تقرير حالة دولة: سوريا
تقرير حالة دولة - يناير 2021

استشراف حالة الدولة

  • لا يزال رئيس النظام السوري بشار الأسد ملتزماً بإعادة السيطرة على كل سوريا بدعم من روسيا وإيران، في حين يبقى التدخل العسكري الغربي لإسقاط الأسد أمراً مستبعداً جداً، لغياب بديل سياسي موثوق، وبسبب الخشية من استغلال الجماعات المسلحة لانهيار الدولة والفراغ الأمني، إضافة لخطر التصعيد المحتمل مع القوات الروسية المرتبطة بقوة بالنظام السوري.
  • ومع ذلك، فإن الإصرار التركي على الوجود العسكري شمالي سوريا والرد على أي تقدم لقوات النظام يزيد من احتمال إجبار الأسد على التوصل إلى تسوية جزئية بوساطة روسيا. حتى ذلك الحين، من المرجح أن يستمر خطر التصعيد بين قوات النظام وتركيا.
  • من المرجح مواصلة الإدارة الأمريكية الجديدة -وربما بوتيرة أعلى من إدارة ترامب- دعم المنطقة الشمالية الشرقية التي يسيطر عليها الأكراد، والسيطرة على حقول النفط كورقة مساومة على مستقبل سوريا. كما قد تفرض عقوبات مؤثرة على مجالات الطاقة والطائرات والبناء والقطاعات الهندسية، يتوقع أن تُعمّق أزمة الاقتصاد السوري المنهار وتُفقد العملة السورية مزيداً من قيمتها، مع استبعاد أن تُضعف من قبضة الرئيس الأسد على السلطة.
  • على الرغم من حرص جميع الأطراف الخارجية (روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة و”إسرائيل”) على الحضور العسكري في سوريا، فإن أياً منها لا يبدو مهتما بمواجهة عسكرية مباشرة، وهو السيناريو الذي يؤدي فيه سوء التقدير إلى نوع من التصعيد الذي لا يمكن السيطرة عليه.
  • بقاء إيران في سوريا مستمر لكنه مرتبط بشكل متزايد بقدرتها على تحقيق أهدافها الميدانية في الصراع السوري وفي المنطقة، ولن يكون هناك تراجع سهل لها تحت أي ضغوط أمريكية أو حتى روسية.
  • من المرجح استمرار “إسرائيل” – بغطاء روسي – في تنفيذ غارات جوية منتظمة وعمليات سرية ضد الوجود العسكري لإيران ووكلائها في سوريا، وملاحقة شحنات الأسلحة لحزب الله. وستتعامل “إسرائيل” مع مخاطرة التصعيد إلى حرب جراء هذه العمليات على أنه بديل مفضّل عوض السماح لحزب الله وإيران بتطوير قدراتهم على حدودها الشمالية.
  • لا تزال الاحتجاجات نادرة نسبيا في المناطق التي يسيطر عليها النظام، لكنها قد تتزايد نتيجة الانهيار المتواصل للعملة السورية وتدهور الأوضاع الاقتصادية دون أن تصل لمستويات مؤثرة على النظام. وفي مناطق المعارضة يُرجّح تزايد وتيرة الاحتجاجات بسبب الوضع الاقتصادي، ولكن بشكل أكبر بسبب الخلافات بين فصائل المعارضة على قضايا إستراتيجية مثل العلاقة مع تركيا والمصالحة المحتملة مع الأسد.

