لماذا غابت ألمانيا عن المشهد الروسي الأوكراني؟

ترفض ألمانيا -أكبر وأغنى دولة في أوروبا- إمداد أوكرانيا بالسلاح، حتى أنها لم تصرّح بمغادرتها مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2 إن هاجمت روسيا أوكرانيا، في وقت تتخذ فيه برلين موقفا مرناً تجاه روسيا ما دفع بأوروبا الشرقية لاعتبارها دولة حليفة لموسكو، لكن لماذا لا تتواءم ألمانيا مع حلفائها في الناتو وتتخذ موقفا مغايراً؟

منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تقدم لكم في هذا الفيديو أسباب موقف ألمانيا المرن مع موسكو

التزامات دول حلف الناتو

بدأت دول حلف الناتو بتعزيز التزاماتها العسكرية في أوروبا الشرقية بعدما تفاقم المأزق مع روسيا حول مصير أوكرانيا.

  • واشنطن: يضع الرئيس الأميركي جو بايدن آلاف الجنود في حالة استنفار قصوى 
  • الدنمارك: سترسل طائرات إف-16 المقاتلة إلى ليتوانيا 
  • إسبانيا: سترسل سفينة حربية إلى البحر الأسود
  • هولندا: سترسل مقاتلات إف-35 إلى بلغاريا
  • المملكة المتحدة: تنقل صواريخ جافلين المضادة للدروع جوًّا
  • تركيا: تنقل طائرات الدرونز بيرقدار TB2 
  • بولندا: ترسل إلى بيرونيا صواريخ كتف أرض جو
  • كندا: ستنشر فريق عمل أمني على الأراضي الأوكرانية
  • فلاتفيا وليتوانيا: تشحنان صواريخ ستينجر المضادة للطائرات إلى كييف
غياب ألمانيا من مواقف دول حلف الناتو

موقف ألمانيا المغاير

  • امتنعت عن إمداد أوكرانيا بالسلاح وأرسلت مستشفى ميدانيًا، وخمسة آلاف خوذة، وهو ما أثار سخرية بأوروبا الشرقية.
  • أوقفت شحنة المعدات العسكرية الألمانية من إستونيا إلى أوكرانيا.
  • المسألة الأكثر أهمية هي خط أنابيب نورد ستريم 2 من روسيا إلى ألمانيا؛ لم يبين المسؤولون الألمان ما سيتم بشأنه وما إذا كان هذا المشروع سيندرج ضمن العقوبات على روسيا أم لا، وأعلن المستشار الألماني أولاف شولتز أكثر من مرة أن نورد ستريم 2 مشروع خاص منفصل تمامًا عن الأزمة الأوكرانية.
  • يعارض فريدريك ميرتز قائد المعارضة السياسية -خليفة أنجيلا ميركل- إقصاء البنوك الروسية من شبكة سويفت للتحويلات التي تعالج التحويلات المالية العالمية لأن هذا سيضُر بالمصالح الاقتصادية الألمانية 

وتحبط هذه الحقائق جهود الناتو الذي يسعى لتحقيق الوحدة والإجماع بخصوص التعامل مع روسيا. لكن ألمانيا ترى روسيا بصورة مختلفة عن نظرائها في حلف الناتو. 

من الناحية الأولى، تاريخيا هناك حساسية بين الدولتين شكلتها قرون من التبادل الثقافي والتجارة والنزاعات. فقد هاجمت ألمانيا روسيا مرتين في القرن العشرين، أدت الثانية منها إلى حرب إبادة حيث قدر عدد الضحايا السوفييت بسبعة وعشرين مليونًا.

أما الناحية الثانية، داخلياً فإن موقف الحكومة الألمانية تتغلغل جذوره في التاريخ كما الآتي:

  1. الائتلاف الحاكم ما بعد ميركل بقيادة الديمقراطيين الاشتراكيين:  يشغلون منصب المستشار ولديهم تاريخٌ من التقارب مع روسيا حيث كانت العلاقات بينهم وبين الاتحاد السوفيتي طيبة وما زالت علاقاتهم بروسيا جيدة، والآن يتخذون ا قراراتهم السياسية بناءً على تجارب مضت عليها عقود.
  2. حزب الخضر: تمتد جذوره إلى الحركات الداعية للسلام، لذا يعارض الحزب بيع الأسلحة لأي جهة.
  3. الديمقراطيون الأحرار: هم الأكثر شراسة لكنهم لا يريدون المخاطرة باستقرار الحكومة

إقرأ أيضاً:

أزمة أوكرانيا.. مغامرة بوتين تضع أمن الطاقة الأوروبي على المحك

أزمة أوكرانيا.. هل يعوض الغاز القطري أوروبا عن الغاز الروسي؟

المواجهة أم التسوية.. إلى أين تتجه الأمور شرق أوكرانيا؟

نورد ستريم 2: تدفق نفوذ روسيا الجيوسياسي إلى أوروبا

قمة الناتو 2030 تطلق مواجهة مفتوحة بين الغرب والتحالف المضاد له

أزمة زيادة أسعار الطاقة

بعيدًا عن الرواية الرسمية، هناك مصالح موضوعية قابلة للقياس تلعب دورها في هذا القرار، حيث تأتي الأزمة في أوكرانيا بينما تتعامل أوروبا مع زيادة أسعار الطاقة تستغل روسيا حاجة أوروبا للغاز، فالعقوبات الاقتصادية التي فرضتها دول حلف الناتو على موسكو قائمة منذ أعوام بسبب ضم روسيا جزيرة القرم في 2014، وأي عقوبات إضافية الآن يعني إيقاف إمدادات الطاقة الروسية إلى أوروبا، فهل يمكن فرض عقوبات على دولة تحتكر بدرجة كبيرة إمداد السوق بسلع معينة؟

يبدو الأمر مستحيلاً. وما يعقد الأمر أكثر، خط أنابيب نورد ستريم 2. 

  • يمتد خط الأنابيب لأربعمئة كيلومتر أسفل بحر البلطيق
  •  من المفترض أن ينقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا
  • الخط تمتلكه شركة الطاقة المملوكة للحكومة الروسية جازبروم، لكن ما إن يتم تشغيله ستتمكن روسيا من بيع المزيد من الغاز الطبيعي دون دفع رسوم المحطات لأوكرانيا

نورد ستريم 2 أداة تغيير وجه اللعبة

ما يزيد من أهمية خط نورد ستريم 2 هو التعهد المناخي من ألمانيا بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2045. فضمن خطتها أغلقت ألمانيا نصف مفاعلاتها النووية، وتعتزم إغلاق بقيتها في غضون عام. لكن برلين أضرت بنفسها بأخذ هذه الخطوات قبل أوانها، إذ تعتمد ألمانيا على الغاز الطبيعي أكثر من ذي قبل ولن تتخلص من إدمانها على الأرجح لأسبابٍ ثلاثة: 

أولًا: استثمرت ألمانيا كثيرًا في ابتكارات الطاقة المتجددة لكن ما زال من غير الممكن أن تحل طاقة الرياح والطاقة الشمسية محل الغاز الطبيعي، وهي تستورد ثلثه تقريبًا من روسيا. 

ثانيًا: نصف الغاز الطبيعي الذي تستهلكه ألمانيا تقريبًا يأتي من قطاع التصنيع.
ولتقليل استهلاك الغاز الطبيعي يتعين على جهات التصنيع الألمانية إما تقليل الإنتاج وإما إعادة تصميم عمليات الإنتاج وهذا يكلف كثيرًا من المال، ويستغرق الكثير من الوقت.

ثالثًا: الغاز الطبيعي مصدر انتقالي للطاقة لا غنى عنه في التحول من الوقود الهيدروكربوني إلى مصادر الطاقة المتجددة.
والمسألة أن الغاز الطبيعي يبعث نصف كمية غاز ثاني أكسيد الكربون بالمقارنة بالفحم، لهذا تركز البلاد على الغاز الطبيعي مع تحولها من استعمال الفحم والنفط، قبل زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وهذه المرحلة الانتقالية ستستمر حتى أربعينات وخمسينات القرن الحالي.

سياسة ألمانيا الخارجية يحركها الغاز

حصل حزب الخضر وهم شريك صغير في الائتلاف الحاكم على وزارة الخارجية ووزارة الاقتصاد والمناخ. إذاً، السياسة الخارجية الألمانية في يد الحزب الذي يدير السياسة المناخية وهي سياسة مناخية يلعب الغاز الطبيعي دورًا رئيسيًا فيها. وهذا ما يفسر امتناع الألمان لهذه الدرجة عن رفض نورد ستريم 2، إذ تحتاج برلين إلى المزيد من الغاز الطبيعي. وهذه المحنة ستستمر لعقود مقبلة لا سيما أن ليس أمام ألمانيا بدائل كافية. يمكن لأميركا والنرويج والجزائر وقطر وأذربيجان تلبية احتياجات برلين لكنها اعتبارات طويلة المدى تتطلب التزامات طويلة الأمد من ألمانيا. ولا تملك ألمانيا بنية تحتية للغاز الطبيعي المسال، وأقرب الأماكن هو بنية ميناء LNJ في بولندا.

فماذا ستختار برلين؟

عدم الاستقرار الداخلي أم التهديد الأمني طويل الأمد القادم من الشرق والنابع من أوكرانيا؟ أو ربما سيتعين على كييف وحلفائها توسيع آفاق مخيلتهم في تعاملاتهم الدبلوماسية. فلا يمكن للمسؤولين الألمان فسخ عقود الطاقة مع موسكو دون المخاطرة بخلخلة الاستقرار الاقتصادي الاجتماعي.