أزمة سد النهضة .. فرص الدبلوماسية والحرب
سيناريوهات - يوليو 2021
تحميل الإصدار

مقدمة

* زاد بناء إثيوبيا لسد عملاق على نهر النيل من حدة التوترات بينها وبين مصر التي تعتمد على النهر اعتمادا شبه كامل في توفير مواردها المائية. وأعادت أديس أبابا مؤخراً التأكيد على عزمها ملء خزان السد خلال موسم الأمطار بين أواخر يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول، أي خلال الفترة الراهنة.
* على الرغم من سنوات المفاوضات، ما تزال مصر عاجزة عن الوصول إلى اتفاق نهائي بخصوص ملء وتشغيل السد. وقد أحالت السلطات المصرية التي تعهدت باستخدام “كل السبل المتاحة” لتأمين إمداداتها من المياه الخلاف إلى مجلس الأمن الدولي. وتقول بتشاؤم إنَّ الخلاف قد يعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر.
* وعلى هذا النحو، وضعنا أربعة سيناريوهات محتملة لمستقبل الصراع على النيل. ونظراً للدرجة العالية من عدم اليقين في المنطقة، حصرنا مدة التوقع في السيناريوهات الموضوعة على فترة 6-12 شهراً.
وقد حددنا داخل كل سيناريو “مؤشرات” من المحتمل أن ترسم مسار السيناريو. وهذه “المؤشرات” ليست شاملة أو متناقضة أو متتابعة. لكنَّها تمثل المؤشرات الرئيسة التي ستساعد في تعيين المسار المحدد لمستقبل البلاد. ومن الممكن أن يتشكل واقع جديد بالاعتماد على عناصر مشتركة من السيناريوهات المختلفة، وبالطبع لن يكون ذلك بنسب متوازنة. 
* ويرجح التقرير أن تعمل إثيوبيا على إفشال محاولات الوسطاء للتوصل إلى اتفاق سياسي خلال الفترة المقبلة. وذلك بسعيها للإبقاء على “الوضع الراهن”، حيث تُصر على بقاء الاتحاد الإفريقي منصةً وحيدة للتفاوض لمعرفتها بعدم قدرته على الحل. وترغب أديس أبابا في ربح المزيد من الوقت للمضي قدماً حتى اكتمال الملء الثاني للسد، وبالتالي وضع مصر والسودان أمام الأمر الواقع. 

والسيناريوهات كالآتي:

> سيناريو 1: إفشال إثيوبيا محاولة التوصل إلى أي اتفاق والاستمرار في ملء السد دون توقف.

> سيناريو 2: التوصل إلى اتفاق مؤقت بخصوص الملء الثاني والالتزام بمفاوضات مستقبلية

> سيناريو 3: عمل عسكري، بما في ذلك خيارات التصعيد العسكري المباشر وغير المباشر

> سيناريو 4: التوصل إلى اتفاق شامل وتسوية 

أدرجنا في الجدول أدناه المتغيرات التي ستنبني عليها السيناريوهات، وهي في مجموعتين رئيسيتين: التطورات العسكرية، وفعالية المفاوضات والدبلوماسية.

سيناريو 1: إفشال إثيوبيا محاولة التوصل إلى اتفاق (احتمالية عالية)

السيناريو الأكثر احتمالاً، والذي يرقى في نهاية المطاف إلى كونه استمراراً لـ”الوضع الراهن”. رغم سنوات المفاوضات، عجز الجانبان عن تجاوز الخلافات الرئيسية من أجل وضع اللمسات النهائية على اتفاق لملء وتشغيل السد. حيث يدور الخلاف حول عدة نقاط، منها ما يتعلق بكمية المياه السنوية المسموح بعبورها، وإجراءات تخفيف الأضرار في دورات الجفاف المختلفة، ومنسوب المياه في كلٍ من سد النهضة والسد العالي المصري في أسوان، وآلية فض المنازعات. والوسيط الوحيد في النزاع حاليا هو الاتحاد الإفريقي. ويحاول الاتحاد منذ حين المساعدة على إيجاد حل للصراع. وقد فشلت حتى الآن محاولات التوسط للتوصل إلى تسوية من شأنها حل الجمود في نقاشات الثلاثي وتأمين التوصل إلى اتفاق بشأن إدارة سد النهضة. ويواجه ذلك مزيداً من التحدي بفعل غياب المرونة لدى طرفي النزاع. وتجعل الحجج الراسخة التي يُقدِّمها كلا الطرفين الحل صعباً. ولم تسفر آخر جولات النقاشات التي عُقِدَت في كينشاسا في 4-5 أبريل/نيسان عن اتفاق لاستئناف المباحثات، واتهم كل طرف الآخر بإفشال المفاوضات.