الحالة السياسية

  • ما زال رئيس النظام السوري بشار الأسد ملتزما بإعادة السيطرة على كل سوريا، بدعم من روسيا وإيران. وليس لدى الأسد حافز كبير لتقديم أي تنازلات ذات مغزى لما تبقى من المعارضة المسلحة المنقسمة بشدة بين الفصائل التي تدعمها تركيا وبعض المجموعات الجهادية، خاصة مع التقدم العسكري الكبير لصالح النظام، وعدم رغبة إيران وروسيا وتركيا والأردن والولايات المتحدة تفكيك هياكل الدولة في سوريا بالكامل.
  • المعارضة السياسية كذلك -والتي تضم العرب والأكراد واليساريين وأنصار الإخوان المسلمين- متصدعة للغاية وغير فعّالة، ومنقسمة داخلياً فيما بينها، سواء تلك المجموعات السياسية الرئيسية المشكلة لـ”الائتلاف الوطني للثورة السورية” ومقره إسطنبول، أو لجنة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي ومقرها دمشق.
  • ولا يوجد مؤشر حالي على مواجهة الرئيس الأسد تحديات كبيرة لحكمه من داخل النخبة العلوية الحاكمة. ويبدو أن تركيا وداعمي المعارضة السورية السابقين من أنظمة عربية، قد تخلوا جميعاً عن إصرارهم على الإطاحة بالأسد. في حين من المرجّح أن تستمر الولايات المتحدة تحت رئاسة جو بايدن في تقديم تنازلات بشأن مستقبل الأسد، في ظل عدم وجود بديل قابل للتطبيق.
  • ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن غالبية الطاقم القيادي الذي عينه الرئيس بايدن (وزير الخارجية أنتوني بلينكن، نائبة الرئيس كاملا هاريس، وزير الدفاع لويد أوستن، ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان..) لهم مواقف مناهضة وحادة تجاه الأسد، وسيبقى الاختبار الحقيقي للإدارة الجديدة في الموازنة بين توجهات العودة للاتفاق النووي الإيراني، والتعاطي بجدية لدفع عملية الانتقال السياسي في سوريا.
  • مؤخراً، في 25 يناير/كانون الأول 2021، انطلقت أعمال الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية في مكتب الأمم المتحدة بجنيف، بحضور 45 عضواً، بواقع 15 عضوا من كل من النظام والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني، وسط أجواء مشحونة وأقل تفاؤلاً بتحقيق تقدم حقيقي وملموس.
تحليل “SWAT” للحالة السياسية السورية

الحالة الاقتصادية

  • عانى الاقتصاد السوري من انكماش حاد في عام 2020، وانخفاض في ​​الإنتاج بما نسبته 6.5٪. في مارس/آذار 2020، أدى تفشي كوفيد19 إلى قيام صانعي السياسة بإدخال العديد من الإجراءات لتقييد انتشار الفيروس بما في ذلك إغلاق المدارس والمطاعم وتنفيذ حظر تجول ليلي. واستمرت البلاد بين تخفيف الإجراءات وتشديدها باقي العام، مما أدى إلى تفاقم الأضرار التي لحقت بالنشاط الاقتصادي.
  • ستستمر الأضرار في الاقتصاد السوري بسبب العقوبات الأمريكية، حيث وجّه قانون “قيصر لحماية المدنيين في سوريا” في يونيو/حزيران 2020 ضربة اقتصادية قاسية. إذ إن هذه العقوبات تعاقب أي أجنبي يشارك في أنشطة تجارية أو مالية مع كيانات أو أفراد مرتبطين بالنظام السوري، الأمر الذي أدى إلى زيادة إقبال السوريين على الدولار الأمريكي في أسواق رأس المال الدولية.
  • وقد تفاقم هذا الوضع بسبب الأزمة الاقتصادية في لبنان. ففي السنوات الأخيرة، كان يمكن للعديد من الشركات والأفراد العاملين في سوريا استخدام المؤسسات المالية اللبنانية للتحايل على العقوبات والوصول إلى العملات الأجنبية. أما الآن فيبدو أن غالبية البنوك اللبنانية لم تعد قادرة على جذب التمويل الأجنبي، وبالتالي بات الطريق للحصول على العملات الأجنبية ينغلق بشكل متزايد، إضافة للقيود الصارمة على رأس المال في لبنان.
  • تشير توقعات “فيتش سوليوشنز” -التابعة لمؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني- إلى أن الاقتصاد السوري سيمر بعام آخر مليء بالتحديات، ومن المتوقع أن يشهد انتعاشا بسيطا بنسبة 1.5٪ فقط في عام 2021. ويبدو أن هناك احتمالا ضئيلا بأن يرفع الرئيس الأمريكي جو بايدن العقوبات عن سوريا في أي وقت قريب. وكذلك من المرجح أن تستمر الأزمة المصرفية في لبنان، مما سيدفع إلى استمرار نقص الدولار في سوريا خلال الأرباع المقبلة، وهو ما سيبقي الليرة السورية تحت الضغط ويؤجج الأزمة المرتفعة بالفعل. كما يُتوقع أن يرتفع الاستهلاك الخاص بنسبة 3.5٪ في عام 2021.
  • يبدو أن الاستثمار سيظل ضعيفا، إذ ستكون العقوبات الأمريكية بمثابة عائق أمام الاستثمار الداخلي والخارجي. وحتى مسألة إعادة الإعمار من روسيا وإيران ستبقى ضعيفة، حيث تضيف توقعات “فيتش سوليوشنز” أن يكون سعر نفط خام برنت بحدود 48 دولارا أمريكيا للبرميل في عام 2021. وبناء على ذلك، فإنه من غير المحتمل أن تستعيد روسيا المعتمِدة على النفط وكذلك إيران؛ مستوى إنتاجهما قبل كوفيد حتى عام 2022. فالرياح المعاكسة للاقتصاد المحلي ستؤثر على رغبة حكومتي البلدين في صرف أموال على البناء في سوريا وإعادة الإعمار.
  • وهناك عائق آخر أمام الاستثمار، هو النزاع المتصاعد بين الرئيس الأسد ومجتمع الأعمال. فأصول عدة لشخصيات مهمة تحيط بالنظام تم تفكيكها، بما في ذلك الموالية لرامي مخلوف (ابن عم الرئيس الأسد).

