نورد ستريم 2: تدفق نفوذ روسيا الجيوسياسي إلى أوروبا
مآلات - سبتمبر 2021
تحميل الإصدار

الملخص

• يمثل إقرار واشنطن بالأمر الواقع وقبول استكمال مشروع “نورد ستريم 2 ” انتصارا جيوسياسيا لروسيا، سينتج عنه تزايد نفوذ موسكو في أوروبا بصورة يصعب احتوائها بتفاهم ثنائي بين واشنطن وبرلين، حيث يعتبر المشروع ناقلا ليس للغاز فحسب، بل للنفوذ الروسي إلى عموم أوروبا.
• يضمن نورد ستريم 2 لروسيا أن تكون حاضرة لجني مزيد من النفوذ على النخب السياسية والاقتصادية الأوروبية، ومزيد من العوائد الاقتصادية التي تحتاجها لتمويل صعودها العالمي. بالإضافة إلى امتلاك ورقة مساومة استراتيجية تحد من قدرة أوروبا على مجابهة سياسات روسيا من خلال العقوبات على سبيل المثال.
• يضع الاتفاق تساؤلا حول طبيعة نظرة ألمانيا لروسيا على المدى الطويل. تصدت برلين لمساعي واشنطن وقف المشروع رغم المخاوف الجيوسياسية الواضحة، وهو ما يفتح الباب لمزيد من التساؤل حول تداعيات الشراكة في مجال الطاقة على مستقبل العلاقات الألمانية الروسية، خاصة مع تمسك برلين بنهج منفتح تجاه روسيا، رغم النظرة القاتمة تجاه التهديد الروسي من قبل واشنطن وحلف الناتو.
• تراجع “بايدن” عن نهج العقوبات الذي تبناه “ترامب” ضد روسيا عام 2017 في محاولة لتمتين الشراكة الاستراتيجية عبر الأطلسي، لكنه في المقابل قدم تنازلا من الممكن أن ينتج عنه تحديا كبيرا لقدرة هذه الشراكة على احتواء النفوذ الروسي الصاعد دوليا وأوروبيا.
• من الناحية الجيوسياسية، تبدو أوكرانيا في قلب هذا المشروع، ذلك أن روسيا تستهدف بشكل كبير، من بين أهداف أخرى، توفير بدائل تتجاوز خطوط النقل الأوكرانية للضغط على كييف اقتصاديا، وهو ما يوفره نورد ستريم 2 بالفعل، حيث يتوقع أن تمارس موسكو ضغوطا كبيرة على كييف عقب انتهاء اتفاق النقل الحالي نهاية عام 2024. وستكون خيارات أوكرانيا حينها محدودة من حيث الكميات التي سيتم نقلها ومن حيث رسوم العبور.
• بالإضافة إلى ذلك، لا تتجه أوروبا قريبا لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي الذي يمثل حاليا 41٪ من إجمالي احتياجاتها، بل من متوقع أن يتزايد اعتماد أوروبا على روسيا في ظل تراجع الإنتاج المحلي في القارة واتجاهات زيادة الاستهلاك.