تُعَد أشهر الصيف موسم الأمطار الحاسم لإثيوبيا، حيث يأتي منها معظم مياه النيل الأزرق سنويا. والوضع الآن هو أنَّ إثيوبيا تعتزم الاستمرار في عملية ملء ثانية لخزان سد النهضة، عقب الملء الأولي الذي تم خلال نفس الفترة من عام 2020، وتعتزم القيام بذلك بصرف النظر عن وضعية المفاوضات السياسية. وهناك بضعة عوامل ينبغي النظر إليها. أولاً، واصلت إثيوبيا عملياتها العسكرية في إقليم تيغراي على الرغم من الإدانة والغضب واسعيّ النطاق من المجتمع الدولي، ومن المشكوك فيه أنَّ تستجيب الحكومة الإثيوبية للضغط الدولي عند هذا المنعطف. وثانياً، هناك انتخابات ستجري في إثيوبيا قريباً ويواجه رئيس الوزراء آبي أحمد عدداً من التحديات الداخلية، بما في ذلك تحديات كالتي في إقليم تيغراي وعند الحدود السودانية. ويعتبر موقف حكومته بشأن سد النهضة غير مثيراً للجدل في الداخل الاثيوبي، وبالتالي فإنَّ أي تغيير في هذا الموقف قبل انتخابات يونيو/حزيران لا يبدو واقعياً.

على الجانب الآخر من الخلاف، يمكننا النظر إلى عملية الملء العام الماضي والتصريحات السياسية الأخيرة باعتبارها مؤشراً على ما هو مُتوقَّع من مصر والسودان. كان رد الفعل الصادر عن مصر العام الماضي خلال الملء الأول لخزان سد النهضة بسيطاً، وإن كانت القاهرة قد أعلنت حالة من الطوارئ للتعامل مع مشكلة المياه. ويمكننا توقع الشيء نفسه هذه السنة، إذ قال المسؤولون المصريون أنفسهم بالفعل إنَّهم مستعدون للتعامل مع أي مشكلات تنجم عن الملء الثاني. وكان السودان أكثر مجاهرةً باعتراضاته في الأشهر الأخيرة، لاسيما بالنظر إلى تدهور العلاقات مع إثيوبيا بسبب تصاعد العنف في منطقة الفشقة المتنازع عليها منذ أواخر 2020.

ولا يوجد حل يُرضي مصر والسودان ما لم يتضمَّن اتفاقاً ملزماً يضمن حقوقهما المائية. وفي غياب هذا الاتفاق، توجد حالة من عدم اليقين والقلق – كما يذكر العديد من المطلعين على مسار المفاوضات- بشأن ما قد يحدث بعد ذلك. وعلى الأرجح يعود إصرار إثيوبيا على بقاء الاتحاد الإفريقي منصةً وحيدة للتفاوض إلى معرفتها بأنَّ الاتحاد الإفريقي وحده لا يمكنه حل هذه القضية. وترغب أديس أبابا في ربح المزيد من الوقت للمضي قدماً حتى اكتمال الملء الثاني للسد، وبالتالي وضع مصر والسودان أمام الأمر الواقع. وعلى الرغم من أنَّ أديس أبابا تعرف تمام المعرفة أنَّ تسوية هذه المشكلة لا يحكمها بعد قرارات ملزمة، فإنَّها تراهن على الاتحاد الإفريقي بشكل أساسي، لأنَّها تدرك أنَّ الاتحاد مُثقَل بالكثير من المشكلات ولن يكون قادراً على حلها وحده، بما في ذلك مشكلة السد.