العلاقات والسياسة الخارجية

العلاقات مع الولايات المتحدة: 

  • منذ اندلاع الحرب الأهلية، حاول نظام الأسد تصوير نفسه على أنه البديل الوحيد عوض الانزلاق إلى حكم إسلامي في سوريا. ومع ذلك، فإن ارتباطات النظام طويلة الأمد مع التنظيمات التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها “إرهابية”، بما في ذلك فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني، والفصائل الفلسطينية من قبيل الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية – القيادة العامة؛ تجعل أي تقارب أمريكي محتمل مع الأسد إشكالية فعلية.
  • سوريا مدرجة على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أقر الكونغرس “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا”، ودخل حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران 2020، وشددت الولايات المتحدة عقوباتها على النظام السوري، لا سيما المتعلقة بالاستثمارات ومعاملات دول أطراف ثالثة إلى سوريا. 
  • ومع ذلك، لم تعد واشنطن تسعى لإزاحة الأسد أو دائرته الحاكمة، أو تغيير الحرب لصالح المعارضة السورية، وهو أمرٌ مرجّح استمراراه في ظل إدارة “بادين”، وسيقتصر التدخل العسكري الأمريكي في سوريا على الأغلب على دعم الأكراد السوريين ، وبشكل أساسي القوات الديمقراطية (قسد)، لمحاربة ما تبقى من خلايا تنظيم الدولة الذي يواصل شن الهجمات بعد أن قُضي على التنظيم في مارس/آذار 2019.
  • وذلك يشمل أيضًا مناطق شمال شرق البلاد، فبالرغم من إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب في ديسمبر/كانون الأول 2018 بأن قوات الولايات المتحدة ستنسحب من سوريا، فإن وحدة أصغر بقيت هناك من أجل السيطرة على حقول النفط. 

العلاقات مع روسيا: 