خط نورد ستريم 2
مسار خطوط غاز نورد ستريم

من عقوبات “ترامب” لاستسلام “بايدن” للأمر الواقع

  • أعلنت ألمانيا والولايات المتحدة يوم الأربعاء 21 يوليو/تموز2021 التوصل إلى اتفاق بشأن مشروع خط أنابيب نقل الغاز الروسي لألمانيا “نورد ستريم 2″، البالغ حجمه 55 مليار متر مكعب سنويًا (م م3/س) بتكلفة 11 مليار دولار. جاء التوقيع دون إجماع حول المشروع في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والكونغرس الأمريكي وجيران ألمانيا، خاصة بولندا ودول البلطيق. ولتهدئة المخاوف، تضمن الاتفاق إمكانية فرض عقوبات على روسيا في حال استخدمت سلاح الطاقة لإخضاع أوكرانيا أو أوروبا، كما تضمن ضرورة تمديد عمليات عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا. لكن الدولتان لم تطالبا روسيا بالتوقيع على الاتفاق.
  • تم إطلاق خط أنابيب نورد ستريم 2 (Nord Stream 2) في عام 2015، ويربط روسيا وألمانيا مباشرة عبر بحر البلطيق، باتباع طريق مماثل لنورد ستريم 1 الذي اكتمل في عام 2011. في مطلع يونيو/حزيران الماضي، أكملت روسيا بناء خط الأنابيب الأول من خطي مشروع نورد ستريم 2 إلى ألمانيا. بينما يتبقى أقل من 80 كم (50 ميلًا) من الأنبوب الثاني لم يتم وضعها بعد – وهي مهمة تستغرق شهرين فقط، على افتراض أن الطقس جيد في بحر البلطيق وأن الولايات المتحدة ستتراجع عن فرض عقوبات تستهدف إعاقة المشروع.
  • تجنبت العقوبات الأوروبية على روسيا عقب تدخلها في أوكرانيا مشروعات خطوط الغاز الروسية وشركة غازبروم، وذلك نظرا لاعتماد أوروبا على صادرات الغاز الروسية. في حين ظلت العقوبات الأمريكية غير جادة في استهداف مشروع نورد ستريم 2 رغم المعارضة الأمريكية المعلنة. في ديسمبر 2019، بعد أن منحت الدنمارك تصريحًا لبناء نورد ستريم 2 تحت مياهها، مما أدى إلى إزالة آخر عقبة تنظيمية متبقية أمام الاكتمال، اتخذت إدارة “دونالد ترامب” أول خطوة جادة تستهدف التصدي للمشروع. حيث وقع “ترامب” قانون حماية أمن الطاقة في أوروبا (PEESA)، والذي يسمح بفرض عقوبات على شركات السفن المشاركة في مد خطوط أنابيب “نورد ستريم2″ و”تورك ستريم”[1] على أعماق تزيد عن 100 قدم (30 مترًا). لم يؤثر PEESA على تورك ستريم، حيث اكتملت أقسام الخط تحت البحر بالفعل بحلول ذلك الوقت، لكنها أجبرت شركة All seas السويسرية الهولندية على الانسحاب من مشروع “نورد ستريم 2” وتوقف البناء فيه على الفور تقريبًا.
  • في يوليو 2020، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية إرشادات جديدة تنص على أن “قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات” CAATSA سينطبق على “نورد ستريم 2”. في يناير 2021، قبيل رحيل ترامب، وضعت الولايات المتحدة الأسماء الأولى في قائمة عقوبات PEESA، لتشمل Fortuna وهي واحدة من سفينتين تمدان خط الأنابيب، ومالكيها الروس.
  • عطلت عقوبات ترامب تقدم المشروع، واعتبرتها ألمانيا تدخلا أمريكيا في سياسة الطاقة الأوروبية. كما انتقدتها رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بسبب التهديد الذي تشكله على شركات أوروبية تمارس أعمالًا مشروعة. لكن بمجرد تسلم “بايدن” السلطة، بدأ استكمال أعمال المشروع رغم التنديد المعلن من قبل “بايدن” ووزير خارجيته. تجنبت الإدارة اتخاذ أي موقف جاد تجاه تعطيل المشروع، واعترف “بايدن” أنه على الرغم من معارضته الدائمة للمشروع، فقد فات الأوان لإيقافه، وستؤدي سياسة العقوبات إلى نتائج عكسية على العلاقات عبر الأطلسي.
  • وبعد أن تأخر المشروع حوالي عامين نتيجة العقوبات، يعتقد الآن الرئيس الروسي “بوتين” أن المشروع سيمضي قدما، بناءً على تصميم إدارة “بايدن” على إعادة بناء العلاقات مع حلفاء الاتحاد الأوروبي بما في ذلك ألمانيا، الداعم الأوروبي الرئيسي للمشروع. ويبدو أن المشروع يحتاج فقط عدة أشهر كي تكتمل عمليات بناءه. كما يجب أن يخضع كلا الخطين للترقية والاعتماد قبل التشغيل الفعلي، وهي عملية قد تستغرق نحو خمسة أشهر. يتطلب الأنبوب أيضًا شهادة فنية من طرف ثالث معترف به محليًا أو دوليًا، بعد أن دفعت العقوبات الأمريكية وكالة التصديق النرويجية DNV إلى الانسحاب.

