اقتصاد مصر يواصل السقوط الحر وخيارات الإنقاذ محدودة
سياقات - مايو 2023
تحميل الإصدار

الحدث

◂وضعت وكالة “موديز”، في 9 مايو/أيار، تصنيف مصر الائتماني قيد المراجعة تمهيدا لخفض ثان محتمل، بعد خفض سابق في فبراير/شباط الماضي من BB2 إلى B3. وحذرت الوكالة من أن التقدم البطيء لبرنامج بيع الأصول الحكومية يهدد بتقويض خطط التمويل في اقتصاد مصر، وإضعاف سيولة النقد الأجنبي وتقويض الثقة في العملة. في 6 مايو/أيار، خفضت وكالة “فيتش” تصنيف مصر للمرة الأولى منذ 2013 من “B+” إلى “B”، وعدلت نظرتها المستقبلية من مستقرة إلى سلبية. وفي أبريل/نيسان، خفضت وكالة “ستاندرد آند بورز” نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية مع إبقاء تصنيفها عند “BB”.
◂وفي 3 مايو/أيار، أعلنت شركة الدار العقارية (الدار) أنها ستوقف الاستثمار مؤقتًا في مصر في انتظار استقرار الأوضاع الاقتصادية الداخلية للبلاد. وفي 1 مايو/أيار، أعلنت شركة التجزئة السعودية المتحدة للإلكترونيات (إكسترا) عن وقف خطط التوسع الاستثماري في مصر بعد دراسة جدوى. ووفقًا لصحيفة فاينانشيال تايمز في 29 أبريل/نيسان، أوقفت شركة أبوظبي التنموية القابضة ADQ مؤقتا استثماراتها المستقبلية في مصر.

أزمة اقتصاد مصر تقوض نفوذها الإقليمي وتهدد الاستقرار المحلي

التحليل: أزمة اقتصاد مصر تقوض نفوذها الإقليمي وتهدد الاستقرار المحلي

تضع تقييمات مؤسسات الائتمان الدولية السلبية ضغوطا هائلة على اقتصاد مصر والحكومة المصرية التي تواصل الاعتماد المفرط على الاستدانة من الخارج؛ حيث ستحد من قدرتها على إقناع رؤوس الأموال والاستثمارات، كما ستجعل سندات مصر السيادية غير جذابة أكثر، وهو ما يضطر الحكومة للاستدانة بمعدلات فائدة مرتفعة. على سبيل المثال؛ باعت مصر في فبراير/شباط 1.5 مليار دولار صكوك بفائدة 11٪ من أجل سداد ديون سندات اليوروبوندز، التي باعتها بفائدة 5.57٪ فقط.

  • تتمثل أبرز متطلبات اتفاق صندوق النقد الدولي، الموقع في ديسمبر/كانون أول 2022، بضمانات خليجية، في أن تقلل الدولة من دور الجيش في اقتصاد مصر وتحسين ظروف المنافسة للقطاع الخاص، فضلا عن مرونة سعر صرف الجنيه. وبينما كان من المقرر في 15 مارس/آذار 2023 إجراء أول مراجعة من ثماني مراجعات لصرف دفعات برنامج المساعدات الذي مدته 46 شهرًا، إلا أن المراجعة لم تتم، مما يشير إلى رغبة صندوق النقد الدولي في رؤية بدء التنفيذ الجاد للإصلاحات قبل الشروع في صرف المساعدات. ومن المرجح أن يزيد ذلك من الضغوط على الحكومة المصرية، والتي سترى أن تقييمات المؤسسات الدولية لا تنفصل عن ضغوط صندوق النقد.
  • من جهة أخرى؛ يتماشى توجه الشركات الخليجية مع قرارات حكومات دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والكويت، لربط الدعم المالي بإحراز تقدم في الإصلاح الاقتصادي، كما سبق أن أعلن وزير المالية السعودي، محمد الجدعان. ويوضح تردد الشركات مخاوف دول الخليج من أن الحكومة المصرية – وخاصة الجيش – غير جادة في تنفيذ هذه الإصلاحات. فعلى سبيل المثال؛ قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي، في يناير/كانون الثاني، تخصيص جميع الأراضي الصحراوية ضمن مسافة كيلومترين على جانبي 31 طريقًا شُيّدت حديثًا للقوات المسلحة من أجل التنمية.
  • تتمثل المطالب الخليجية في جوانب ثلاثة رئيسية:
    • أولا: التمسك بشراء حصص أغلبية في الشركات التي طرحتها الحكومة المصرية للبيع. حيث تريد دول الخليج ممارسة حقها في إدارة المشروعات التي تستثمر فيها وليس مجرد ضخ سيولة مالية للسوق المصري مقابل شراء حصص أقلية بين 20-30٪ من الشركات، والتي لن تجعلها قادرة على إدارة استثماراتها وضمان ربحيتها.
    • ثانيا: تقديم ضمانات لعدم مزاحمة مشروعات الجيش للاستثمار الخاص والأجنبي. حيث لا تتمثل مزاحمة الجيش فقط من خلال امتلاكه لشركات استثمارية، ولكن لتمتعه باستثناءات واسعة تجعل من غير الممكن اقتصاديا منافسة مشروعاته، وهو الأمر الذي يتطلب ليس فقط طرح شركتين أو ثلاثة من شركات الجيش للبيع، وإنما خروجه بالكامل من قطاعات اقتصادية. 
    • ثالثا: التقييم الحقيقي للجنيه المصري، والذي تحدد به قيمة أسهم الشركات المعروضة للبيع، حيث خسر الجنيه المصري 70٪ من قيمته حتى مايو/أيار 2023 على أساس سنوي، وأدى تردد الحكومة في تحرير سعر الصرف إلى فجوة كبيرة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازي، حتى أن الملياردير المصري “سميح ساويرس” قرر عدم الاستثمار في أي مشروعات جديدة في مصر، بسبب الشكوك المستمرة تجاه سعر الصرف.
  • تترك هذه التطورات الرئيس المصري أمام خيارات محدودة جدا؛ حيث بات انكشاف مصر أمام حلفائها الإقليميين أكثر من أي وقت مضى، في ظل اعتماد القاهرة الحصري على دعم دول الخليج المالي، وهو ما يزيد من تآكل نفوذ مصر الخارجي ويحد من قدرتها على المضي قدما في سياساتها الخارجية إذا تعارضت مع توجهات الداعمين، خاصة المملكة العربية السعودية.
  • تراجع حماسة الحلفاء لتقديم دعم دون قيود، وموجة التشاؤم المتصاعدة إزاء وضع المستقبل المصري، وتمسك الرئيس المصري حتى الآن بنهجه الاقتصادي والسياسي على حد سواء، كلها أمور تدعو إلى مراجعة الفرضية السائدة طوال السنوات الماضية، وهي أن “مصر أكبر من أن تفشل”، والتفكير في مآل آخر لم يعد مستبعدا، وهو أن تصبح “مصر أكبر من أن تُنقذ“. وللمفارقة، وكما استنتجنا سابقا في “أسباب”، يواجه النظام المصري شبح انهيار الاقتصاد المصري، ومخاوف تجدد الاحتجاجات الاجتماعية، وهي نفس التهديدات التي دفعته لتبني نهجه السياسي والاقتصادي منذ يوليو/تموز 2013.