  • عرقلت روسيا -إلى جانب الصين- بشكل متكرر قرارات مجلس الأمن الدولي ضد نظام الأسد، ونجح التدخل العسكري الروسي في سوريا منذ سبتمبر/أيلول 2015 في دعم موقف نظام الأسد وإنقاذه من الهزيمة العسكرية على يد المعارضة السورية. ورسخت روسيا قوتها الخاصة عبر المتعاقدين العسكريين مع الجيش السوري، والدعم الجوي لعملياتهم. كما زودت موسكو سوريا بأنظمة دفاع جوي متطورة من طراز إس300 في عام 2018، وذلك على الرغم من كونها تحتفظ بدرجة التحكم في استخدامها.
  • علاقة روسيا بسوريا طويلة الأمد وتعود إلى عهد الاتحاد السوفياتي، حيث تحتفظ روسيا بقاعدة جوية دائمة في حميميم بمحافظة اللاذقية وقاعدة بحرية في ميناء طرطوس السوري على البحر المتوسط، وهو أمر مهم كرمز للنفوذ الروسي وكنقطة صيانة ودعم لوجستي للتزود بالوقود. سوريا أيضا وجهة تصدير ومسرح تجارب للأسلحة الروسية. ويتم منح الشركات الروسية حصريا تعاقدات مع صناعة تعدين النفط والغاز والفوسفات في البلاد، بالإضافة إلى إيجار ميناء طرطوس التجاري.
  • سيبقى الدعم الروسي لنظام الأسد هو السيناريو الأرجح، ومع ذلك فإن منع انهيار النظام كان هو الهدف الرئيسي لروسيا عندما قررت التدخل في سوريا، أما الآن وقد اطمأنت موسكو إلى حدٍ معقول بأن الدولة السورية لن تنهار، ربما سيلجأ “بوتين”، مدفوعًا بالرغبة في تحسين العلاقات مع الغرب، للضغط على الأسد لمنح بعض التنازلات للمعارضة؛ مثل توزيع أفضل للسلطة بين المجموعات العرقية أو إجراء بعض التدابير اللامركزية.

العلاقات مع تركيا: 

  • قدّمت تركيا مبكراً دعماً عسكرياً للمعارضة السورية، ولكن منذ بدء عملية “درع الفرات” في أغسطس/آب 2016 وسّعت تدريجياً انتشارها في شمال سوريا. وبهدف ردع النظام السوري عن تهديداته للفصائل المسلحة، أنشأ الجيش التركي عددا من نقاط المراقبة على طول خط المواجهة بين الحكومة السورية وقوات المعارضة في محافظة إدلب.
  • في أوائل عام 2020، شنّت قوات النظام إلى جانب المليشيات المدعومة من إيران هجوماً لاستعادة محافظة إدلب، فوقفت تركيا بحزم ضد الهجوم، وأعقب ذلك تدهور كبير في قدرات الجيش السوري على شن غارات جوية واسعة النطاق، فيما نشر بعدها الجيش التركي أكثر من 22 ألف جندي وعزز وجوده في المنطقة، لكنْ توقف القتال عبر اتفاق وقف إطلاق النار الروسي التركي في 5 مارس/آذار.
  • لا تبدو تركيا مهتمة في الوقت الراهن بشكل مباشر بمواجهة عسكرية واسعة أو محاولة فعلية لعزل الأسد عن السلطة، فيما تركز أولوياتها على احتواء المكاسب الإقليمية للأكراد، ومنع حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) من إقامة منطقة موحدة في شمال سوريا.
  • في غضون ذلك، من غير المستبعد أن تشن قوات النظام هجوماً على مناطق سيطرة المعارضة في سهل الغاب وداخل جبل الزاوية، جنوب إدلب، التي ما زالت تشكل مصدر قلق للأسد، وهو ما سيرفع من حدة التوترات مع تركيا، لكن ذلك التصعيد إن حدث، لن يؤدي بأي حال إلى صراع مفتوح بين الطرفين. وبالضرورة من غير المتوقع أن تنسحب تركيا شمالاً من محافظة إدلب إلا بعد التوصل إلى تسوية سياسية.

