تقرير حالة دولة: روسيا
تحميل الإصدار

استشراف حالة الدولة

  • لا يزال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يُسيطر بصورة واسعة على منظومة صنع القرار الروسي، غير أن حالة عدم اليقين السياسي ستقود لزيادة تأثير شبكات النخب السياسية والقيادية التابعة للكرملين، في ظل حالة من الصراع تتسم بها علاقة تلك النخب ببعضها البعض. 
  • إشراف بوتين على عدد واسع من التعديلات الدستورية التي طالت المؤسسات السياسية، صنع حالة من الارتباك الداخلي، بالنظر لعدم وضوح دور “مجلس الدولة”، وعلاقته المستقبلية مع الحكومة.   
  • أسهم دور المعارض أليكسي نافالني في الانتخابات الأخيرة بزيادة الضغط السياسي والأمني على الرئيس الروسي، وتسبب ذلك بسلسة من التطورات التي قادت، أخيراً، لنزول المتظاهرين إلى الشارع. 
  • برزت العلاقات الروسية الصينية خلال العقد الأخير باعتبارها ذات طابع إستراتيجي وحيوي، غير أنها تواجه تحديات متعددة، خاصة في ظل تخوّف روسي من التحول لمجرد شريك صغير للصين بسبب عوامل الضعف التي يُعاني منها الاقتصاد الروسي.
  • من المتوقع أن تفرض الإدارة الأمريكية الجديدة تحديات أكبر على المؤسسة السياسية الروسية، انطلاقًا من المواقف الحادة للرئيس جو بايدن تجاه سياسات روسيا الخارجية، دون أن يعنى ذلك استبعاد خيار تعزيز قنوات التواصل الدبلوماسي بين الطرفين. 
  • سيبقى الأفق الاقتصادي أمام روسيا قاتماً، بسبب عدم القدرة على الاعتماد بصورةٍ واسعة على عائدات النفط في ظل انخفاض أسعارها، إضافة للمشاكل البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد، وكذلك بسبب تأثير العقوبات الأمريكية والأوروبية. 
  • ستعمل السلطات الروسية على التمسك بـ”السيادة الاقتصادية”، التي تُفهَم على أنَّها عزل الاقتصاد عن الصدمات الخارجية، ويشمل ذلك احتياطيات سيادية كبيرة، وإجراءات حمائية لدعم المنتجين المحليين، ونهجاً حذراً تجاه الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى الداخل. وتعمل السلطات على تقليص انكشاف الاقتصاد على الدولار في مسعى لعزل روسيا عن مزيد من العقوبات الأمريكية.  
  • تواصل روسيا اعتمادها النشط على الحروب الهجينة، عبر أدوات عسكرية وغير عسكرية مختلفة، وبرز في هذا الإطارالاستثمار الواسع في “حرب المعلومات” ومحاولة التأثير على الديمقراطيات الغربية، إضافةً للتوسع في النشاط العسكري الخارجي من خلال أشكال مختلفة لعل أبرزها شركة فاغنر التي باتت تتواجد في مناطق متعددة حول العالم. 

