بين الدبيبة وباشاغا .. انقسام سياسي يلوح في أفق ليبيا
سياقات - فبراير 2022
تحميل الإصدار

الحدث

● أعلن مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق في 10 فبراير/شباط 2022، اختيار وزير الداخلية السابق “فتحي باشاغا” رئيسا لحكومة مؤقتة جديدة عوضا عن “عبد الحميد الدبيبة” رئيس حكومة الوحدة الوطنية الحالية والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة. وبحسب خارطة الطريق التي أعلن عنها البرلمان، فإنه من المفترض أن تتولى حكومة “باشاغا” السلطة التنفيذية في ليبيا إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية خلال مدة أقصاها 14 شهرا. في المقابل، رفض “الدبيبة” القرار، وأعلن تمسكه بمنصبه لحين إجراء الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن.
● حكومة الوحدة الوطنية بقيادة “الدبيبة”، هي أول حكومة موحدة منذ الانقسام الذي شهدته ليبيا في 2014. وكان من المقرر أن تسلم السلطة إلى حكومة منتخبة في ديسمبر/كانون الأول 2021. لكنّ الانتخابات تأجلت بسبب خلافات حول الإطار القانوني والدستوري المنظم لها، وشروط الترشح للانتخابات الرئاسية، لا سيما بعد ظهور مرشحين مثيرين للانقسام مثل “سيف الإسلام القذافي” نجل الرئيس الليبي السابق “معمر القذافي”. بالإضافة إلى خلافات على صلاحيات الرئيس المنتخب. فيما لم تعلن حكومة الوحدة الوطنية منذ ذلك الحين عن الخطة الزمنية الجديدة للانتخابات والاستفتاء على الدستور.

التحليل

  • حرص “الدبيبة” خلال فترة رئاسته للحكومة على تكثيف تفاعلاته مع الكتائب المسلحة وبناء علاقات جيدة مع قياداتها؛ خاصة مع الكتائب الموجودة في مصراتة، ويبدو أن “الدبيبة” استهدف من تلك العلاقات كسب الدعم لاستمراره في منصبه. وظهرت آثار تلك العلاقات في أعقاب إعلان مجلس النواب الليبي تعيين “باشاغا”، حيث وصلت بعض الكتائب من مصراتة ومدن أخرى إلى العاصمة الليبية، وأعلنت دعمها للحكومة الحالية بقيادة “الدبيبة” ورفضها لتعيين “باشاغا”. على الجانب الآخر، لم يكتفِ “الدبيبة” بتطوير علاقاته مع الكتائب فقط، وسعى إلى اكتساب شعبية من خلال استخدامه لعائدات النفط الليبية في مشاريع للبنى التحتية ودعم الشباب.
  • في الجانب الآخر، نجحباشاغا” في عقد تحالف مع القائد العسكري “خليفة حفتر” وعضو المجلس الرئاسي السابق “أحمد المعيتيق” بهدف تشكيل جبهة ضد “الدبيبة”، وهي المرة الأولى منذ تاريخ الصراع الداخلي في ليبيا التي يتحالف فيها فاعلون رئيسيون من شرق وغرب ليبيا، الأمر الذي ربما يمنح “باشاغا” قدرة على المناورة وجذب مجموعات متنوعة من الفاعلين السياسيين، والحصول على موافقة المجلس الأعلى للدولة الذي لم يحسم أمره بعد. ومع ذلك، ستبقى نقطة التحدي الرئيسية أمام “باشاغا” هي قدرته على إقناع الكتائب المنتشرة في طرابلس بدعمه والقبول بمنصبه الجديد، وهو أمر لا يبدو مرجحا على المدى القريب، في ظل الحشد العسكري الموالي للدبيبة في طرابلس، والذي يضمن للأخير بقاءه في منصبه، خاصة وأن هذه المجموعات المسلحة لن تقبل بحكومة معلوم سلفا أن “حفتر” سيكون له هيمنة على وزارات مهمة فيها مثل الدفاع، بناء على تفاهماته مع “باشاغا”.
  • في ظل تمسك “الدبيبة” باستمراره في منصبه إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية، ستكون فرص “باشاغا” لتولي زمام الأمور في طرابلس ضئيلة، مما سيؤدي إلى خلق حكومة موزاية في شرق ليبيا تحت قيادة الثاني، على غرار حكومة “عبد الله الثني” أثناء فترة الانقسام الليبي، والتي لم تمتلك أي صلاحيات لممارسة السلطة. وسيكون على حكومة “باشاغا”توفير تمويل ملائم لدورها في شرق ليبيا، خاصة في ظل غياب عائدات النفط الليبية. إذ إن أحد عناصر قوة “الدبيبة” الرئيسية، هي سيطرته على البنك المركزي في طرابلس، وهو الجهة الرسمية الوحيدة التي تتلقى إيرادات صادرات النفط الليبي (بلغت عائدات النفط الليبية في 2021 حوالي 30 مليار دولار)، وهي التي منحت “الدبيبة” القدرة على تسيير الأعمال الحكومية واستمراريته في منصبه دون أزمات اقتصادية حادة.