العلاقات مع إيران: 

  • تحرص إيران على بقاء النظام السوري حليفا رئيسيا لها، بسبب ما تشكّله سوريا من أهمية خاصة للمصالح الإيرانية وللحفاظ على خطوط الاتصال مع حزب الله في لبنان. ويُظهر حجم وحدات الحرس الثوري الإيراني المشاركِة في القتال -وليس مستشاريه فقط- وتجنيد الشيعة الأفغان وغيرهم للقتال؛ مدى التزام إيران الشديد بهذا الهدف. 
  • وعلى عكس الأسلوب المفضّل للحرس الثوري الإيراني في الاعتماد على مليشيات وكيلة لممارسة النفوذ، كما هو الحال في العراق (الحشد الشعبي) ولبنان (حزب الله)، فإن الحرس الثوري الإيراني اعتمد بشكل متزايد على أفراده لدعم النظام السوري، وذلك بسبب افتقاره للسكان الشيعة السوريين المتحالفين والمتعاطفين أيدولوجياً معه، إضافة إلى الاستثمار السياسي والمالي والعسكري الكبير للحرس الثوري في الصراع السوري.
  • التحالف البراغماتي بين إيران والنظام السوري ممتد منذ “الثورة الإسلامية” عام 1979 وما تلاها من اندلاع الحرب الإيرانية العراقية. وعلى عكس معظم الدول العربية، دعمت دمشق طهران في حربها على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، لأسباب تتعلق بالتنافس المرير بين الفرعين العراقي والسوري لحزب البعث. ولكن الأهم من ذلك أنه بمرور الوقت تطورت العلاقة إلى تحالف مناهض لـ”إسرائيل”.
  • لا تزال إيران وسوريا لديهما مصلحة مشتركة في تقويض “إسرائيل”، كما أن لديهما مصلحة مشتركة في ضمان عدم عودة العراق قوة يهيمن عليها السنة ويمكن أن تتماشى مع السعودية على حساب سوريا وإيران. وستظل طهران عاملاً مهماً في دعم الأسد، وضمان بقاء التوازنات العسكرية على الأرض بشكل واضح لصالح النظام، وستحرص على مقاومة تقديم أي تنازلات ذات مغزى للمعارضة تؤثر في هياكل الدولة ونفوذها فيه.

العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي: 

  • لعبت دول مجلس التعاون الخليجي دورا محوريا في تحديد الموقف القوي المناهض للنظام السوري في جامعة الدول العربية خلال الحرب الأهلية السورية، وكانت دول مجلس التعاون أول من سحب سفراءها من سوريا في أوائل عام 2012 وأغلقت سفاراتها في دمشق.
  • السعودية وغيرها مثل الكويت وقطر، كانت في طليعة الدول الداعمة للمعارضة السورية ضد الرئيس الأسد، عبر تزويد المسلحين بالسلاح في السنوات القليلة الأولى من الحرب. لكن بعد المكاسب العسكرية الحاسمة للحكومة السورية، بدعم من روسيا وإيران، سحبت دول الخليج دعمها العلني للمعارضة، وأكثر من ذلك، أعلنت كل من الإمارات والبحرين إعادة فتح سفارتيهما في دمشق أواخر 2018 كجزء من جهود أوسع لإعادة تطبيع العلاقات مع الرئيس الأسد.
  • ستبقى دول الخليج حريصة على تجنّب انهيار أجهزة النظام السوري، دون اتفاق سياسي شامل، خشية الفراغ الأمني ​​الذي يمكن أن تستغله التنظيمات المتشددة. وقد تُشارك دولًا خليجية ضمن إحدى سيناريوهات إعادة الإعمار، بتمويل بعض المشاريع في سوريا، في محاولة للحد من التأثير الإيراني في المنطقة.

العلاقات مع جامعة الدول العربية: 

  • كانت سوريا عضوا مؤسسا في جامعة الدول العربية حتى تم تعليق عضويتها في عام 2011 بسبب قمع الحكومة العنيف لشعبها. أرسلت الجامعة مراقبين إلى سوريا، لكنها علقت المهمة في فبراير/شباط 2012 بسبب استمرار العنف. واقترحت خطة من شأنها أن ترى الرئيس الأسد يتخلى عن السلطة لنائب له، وحاولت الحصول على قرار مماثل من قبل مجلس الأمن الدولي، لكن روسيا والصين منعت مثل هذا القرار. 
  • أيدت جامعة الدول العربية اقتراح محادثات بين النظام والمعارضة، وعرضت إعادة عضوية سوريا بمجرد التوصل إلى اتفاق على الفترة الانتقالية. ولاحقاً في أواخر 2018، تعرّضت الجامعة لضغوط العديد من الدول الأعضاء لإعادة قبول سوريا، لكن هذا الطلب لم يحظ بإجماع داخل الجامعة حتى الآن. ومن المتوقع أن يستمر هذا الأمر في ظل رفض أمريكي وغربي للتطبيع مع نظام الأسد إلى حين التوصل لإتفاق سياسي عبر مسارات الأمم المتحدة.  