البيئة السياسية

  • تتسم عملية صنع القرار في روسيا بالمركزية، وذلك بفعل توجهات الرئيس فلاديمير بوتين الذي أمضى معظم سنوات حكمه الأولى في بناء ما يُسمّى بـ”السلطة العمودية”، في مسعى منه لتركيز السيطرة في يد السلطات التنفيذية، والحصول على دعم المؤسسات السياسية الإقليمية والاتحادية لذلك. إضافة إلى ما ضمنته له تشكيلة البرلمانات الموالية -خصوصاً بعد انتخابات سبتمبر/أيلول 2016- من تمرير سريع للسياسات الرئاسية والحكومية.
  • أدَّت سياسة بوتين، والدائرة المباشرة حوله، إلى سلسلة من التغييرات نظَّمت بشكل كبير الهياكل الإدارية لمؤسسات الدولة. لكن في الوقت ذاته أكَّدت أيضاً سيطرة إدارة بوتين على أجهزة الدولة الرئيسية والصناعات الإستراتيجية، لاسيما إنتاج النفط
  • ومن بين عدة خيارات كانت مطروحة للبقاء في السلطة، اختار بوتين تعديل الدستور لاستمرار رئاسته. ففي الذكرى العشرين لتوليه الرئاسة، واجه “بوتين” إشكالية دستورية تمنع بقاءه في سدة الحكم، فاقترح في خطابه السنوي عن “حالة الأمة” في 15 يناير/كانون الثاني 2020، تعديلات دستورية كبرى شملت ثلاثة مجالات سياسية رئيسية: منح سلطات أكبر لـ”مجلس الدوما” لتعيين الحكومة، ورفع مكانة “مجلس الاتحاد” الذي كان حتى ذلك الحين مجرد هيئة استشارية، وأخيراً أن تكون مدة الرئيس محدودة بولايتين رئاسيتين لا غير في المجمل، وليس فقط بولايتين متتاليتين.
  • لكن التطورات أخذت منعطفاً مفاجئاً في مارس/آذار من العام نفسه، حينما أُضيف تعديل أثناء مناقشة مجلس الدوما على التعديلات الدستورية يتعلق بـ”تصفير” عدد الولايات الرئاسية لبوتين. وبطبيعة الحال وافق المجلس على التعديل، وبذلك أصبح بإمكان بوتين البقاء في المنصب حتى عام 2036. 
  • ومع ذلك، فهناك عدد من الأزمات ما زالت تعتري نظام الحكم، أهمها “أزمة النخبة”، حيث تلعب الصراعات الداخلية في الأوساط المحيطة بالكرملين دوراً كبيراً في تشكيل المشهد السياسي في البلاد، وينُسب لها الدور المحوري في التأثير على السياسات الحكومية. لكن في الوقت ذاته، فإن العلاقات بين هذه النخب إشكالية ومعقدة، وتحمل عوامل توترٍ وصراعٍ عجِزَ بوتين عن كبحها.
  • وفي حين اجتذب مستقبل رئاسة بوتين معظم الاهتمام، فإنَّ هناك خطرا بأن تؤدي التعديلات الدستورية الأخرى (أكثر من 200 تعديل) المتعلقة بالمؤسسات السياسية إلى خلق حالة من الارتباك الداخلي. ويُعَد الدور الجديد لـ”مجلس الدولة” وعلاقته المستقبلية مع الحكومة، غير واضحين على نحوٍ خاص. وفي ظل هذه الحالة من عدم اليقين، ستصبح البرامج الخفية للشبكات النخبوية غير الرسمية أكثر أهمية.
  • يضاف إلى ما سبق، تهديد جديد برز في خضم الانتخابات المحلية التي جرت في 8 سبتمبر/أيلول 2019، فرغم رفض السلطات التساهل مع معظم مرشحي المعارضة -باستثناء أعضاء حزبي “الليبرالي الديمقراطي الروسي” و”الشيوعي”، باعتبارهما منافسَين لا يمثلان تهديداً حقيقياً- طوَّر المعارض أليكسي نافالني إستراتيجية لتشجيع الناس على دعم المرشح الأكثر احتمالاً لهزيمة حزب “روسيا الموحدة” الحاكم ضمن “التصويت الذكي”. وهو الأمر الذي قابلته السلطات بضغوط مباشرة على نافالني، ودهمت مكاتب “مؤسسة مكافحة الفساد” التابعة له، فضلاً عن المئات من منازل النشطاء وعائلاتهم. 

السياسة الخارجية

القوة الخشنة والناعمة في خدمة العلاقات: 

