تفاهمات الأعداء في ليبيا… حسابات “دبيبة” و”حفتر” أوسع من مؤسسة النفط
سياقات - يوليو 2022
تحميل الإصدار

الحدث

● أقال رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية “عبد الحميد دبيبة”، يوم الخميس 7 يوليو/تموز 2022، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط “مصطفى صنع الله”، وعيّن “فرحات بن قدارة” رئيساً للمؤسسة، بالإضافة إلى إعادة تشكيل مجلس إدارتها، في المقابل رفض “صنع الله” هذه القرارات.
● يعد “بن قدارة” الذي شغل منصب رئيس البنك المركزي الليبي في عهد “معمر القذافي”، أحد أقرب الحلفاء للقائد العسكري “خليفة حفتر”، وأحد أعمدة التحالف الموالي لحكومة “فتحي باشاغا” المعينة من برلمان طبرق، وأفادت تقارير بمفاوضات قد جرت بين ممثلين عن “الدبيبة” و”حفتر” في أبو ظبي خلال شهر يونيو/حزيران الماضي، كان “بن قدارة” نفسه أحد ممثلي وفد “حفتر” التفاوضي خلالها.

دبيبة و حفتر

التحليل: مناورة “دبيبة” قد تعزز صادرات النفط لكنّها تعيد “حفتر” للواجهة

  • أشارت توقعاتنا السابقة في “سياقات” منذ بداية الأزمة بين حكومتي “دبيبة” و”باشاغا” في فبراير/شباط الماضي، إلى أن حكومة “باشاغا” ستلجأ إلى استخدام سلاح النفط عبر إغلاق حقول وموانئ النفط الليبية للحد من قدرات حكومة “دبيبة”، الأمر الذي تحقق بالفعل في منتصف أبريل/نيسان الماضي، حيث تم وقف الإنتاج والتصدير من بعض حقول وموانئ النفط في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات “حفتر”.
  • تسبب هذا الحصار غير الرسمي في انخفاض إنتاج النفط الليبي من 1.2 مليون برميل يوميًا إلى حوالي 610 ألف برميل يومياً في شهر يونيو/حزيران الماضي، بالتبعية تسببت تلك الخطوة في نقص الوقود والكهرباء، بالإضافة إلى تقليص عائدات صادرات النفط، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، واندلاع احتجاجات في معظم المدن الليبية الرئيسية أواخر يونيو/حزيران وأوائل يوليو/تموز الجاري.
  • يستهدف “الدبيبة” من تلك الخطوة القيام بمناورة سياسية من خلال تعيين أحد المقربين من “حفتر” في منصب رئيس المؤسسة الوطنية للنفط بدلا من “صنع الله”، مقابل إنهاء “حفتر” لحصار المنشآت النفطية وعودة إنتاج النفط الليبي إلى معدلاته الطبيعية، في حين تظل مسألة تمديد ولاية “دبيبة” كرئيس للحكومة الليبية غير محسومة، حيث مازالت المؤشرات ترجح استمرار تحالف “حفتر-باشاغا”.
  • من وجهة نظر “دبيبة”، فإن هذه الخطوة تحقق له أيضا عدة مكاسب أخرى تشمل:
    • أولاً؛ اختراق التحالف الشرقي الداعم لحكومة “باشاغا”، وقطع الطريق على الأخير أمام أي محاولة مستقبلية لمنازعة حكومة “دبيبة”، لاسيما مع تحركات “باشاغا” لكسب حلفاء في الغرب الليبي، مستندا لتحكم حلفائه، خاصة “حفتر”، في عمل حقول وموانئ النفط في شرق ليبيا، كما يطمح “دبيبة” أن يقوده مسار التفاهمات مع “حفتر” إلى تخلي الأخير عن دعم مشروع “باشاغا”.
    • ثانياً؛ عودة صادرات النفط الليبية إلى معدلاتها الطبيعية وسط ارتفاع أسعار النفط العالمية من شأنها أن تسهم في تحسن الأوضاع الاقتصادية للبلاد، وتهدئة غضب الليبيين، الأمر الذي يجنب الجميع احتمالات تفجر الاحتجاجات الشعبية بصورة يعجز الوضع الأمني الهش في السيطرة عليها.
  • لكن في المقابل، يواجه “دبيبة” عدة مخاطر بسبب تلك الخطوة البراغماتية؛ حيث إن التفاهم مع “حفتر” سيؤدي إلى انقسام في القاعدة الشعبية الموالية لحكومة “دبيبة” في طرابلس ومصراته، والأهم من ذلك، انقسام بين المجموعات المسلحة الداعمة له في الغرب الليبي عموما، والتي ترى مواجهة “حفتر” عاملا رئيسيا موحدا للمعسكر الغربي، وهو ما يهدد بإضعاف قاعدة التأييد المحلية التي يستند إليها.
  • كما أن المقابل الذي قدمّه “حفتر” مازال غامضا حتى الآن، بما يوحي وكأن “دبيبة” لم يحصل في المقابل على شيء، حيث لم يتسلم مثلا دواوين الحكومة في الشرق أو الجنوب الليبي، كما لم يتغير الموقف السياسي المنقسم بين حكومته وبين حكومة مكلفة من البرلمان في الشرق، وليس من المستبعد أن تكون هذه الخطوة محل تنسيق بين “باشاغا” و”حفتر”.
  • في الجانب الآخر؛ إن وجود أحد حلفاء “حفتر” في موقع المسؤول عن المؤسسة الوطنية للنفط، سيمكن الجنرال الليبي من زيادة نفوذه المباشر بشكل كبير على إنتاج النفط في ليبيا، مما سيؤدي إلى زيادة قدرة “حفتر” على استخدام صادرات النفط كأداة سياسية، وعلى الرغم من أن مؤسسة النفط لا تتحكم في توجيه العملية المالية، ليس من المستبعد أن تشمل تفاهمات “دبيبة – حفتر” منح مزايا مالية للأخير عبر الحكومة الليبية؛ في ظل معاناة “حفتر” مؤخرا من أزمة مالية خانقة، وعدم قدرته على الانتظام في سداد رواتب قواته.
  • من جهة أخرى؛ تفيد هذه الخطوة معسكر “حفتر” كونها تدشن لنفوذ محتمل أوسع في مؤسسات الحكومة الأخرى، يتكامل مع نفوذه الميداني العسكري في عدة مناطق، حيث تشير معطيات “أسباب” إلى أن “حفتر” يتفاوض مع “دبيبة” حول الشركة العامة للكهرباء لتغيير مجلس إدارتها، وربما أيضا المؤسسة الليبية للاستثمار، والتي تمثل ذراعا اقتصاديا مهما وحساسا.
أقال رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية "عبد الحميد دبيبة"، يوم الخميس 7 يوليو/تموز 2022، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط "مصطفى صنع الله"، وعيّن "فرحات بن قدارة" رئيساً للمؤسسة
رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط المُقال “مصطفى صنع الله”
  • نجح “صنع الله” منذ توليه رئاسة المؤسسة الوطنية للنفط في تخطي الأزمات السياسية المختلفة التي عصفت بليبيا، وظلت المؤسسة الوطنية للنفط مؤسسة مستقلة بصورة معقولة، دون أن تتعرض للتقسيم بين الأطراف المتصارعة، وهو المبرر الذي يستند إليه “صنع الله” ويراهن أنه سيجلب له دعما قويا من شركات النفط الكبرى العاملة في ليبيا، والتي تتطلب مصالحها بقاء مؤسسة النفط الوطنية بعيدة عن الانقسام السياسي في البلاد، وعلى الرغم من قيام قوة تابعة لحكومة “الدبيبة” باقتحام مقر المؤسسة الوطنية وإعلان تسلم الرئيس الجديد للمؤسسة مهامه، لا يزال من غير المرجح أن يستسلم “صنع الله” لقرار “الدبيبة”.
  • من المرجح أن تمنع الاضطرابات التي تشهدها أسواق النفط العالمية، الولايات المتحدة من اتخاذ موقف داعم لـ”صنع الله”، أو ممارسة ضغوط حقيقية على “دبيبة” للتراجع عن قراره؛ وذلك لأن استقرار ونشاط قطاع النفط الليبي سيسهم في تخفيض الأسعار العالمية، أي أن الأولوية ستكون لاستئناف وانتظام صادرات النفط الليبي، وفي ظل تمتع حكومة “دبيبة” بالاعتراف الدولي، فإن قدرته على فرض أمر واقع بالتعاون مع “حفتر” تجعل من فرص “صنع الله” محدودة.

