الأردن.. اهتزازات في الحالة العشائرية وسط تراجع حاد في الوضع السياسي والاقتصادي
سياقات - يونيو 2021
تحميل الإصدار

رأي وخلاصة السياق

· لم يكن النظام الأردني ليسكت عن تحركات النائب “العجارمة”، خاصةً وأنه استخدم السيف العشائري بوجه الملك والحكومة، ووافق على دخول النواب الإسلاميين على خط الأزمة الحاصلة بينه وبين مجلس النواب، وهما اعتبارين حساسين في النسيج السياسي الأردني.
· ستحرص الدولة على إثبات قدرتها على الضبط وفرض هيبتها، خاصة بعد عمليات إطلاق النار على قوات الأمن وقطع الطرق، ومع ذلك، فمن المرجّح أن تتخذ إلى جانب مسار تشديد الإجراءات الأمنية، مساراً آخراً يسعى لترميم العلاقة مع العشائر التي استجاب بعضها لغضبة النائب الشاب، وتحريك عجلة الإصلاح السياسي عبر تشكيل لجان وطرح مشاريع في مجلس النواب تحت عناوين؛ مثل تعديل قانون الانتخاب.
· خطورة الموقف هو قيام النائب “العجارمة” بالمضي على نهج الأمير حمزة بن الحسين المرتبط بقضايا محاربة الفساد ومعارضة نهج الدولة في الحكم (لا سيما وأن الأمير ما زال يحظى بشعبية كبيرة لدى العشائر)، وكذلك التراجع الحاد في ثقة المواطن بقدرة النظام الملكي على تحقيق وعوده بالإصلاحات السياسية والاقتصادية. إلا أنه من المستبعد أن يؤثر ذلك على بقاء الملك عبد الله الثاني في الحكم في المدى القريب.
· الأوضاع في الأردن ما زالت مرشحة لمزيد من الاضطرابات، مع الاستياء الشعبي المتصاعد من الفساد والضيق الاقتصادي. وتفاؤل الحكومة بشأن سرعة خروج الأردن من الأزمة الاقتصادية في غير محله، خاصة مع محدودية الخيارات الاقتصادية للحكومة لتحسين الدعم العام، وتحقيق تعافي قريب ونمو في الوظائف.

الحدث

شهدت منطقة لواء ناعور غرب العاصمة الأردنية عمّان مساء يوم السبت الموافق 5 حزيران/يونيو 2021 أعمال شغب وتصعيد بين قوات الأمن ومؤيدي النائب أسامة العجارمة، المنحدر من أحد العشائر الأردنية المتواضعة نسبيًا، على خلفية تجميد عضويته من مجلس النواب ثم فصله، وقيادته لحراك عشائري مناويء لمؤسسات وأجهزة الدولة. ومع فجر الأحد عاد الهدوء للمنطقة بعد فرض الدولة سيطرتها الأمنية. إلا أن الحادثة تركت شرخاً في الصورة النمطية للحالة العشائرية وعلاقتها بالقصر، وسط أجواء سياسية واقتصادية محتقنة، ودعوات شعبية لرحيل مبكّر لمجلس النواب.

خطاب بسقف طال القصر

  • برز اسم النائب أسامة العجارمة، وهو رائد متقاعد في الجيش الأردني، بشكل أساس بالتزامن مع العدوان “الإسرائيلي” الأخير على المسجد الأقصى في مايو/أيار الماضي، حيث دعا لما أسماه “الزحف العشائري إلى عمّان نصرة للقدس وفلسطين”، ثم وجّه اتهاماً واضحاً للحكومة خلال جلسة عُقدت في مجلس النواب لمناقشة حادثة انقطاع الكهرباء، بـ”تعمّد قطع الكهرباء لمنع مسيرات تضامنية للعشائر مع فلسطين”. الأمر الذي أثار لغطاً في المجلس ومشادات كلامية، طالب على إثرها نواب في البرلمان باعتذار “العجارمة”. 
  • اتسم بعد ذلك خطاب “العجارمة” بخط بياني تصاعدي طال شخص العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني نفسه بالإضافة للحكومة، ومن أسماهم طبقة “العملاء وتجار الوطن”. وفي نص استقالته من مجلس النواب، بعد نحو أسبوع من تجميد عضويته بسبب “إساءته لمجلس النواب وأعضائه ونظامه الداخلي”، ذكر بأن سبب الاستقالة “التشوهات الناظمة للحياة السياسية، وعلى رأسها صلاحيات الملك بحل مجلس النواب”، وأضاف بـ”أننا نعيش زمن العبودية”. كما وهدّد أثناء الأحداث الأخيرة بـ”حرق عمّان”، و”إطلاق رصاصة على جبين الملك”.
  • عمد مؤيدو وأنصار النائب أسامة العجارمة، من عشيرة العجارمة وعشائر أردنية أخرى إطلاق عيارات نارية وحرق إطارات، أصيب على إثرها 4 من أفراد الأمن العام، في حين أعلنت وزارة الداخلية بأنها لن تسمح بأي تجمعات أو فعاليات أو بناء لبيوت شعر تُخالف القوانين، وشدّدت أنها ستتعامل بحسم وحزم وفقًا للقانون وبما يحفظ أمن وأمان المواطنين وممتلكاتهم.
  • من اللافت أن عشيرة العجارمة استقبلت في مضاربها على مدار الأيام التي سبقت أحداث ناعور وفوداً من العشائر الأردنية البارزة، لا سيما: بني حسن والمجالي والعبادي وبني صخر والعدوان والحويطات وغيرها، تضامنًا مع النائب العجارمة. كما حظي النائب بتضامن من قبل نواب في كتلة حزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسي لجماعة الإخوان)، وبخاصة زميله في نفس الدائرة الانتخابية النائب ينال فريحات، الذي حمل بنفسه كتاب استقالة “العجارمة”، وكذلك النائب صالح العرموطي الذي انتقد بشدة الطابع غير الدستوري لجلسة مناقشة عقوبة “العجارمة”.
  • بالمقابل، قام العاهل الأردني بزيارة إلى محافظة معان جنوب الأردن بما تحملها من رمزية كونها المحافظة التي استقبلت الملك المؤسس قبيل تأسيس الدولة وتشكل مركز ثقل عشائري، وأكد من هناك أن العشائر الأردنية كانت ولا تزال تساهم في بناء الدولة الأردنية ورفعته، وأضاف الملك “لن نسمح لأحد بأن يستغل هذا الركن الهام لإضعاف الدولة”.
  • واستمراراً لخيار العصا الأمنية للتعامل مع الأزمة، أفادت وكالة الأنباء الأردنية باعتقال النائب السابق أسامة العجارمة الأربعاء 16 حزيران/يونيو، ونقلت الوكالة عن وزير الداخلية الأردني، مازن الفرابة، قوله إن الاعتقال تم بناءً على مذكرة صادرة عن المدعي العام لمحكمة أمن الدولة، دون مزيد من التفاصيل.
  • بالتوازي، وجّه العاهل الأردني بتشكيل لجنة ملكية لتحديث المنظومة السياسية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، وعضوية 93 شخصية، منهم مسؤولون سابقون وشخصيات حزبية من المعارضة والموالاة والنقابات. 