  • حافظ بوتين على مضامين محددة في خطاباته السياسية، من ضمنها التركيز على القوة الإستراتيجية للجيش الروسي، ومن ذلك إعلانه في ديسمبر/كانون الأول 2019 أنَّ روسيا هي أول دولة في العالم تستخدم صواريخ “فرط صوتية” (أسرع بخمس مرات من سرعة الصوت)، ونشرت روسيا في يونيو/حزيران 2020 سياستها للردع النووي للمرة الأولى، في حين قام بوتين ونظيره الأميركي جو بايدن، بالاتفاق على تمديد معاهدة خفض الأسلحة الهجومية الإستراتيجية لخمس سنوات.
  • وبينما يحاول بوتين استثمار السياسة الخارجية والتدخل العسكري في الخارج لتعميق نفوذ روسيا الإقليمي، تواصل موسكو سلوكها العسكري الحازم من خلال الانخراط المتواصل في صراع أوكرانيا، والمناورات العسكرية المتكررة على الحدود الغربية والجنوبية، بما في ذلك بحر البلطيق والبحر الأسود. لكن دون أن يعني ذلك الانجرار إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع الاتحاد الأوروبي أو الدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي “ناتو”، لتتجنب مزيداً من العقوبات الغربية.
  • وشكّل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أهم مسرح دبلوماسي وعسكري لروسيا، إذ تمركزت القوات الروسية في قاعدة حميميم السورية في منطقة اللاذقية، التي باتت تمثل قاعدةً محورية لدعم العمليات والنشاط العسكري للقوات الروسية في المنطقة، وظهر دورها مؤخراً في توريد السلاح والمعدات إلى ليبيا، إضافة لتأثيرها المباشر على مجريات المعارك الدائرة بين المعارضة والنظام.
  • كما بدأت روسيا تعميق انخراطها في الحرب الأهلية الليبية منذ صيف 2019، وصعَّدت الدعم لـ”الجيش الوطني الليبي” بقيادة خليفة حفتر الذي يقاتل حكومة الوفاق الوطني المُعتَرَف بها دولياً، وذلك من خلال قوات “الشركة العسكرية الخاصة” التابعة لمجموعة “فاغنر” الروسية، بدعمٍ جوي من المقاتلات الروسية ورحلات الإمداد الجوي المتكررة من القاعدة الروسية في حميميم بسوريا.
  • وعزّزت موسكو من دورها لوقف القتال بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم “ناغورني كاراباخ”. وقاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المفاوضات بين البلدين، مما أدَّى إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2020. ومع أنَّ وقف إطلاق النار غير مستقر على المدى البعيد، فإنَّه أمَّن وضع روسيا باعتبارها الوسيط الرئيسي في الصراع.
  • من جهة أخرى، سعت روسيا لاستثمار جائحة كوفيد19 في سياستها الخارجية. فقد أرسلت في مارس/آذار 2020 ثمانية فرق متنقلة من علماء الفيروسات العسكريين من قوات الدفاع الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي إلى إيطاليا لتقديم المساعدة. ونقلت في أبريل/نيسان شحنة من المعدات بما في ذلك أجهزة تنفس صناعي ومعدات حماية شخصية إلى نيويورك (على ما يبدو بطريق البيع وليس التبرع). وبينما يظهر أن الكرملين مصر على إعطاء انطباع بأن موسكو قوة يمكنها تعزيز نفوذها الجيوسياسي من بوابة إنتاج لقاح فعال ضد فيروس كورونا، سارع بوتين في أغسطس/آب الماضي للإعلان عن تسجيل أول لقاح ضد كورونا في العالم هو “سبوتنيك”.
  • كما تعمل روسيا على تعزيز طموحاتها للبقاء مُورِّداً مهما للغاز، فقد دشنت خطي أنابيب رئيسيين: خط أنابيب “قوة سيبيريا” إلى الصين في 2 ديسمبر/كانون الأول 2020، وقبله خط أنابيب “التيار التركي” إلى تركيا في 8 يناير/كانون الثاني 2020. وسينقلان ما يصل إلى 38 مليار متر مكعب و31.5 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً على التوالي.