[1] هو خط أنابيب الغاز الطبيعي الذي يمتد من روسيا إلى تركيا عبر البحر الأسود حيث يتصل بخطوط أنابيب أخرى. أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 1 ديسمبر 2014، وأنجز في نوفمبر 2018، ليتم افتتاحه رسمياً في 8 يناير 2020. حالياً تشحن شركة غازبروم الروسية الغاز عبر تورك ستريم إلى بلغاريا ومقدونيا الشمالية ليحل محل الإمدادات التي تمر عبر خط أنابيب البلقان في أوكرانيا ورومانيا.

اعتماد أوروبا طويل الأمد على الغاز الروسي

مسارات خطوط الغاز الروسي لأوروبا
  • تمتلك روسيا أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم. وتمد أوروبا بنحو 40٪ من احتياجاتها من الغاز عبر خطوط أنابيب جميعها مملوكة ومدارة من قبل شركة غازبروم الروسية (Gazprom) وشركات تابعة لها، تسيطر عليها الدولة جميعا.
    1. بدأت صادرات الغاز الروسية على نطاق واسع إلى أوروبا الغربية ببناء خط أنابيب يورنغوي-أوزهورود (Urengoy–Uzhhorod) عام 1984، بسعة 32 مليار متر مكعب سنويا (م م3/س). وهو الخط الذي يمر عبر أوكرانيا، والمعروف أيضا باسم خط الأخوة (Brotherhood Pipeline)، أو خط غرب سيبريا (West-Siberian Pipeline). هذا الخط أصبح أحد أجزاء منظومة نقل الغاز الأوكرانية الواسعة التي تربط روسيا بشرق ووسط أوروبا وتناهز سعتها التصديرية نحو 150 م م3/س.
    2. في عام 1996 بدأ تشغيل خط أنابيب يامال (Yamal)، وهو خط بري يمر عبر بيلاروسيا وبولندا حتى ألمانيا، بسعة 33 م م3/س.
    3. خط بلو ستريم (Blue Stream)، وهو خط أنابيب تحت البحر الأسود يزود تركيا ويعمل منذ عام 2003، بسعة 11 م م3/س.
    4. بدأ تشغيل خط أنابيب نورد ستريم 1 (Nord Stream 1)، الذي يربط روسيا وألمانيا مباشرة تحت بحر البلطيق، في 2011، بسعة 55 م م3/س.
    5. ترك ستريم (TurkStream)، يمد تركيا وجنوب شرق أوروبا، عبر البحر الأسود، ويعمل منذ عام 2020، بسعة 32 م م3/س.
    6. كانت هناك خطط لخط أنابيب ساوث ستريم (South Stream) الذي يمتد مباشرة من روسيا إلى بلغاريا تحت البحر الأسود تم التخلي عنها في عام 2014، بعد أن اعترضت المفوضية الأوروبية على عدم توافقه مع تشريعات الطاقة الأوروبية.
  • أي أنه حتى بدون “نورد ستريم 2″، فإن خطوط الأنابيب الروسية الحالية لديها أكثر من قدرة كافية للتصدير إلى أوروبا. وهذا ما يزيد من المخاوف حول نية روسيا إيقاف الإمدادات مستقبلا عبر خطوط أوكرانيا للضغط عليها وإضعاف حكومتها الموالية للغرب.
  • وبفضل هذه الخطوط، ارتفعت صادرات الغاز الروسي بشكل مطرد. فبينما صدّر الاتحاد السوفياتي 6.8 مليار متر مكعب فقط إلى كافة دول العالم في عام 1973، بلغت صادرات روسيا بحلول عام 2019 إلى الاتحاد الأوروبي وحده 166 مليار متر مكعب. أي ما يمثل 41٪ من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز. وبالتالي فإن روسيا تصدر غازًا إلى الاتحاد الأوروبي أكثر من أي دولة أخرى، متقدمة على النرويج (15٪) والجزائر (8٪). ومن حيث القيمة، بلغت قيمة صادرات الغاز الروسي في عام 2019 إلى الاتحاد الأوروبي 17.9 مليار دولار أمريكي، أي 11٪ من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من البضائع من روسيا. في عام 2020، انخفض هذا الرقم إلى 11.8 مليار دولار أمريكي، مع انخفاض أسعار الطاقة وانخفاض الأحجام، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الآثار الاقتصادية لوباء فيروس كورونا.
  • بالنسبة للاتحاد الأوروبي، هناك عدد قليل من الدول لديها احتياطيات كبيرة من الغاز وقريبة بما يكفي لتوصيلها عبر خطوط الأنابيب، لذا تبذل دول أوروبا جهودًا للتنويع بعيدًا عن إمدادات الغاز الروسي، وأحد تلك الخيارات هي الغاز الطبيعي المسال (LNG)، لكنه يمثل حاليًا أقل من خُمس واردات خطوط الأنابيب في الاتحاد الأوروبي، في ظل الحاجة إلى بنية تحتية عالية الكلفة لاستيراده. كما يتدفق غاز أذربيجان عبر ممر الغاز الجنوبي إلى أوروبا، لكن بكميات مازالت صغيرة مقارنة بتجارة الغاز بين الاتحاد الأوروبي وروسيا.
  • من جانب آخر، تبحث روسيا كذلك عن أسواق تصدير كبيرة وجديدة في جوارها، حيث قامت مؤخرا ببناء خط أنابيب جديد إلى الصين. ومع ذلك، من المرجح في المدى القريب أن يبقى الاتحاد الأوروبي وروسيا معتمدين على بعضهما البعض في هذا الملف، حيث توقعت وكالة الطاقة الدولية في عام 2020 أن يظل طلب الاتحاد الأوروبي على الغاز ثابتًا خلال السنوات الخمس المقبلة، بينما سينخفض ​​إنتاج الغاز المحلي في الاتحاد الأوروبي بنسبة 40٪. هذا يعني أنه سيتعين على الاتحاد استيراد 20 مليار متر مكعب إضافية بحلول عام 2025 (+6٪ مقارنة بالواردات الحالية). على المدى الطويل، تتوقع Nord Stream 2 AG (الشركة المشغلة لنورد ستريم 2) طلبًا إضافيًا يبلغ 120 مليار متر مكعب على الواردات (+37٪ مقارنة بالواردات الحالية) بحلول عام 2035. ونظرًا للصعوبة المذكورة أعلاه في التنويع تجاه الموردين الآخرين، فمن المرجح أن يأتي جزء كبير من هذه الزيادة من روسيا.