العلاقات مع “إسرائيل”: 

  • سوريا و”إسرائيل” لا تزالان في حالة حرب رسمية بسبب احتلال الأخيرة مرتفعات الجولان السورية في حرب 1967. ولطالما كانت “إسرائيل” قلقة من التنازل عن تلك الميزة الإستراتيجية التي توفرها لها مرتفعات الجولان، وخاصة منظومات ومرافق جمع المعلومات الاستخبارية على جبل الشيخ. وقد عزز وضع “إسرائيل” في هضبة الجولان اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بها كجزء من الأراضي الإسرائيلية في 25 مارس/آذار 2019.
  • تستمر سوريا في دعم الجماعات المسلحة المناهضة لـ”إسرائيل” كوسيلة للضغط عليها لإعادة مرتفعات الجولان. ومن ناحيتها، تعتبر “إسرائيل” هذا الدعم رعاية دولة لـ”الإرهاب”، وترى مصلحة في منع حزب الله -وبالتالي إيران- من تشكيل نظام ما بعد الصراع في سوريا بطريقة تؤدي إلى تحول الجولان إلى جنوب لبنان آخريستطيع حزب الله من خلاله تهديد “إسرائيل” عبر مجموعة من القدرات، بما في ذلك الطائرات من دون طيار والصواريخ وعمليات القوات الخاصة.
  • وبناءً عليه، تشن “إسرائيل” غارات جوية منتظمة وعمليات سرية ضد مواقع النظام السوري ومراكز وجود حزب الله والحرس الثوري الإيراني في سوريا، واستهداف أنظمة مضادة للطائرات أو أسلحة كيميائية أو موجهة أو الصواريخ البالستية، والأفراد الذين يقومون بعمليات في الجولان. وستبقى “إسرائيل” ملتزمة بمنع إيران من ترسيخ وجود عسكري دائم لها في سوريا، ومحاولة إجبار المليشيات التابعة لها على الانسحاب من الأراضي السورية، أو على الأقل منع تواجدها بالقرب من مرتفعات الجولان، مما سيجعل خطر التصعيد دائم ومستمر.

 العلاقات مع الأمم المتحدة:

  • لا تزال الأمم المتحدة غير فعّالة إلى حدٍ كبير في الصراع السوري، باستثناء تقديم المساعدات للاجئين والمساعدات الغذائية داخل الدولة. وعرقلت الاعتراضات الروسية والصينية بشكل مستمر قرارات تنتقد الأعمال العسكرية للرئيس بشار الأسد، ولم يصدر فعلياً عن مجلس الأمن الدولي قرارات جدية تجاه الحكومة السورية، باستثناء قرار رقم 2188 الذي توسطت فيه روسيا، والذي طالب الحكومة بتسليمها أسلحة كيميائية.  
  • العديد من مبعوثي الأمم المتحدة إلى سوريا، بما في ذلك كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي وستافان دي ميستورا، استقالوا بعد الإخفاقات المتكررة في التوسط من أجل اتفاق. ومنذ يناير/كانون الثاني 2019 شغل المنصب “غير بيدرسون” الذي لم يتمكن هو الآخر من جمع الأطراف المتنافسة معاً.
  • قبل اندلاع الثورة السورية، كانت علاقة سوريا مع الأمم المتحدة غير مستقرة بسبب التحقيقات الجارية في اغتيال رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري. وفي تقرير أولي صدر عن رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية آنذاك، أشار محمد البرادعي في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 إلى أنه تم العثور على أدلة لوجود مواد مشعة داخل الأراضي السورية. سبقه قصف “إسرائيل” لمنشآت زعمت أنها “نووية” في سبتمبر/أيلول 2007، في حين أكدت سوريا أنها مجرد منشأة عسكرية مهجورة.