العلاقات مع الصين: 

  • بدت العلاقات بين روسيا والصين تأخذ منحى إيجابياً في السنوات الأخيرة، لا سيما عقب إعلانهما “شراكة إستراتيجية شاملة” في يونيو/حزيران 2019، وإجراء أول دورية جوية مشتركة طويلة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادي في يوليو/تموز 2020. ثم استضافت روسيا مناورات “تسينتر 2019” في سبتمبر/أيلول 2020، بمشاركة الصين والهند وباكستان وبعض دول آسيا الوسطى. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن بوتين أنَّ روسيا تساعد الصين في إنشاء منظومة دفاع صاروخي.
  • ويبرز البعد الأمني في علاقة كل من روسيا والصين لاتفاقهما على مواجهة ما يُسمى نفوذ “الأصولية الإسلامية” في آسيا الوسطى، وموازنة نفوذ واشنطن في النظام الدولي. إذ تقول كلتاهما إنَّهما تدعمان نظاماً دولياً متعدد القوى، وتعاونتا بشأن قضايا في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، وتستخدمان معاً “منظمة شنغهاي للتعاون” من أجل جذب دول آسيا الوسطى للتعاون بشأن مكافحة الإرهاب والتهديدات الأمنية الأخرى.
  • في غضون ذلك، تَعاوَنت روسيا والصين لتقليص اعتمادهما على الدولار الأمريكي. وبحلول منتصف 2020، كان أكثر من نصف تجارتيهما تتم فعلياً بعملتيهما المحليتين.
  • وبينما تحاول موسكو صياغة علاقات أوثق مع دول مجموعة “بريكس” (وهي الدول الأكثر نموا وتتكون من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، تبرز مخاوف من تحول يطرأ على موقع روسيا لتصبح شريكاً صغيراً لبكين اقتصادياً وسياسياً، بفعل عوامل الضعف التي يعاني منها الاقتصاد الروسي. وأشارت عملية إلقاء أجهزة الأمن الروسية القبض على باحث بارز في يونيو/حزيران 2020 باتهامات تتعلَّق بالتجسس لصالح الصين إلى وجود توترات بين البلدين. 

إقرأ أيضاً:

مآلات (نورد ستريم 2: تدفق نفوذ روسيا الجيوسياسي إلى أوروبا)

العلاقات مع الولايات المتحدة: 

  • لا تزال العلاقات الروسية بالغرب يشوبها كثير من التعقيدات والصعوبات، حيث تواصل الولايات المتحدة فرض عقوبات على شركات مشاركة في خط أنابيب “التيار الشمالي 2” الذي يجري بناؤه لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق. وفي مارس/آذار 2020، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الذراع التجاري لشركة “روسنفت” -أكبر شركة نفط روسية- لدورها في نقل النفط الخام الفنزويلي. 
  • ويذكر أن علاقة روسيا مع الغرب تدهورت منذ ضم شبه جزيرة القرم في 2014 إلى مستوى قياسي منخفض مقارنة بمرحلة ما بعد الحرب الباردة.
  • إلى ذلك، تُعَد علاقة روسيا مع الولايات المتحدة علاقة معقدة، ليس فقط استناداً إلى القضايا العملية المتمثلة في التنافس والتعاون، لكن أيضاً لرغبة موسكو في الحفاظ على وضعيتها باعتبارها “شريكاً مساوياً” للولايات المتحدة في المجال الدولي. وأدَّى هذا إلى برنامج سياسة خارجية يهدف لتحقيق ثلاث أولويات:
    • تأكيد سلطة موسكو المهيمنة على “الخارج القريب” بالدول السوفياتية السابقة، لاسيما فيما يتعلَّق بأوكرانيا وآسيا الوسطى.
    • العمل مع الصين والحلفاء الآخرين لتقويض “القطبية الأحادية” الأمريكية، أو هيمنتها على النظام الدولي.
    • تطوير علاقات ثنائية مواتية مع الدول الأخرى، بدءاً من ألمانيا وتركيا وحتى فنزويلا وكوبا، يمكن أن يكون لها تأثير عملي في المساعدة على تأمين المصالح الروسية.
  • وسط هذ المشهد الدولي المعقد، من المتوقع أن تفرض الإدارة الأمريكية الجديدة تحديات أكبر على المؤسسة السياسية الروسية، حيث كان بايدن داعما لفترة طويلة لصنع سياسة صارمة تجاه روسيا، في حين سبق لموسكو أن انتقدت علناً دور بايدن حين كان نائباً للرئيس في إدارة أوباما (2009-2017)، وكان يُنظَر إليه في روسيا باعتباره مناصراً لمجموعات المعارضة المناهضة لبوتين. ومن المرجّح أن تركّز إدارة بايدن بشكل أكبر على مبدأ “الدفاع عن القيم الديمقراطية” وتعزيز حلف الناتو، وهو ما من شأنه تصعيد الضغط الدولي على روسيا.
  • ومن المرجح أيضاً أن تتضمن أجندة الإدارة الأمريكية الجديدة الوقوف في وجه التدخل الروسي في شرق أوكرانيا وبيلاروسيا والشرق الأوسط، خاصة أن بايدن كان مؤيِّداً لوجهة النظر التي ترى ضرورة إرسال أسلحة وذخائر لمساعدة كييف على الدفاع عن نفسها خلال فترة إدارة الرئيس باراك أوباما، وهو ما يُشير إلى أنَّه قد يزيد الدعم العسكري وأشكال الدعم الأخرى لأوكرانيا إذا تصاعد التوتر في المنطقة مجدداً.
  • وسبق لبايدن أن تعهد بمنافسة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط بشراسة أكبر. ولكن هذا لا ينفي احتمالية أن يعمل بايدن على تعزيز خطوط التنسيق الدبلوماسي والبراغماتي بين واشنطن وموسكو بالنظر إلى سجل بايدن الحافل في السياسة الخارجية.

