احتجاجات إيران الهوة بين نظام الجمهورية الإسلامية وشعبها آخذة في الاتساع
سياقات - سبتمبر 2022
تحميل الإصدار

الحدث

اندلعت احتجاجات إيران في العديد من المدن والجامعات عقب وفاة الشابة الإيرانية الكردية “مهسا أميني” (22 عامًا)، بعد يومين من توقيفها على يد عناصر دورية تابعة لشرطة الإرشاد (الأخلاق)، وخلال أسبوعين، ناهز عدد الضحايا 76 قتيلا، من بينهم عدد من عناصر قوات التعبئة (الباسيج) والشرطة والجيش، وبرزت خلال الاحتجاجات ظاهرة حرق الحجاب، وفي ذات السياق؛ قصف الحرس الثوري الإيراني مقرات تابعة لأحزاب إيرانية كردية معارضة في كردستان العراق؛ بزعم ضلوع عناصرها في تأجيج الاحتجاجات وتنفيذ هجمات مسلحة داخل إيران، في حين فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على 6 ضباط شرطة ومسؤولين أمنيين وعسكريين إيرانيين بذريعة تورطهم في قمع الاحتجاجات.

وفاة مهسا أميني تشعل احتجاجات إيران وتستدعي أزمات النظام الاقتصادية والاجتماعية

التحليل: وفاة “مهسا أميني” تشعل احتجاجات إيران وتستدعي أزمات النظام الاقتصادية والاجتماعية

  • تُعد هذه التظاهرات امتدادا للتظاهرات المتكررة التي تشهدها إيران، والتي من آخرها اندلاع التظاهرات احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية في عهد الرئيس السابق “حسن روحاني” خلال عامي 2017 و2018، ولكن غلب على الاحتجاجات الحالية بُعد الهوية عبر التركيز على التنديد بنشر دوريات الإرشاد في الشوارع، وعقاب النساء غير المحجبات حجابا لائقا من منظور الحكومة، كما برزت مشاهد حرق المتظاهرات للحجاب الذي يشغل رمزية كبيرة في إيران منذ الإطاحة بالشاه وصولا لفرض الحكومة له عبر قانون ملزم يُعاقب مخالفه.
  • تأثرت الأجيال الشابة في إيران بثورة المعلومات والتفاعل مع الثقافات الغربية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبرزت لديها قيم وسلوكيات ليبرالية تختلف عن القيم التقليدية لدى الأجيال الأكبر سنا من قبيل الفردانية، وعدم التقيد بالتوجيهات الدينية لمراجع التقليد، وتراجع الالتزام بالشعائر التعبدية مثل الصلاة وصيام رمضان أو التزام النساء بالشادور والحجاب الكامل. وقد ساهم ذلك في تزايد الجدل مؤخرا حول دور أجهزة الدولة في تتبع السلوك الاجتماعي للمواطنين عقب صدور توجيهات من الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” في يوليو/تموز 2022 بتنفيذ قرار “العفة والحجاب”، والذي بمقتضاه بدأ تسيير دوريات سرية لمراقبة ملابس الموظفات، وإغلاق المقاهي التي تستقبل النساء غير المحجبات، وصولا إلى المطالبة بمنع غير المحجبات من دخول محطات المترو والمقرات الحكومية، ثم جاءت واقعة وفاة “مهسا أميني” لتفجر هذا الملف الشائك.
  • لا يمكن فصل الدوافع الاجتماعية عن الدوافع الاقتصادية والسياسية التي أدت لاندلاع الاحتجاجات؛ فقد شهدت الشهور الأخيرة حالات تذمر متصاعدة بين المواطنين على خلفية قرارات حكومية وحوادث تعزى لاستشراء الفساد. ففي يناير/كانون ثاني من العام الجاري كشف “بهروز محبي نجم آبادي” عضو لجنة التخطيط والموازنة في البرلمان، أن 60% من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، فيما نظم المعلمون والعاملون في القضاء والكوادر الطبية وقفات احتجاجية للمطالبة بتحسين رواتبهم في ظل ارتفاع معدل التضخم، كما نظم متقاعدو الضمان الاجتماعي وقفات احتجاجية اعتراضا على زيادة رواتبهم بمقدار 10 % فقط، حيث طالبوا بتنفيذ قرار مجلس العمل الأعلى بزيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 38 %، ثم وصلت الأمور ذروتها في مايو/أيار بعد قرار الحكومة إلغاء الدعم عن بعض السلع الأساسية مما أدى إلى صعود التضخم لنحو 50%، فاندلعت احتجاجات أسفرت عن مقتل 6 متظاهرين، كما اندلعت احتجاجات أخرى احتجاجا على وفاة 28 شخصا في انهيار مبنى المتروبول المكون من 10 طوابق، والذي خالف اشتراطات البناء.
  • من جانبها عملت السلطات الإيرانية على مواجهة الاحتجاجات الحالية عبر أربع مسارات:
    • الأول: السعي لاحتواء غضب الرأي العام وإظهار التعاطف مع أسرة “مهسا أميني”، حيث اتصل الرئيس الإيراني بأسرتها للتعزية، كما أصدر تعليمات لوزارة الداخلية بموافاته سريعا بنتائج التحقيق في الحادث، فيما بث التلفزيون الحكومي صورا من كاميرات المراقبة في مركز شرطة تظهر سقوط “مهسا” على الأرض دون تعرضها لاعتداء.
    • الثاني: عزو الاحتجاجات لأيادي خارجية، وبالأخص المعارضة الكردية الإيرانية المتواجدة في كردستان العراق، وذلك لانتماء “مهسا” للعرقية الكردية، وعيشها رفقة أسرتها في محافظة كردستان بإيران قبل أن يُلقى القبض عليها خلال زيارتها لطهران، ومن ثم بدأ الحرس الثوري منذ 24 سبتمبر/أيلول ولعدة أيام متتالية بقصف بالمدفعية والصواريخ والطائرات المسيرة لمقرات مسلحين إيرانيين أكراد تابعين لأحزاب “كومله الكردستاني” و”الديمقراطي الكردستاني” و”الحرية الكردستاني”، بحسب الإعلام الإيراني الرسمي، بزعم ضلوعهم في تأجيج المظاهرات وتنفيذ هجمات مسلحة، وهو القصف الذي تسبب في مقتل 13 شخصا على الأقل وإصابة العشرات.
    • الثالث: تنظيم مسيرات حاشدة متزامنة في العديد من المدن الإيرانية دعما للنظام الحاكم، ومن خلال ذلك يظهر النظام تمتعه بتأييد شعبي في مواجهة المظاهرات التي يحاول خصومه تصويرها على أنها مظاهرات شعبية في مواجهة نظام معزول جماهيريا.
    • الرابع: استخدام الإجراءات الأمنية القاسية والناعمة، مثل تقييد الوصول إلى النت وبالأخص تطبيقي إنستجرام وواتس آب، بهدف عرقلة التواصل بين المجموعات الشبابية وتحجيم تداول صور التظاهرات، واستخدام قوات الباسيج والشرطة في تفريق الاحتجاجات واعتقال محركي التظاهرات، وصولا لاعتقال “فائزة رفسنجاني” ابنة الرئيس الأسبق “هامشي رفسنجاني”.
  • وأخيرا؛ دخلت واشنطن على خط توظيف المظاهرات لزيادة الفجوة بين الشعب الإيراني والنظام، وذلك عبر تأكيد مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان مواصلة دعم بلاده لحق الإيرانيين في الاحتجاج، وفرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على 6 مسؤولين أمنيين وعسكريين إيرانيين بحجة تورطهم في قمع الاحتجاجات.