مع أوكرانيا، تعتبر روسيا إمبراطورية.
وبدونها، تعتبر روسيا دولة فقيرة في أوروبا الشرقية

زبيغنيو بريجنسكي – مستشار الأمن القومي الأمريكي

ماذا يعني “نورد ستريم 2” جيوسياسيا؟

  • يصف منتقدو “نورد ستريم 2″، بما في ذلك العديد من دول الاتحاد الأوروبي، بأنه مشروع الكرملين لتصدير النفوذ الروسي “الخبيث”، وليس فقط الغاز، إلى أوروبا. حيث يُمكِّن المشروع روسيا من تجويع الاقتصاد الأوكراني المتعثر لأنه سيحول تدفقات الغاز الروسية إلى أوروبا بعيدًا عن أوكرانيا، وسيحرمها من عائدات النقل المربحة، والتي تبلغ 7 مليارات دولار أمريكي كرسوم عبور خلال الفترة 2000-2024. كما أن المشروع مهيأ لإدامة القبضة الروسية الخانقة على أسواق الطاقة في الاتحاد الأوروبي ويهدد الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي. وأخيرا، فإن هناك انتقادات لتمكين روسيا من تحقيق عوائد مالية مرتفعة من أوروبا في الوقت الذي عادت فيه روسيا كتهديد استراتيجي للغرب. لذلك، لاحظ مفوض الطاقة في الاتحاد الأوروبي عام 2016، ماروش شيفشوفيتش Maroš Šefčovič، أنه لم يرَ أبدا مشروعًا تم الإعلان عنه كمشروع تجاري بحت أثار هذا الجدل السياسي، بما في ذلك على أعلى المستويات الحكومية، مثل نورد ستريم 2.