البيئة الأمنية

  • على الرغم من أنَّ خطر وقوع هجوم عسكري أجنبي حقيقي على روسيا يظل منخفضاً للغاية بسبب الترسانة النووية الروسية، فإن إنفاقها العسكري في السنوات الأخيرة تزايد ليواكب فعلياً السياسة الخارجية الحازمة على نحوٍ مضطرد. فقد خصّصت روسيا 45.5 مليار دولار (2.64% من الناتج المحلي الإجمالي) للدفاع لعام 2020، وهي أرقام مشابهة لأرقام الهند.
  • تنظر موسكو بحذر تجاه أوكرانيا، وبالأخص لناحية مخاطر تمدد صراع “دونباس” بغير قصد إلى منطقة “روستوف” في روسيا. فبرغم فترات الانخفاض الكبير في القتال في منطقة “دونباس”، فإن القتال ما زال متواصلاً على طول خط التماس المستقر جغرافياً حتى أغسطس/آب 2020. وهددت الدول الغربية مراراً بطرح عقوبات إضافية على روسيا إذا استولى المتمردون على أراضٍ جديدة خارج خط السيطرة الحالي. 
  • لطالما نفت روسيا أن تكون قواتها تشارك في الصراع شرقي أوكرانيا، ومع ذلك، هناك الكثير من التقارير عن دخول مدفعية وأسلحة ومتطوعين روس إلى أوكرانيا في الفترة بين 2014-2020. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر/كانون الأول حكماً ينص على أنَّ الوضع في القرم يماثل صراعاً عسكرياً دولياً، وأنَّ الوضع في منطقتي “لوغانسك” و”دونيتسك”، شرقي أوكرانيا، يُمثّل مزيجاً من صراعات مسلحة داخلية ودولية. فضلاً عن ذلك، تحتل روسيا شبه جزيرة القرم وتديرها، حيث تنشر 31 ألف جندي.
  • وتماشياً مع معارضتها لتوسع “الناتو” شرقاً، أعلنت روسيا مراراً أنَّها تعارض وضع مواقع الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا ورومانيا. ورداً على ذلك، وضعت روسيا منظومات الدفاع الصاروخي إس400 في مدينة “كاليننغراد” وبطاريات إس300 في “بيلاروسيا”. وتُقدِّر مؤسسة “آي إتش إس ماركت” (IHS Markit) أنَّ نشوب صراع عسكري بين الغرب وروسيا بسبب الدفاع الصاروخي أمر مستبعد، حتى مع الأخذ في الاعتبار التدهور الإضافي في العلاقات الروسية الغربية بسبب صراعي أوكرانيا وسوريا. 
  • مع ذلك، فإن العدد المتزايد من المناورات العسكرية التي أجرتها روسيا في الفترة بين 2014-2020 في القطب الشمالي وعلى حدودها الغربية والجنوبية قرب حدود الناتو، وازدياد وتيرة تحليق الطائرات الحربية الروسية في المجال الجوي الدولي فوق بحر البلطيق والبحر الأسود ومؤخراً في شرق البحر المتوسط؛ يؤدي إلى زيادة مخاطر وقوع حوادث، لاسيما مع الولايات المتحدة.
  • تتمثل بؤرة “الإرهاب” الرئيسية وفقاً لتعريف أجهزة الأمن الروسية في منطقة شمال القوقاز، خصوصاً في جمهوريات داغستان والشيشان وإنغوشيا وقبردينو بالقاريا. ويتطلَّع المسلحون الإسلاميون/الجهاديون المعارضون لحكم روسيا لشن هجمات منتظمة بالأسلحة النارية والعبوات الناسفة ضد قوات الأمن والأصول الحكومية في المنطقة. لكنَّ تقلُّص ملحوظ طرأ على قدرات المسلحين يعود أساساً إلى عاملين:
    • الأول، حملة تضييق مستمرة من قوات الأمن الروسية تضمَّنت قتل العديد من القادة المتعاقبين (الأمراء) للتنظيم الجهادي الأساسي والقديم في المنطقة. 
    • والثاني، مغادرة الكثير من المسلحين والمتطوعين إلى العراق وسوريا، وتعرّض الكثير منهم للقتل في الشرق الأوسط مما جعلهم عاجزين عن العودة إلى روسيا.