بيئة سياسية واقتصادية مشحونة

  • النائب “العجارمة” هو نتاج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، والتي أثير حول نزاهتها الكثير من الشكوك، ووجهت اتهامات للنظام بمحاولة السيطرة على المجلس وإحكام قبضة الملك عليه. ومضت الانتخابات بنسبة مشاركة محدودة للناخبين، 29%  فقط، في حين أظهرت النتائج فوز 100 نائب جديد (يُنتخب لأول مرة) من أصل  130 عضوًا في البرلمان، وتقدّمت الوجوه العشائرية ورجال الأعمال والمتقاعدين العسكريين والأمنيين على الأحزاب السياسية (أقل من 10٪ من  أعضاء البرلمان ينتمون إلى حزب سياسي)، مما أدى إلى زيادة الاستياء السياسي والغضب العام.
  • الوضع الاقتصادي للمملكة لم يكن أحسن حالاً، حيث أدّت إجراءات الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19 إلى الإضرار بالاقتصاد الأردني ،الذي يُعاني أصلاً منذ سنوات ويعتمد بشكل كبير على المساعدات الأجنبية. في عام 2020، انكمش الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة  1.6% وارتفع معدل البطالة إلى 24.7٪ وفق الاحصائيات الرسمية، في حين لم تحظ عمليات إغلاق كوفيد-19 بشعبية بين الأردنيين، واضطرت قوات الأمن إلى تفريق العديد من الاحتجاجات عليها.
  • وبحسب تقرير صدر في شباط/مارس 2021 الماضي عن مؤسسة Fitch Solutions، فإن مؤشر المخاطر السياسية للأردن على المدى القصير قد انخفض من 56.7 إلى 56.0 ، مما يدل على مخاطر أكبر، ويأتي ذلك – بحسب Fitch – على خلفية انخفاض الاستقرار الاجتماعي (كمكون  فرعي من مكونات المؤشر العام) من 35.0 إلى 32.5.
  • وفي سياق الوضع الاقتصادي والسياسي المتراجع للمملكة، أقدمت السلطات الأردنية في 3 أبريل/نيسان الماضي على اعتقال 20 شخصًا بتهمة “تهديد استقرار البلاد”، وشملت الحملة ولي العهد السابق والأخ غير الشقيق لملك الأردن، الأمير حمزة بن حسين ، حيث تم وضعه قيد الإقامة الجبرية. وكذلك جرى اعتقال الشريف حسن بن زيد، ورئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله، الذي تربطه علاقات قوية مع نظام الحكم في السعودية.
  • وكان الأمير حمزة نشر مقطع فيديو في وقت متأخر من يوم 3 أبريل/نيسان على قناة بي بي سي تحدث فيه عن الفساد في الأردن و”عدم الكفاءة التي كانت سائدة في الحكم على مدى 15 إلى 20 عامًا الماضية”، في إشارة على الأرجح إلى الملك عبد الله الثاني. ثم انتهى المشهد مؤقتاً بتوقيع الأمير حمزة مبايعة للملك عبد الله الثاني،مع إحالة كلاً من الشريف حسن بن زيد وباسم عوض الله إلى محكمة أمن الدولة بتهمة “التحريض على مناهضة نظام الحكم”.