سيناريو 2: التوصل إلى اتفاق مؤقت (احتمالية متوسطة)

لا تزال هناك احتمالية لتوصل الأطراف إلى اتفاق مؤقت قبل الملء المقرر في يوليو/تموز. وسيتعامل أي اتفاق بين الدول مع جدول ملء السد والتنازلات بشأن المعدل خلال سنوات الجفاف فقط وستبقى إثيوبيا قلقة من الدخول في معاهدة ملزمة طويلة الأجل. ويواصل الاتحاد الإفريقي تولي زمام المبادرة في العملية، على الرغم من فشله في تأمين اتفاق حتى الآن. ومن ثَمَّ، سيكون أحد مسارات العمل المصرية الممكنة هو تأمين الدعم الدولي ومحاولة إقناع الإثيوبيين بقبول تسوية. ومن المرجح أن تركز مصر وإثيوبيا والسودان على تحقيق انتصارات سياسية ودبلوماسية أصغر تزيد من قوة أوراق الضغط لديهم خلال المفاوضات.

وسيكون الوقت الأكثر ترجيحاً كي تقدم فيه إثيوبيا تنازلات في مفاوضات سد النهضة –إن قدمت تنازلات أصلاً- خلال الفترة الحالية. إذ سيؤدي التحرك بعد انتخابات يونيو/حزيران إلى تقليل المخاطر السياسية التي يمكن أن تواجه الحكومة الإثيوبية في حال قدمت تنازلات في مفاوضات سد النهضة. ومن المستبعد جداً اتخاذ إجراءات تبطئ أعمال البناء أو الملء الطبيعي لخزان السد بدءاً من يوليو/تموز، بيد أنَّ الأمر الأكثر احتمالاً هو إعداد دراسة فنية جديدة بشأن تأثير سد النهضة على دولتي المصب ومفاوضات جديدة بإشراف الاتحاد الإفريقي. ولا توجد مؤشرات على أنَّ لقاءٍ كهذا وشيك، كما لا توجد مؤشرات حتى على استئناف المفاوضات، على الرغم من الموعد الوشيك لبدء جدول الملء.

أعلن السودان في 22 يونيو/حزيران أنَّه منفتح على التوصل إلى اتفاق جزئي مؤقت بشأن السد الإثيوبي الذي تبلغ قيمته عدة مليارات من الدولارات والمُقام على النيل الأزرق، لكن بشروط تشمل إقرار كل شيء جرى الاتفاق عليه في المفاوضات ووضع بنود لضمان استمرار المفاوضات حتى بعد الملء المقرر في يوليو/تموز، والتزام المفاوضات بتبني جدول زمني محدد. وقد تخفف مصر شروطها بشأن كمية المياه التي تسمح إثيوبيا بضخها في حال حدوث فترة جفاف تمتد لعدة سنوات. وقد تعرض إثيوبيا ضخ كميات محددة من المياه من خزان السد خلال فترات الجفاف. كما يمكن أن تقترح أسلوباً يوضح كيف يمكن لخزانات السودان ومصر أن تشارك في تحمل عبء تخفيف الآثار الناجمة عن استمرار تراجع التدفقات المائية عن المعدل المتوسط خلال أي فترة.

وقد يؤدي هذا إلى تراجع إثيوبيا وتقرير تأجيل الملء الثاني للسد. ويمكن أن تُقدِّر أديس أبابا أنَّ القوى النافذة قد بدأت تُولي النزاع أولوية في حساباتها، بسبب الخوف من وقوع اشتباكات بين مصر والسودان وإثيوبيا. وسيكون الفاعلون الدوليون حذرون من التأثير المدمر للصراع، في حال وقوعه، على مناطق القرن الإفريقي وشرق إفريقيا والعالم العربي والبحر المتوسط والاتحاد الأوروبي.

سيناريو 3: العمل العسكري (احتمالية ضئيلة)

سيناريو مستبعد جدا، لكن غير مستحيل، خصوصا إذا فشلت الدبلوماسية ورفضت إثيوبيا توقيع اتفاق قانوني يحفظ حقوق دولتي المصب. ويزداد الخطر بشكل أكبر في حال تأثير الملء على إمدادات المياه المصرية بصورة كبيرة بما يؤدي إلى تعقيد الديناميات الأمنية الداخلية المصرية. وإذا قررت مصر التوجه نحو العمل العسكري المباشر، يبدو أنَّ لديها 5 خيارات: ضربة برية، وغارات جوية، واستخدام القوات الخاصة، وعمليات للقوات البرية السودانية، وحرب الوكالة (أو مزيج من هذه الخيارات). ويمكن القيام بعمل عسكري من جانب مصر وحدها أو بصورة مشتركة بين مصر والسودان.