الحالة الاقتصادية

  • ستؤدي الصدمة الثلاثية الناتجة عن انهيار الطلب العالمي على النفط، وتقلُّص إنتاج النفط بـ23% بموجب اتفاق “أوبك بلس”، والانخفاض الكبير في الاستهلاك الخاص، وثبات الاستثمار إلى انكماش بواقع 5.9% في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الروسي، وفقاً لتقديرات “آي إتش إس ماركت”، يعقبه انتعاش متواضع بنسبة 2.3% في 2021. وسيتباطأ التضخم السنوي بسبب ضعف إنفاق المستهلكين نتيجة انكماش الدخول الحقيقية وارتفاع البطالة. 
  • وسيؤدي التعطل في سلاسل الإمداد وضعف الطلب المحلي إلى كبح الواردات. في المقابل، سيؤدي انهيار أسعار السلع إلى إلغاء حصة كبيرة من عائدات التصدير، لكنَّ ضعف الواردات سيؤدي إلى الإنقاذ من حدوث عجز في الحساب الجاري.
  • وتتوقع مؤسسة “فيتش سوليوشنز” -التابعة لمؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني- أن ينتعش الاقتصاد الروسي بنسبة 3.4% في عام 2021، بانخفاض عن نسبة متوقعة سابقة تبلغ 3.7%. وعلى الرغم من هذه المرونة، سيبقى الاقتصاد الروسي تحت الضغط في ظل مواصلة جائحة كوفيد19 التأثير على الطلب المحلي والخارجي، ومن المتوقع اقتراب أسعار النفط من مستويات متدنية تستمر لعدة سنوات. 
  • ▪        وستظل السياسة الاقتصادية الروسية وطنية وحمائية في فترة بين 2021-2025. وستبقى السيادة الاقتصادية -التي تُفهَم على أنَّها عزل الاقتصاد عن الصدمات الخارجية- تمثل أولوية. ويشمل ذلك احتياطيات سيادية كبيرة، وإجراءات حمائية لدعم المنتجين المحليين، ونهجاً حذراً تجاه الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى الداخل. وتعمل السلطات على تقليص انكشاف الاقتصاد على الدولار في مسعًى لعزل روسيا عن مزيد من العقوبات الأمريكية.  
  • ويقع استبدال الواردات في صميم السياسة الصناعية الروسية، إذ تواصل الحكومة تحويل العائدات من قطاع الطاقة إلى المُصنِّعين الوطنيين، وتطوير القطاعين الزراعي والدفاعي. وستُوضَع حوافز لتشجيع الشركات الأجنبية على توطين الإنتاج في روسيا. مع ذلك، لن تكون تلك الإجراءات فعَّالة نظراً لمناخ الأعمال الصعب في روسيا والتوترات الجيوسياسية.
  • وأجَّلت الحكومة في يوليو/تموز بدء برنامج “المشروعات الوطنية” الاستثماري الرائد بقيمة 360 مليار دولار لأربع سنوات أخرى حتى عام 2024. ويهدف البرنامج لإحداث تحول كبير في بنية الاقتصاد، حيث ستتلقَّى مشروعات البنية التحتية نحو نصف التمويلات، وسيُخصَّص النصف الآخر للرعاية الصحية والتعليم والإسكان.
  • وأخيراً، تظل العقوبات الأمريكية والأوروبية، التي فُرِضَت في 2014 رداً على التدخل الروسي في أوكرانيا سارية، ومن المستبعد أن تُرفَع. بل وقد تؤدي أي أزمة أخرى في السياسة الخارجية إلى تصعيدها، وبالتالي مزيد من التأثير السلبي على الاقتصاد الروسي.

