دعم “إسرائيل” لأوكرانيا يضعها في مواجهة خيارات صعبة بين روسيا والغرب
سياقات - أغسطس 2022
تحميل الإصدار

الحدث

● أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي يوم الأحد 26 يوليو/تموز 2022، تقديم مساعدات إنسانية تبلغ قيمتها حوالي 726 ألف دولار إلى منظمات المجتمع المدني الأوكرانية، في الوقت نفسه؛ شرعت الحكومة الروسية منتصف شهر يوليو/تموز، في إجراءات إغلاق فرع “الوكالة اليهودية” في الأراضي الروسية، حيث طلب وزير العدل رسميا من القضاء الروسي قرارا بهذا الصدد، فتصاعدت حدة التوترات بين روسيا و”إسرائيـل” خلال الأسابيع الماضية، بعدما صعّدت موسكو من إدانتها للغارات الجوية الإسـرائيلية في سوريا، بينما أقر وزير دفاع الاحتلال الإسرائيـلي “بيني غانتس” بتفعيل روسيا منظومة “S-300” ضد طائرات إسرائيـلية، للمرة الأولى، بعد عودتها من هجوم على مواقع إيرانية داخل الأراضي السورية في شهر مايو/أيار الماضي.

توتر علاقات روسيا وإسرائيل يهدد التفاهمات في سوريا
توتر علاقات روسيا وإسرائيل يهدد التفاهمات في سوريا

التحليل: توتر علاقات روسيا وإسرائيل يهدد التفاهمات في سوريا

  • توصلت روسيـا و”إسرائيـل” إلى تفاهمات أمنية عميقة حول سوريا منذ التدخل الروسي في سوريا نهاية عام 2015؛ حيث واصلت “إسرائيـل” طوال هذه السنوات شن غارات جوية على مواقع في مختلف أنحاء سوريا، التي يخضع مجالها الجوي للسيطرة الروسية، بهدف تقويض أي بنى تحتية عسكرية متقدمة تتبع إيران أو “حزب الله” اللبناني في سوريا، عُرفت هذه التفاهمات بآلية “عدم التضارب” بين روسيـا و”إسرائيل”، والتي تسمح للأخيرة بحرية الحركة في المجال الجوي السوري، وتعتبر حكومة الاحتلال أن استمرار قدرتها على شن هجمات عسكرية غير مقيدة في سوريا يمثل أولوية أمنية للحد من تنامي التهديد العسكري الإيراني في سوريا.
  • من زاوية اقتصادية واجتماعية، تستقبل إسرائيـل نحو ربع وارداتها من القمح من روسيـا، كما تشكل السياحة القادمة من روسيـا مصدرًا بارزًا لقطاع السياحة في “إسرائيـل”، سجل نحو 10% من إجمالي السياح عام 2021، كما يعيش في “إسرائيل” حوالي مليون يهودي من أصول روسية، وهو الأمر الذي رسخ روابط اجتماعية وثقافية عميقة بين الجانبين، ومنح كليهما حافزا للحفاظ على العلاقات.
  • رفضت حكومة الاحتلال طلب أوكرانيا بتزويدها بمنظومة القبة الحديدية قبل بدء الغزو الروسي، كما رفضت محاولات دول البلطيق، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، تصدير أسلحة إسرائيلية إلى أوكرانيا قبل أيام قليلة من اندلاع الحرب، حرصا على عدم إغضاب روسيا، ومع بدء الغزو، تجنبت حكومة “إسرائيـل” الإعلان عن مواقف حادة ضد روسيـا، على الرغم من تأييدها إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في الأمم المتحدة، كما تجنبت التماهي مع حملة العقوبات الغربية ضد روسيا، ومع ذلك تسبب الدعم الدبلوماسي المتزايد الذي تقدمه “إسرائيـل” لأوكرانيا، استجابة للضغوط الأمريكية، في تصاعد التوترات بين روسيـا و”إسرائيل” في الأشهر الأخيرة، حتى أن موسكو زعمت وجود “مرتزقة إسرائيـليين” يقاتلون في أوكرانيا مع مقاتلي كتيبة “آزوف”، التي تصفها موسكو بـ”النازية”.
  • كثّف جيش الاحتلال الإسرائيـلي ضرباته الجوية على مواقع في سوريا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، لاسيما بعد تزايد المخاوف من استفادة إيران من تضاؤل ​​الوجود العسكري الروسي لتعزيز بعض مواقعها داخل سوريا، وتوسع إلى حد باستهداف مطار دمشق وإخراجه من الخدمة مؤقتا، ومع الوقت؛ اتجهت روسـيا لسياسة أكثر حزما مع “إسرائيـل”، حيث وجهت انتقادات متكررة للغارات الجوية الإسرائيـلية في سوريا وطالبت بوقفها، قبل أن تلوح بغلق “الوكالة اليهودية” في روسيا.