الحالة الأمنية

  • في يوليو/تموز 2017، أنهى الرئيس الأمريكي السابق ترامب البرنامج السري لوكالة المخابرات المركزية لتسليح المعارضة السورية، في حين أطلق في مناسبتين منفصلتين ضربات صواريخ كروز ردا على استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية على شعبه. وقد وُجهت الضربات بعناية في التوقيت والأهداف لتجنّب خسائر روسية، كان آخرها في 14 أبريل/نيسان 2018. ولا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بوجود عسكري رادع مفتوح في مناطق الشمال الشرقي من سوريا الغني بالنفط.
  • يشكل تنظيم الدولة “داعش” والجماعات المسلحة الأخرى خطراً شديداً على الوضع الأمني للنظام وعمليات النقل والبنية التحتية الحيوية في معظم أنحاء سوريا، بما في ذلك النفط ومنشآت الغاز. وبالرغم من أن الولايات المتحدة قتلت في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2019 ما يسمى بخليفة الدولة الإسلامية “أبو بكر البغدادي” وقُضي على سيطرة الجماعة في معظم الأراضي، فإن مسلحي “داعش” ما زالوا يعملون بحرية نسبية على طول نهري الفرات وفي دير الزور وصحاري حمص والسويداء، وتدير الدولة خلايا نائمة في المدن التي تسيطر عليها الحكومة في غرب سوريا وفي إدلب التي تسيطر عليها المعارضة، كما لا تزال مجموعات تنظيم الدولة تحتفظ بمعلومات استخبارية وقدرة كافية على تنفيذ هجمات متطورة في معظم أنحاء سوريا
  • تشن جماعات مسلحة أخرى -بما في ذلك “هيئة تحرير الشام”- هجمات متكررة ضد قوات جيش النظام السوري والمليشيات الداعمة له على طول خطوط التماس مع المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام باستخدام نيران المدفعية والهاون والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات (ATGMs) والأجهزة المتفجرة المرتجلة المحمولة على المركبات (VBIEDs). وتستهدف أيضا أحيانا المرافق الحكومية والمدنية والإستراتيجية في المدن التي تسيطر عليها الحكومة -مثل حلب واللاذقية وحمص ودمشق- بالعبوات الناسفة، واستهدفت في عدة مناسبات قواعد عسكرية روسية باستخدام صواريخ “غراد” والطائرات من دون طيار (UAVs).
  • وبالمثل، فإن القوات الكردية السورية (قوات سوريا الديمقراطية)، تستهدف بلدات يسيطر عليها الجيش التركي ووكلاؤه من المعارضة السورية، حيث وسّعت تركيا انتشارها العسكري تدريجياً في شمال سوريا منذ عملية درع الفرات في 2016، ضمن هدفها الأساسي في منع إنشاء كيان كردي يوفر قاعدة داعمة لحزب العمال الكردستاني التركي. وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أسفر هجوم سيارة مفخخة من قبل الأكراد على سوق في تل أبيض عن مقتل 13 وإصابة أكثر من 30.
  • من ناحية أخرى، هناك المخاطر المتعلقة بالطيران والنقل، حيث الطيران التجاري معرض لخطر كبير بإطلاق النار بشكل عرضي في حالة الغارات الجوية الإسرائيلية على مطار دمشق الدولي، وهو المطار السوري الوحيد الذي تستخدمه شركات الطيران التجارية الأجنبية. ومع ذلك هذا لا يؤثر على الطائرات المدنية التي تستخدم المجال الجوي السوري على ارتفاعات عالية، بالنظر إلى محدودية أسلحة الدفاع الجوي التي تستخدمها قوات المعارضة. لكن يبقى خطر الإسقاط العرضي من قبل دفاعات النظام الجوية في حالة الغارات الجوية الإسرائيلية التي تحدث عدة مرات في الشهر، خاصة إذا وجهت “إسرائيل” ضربات خلال ساعات النهار خلافاً لسياستها المتبعة لمعظم ضرباتها ليلاً.
  • أما الطيران المحلي الذي تديره شركات سورية إلى اللاذقية وحلب والقامشلي، فإن خطرها مرتفع للغاية، نظراً لاعتبارها أهدافاً مشروعة من قبل قوات المعارضة، لكون مطاراتها تُستخدم أيضا لأغراض عسكرية. 
  • يسيطر نظام الأسد على الساحل السوري بأكمله، وليس لديه حافز لاستهداف السفن التجارية في مياهه الإقليمية، لا سيما بالنظر إلى الحاجة إلى تقديم حالة أمنية محسّنة لجذب الاستثمار الأجنبي لإعادة الإعمار بعد الحرب. في ذات الوقت، لا تتمتع المعارضة السورية بوصول مستدام إلى الساحل ولا تملك القدرة على استهداف السفن في البحر. فعلى الرغم من حالات استهداف المعارضة لموانئ اللاذقية وطرطوس من مسافة بعيدة باستخدام صواريخ من نوع غراد أو طائرات من دون طيار، فإن مثل هذه الهجمات نادرة الحدوث ومن غير المرجح أن تسبب أضراراً في هيكلية البنية التحتية للموانئ أو السفن في الميناء.

