الخبر
قام وزير الدولة الإماراتي الشيخ “شخبوط بن نهيان” بجولة أفريقية في يومي 20-21 مايو، شملت تحالف دول الساحل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، التقى خلالها مع رئيس المرحلة الانتقالية في مالي “عاصمي غويتا” ورئيس المرحلة الانتقالية في بوركينا فاسو “إبراهيم تراوري” ورئيس النيجر “عبدالرحمن تياني”، بحث معهم سبل تطوير الشراكة الإستراتيجية في التنمية الاقتصادية، والطاقة المتجددة، والتعليم والصحة.

التحليل: إعادة تموضع وتثبيت للنفوذ في دول الساحل غرب أفريقيا
تأتي زيارة المسؤول الإماراتي إلى دول الساحل في ظل تدهور العلاقات بين الجزائر ودول الساحل الثلاث، بعد حادثة إسقاط طائرة مسيرة مالية داخل المجال الجوي الجزائري في 30 مارس/آذار 2025، أعقبها سحب السفراء من الجانبين، وإغلاق المجال الجوي، وتبادل اتهامات علنية. وهو ما قد يشير إلى استثمار إماراتي للأزمة للضغط على الجزائر، في ظل توتر علاقاتها المستمر مع أبوظبي، والذي سبق أن عبر عنه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في العام الماضي في حديثه عن “الأعمال العدائية ضد الجزائر الصادرة من دولة عربية شقيقة”.
وفي نفس السياق؛ كان قد التقى وزراء خارجية دول الساحل مع ملك المغرب محمد السادس في 28 أبريل/نيسان الماضي، والذي أكد دعمه لمبادرة المغرب الرامية إلى منح دول الساحل منفذًا على المحيط الأطلسي. وهو ما يشير إلى التحديات الجيوسياسية التي تواجه الجزائر من قبل منافسيها الإقليميين الذين يسعون لمزيد من حصارها.
وعلى الجانب الآخر؛ تأتي الزيارة ضمن نشاط الإمارات الواسع في عدة مناطق في أفريقيا. إذ يتصل التحرك الإماراتي في منطقة الساحل مع مصالح أوسع تشمل ليبيا والسودان بصورة خاصة. فمن المحتمل بدء ترتيب إماراتي مع إحدى دول الساحل لتكون محطة إمداد للدعم اللوجيستي لقوات الدعم السريع في السودان.
إذ تسعى الإمارات لإيجاد بدائل في ظل توتر العلاقة بين الرئيس التشادي محمد ديبي المدعوم من الإمارات، من جهة، ومسؤولين في الجيش التشادي من قبيلة الزغاوة على رأسهم الجنرال بحر محمد إتنو – ابن عم الرئيس ورئيس أركان الجيش السابق – بسبب إصرار الرئيس على مواصلة دعم تشاد لقوات الدعم السريع في السودان، بينما تميل قيادات الجيش للنأي بالنفس عن الصراع لتجنب الدخول في مواجهة مع الجيش السوداني.
بالإضافة إلى ذلك؛ تتابع الإمارات تحرك سعودي باتجاه تشاد، فيما يبدو ضمن جهودها لاحتواء الحرب في السودان. إذ التقى وزيرا خارجية السعودية وتشاد في 12 أبريل/نيسان الماضي في تركيا لاستكمال محادثات بدأت في مارس/آذار بين الرئيس التشادي محمد ديبي مع مسؤولين حكوميين سعوديين. ولا يعني توجه الإمارات نحو دول الساحل الثلاث أن أبوظبي بصدد التخلي عن نفوذها في تشاد بسهولة.
فقد أفادت تقارير أن أبوظبي هددت بزيادة سعر الفائدة على ديون البلاد، ما دفع ديبي إلى زيارة الإمارات في أبريل/نيسان للقاء الرئيس محمد بن زايد آل نهيان. لاحقا، وقّعت السلطات التشادية في 2 مايو/أيار اتفاقية مع الإمارات لتعزيز العلاقات التجارية، وبناء خط سكة حديد بين تشاد والكاميرون من قِبل شركة الاتحاد للسكك الحديدية الإماراتية؛ كما وقّعت اتفاقية لبناء مستشفى ومسجد في العاصمة نجامينا.
البعد الاقتصادي حاضر أيضاّ في جولة الشيخ شخبوط. إذ تظهر الإمارات توجها مدروسا للاستثمار في التعدين في أفريقيا ضمن استراتيجية شاملة للاستثمار في صناعة “المعادن الحرجة”. وثمة فرصة لاستثمار الإمارات في قطاع التعدين بعد إغلاق حكومة مالي في 15 أبريل/نيسان الماضي لمكاتب شركة باريك جولد الكندية التي تسيطر على عدد مناجم الذهب، وفي بوركينا فاسو أعلن رئيس الوزراء نهاية نفس الشهر عن خطة الحكومة لتوسيع سيطرة الدولة على المناجم الصناعية المملوكة للأجانب لضمان حصة أكبر من عائدات الموارد الطبيعية.
الخلاصة؛ يأتي التحرك الإماراتي في سياق تثبيت النفوذ في منطقة الساحل، وتعزيز ربطها بمناطق نشاط الإمارات الأخرى خاصة ليبيا والسودان، وذلك عبر استثمار الفراغ الناتج عن توتر الجزائر مع دول الساحل، وموازنة التقارب السعودي مع تشاد، بجانب استغلال التحولات في قطاع التعدين مع خروج الشركات الغربية من سوق دول الساحل الغنية بالموارد الطبيعية كالذهب والليثيوم واليورانيوم.