أولا: أوكرانيا

  • لخص “زبيغنيو بريجنسكي”، مستشار الأمن القومي الأمريكي الشهير، أهمية أوكرانيا لأوروبا والغرب قائلا: “مع أوكرانيا، تعتبر روسيا إمبراطورية. وبدونها، تعتبر روسيا دولة فقيرة في أوروبا الشرقية”. لذلك لا تعتبر مسألة أوكرانيا ثانوية بالنسبة لروسيا أو للغرب. لم يقبل بوتين بعد وضع أوكرانيا كحليف للغرب، وتدخل بصورة خشنة للسيطرة على القرم، الذي كلفه عضوية مجموعة الثماني الكبرى. لكنه حتى الآن مازال يرى أنها تضحية هامشية مقابل الدفاع عن نفوذه في أوكرانيا. فيما استثمر الغرب في مساعدة الأوكرانيين على التحول الديمقراطي من أجل أن يصبحوا أعضاء كاملين في المجتمع الأوروبي. ويتزايد التزام أوروبا والولايات المتحدة تجاه دمج أوكرانيا في النفوذ الغربي. لذلك، أثار المشروع صدمة لهذه الجهود كونه يعطي روسيا فرصة هائلة لممارسة ضغوط اقتصادية على كييف، حيث وفر بديلا كاملا يمكنه من الاستغناء عن خطوط نقل الغاز المارة عبر أوكرانيا.
  • لذلك، ركز الاتفاق الأمريكي الألماني على حماية أوكرانيا من الأضرار المحتملة لمشروع نورد ستريم 2. وأصبح استمرار تدفق الترانزيت عبر أوكرانيا هو شرط أساسي لبروكسل وبرلين وواشنطن للسماح بتشغيل مشروع خط نورد ستريم 2. فبينما اعترف وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكين” في 7 يونيو بأن خط الأنابيب هو “أمر واقع”، فقد أكد أن واشنطن تعمل مع برلين للتخفيف من أي ضرر محتمل، ووعد بالعمل على بقاء تدفقات العبور عبر أوكرانيا. كما أكدت ألمانيا على أن أوكرانيا يجب أن تظل دولة عبور. فيما أكدت موسكو التزامها باتفاق العبور الحالي الذي ينتهي في عام 2024، ولم تستبعد تمديده حتى عام 2034، ولكن ربما برسوم عبور أقل. لكن المخاوف مازالت قائمة لأنه بعد 2024 لا يوجد أي إلزام لروسيا تجاه تجديد الاتفاق، أو حتى ضمان أنها ستقدم رسوم عبور عادلة.
  • يلاحظ أن سعة العبور الأوكرانية هي الآن الطريق الوحيد لزيادة التدفقات الروسية إلى أوروبا، حيث تعمل كافة الطرق الأخرى لإمداد أوروبا بكامل طاقتها. فخطوط الأنابيب الروسية الحالية إلى أوروبا وتركيا قادرة على نقل نحو 300 مليار متر مكعب سنويًا، في حين بلغت الكميات المنقولة عام 2019 إلى أوروبا 199 مليار متر مكعب. أي أن هناك فائض سعة لتحمل زيادة الاستهلاك الأوروبي لكنها ستكون عبر الخطوط الأوكرانية، والتي نقلت في عام 2020 فقط 56 مليار متر مكعب على الرغم من أن طاقتها التصميمية تبلغ 146 مليار متر مكعب، قد تنخفض فعليا لنحو 100 مليار متر مكعب نتيجة سوء حالتها من حيث الصيانة. ومن ثم أصبح واضحا أن نورد ستريم 2 سيحرم أوكرانيا من أي أمل لزيادة كميات التدفقات عبر خطوطها، وسيُمكن روسيا في حال مد الاتفاق مع أوكرانيا من إبقاء تدفقات العبور الأوكرانية عند الحد الأدنى، حتى لو تجنبت موسكو إيقافه تماما حفاظا على تفاهماتها مع ألمانيا.
  • استراتيجية روسيا للحد من زيادة التدفقات عبر أوكرانيا يمكن أيضا ملاحظتها خلال موسم الشتاء 2020-21؛ حين اعتمدت شركة غازبروم على عمليات سحب التخزين من سعة التخزين التي تمتلكها أو تؤجرها في أوروبا خلال فصل الشتاء لتجنب شحن المزيد من الغاز عبر أوكرانيا. حيث سحبت 10.62 مليار متر مكعب، ارتفاعًا من 2.56 مليار متر مكعب فقط قبل عام. وحتى خلال موجة برد شتوية قاسية في عام 2018، صدرت روسيا رقم قياسي للعام بأكمله يبلغ 201.8 مليار متر مكعب، سحبت شركة غازبروم 8.48 مليار متر مكعب فقط من مخازنها الأوروبية.