إقرأ أيضاً:

مخاطر وآفاق الشرق الأوسط في العام 2021

ما بعد ترهونة: الانعكاسات الداخلية والجيوسياسية في ليبيا

فرص تدخل مصر العسكري في ليبيا

  • لم يُعرب الفاعلون الخارجيون في ليبيا -بما في ذلك روسيا وتركيا والإمارات- عن موقفهم الرسمي من حكومة “باشاغا” الجديدة؛ باستثناء مصر التي أيدته -على الرغم من ارتباطه القوي بتركيا- نتيجة التفاهمات التي عقدها مع “حفتر”. في المقابل، مازال “الدبيبة” يمثل الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، والمعترف بها غربيا، وهي نقطة قوة قد لا تحظى بها حكومة “باشاغا”. لاتزال الولايات المتحدة وتركيا تدعمان “الدبيبة” ضمنيا. وعلى الجانب الآخر تحافظ مصر على نفوذها القوي في شرق ليبيا. بينما رفعت الإمارات دعمها المالي عن “حفتر” وهو ما جعله أضعف من أي وقت مضى. وإذا خضع المجلس الأعلى للدولة الليبي لضغوط المجموعات المسلحة في الغرب ورفض ترشيح “باشاغا” ستكون شرعية حكومة “الدبيبة” غير قابلة للطعن.
  • إذا أقر المجلس الأعلى للدولة تعيين البرلمان الليبي لرئيس وزراء جديد، سيؤدي هذا إلى فوضى قانونية وترسيخ عدم الاستقرار السياسي في ليبيا، وخلق حكومتين متوازيتين في شرق وغرب البلاد، حيث من المرجح ألا يتخلى “الدبيبة” عن شرعيته. وسيكون من المحتمل إذا تفاقمت الأزمة واستمر الصراع بين الحكومتين، أن تلجأ حكومة “باشاغا” إلى نفس السلاح الذي استخدمه “حفتر” في سنوات الانقسام الماضية، إذ ستكون عمليات إغلاق حقول النفط الليبية هي الأداة الرئيسية التي يستطيع من خلالها “باشاغا” الحد من قدرات حكومة “الدبيبة”.
  • رغم كل ما سبق، ستظل احتمالات تجدد الصراع المسلح في ليبيا وعودة سيناريو 2014 غير مرجحة، حيث تتمتع كل حكومة بدعم ميداني للقوى المسلحة في منطقتها (حكومة الدبيبة في الغرب، وحكومة باشاغا في الشرق). كما أن القوى الخارجية الرئيسية مازالت راغبة في تثبيت التوازن القائم. ولا يمنع هذا من احتمالات متكررة لعمليات محدودة أو اشتباكات عابرة لا تغير في مجمل التوازن الميداني الراهن.
  • سياسيا، يبدو مسار الانتخابات الرئاسية أبعد من أي وقت مضى، فبالإضافة إلى حالة الانقسام السياسي التي عمقتها الأزمة الحالية؛ لا تقدم خارطة طريق مجلس النواب الليبي أي ضمانات بإجراء الانتخابات في موعدها.