وقد تدعم مصر وترعى تجدد الصراعات الإثنية-القومية المسلحة في إقليميّ أورومو وأمهرة والمناطق الصومالية في إثيوبيا، بهدف فرض ضغوط على الحكومة الإثيوبية. ومن المحتمل أن يؤدي التصعيد في المنطقة الصومالية في إثيوبيا إلى توتر العلاقات الصومالية الإثيوبية وتعقيد جهود مكافحة “الإرهاب” الإثيوبية في الصومال. علاوة على ذلك، قد تُحرِّض القاهرة المعارضة السياسية في إقليم تيغراي ضد حكومة آبي أحمد بسبب ما يُنظَر إليه باعتباره “تشريداً وعدم اكتراث” للحساسيات في تيغراي. وربما تستغل مصر أيضاً النزاعات الحدودية بين إثيوبيا وإرتريا، وقد تسعى مصر لعزل إثيوبيا في منطقة القرن الإفريقي من خلال الجامعة العربية، بتأليب الشمال العربي وأعضاء الجامعة العربية الآخرين مثل الصومال وجيبوتي، ضد إثيوبيا. وإذا ما فشلت هذه التوجهات، قد تفكر مصر في نشر قوات خاصة للقيام بعمليات سرية عميقة لمهاجمة السد مباشرةً.

ورغم تفوق قدرات مصر الهائل إلا أنها ستواجه عقبات كبيرة في شن أي عمل عسكري، سواء كان يهدف لإخافة الإثيوبيين أو إلحاق ضرر جسيم بمشروع السد. كما أنَّ هناك عقبة أخرى أمام الخيار العسكري المصري بسبب بعد المسافة الجغرافية بين البلدين، وبما أنَّ مصر لم تستثمر في أي شكل من أشكال قدرات التزود بالوقود في الجو، فإنَّ إثيوبيا تقع خارج نطاق القتال لكافة الطائرات المصرية التي تقلع من مطارات مصرية. العزاء الوحيد لمصر هو أنَّ السد قريب جداً من الحدود السودانية. وسيؤدي الحصول على إمكانية استخدام المطارات السودانية إلى وضع السد في مدى جزء من سلاح الجو المصري. لكنَّ العمل من الأراضي السودانية قد يكون معقداً من الناحية السياسية، وستكون له تداعيات دولية على السودان فضلاً عن مصر. كما أنَّ قرب السودان من إثيوبيا سيجعله عرضة لانتقام عسكري مباشر. والأرجح أن يكون الهدف من أي هجوم عسكري هو إجبار إثيوبيا على إبرام اتفاق ملزم لضمان حصص مائية كافية وتفاهمات لإمداد الطاقة لمصر والسودان. وتمر إثيوبيا أيضا بانتقال ديمقراطي حساس، وهي تعاني مع العنف العرقي المتزايد داخلياً بينما تحارب الجائحة. وفي ظل عودة مصر إلى استقرار سياسي أكبر عقب سنوات اضطراب عديدة، لن يرغب الرئيس السيسي في تعريض موقف النظام في المفاوضات للخطر من خلال الدخول في حرب مع إثيوبيا.

لكن عند حلول عام جاف أو تراجع معدل سقوط الأمطار، قد يتصاعد الموقف سريعاً ويؤدي إلى زيادة التوترات الإقليمية. وقد تدفع الأهمية البالغة لقضايا المياه بالنسبة لمصر الجمهور المحلي للخروج إلى الشوارع على الرغم من تقييد قنوات الاحتجاج. وقد تختار مصر في هذا السيناريو القيام بعمل أقوى ومباشر أكثر ضد إثيوبيا.

سيناريو 4: التوصل إلى اتفاق شامل (احتمالية ضئيلة جداً)

السيناريو الأقل احتمالا. ما يزال الحل الدبلوماسي من خلال مباحثات مباشرة أو مفاوضات أو وساطة من جانب طرف ثالث هو أكثر سبيل تسعى من ورائه الأطراف لوقف النزاع، ولو أنّ السعي لإيجاد وسيط “محايد” أو مفاوضات ثلاثية تضم السودان ومصر وإثيوبيا يبقى بعيد المنال. ورغم صعوبة الأوضاع، تحقق الكثير من التقدم في المفاوضات. إذ اتفقت الأطراف على الكيفية التي ينبغي أن تملأ إثيوبيا بها السد، وكمية المياه التي ستسمح بوصولها حين يكون معدل سقوط الأمطار كافياً. ووافقت إثيوبيا أيضاً على ضخ كميات محددة سلفاً من المياه، بحسب منسوب السد والتدفق من النيل الأزرق إلى الخزان، حتى في سنوات الجفاف.