إقرأ أيضاً:

تقرير حالة دولة: روسيا

ثانيا: استقلال أوروبا الاستراتيجي

  • الآثار الجيوسياسية لأنابيب الغاز مهمة، نظرًا لأنها تخلق تبعية طويلة الأمد بين البلدان الموردة والمستوردة. لذلك، عارضت واشنطن تصدير الغاز السوفييتي إلى ألمانيا الغربية، منذ أوائل الثمانينيات حين حذر مساعد وزير الدفاع، عام 1981، ريتشارد بيرل، من أن حلفاء الولايات المتحدة “سيستمعون باهتمام أكبر للملوك والحكام الذين يمدونهم بالطاقة”. وفي عام 2006، قارن وزير الدفاع البولندي، رادوسلاف سيكورسكي، خط أنابيب نورد ستريم 1 بميثاق مولوتوف-ريبنتروب لعام 1939 بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي.
  • لا تظهر أي بوادر على تراجع اعتماد الاتحاد الأوروبي على واردات الغاز الروسي، على الرغم من أن الصفقة الخضراء الأوروبية (The European Green Deal) تتصور أن تكون أوروبا خالية من الكربون بحلول عام 2050، إلا أن الغاز الطبيعي يظل جزءًا رئيسيًا من مزيج الطاقة حيث يتم التخلص التدريجي من الفحم، كما أن الطاقة المتجددة ليست جاهزة بعد للتعامل مع الركود بالكامل. يتراجع إنتاج الغاز المحلي في الاتحاد الأوروبي بسرعة، ولا يوجد في المستقبل القريب ما يكفي من الغاز بأسعار معقولة من موردين بديلين ليحل محل الإنتاج الروسي. لذلك، يضمن نورد ستريم 2 إدامة هيمنة روسيا على أسواق الغاز الأوروبية، ومن ثم يمنح موسكو نفوذاً مستمراً على السياسيين وقادة الأعمال في الاتحاد الأوروبي.
  • بينما تنتقد واشنطن نورد ستريم 2 باعتباره مشروعًا تجاريًا ظاهريًا مدفوعًا بأجندة جيوسياسية، تزعم موسكو أن الحجج الجيوسياسية الأمريكية ضدها لها دوافع تجارية. ووصف نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، العقوبات الأمريكية ضد خط الأنابيب باعتبارها إجراءات حمائية تهدف إلى الترويج لبيع الغاز الطبيعي المسال الأمريكي في أسواق الاتحاد الأوروبي. من جانبها، وصفت وزارة الطاقة الأمريكية في عام 2019 صادرات الغاز الطبيعي المسال الأمريكية إلى أوروبا بأنها “غاز الحرية” الذي يحرر القارة من اعتمادها على موسكو.
  • سيجعل من المشروع ألمانيا المركز الرئيسي لتصدير الطاقة لدول أوروبا. ورغم أن ذلك يحقق مصلحة اقتصادية وجيوسياسية ألمانية واضحة، إلا أنه سيعزز من الشراكة بين موسكو وبرلين على حساب دول أوروبية أخرى ستكون متضررة مثل أوكرانيا والتشيك وسلوفاكيا. وهناك تخوفات من أن يؤدي هذا النهج الأحادي الألماني إلى مزيد من التفكك في أوروبا، وتراجع القدرة على تبني سياسات موحدة تجاه التهديدات الأمنية التي تمثلها روسيا للاتحاد وللناتو على حد سواء.
  • في المقابل، تقلل بعض التقديرات من الآثار الجيوسياسية، بالإشارة إلى أن دول الاتحاد الأوروبي قد نجحت إلى حد كبير في فصل تجارة الطاقة عن العلاقات الدبلوماسية مع روسيا، وأن استمرار واردات النفط والغاز الروسي لم ينجح في منع الاتحاد الأوروبي من تبني عقوبات اقتصادية قاسية، قلصت 6٪ من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بحلول عام 2018.

