، وهو ما يعني المضي قدما في خطط إعادة اللاجئين السوريين بما يشمل التطبيع مع نظام الأسد، ومواصلة المواقف الخارجية الحاسمة في ملفات مثل شرق المتوسط ومواجهة الضغوط الغربية عموما، بالإضافة للمضي قدما في مشروعات الصناعات الدفاعية المحلية التي باتت تمثل واحدة من علامات الفخر الوطني.

ثالثا: الانعكاسات المحتملة على السياسة الخارجية

  • شهدت الانتخابات الرئاسية استقطابا حادا، كان بعضه لأسباب أيديولوجية وعرقية وشخصية معتادة في السياسة المحلية التركية، لكن المهم من جانب الجغرافية السياسية، هو الاستقطاب المتعلق بعلاقة تركيا مع الغرب؛ حيث تبنى مرشح المعارضة خطابا صريحا يبشر بإعادة توجيه السياسة التركية تجاه الغرب مع الالتزام بالقيم الليبرالية، وندد بعلاقة أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي الوقت نفسه؛ كانت المؤسسات الغربية صريحة بصورة لافتة في دعم فوز “كيليتشدار أوغلو” والتبشير به باعتبار فوزه يمثل فرصة سانحة لـ”إعادة تركيا للحظيرة”.
  • لذلك؛ ستمثل انتكاسة المعارضة واستمرار حكم “أردوغان” تعزيزا لمسيرة الصعود التركي كقوة دولية متوسطة، والتي يعمل فيها “أردوغان” على إرساء نهج خارجي متوازن تكون تركيا فيه عضوا فاعلا في الناتو، لكنّها مستقلة عن النفوذ الغربي ودون أن تكون معادية له. وبالتالي ستتواصل مخاوف بعض القوى الغربية التي ترى في هذا الصعود مزاحمة تركية للنفوذ الغربي في عدة مناطق، تشمل البلقان وجنوب أوروبا والبحر المتوسط وشمال أفريقيا، فضلا عن القرن الأفريقي والشرق الأوسط.
  • ونرجح في ضوء ما سبق أن علاقة تركيا أردوغان مع الغرب ستواصل تسجيل موجات من التوتر بين الجانبين. وفي نفس الوقت؛ باتت صلابة موقع أردوغان محليا أمرا واقعا سيدفع القوى الغربية للتعامل مع تركيا ببراغماتية أكثر تلبية لمصالحها الحيوية. كما أن تركيز الحكومة التركية الجديدة المتوقع على أولوية تحسين الاقتصاد سيجعل أنقرة أكثر ميلا لاحتواء التوترات الخارجية عموما.
  • وعلى الرغم من أن هذا الصعود التركي يزاحم أيضا النفوذ الروسي في البحر الأسود والقوقاز وآسيا الوسطى، لكنّ موسكو مازالت ترى في الصداقة مع أنقرة فوائد جيوسياسية مهمة في ظل العزلة الغربية التي تفرضها عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على خلفية حرب أوكرانيا. لذلك؛ لم يخفِ الرئيس الروسي ترحيبه بإنجازات حكومة أردوغان، قبل أيام من التصويت، خلال مشاركته في تدشين محطة أكويو” للطاقة النووية في تركيا.
  • إقليميا؛ من المرجح أن تعطي نتائج الانتخابات دفعة لسياسة تركيا تجاه دول المنطقة والتي تستهدف تعزيز التعاون والحد من الخلافات، خاصة وأن دول الخليج سيكون لها أهمية متزايدة في حسابات تركيا الإقليمية في ظل أنها مصدر مهم للاستمارات وفي نفس الوقت سوقا مهمة للشركات المدنية والعسكرية التركية. وستكون دول الخليج في المقابل أكثر حماسة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية بعد أن أظهرت الانتخابات أن أردوغان مازال رجل تركيا القوي. في حين أننا قد نشهد خطوات أسرع في مسار التطبيع مع مصر التي ربما كانت متحفظة في الأشهر الماضية في انتظار نتائج الانتخابات.