بالإضافة إلى ذلك، تواصل مصر والسودان مناوراتهما الدبلوماسية المكثفة مع البلدان الإقليمية في حوض النيل، والتي يمكن أن يكون لها تأثير على إثيوبيا وتُغيِّر موقفها من خلال الموافقة على صفقة ترضي الأطراف الثلاثة. أيضاً قد تتحرك على المستوى الدولي بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، وقد تتدخل “إسرائيل” بصورة علنية أو سرية لخدمة مخططاتها وفي ضوء العلاقات “الإسرائيلية” السودانية الناشئة والعلاقات “الإسرائيلية” المصرية العميقة وأهمية المياه للمشروع “الإسرائيلي”.

كما يمكن للشركاء الخارجيين المساعدة في بناء الثقة. فقد يعرض بنك الاستثمار الأوروبي، الذي يعتبره الإثيوبيون أقل تأييداً لمصر من البنك الدولي، على أديس أبابا تمويلاً للمرحلة الأخيرة من بناء السد. وقد يكون هذا التمويل مشروطاً بتعاون إثيوبيا في النقاط الشائكة مثل منسوب الملء. ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يواصل مباحثاته مع دولتيّ المصب بشأن الضمانات المحتملة (بما في ذلك القروض) وأدوات الدعم الأخرى لهذين البلدين في السنوات التي يُعرِّض فيها الجفاف أو الصدمات الأخرى الأمن الغذائي للخطر. ويمكن أن تقدم السعودية والإمارات، وكذلك قطر وتركيا، استثمارات ثنائية أو ثلاثية للزراعة في إثيوبيا و/أو السودان توفر لمصر إمدادات مُخفَّضة وموثوقة من المحاصيل الأساسية، لاسيما القمح والأرز. يمكن أيضاً للولايات المتحدة والصين، اللتين تتمتعان بعلاقات وثيقة مع بعض حكومات حوض النيل، تشجيع الأطراف على حل خلافاتهم قبل اكتمال سد النهضة.

تجعل التأخيرات في إكمال سد النهضة وتحسن الأجواء عقب صعود رئيس الوزراء آبي أحمد هذه اللحظة مواتية للتفاوض على سبيل إنجاز تفاهم شامل. ويجب على كل الدول إظهار استعدادها للقبول بحل وسط والإقرار بفكرة تقديم تنازلات. ولا يبدو حتى الآن أنَّ إثيوبيا مستعدة للقبول بأي تسوية، ويمكن رؤية هذا في رفض إثيوبيا لبعض الجهود التي يقودها الاتحاد الإفريقي، على الرغم من كونها الطرف الذي دفع باستمرار إلى عملية مفاوضات يقودها الاتحاد الإفريقي وحده.

وحتى تنجح الدبلوماسية، سيتعين قبول كلا الطرفين المتصارعين بالقضايا الرئيسية التالية:   

  • يجب وضع جدول زمني مرن ومُوجَّه فنياً لاختبار وملء سد النهضة.
  • سيتعين الاتفاق على ضمانات فنية وسياسية بأنَّ سد النهضة لن يتسبب في أي مرحلة من مراحل الملء بضرر “كبير” للأمن المائي المصري.
  • ينبغي النظر في افتتاح هيئة مستقبلية لحوض النيل “مثل مبادرة حوض النيل”، (أو بدء مفاوضات موازية خاصة بحوض النيل تحت إشراف هذه الهيئة) من أجل التوصل إلى معاهدة نهرية جديدة شاملة وتضم الجميع في المنطقة.
  • سيتعين دمج المفاوضات الأخرى التي تضم دولاً أخرى مطلة على النهر مثل كينيا وتنزانيا وأوغندا وجنوب السودان وبوروندي ورواندا والكونغو الديمقراطية في المباحثات المصرية الإثيوبية، أو الشروع فيها فوراً عقب التوصل للاتفاقيات الدبلوماسية للصراع الحالي بين مصر وإثيوبيا.