انحياز إسبانيا لموقف المغرب تجاه الصحراء الغربية يؤجج النزاع الإقليمي مع الجزائر
سياقات - أبريل 2022
تحميل الإصدار

الحدث

● استقبل العاهل المغربي، الملك “محمد السادس”، يوم الخميس 7 إبريل/نيسان 2022، رئيس الوزراء الإسباني “بيدرو سانشيز”، بعد نحو عام من القطيعة الدبلوماسية.
● جاءت الزيارة بعد أن حولت إسبانيا موقفها المحايد تجاه قضية “الصحراء الغربية”، والذي التزمت به نحو نصف قرن، حيث أعلنت في مارس/آذار الماضي دعمها للخطة المغربية تجاه منطقة الصحراء الغربية، “مبادرة الحكم الذاتي”، واعتبرت أنها تمثل “الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع”.
● توترت العلاقات بين المغرب وإسبانيا منذ أبريل/نيسان 2021، إثر الانتقادات التي وجهتها الرباط لإسبانيا بعد استضافتها لزعيم جبهة البوليساريو لتلقي العلاج على أراضيها، في المقابل، أدى التحول في موقف إسبانيا تجاه قضية “الصحراء الغربية” إلى توتر علاقاتها مع الجزائر، حيث استدعت الأخيرة سفيرها لدى مدريد في مارس/آذار الماضي للتشاور.

المغرب يسعى لكسب نقاط في سباق النفوذ مع الجزائر على الصحراء الغربية

التحليل… المغرب يعزز “الأمر الواقع” سعيا لكسب نقاط في سباق النفوذ مع الجزائر 

  • يعود الصراع بين المغرب والجزائر على منطقة الصحراء الغربية إلى سبعينيات القرن المنصرم، عقب انسحاب إسبانيا من الأراضي التي احتلتها في الصحراء الغربية، نشب صراع حاد بين الرباط والجزائر من أجل الهيمنة الإقليمية، حيث سارعت المغرب إلى فرض سيطرتها على 80٪ مساحة الصحراء الغربية، بينما دعمت الجزائر، في إطار صراعها الجيوسياسي مع المغرب، جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، على إثر ذلك، اندلعت حرب لمدة عقدين بين المغرب وجبهة البوليساريو، انتهت بوقف إطلاق النار عام 1991 بدعم من الأمم المتحدة، ومع ذلك، استمر توتر العلاقات والمناوشات بين الجزائر وجبهة البوليساريو من جهة والمغرب من جهة أخرى، الأمر الذي أدى إلى إغلاق الحدود بين الرباط والجزائر منذ عام 1994 وحتى الوقت الحالي.
  • في أحدث موجات الصراع، تصاعدت التوترات بين المغرب والجزائر بشكل حاد في نوفمبر/تشرين ثاني 2020، بعد انسحاب جبهة البوليساريو من اتفاق وقف إطلاق النار، ردًّا على قيام المغرب بعملية عسكرية منطقة الكركرات بالصحراء الغربية ضد عناصر الجبهة، بلغت التوترات ذروتها بعد تصريحات مندوب الرباط في الأمم المتحدة في منتصف يوليو/تموز 2021 هاجم فيها موقف الجزائر الداعم لحق تقرير المصير في الصحراء الغربية، ودعا بالمثل لحق تقرير المصير لمنطقة القبائل الجزائرية، الأمر الذي أدى إلى قرار جزائري بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وإيقاف تصدير الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب غاز “المغرب العربي-أوروبا” الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مرورا بالمغرب.
  • سعى المغرب في السنوات الأخيرة لاكتساب مزيد من الدعم الدولي والإقليمي للاعتراف بكامل سيادتها على الصحراء الغربية، حيث أطلقت الرباط خطتها للصحراء الغربية في عام 2007، والتي تمنح الأراضي المتنازع عليها الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، اكتسبت الخطة مؤخرا المزيد من الدعم الإقليمي، إذ قامت 17 دولة من الشرق الأوسط وأفريقيا بإنشاء أو التعهد بإنشاء قنصليات لبلادها في الصحراء الغربية، وتواصل الرباط سعيها بقوة للحصول على اعتراف أوروبي لخطتها، لاسيما بعد اعتراف إدارة “ترامب” الرسمي بالسيادة الكاملة للمغرب على الصحراء الغربية، ضمن “اتفاقات أبراهام”، وميل ميزان الموقف العربي لصالح الرباط بعد ضمان موقف دول مجلس التعاون ومصر والأردن، بصورة رسمية معلنة أو ضمنية، في نفس الوقت، رفعت الرباط حجم استثماراتها في أراضي الصحراء الغربية في إطار سعيها لفرض سيطرتها الفعلية على المنطقة، حيث أطلقت في عام 2016 خطة استثمارية في الصحراء الغربية بقيمة 1.8 مليار دولار.