الخلاصة

  • الضغوط الاقتصادية وانتشار الفقر عوامل تهدد استقرار إيران الداخلي، وتضغط على النظام لتوجيه الموارد نحو الداخل لاحتواء الاحتقان الشعبي. تبرز هنا أهمية رفع العقوبات الدولية من أجل تعافي الاقتصاد، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي لإيران من 599 مليار دولار عام 2012 إلى 231 مليار دولار عام 2020 بسبب العقوبات الأمريكية، وهي الورقة التي تلعب بها واشنطن لفرض مزيد من الضغط على طهران لدفعها للتراجع فيما يخص الملف النووي، فضلا عن الأنشطة الإقليمية التي تهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
  • تذكر الاحتجاجات الحالية بما أشرنا له سابقا حول الهوة المستمرة في الاتساع بين قطاع واسع من الإيرانيين ونظام الجمهورية الإسلامية منذ احتجاجات 2009، لكنها مازالت لا تمثل تهديدا وجوديا فوريا للنظام الحالي في ظل عدم تقديمها لبديل ملهم، وافتقادها لرموز وجهات منظمة تستثمرها سياسيا بعد أن فقدت المعارضة القدرة على المبادرة بالتعبئة ضد الحكومة، وهو ما يمكن ملاحظته خلال السنوات الماضية التي كانت الاحتجاجات فيها عبارة عن انتفاضات شعبية عفوية.
  • ●       بالإضافة لذلك، فإن تماسك مكونات النظام الأمنية والعسكرية وقوة قدراته القمعية مكنّته خلال السنوات الماضية من التعامل مع الاحتجاجات، فضلا عن وجود ظهير شعبي تحركه دوافع عقائدية، وبالتالي يتوقع أن تخمد الاحتجاجات الحالية، وإن كانت جذورها ستظل باقية، مما سيؤدي دون شك لتكرارها مستقبلا، لأن النظام الحاكم ليس بصدد إجراء إصلاحات داخلية.
  • في المدى الأبعد، سيواصل النظام الإيراني مسيرة ضعفه الداخلي، حيث توجد شكوك معتبرة حول قدرته على البقاء في شكله الحالي بعد وفاة المرشد الأعلى آية الله “علي خامنئي”، في ظل أن طبقة رجال الدين تتراجع هيمنتها الروحية، وليس من المؤكد أن خليفته سيتمتع بنفس النفوذ السياسي مقابل زيادة نفوذ القادة العسكريين، خاصة القادمين من الحرس الثوري، الذين سيشكلون بالتدريج مركز الثقل الحقيقي للدفاع عن نظام الجمهورية الإسلامية.

إقرأ أيضاً:

عضوية إيران في “منظمة شنغهاي” تعزز الحضور في آسيا الوسطى وتكرس التوجه “شرقا”

تقرير حالة دولة إيران 2022

طائرات إيران المسيرة إلى روسيا.. صفقة تكتيكية تفتح الآفاق لعلاقات استراتيجية

إيران.. وضع أمني حساس واقتصاد متهاوٍ وتوترات خارجية تميل للحرب