إقرأ أيضاً:

قاعدة للصين في كمبوديا وشراكة اقتصادية أمريكية في آسيا .. احتدام التنافس ثنائي القطبية

“بايدن” يعود للشرق الأوسط بمشروع دفاعي يوحد حلفاءه مع إسرائيل ضد إيران

اتفاق الغاز الثلاثي يضع “إسرائيل” ومصر في معادلة أمن الطاقة الأوروبية

مآلات حرب أوكرانيا وإعادة رسم حدود صراع الغرب وروسيا

  • يساهم استمرار الحرب الروسية الأوكرانية في تزايد أهمية العلاقات مع إيران من وجهة نظر روسيا، ليس فقط من زاوية المصالح الاستراتيجية في سوريا، ولكن أيضا لأهمية الموقف الإيراني الداعم لروسـيا ضد حملة العقوبات الاقتصادية الغربية، حيث تظهر طهران كواحدة من حلفاء موسكو الرئيسيين الذين ستساهم العلاقة معهم في الحد من آثار العقوبات الغربية، وهو الأمر الذي يظهر في زيارة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” إلى إيران، والتي كان على أجندتها ملفات اقتصادية وتجارية تتعلق بترتيبات ثنائية، وترتيبات أخرى ثلاثية مع تركيا، تستهدف تعزيز التجارة البينية بالعملات المحلية.
  • لذلك؛ يمكن النظر إلى توتر العلاقات بين روسـيـا و”إسرائيـل” من زاويتين، الأولى؛ وهي تبدو الأكثر أهمية، معاقبة “إسرائيـل” على دعمها المتنامي دبلوماسيا وماليا لأوكرانيا، والضغط على تل أبيب لمنع تقديم أي دعم عسكري لكييف، والثانية؛ ربما تعمل موسكو على تجنب تضرر علاقاتها مع إيران نتيجة تواصل الاستهداف الإسرائيـلي للبني التحتية الإيرانية في سوريا، وهو الأمر الذي قد يتطلب وضع بعض القيود على الأنشطة الإسرائيـلية في سوريا.
  • لذلك سعت موسكو في الأسابيع الماضية لدفع “إسرائيل” للحد من هجماتها ضد الأهداف الإيرانية داخل الأراضي السورية، من خلال اتخاذ مسارين: عسكري ودبلوماسي، حيث فعّلت منظومة “S-300” ضد الطائرات الإسرائيلية في مايو/أيار الماضي، وهو الأمر الذي اعترفت به إسرائيـل مؤخرا، كما عبرت التصريحات والمواقف الرسمية عن رفض غير مسبوق للغارات الإسرائيـلية، ودعت لوقفها.

الخلاصة

  • تلويح روسيا باستخدام ورقة تقييد العمليات الإسرائيـلية في سوريا يمثل الضغط الروسي الأقصى على حكومة الاحتلال لمنع تصاعد دعمها لأوكرانيا، خاصة بعد طلب كييف أسلحة إسرائيـلية، وهو الطلب الذي لم تبت فيه حكومة الاحتلال بعد بصورة نهائية، وبينما تبدو قدرة روسيـا محدودة للغاية على ممارسة ضغوط اقتصادية على تل أبيب، فإن التصدي للتهديد الإيراني، خاصة في سوريا، يمثل أولوية أمنية لإسرائيـل لا يمكنها المساومة عليها، لذلك؛ فإن من المرجح ألا تخاطر تل أبيب بتفاهماتها الأمنية مع موسكو حول سوريا، وأن تسعى لإبقاء دعمها لأوكرانيا في مستوى لا يهدد بمستقبل هذه التفاهمات، كما أنه ليس من المستبعد كذلك ألا تذهب الولايات المتحدة بعيدا في ضغوطها على “إسرائيـل” من أجل تقديم الدعم لأوكرانيا، وأن تتفهم في المقابل أولوية تل أبيب الأمنية.
  • بصورة عامة؛ لا تزال العلاقات الروسية الإسرائيـلية ترتكز على تاريخ من المصالح المشتركة، ورغبة الجانبين في تجنب التصعيد، لكنّ استمرار حرب أوكرانيا لعدة أشهر قادمة سيجعل من الصعب على إسرائيـل مواصلة الحفاظ على التوازن في علاقاتها بين روسيا والغرب، وهو ما سيضعها أمام خيارات صعبة، كما أن استمرار الحرب لفترة أطول يعزز من اتجاهين يهددان معا مستوى هذه العلاقة، وبينما تتعزز لدى روسيا أهمية العلاقات مع إيران، بينما تتواصل الضغوط الأمريكية على “إسرائيـل” لترقية دعمها لأوكرانيا، لينتج عن ذلك بالتبعية مواصلة موسكو الضغط على إسرائيـل، ومحاولة إعادة صياغة العلاقات الأمنية معها في سوريا، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى زيادة تدهور العلاقات بينهما.