إقرأ أيضاً:

النزاع بين الجزائر والمغرب.. تنافس جيوسياسي متواصل منذ عقود

مخاطر وآفاق الشرق الأوسط في العام 2021

تقرير حالة دولة: الجزائر

الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العام 2050

  • ستؤدي الخطوة الإسبانية الداعمة للسيادة المغربية على الصحراء الغربية إلى تطوير العلاقات بين الرباط ومدريد في عدة قضايا رئيسية، يأتي في مقدمتها الهجرة، لاسيما بعد استخدام المغرب المهاجرين غير الشرعيين كوسيلة ضغط اثناء توتر علاقتها مع مدريد العام الماضي، وفي نفس السياق، ستواصل المغرب تطوير علاقاتها التجارية مع إسبانيا التي تعد الشريك التجاري الرئيسي للرباط، حيث تستقبل إسبانيا نحو ربع صادرات المغرب الخارجية.
  • في الجانب الآخر، سيؤدي القرار الإسباني إلى تدهور علاقاتها مع الجزائر، وستكون إحدى النتائج المحتملة هي التأثير على صادرات الطاقة، تعتمد مدريد على الغاز الجزائري لتوفير نحو 50% من واردات إسبانيا من الغاز، ولكن منذ يناير/كانون ثاني الماضي، خفضت إسبانيا من اعتمادها على الغاز الجزائري بعد أن توقفت الأخيرة عن إرسال إمدادات الغاز عبر خط الأنابيب “المغرب العربي-الأوروبي”، في حين استمر تدفق الغاز عبر خط أنابيب “ميد غاز” الذي يربط الجزائر وإسبانيا مباشرة بالإضافة إلى استمرار شحنات الغاز المسال، منذ ذلك الحين تراجعت إمدادات الغاز الجزائري إلى 28% من إجمالي واردات إسبانيا من الغاز.
  • تسعى الجزائر للحفاظ على سمعتها كمورد موثوق للغاز الطبيعي إلى أوروبا، يمثل أحد البدائل الرئيسية اللازمة لاستغناء أوروبا عن الغاز الروسي، كما تراهن على الاستفادة من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي لتحقيق مكاسب اقتصادية، ومع ذلك، قد تتجه الجزائر لخفض صادراتها إلى إسبانيا وتوجيه المزيد من الغاز الطبيعي إلى مستهلكين آخرين في الاتحاد الأوروبي من خلال خط أنابيب “ترانسميد” الذي يربط الجزائر بإيطاليا، وفي حين أن دعم إسبانيا لموقف المغرب في النزاع الإقليمي، دفع العلاقات الثنائية إلى التوتر، فإن الروابط التجارية بين الجزائر وأوروبا، خاصة ما يتعلق بصادرات النفط والغاز، قديمة وعميقة، ومن المرجح أن تسير دون الاصطدام بالأزمات السياسي، حيث لا تستطيع الجزائر الاستغناء عن عائدات النفط والغاز المهمة.

الخلاصة

  • نظرًا للتوترات الحالية، سيكون لتحول السياسة الإسبانية تجاه الصحراء الغربية تأثير عميق على صراع النفوذ في شمال أفريقيا وأيضاً على خارطة التحالفات. من المرجح أن تواصل المغرب تعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، لاسيما بعد إعلان الاتحاد دعمه لموافقة إسبانيا على الخطة المغربية الخاصة بالصحراء الغربية؛ الأمر الذي قد يشير إلى بداية تحول أوسع للاتحاد الأوروبي نحو دعم موقف المغرب، خاصة مع موقف ألمانيا مطلع العام الحالي الداعم أيضا لمبادرة “الحكم الذاتي”. كما أن المغرب يسعى للاستفادة من العلاقة مع “إسرائيل” ودول الخليج في حثهم على تغيير مواقف أطراف دولية وإقليمية تجاه قضية الصحراء. وهو ما يدفع الجزائر في المقابل لتعزيز شبكة تحالفات أخرى في القارة الأفريقية، خاصة جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الوثيقة أمنيا وعسكريا مع روسيا.
  • سيواصل المغرب حماية استثماراته في الصحراء الغربية وتعزيز سيطرته وفرض الأمر الواقع على الأراضي المتنازع عليها. على الجانب الآخر، ستواصل الجزائر دعمها لجبهة البوليساريو. وفي حين أن استمرار الحشد العسكري المغربي في المنطقة الشرقية، بالإضافة إلى الاستفزازات العسكرية من قبل جبهة البوليساريو، سيقود إلى اضطرابات أو اشتباكات محدودة عند المناطق الحدودية ونقاط التماس. لكن مخاطر التصعيد العسكري المباشر بين الجزائر والمغرب مازالت غير مرجحة في المدى القريب.