الاستقرار الاجتماعي ومخاطر الاضطرابات

  • حين بدأ الركود لأول مرة وضربت الاحتجاجات الجماهيرية روسيا في عام 2012، كان رد فعل الكرملين هو تعزيز القومية لتكون دعامة للشرعية الشعبية. واتخذ هذا منحًى مناهضاً للغرب أكثر حدة مما كان في الماضي، لاسيما في تشويه الاتحاد الأوروبي باعتباره مصدراً للقيم “المنحطة الغريبة” على الثقافة الروسية. وأذكى ضم روسيا للقرم في 2014 هذه الحماسة، مما دفع بشعبية بوتين للارتفاع إلى مستويات قياسية.
  • لكن كان هذا مجرد حل مؤقت للمشكلة، حيث تراجع تأثير هذه الحملات الدعائية بحلول 2018. وأظهرت استطلاعات رأي أجراها “مركز ليفادا” المستقل الذي يحظى باحترام تراجع معدلات شعبية بوتين في أبريل/نيسان 2020. ولا يبدو محتملاً أن يتمكن بوتين من تنشيط الدعم القومي بمغامرة عسكرية أخرى.
  • وتشير التطورات الأخيرة -لا سيما المظاهرات التي خرجت استجابةً لدعوة المعارض الروسي البارز أليكسي نافالني- إلى تراجع الدعم الشعبي لبوتين، لكن هذا لا يعنى أن الدولة ستتراجع عن سلوكها القمعي، بل تشير المعطيات إلى أنها ستوسع من قدراتها في هذا الاتجاه، ومثال ذلك “الحرس الوطني الروسي” (Rosgvardia).
  • ويذكر أنه جرى تشكيل هيئة إنفاذ القانون الجديدة في عام 2016 وتخضع لبوتين مباشرةً، والهدف الرئيسي منها ربما يكون تجنُّب “ثورة ملونة” (حراك جماهيري لتحقيق التحرر السياسي) على شاكلة تلك التي اندلعت في العديد من الجمهوريات السوفياتية السابقة على مدار العقدين المنصرمين. 
  • ولكن في الوقت ذاته لا يمكن نفي حقيقة أن بوتين لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة عقب ضم القرم في 2014، وكذلك بسبب تزايد الحزم الروسي على الساحة الدولية، بما في ذلك في الشرق الأوسط. وبمساعدة من التقارير التلفزيونية الموالية للكرملين، يُعَد غالبية الروس أكثر احتمالاً لإلقاء اللوم على القوى الخارجية في مصاعب البلاد، مثل انخفاض أسعار النفط والعقوبات الغربية، بدرجة أكبر من لومهم للقيادة الروسية. 
  • وستواصل المعارضة الروسية خلال هذا العام محاولتها تنظيم احتجاجات منتظمة مناهضة للحكومة، وتحديداً في موسكو وسان بطرسبورغ. ومن المحتمل أن تكون المشاركة في المظاهرات بالآلاف على الأكثر وبالمئات في المدن الأصغر. وستواصل الحكومة منع المظاهرات والترويج لها، واعتقال المتظاهرين، وحرمان المعارضة من قادتها من خلال الاعتقالات والغرامات الكبيرة.