ثالثا: مكاسب موسكو الاقتصادية

  • يجادل منتقدو الاعتماد الأوروبي على غاز روسيا بأن هذه الصفقات تمول الصعود الروسي المناهض لمصالح الغرب، حيث حققت شركة غازبروم 40 مليار دولار تقريبًا في عام 2019 من عائدات التصدير في أوروبا. كما يؤدي تنامي الاعتماد على الصادرات الروسية إلى قدرة غازبروم على رفع أسعار الغاز وزيادة مكاسبها من خزائن أوروبا.
  • وقد تم إلقاء اللوم بالفعل على الشركة في ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي خلال النصف الأول من عام 2021، حيث وصلت أسعار TTF الهولندية الفورية إلى أعلى مستوياتها على مدار عدة سنوات. يبرر هذا اللوم تمتع الشركة الروسية بقدرة إنتاجية كافية لزيادة إنتاج الغاز وتصديره إلى أوروبا إذا رغبت في ذلك. لكن غازبروم لا تزال مترددة في حجز سعة نقل إضافية عبر أوكرانيا. وتصر على أن الإمدادات كافية للوفاء بالتزاماتها التعاقدية طويلة الأجل. لكن الأسعار المرتفعة تعكس أن التدفقات ليست كافية لتلبية الاحتياجات الأوسع.
  • في المقابل، ثمة العديد من الحجج الاقتصادية التي تبرر المشروع. فالخطوط الأوكرانية في حالة سيئة وباتت غير موثوقة نظرًا لعمرها وتصميمها المتقادم ونقص الإنفاق على الصيانة. وتختلف تقديرات تكلفة التجديد من 2.5 إلى 12 مليار دولار أمريكي، في حين قد تصل فاتورة الاستبدال الكلي إلى 17.8 مليار دولار أمريكي. كما أن المسار الأوكراني عرضة للتوترات بين أوكرانيا وروسيا والخلافات القانونية المتكررة، والتي عطلت تدفق الغاز في عدة مناسبات مما يسبب الضرر لسمعة غازبروم. كذلك، لا تخضع خطوط نورد ستريم، التي لا تمر عبر الأراضي البرية لأي دولة أخرى غير روسيا وألمانيا، لرسوم كالتي تدفعها روسيا لأوكرانيا والبالغة 7 مليارات دولار أمريكي للاتفاق الحالي 2000-2024. أي أن نورد ستريم يوفر لغازبروم نفقات هائلة ستتحول مباشرة كأرباح للشركة والحكومة الروسية، حتى في ظل توقع أن تنخفض أسعار الغاز في السوق الأوروبية 25٪ نتيجة خفض تكلفة التشغيل.

المصادر

Francis, D. (2021, July 29). Why is Biden letting Putin win? Atlantic Council

Russell, M. (2021, July). The Nord Stream 2 pipeline: Economic, environmental, and geopolitical issues. European Parliamentary Research Service

Sokolov, V., Meredith, E. & Concha, J. (2021, June 9). US opponents look for new ways to halt Russian pipeline. Energy Intelligence Group

Sokolov, V. (2021, June 30). Gazprom strategy keeps European supplies tight. Energy Intelligence Group