الاستقرار الاجتماعي ومخاطر الاضطرابات

  • لا تزال الاحتجاجات والمظاهرات نادرة نسبياً في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ولكنها تتزايد نتيجة انهيار العملة السورية وتدهور الأوضاع الاقتصادية في مدن مثل دمشق وحلب وحمص واللاذقية، وتقع بين الحين والآخر بعض الاحتجاجات استجابة لأحداث مثل الزيادات في الأسعار أو فشل الخدمات الحكومية أو رواتب القطاع العام غير المدفوعة. 
  • في يونيو/حزيران 2020، شارك مئات الأشخاص في احتجاجات بمحافظتي السويداء ودرعا استمرت أسبوعاً، وكانت أكبر احتجاجات منذ عام 2015، وشهدت دعوات نادرة للإطاحة بالحكومة. من المحتمل أن يتعرض المتظاهرون للضرب والاحتجاز. وفي أماكن أقل أهمية لدعم الحكومة، من المحتمل استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين. كما من المرجح أن تؤدي المظاهرات المناهضة للحكومة إلى خروج احتجاجات مضادة أخرى مؤيدة للنظام.
  • ●     نوع آخر من الاحتجاجات يظهر أحيانا ردا على تزايد أعداد الضحايا بين الجنود العلويين. ففي أغسطس/آب 2015، خرجت مظاهرات في محافظتي طرطوس واللاذقية تطالب الحكومة بكسر حصار تنظيم الدولة على قاعدة “كويرس” الجوية. ومن الممكن أن تتكرر احتجاجات مماثلة إذا شنت الحكومة هجوما كبيرا لاستعادة السيطرة على محافظة إدلب من المعارضة، نتيجة لتوقع خسائر كبيرة في المجندين العلويين.
  • كذلك في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، كثيرا ما تقع احتجاجات ردا على تدهور الأوضاع الاقتصادية وحوادث الاقتتال الداخلي واحتجاز وخطف المواطنين. ففي يونيو/حزيران 2020، شهدت محافظة إدلب احتجاجات متكررة ضد “هيئة تحرير الشام” بسبب الارتفاع الحاد في أسعار الخبز. وفي 23 مارس/آذار 2018، أطلقت هيئة تحرير الشام النار على المتظاهرين في مدينة الأتارب بمحافظة حلب الذين طالبوها بالانسحاب من المنطقة. 
  • ومن المرجح وقوع احتجاجات من قبل المعارضة المدعومة من تركيا -خاصة في شمال شرق سوريا- ضد محاولات المصالحة مع نظام الأسد، حيث يعارض السكان المحليون في مناطق الأغلبية العربية التي تسيطر عليها قوات “سوريا الديمقراطية” -مثل منبج وحول دير الزور- مثل هذه المصالحات. وتنطوي هذه الاحتجاجات والمظاهرات لو وقعت على مخاطر كبيرة في التحول إلى العنف وضلوع المليشيات المسلحة فيها.