الخلاصة

  • قد تؤدي خطوة “الدبيبة” إلى استئناف سريع لصادرات النفط الليبي، وإطالة عمر حكومته، وإضعاف قدرة “باشاغا” على تحديها؛ إلا إنها لا تخلق استقرارا على المدى البعيد لأنها تزيد من قدرة “حفتر” على استخدام النفط كسلاح سياسي، وتزيد من نفوذه في مؤسسات الحكومة، كما أنها لا تأتي ضمن تسوية سياسية كاملة تنهي الصراع طويل الأمد بين الجانبين؛ حيث لا يبدو أن أي من الطرفين قد تخلى عن مشروعه الأساسي، بينما يراهن أكثر على إمكانية خداع الطرف الآخر واستدراجه وليس التحالف معه.
  • وبالرغم من هذه الصفقة، فإن الانقسامات مازالت عميقة بين الشرق والغرب الليبي، يواكبها مزيد من التنازع الداخلي بين حلفاء الشرق بعضهم وبعض، وحلفاء الغرب أيضا، كما أن غياب أجندة إقليمية ودولية واحدة تجاه الملف الليبي، يوفر للأطراف المحلية دائما فرص المناورة والاستفادة من تعارض المصالح الخارجية، لذلك؛ فإن التفاهمات السياسية المحلية ستظل هشة تماما مثل الوضع الأمني، ومن ثم؛ تظل احتمالات تجدد العنف وعدم الاستقرار واحدة من مكونات المشهد السياسي الليبي في المدى المنظور.