الحضور الصيني في الشرق الأوسط.. نقطة توتر مؤجلة
مآلات - أكتوبر 2020
تحميل الإصدار

باختصار

– زادت الصين بشكل كبير من المستوى الاقتصادي -وبدرجة أقل الأمني والسياسي- في الشرق الأوسط في العقد الماضي، لا سيما وأن نحو 50% من النفط الخام يأتي للأسواق الصينية من هذه المنطقة، إضافة لأهمية الشرق الأوسط في مبادرة الحزام والطريق، وفي كونها بوابة لأوروبا وأفريقيا.
– لم تُعلن الصين عن إستراتيجية إقليمية تجاه الشرق الأوسط، ولكنها أشارت من خلال الممارسات والاتفاقيات الموقعة إلى حرصها على تعاونٍ جوهره الطاقة، ثم التجارة والاستثمار، وفي الدرجة الثالثة التقنيات الجديدة في الطاقة النووية والأقمار الصناعية. 
– يُجادل عدد متزايد داخل الصين بضرورة التدخل أكثر في الشرق الأوسط وزيادة النفوذ الأمني والعسكري، ويرون أن مبادرة الحزام والطريق ستخلق نظاما اقتصاديا خارج سيطرة واشنطن، مما سيولّد في مرحلة ما تحدّيا للهيمنة الأمريكية. إضافة إلى أن نقاط ضعف السياسة الأمنية للولايات المتحدة في المنطقة أصبحت أكثر وضوحاً مع احتدام المعركة بين واشنطن وطهران.
– هناك أدلة متزايدة على استعداد دول المنطقة -لا سيما الخليج- لاستكشاف ترتيبات أمنية بديلة. ويمكن أن تكون إحدى الصيغ المستقبلية لهذا الأمر في “هيكل أمن جماعي” يجمع بين اللاعبين الإقليميين الرئيسيين ولاعبين دوليين من خارج الإقليم، بما في ذلك الصين وروسيا، وربما الهند.
– مع ذلك، يبدو أن بكين في الوقت الحالي حريصة للغاية على عدم الانخراط بدور أمني وعسكري بشكل كبير، ولا تزال تؤمن بأن الولايات المتحدة يمكن أن تتحمل مسؤولية إدارة الأمن في المنطقة. ويؤكد ذلك المسافة التي تحتفظ بها بكين عن الصراعات والتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
– علاوة على ذلك، تتفهم دول المنطقة أن بكين ليست على استعداد للمشاركة بشكل كبير في الشؤون الأمنية للمنطقة، وهم لا يرون الصين قادرة على أن تكون بديلاً للولايات المتحدة في الوقت الراهن، حتى لو امتلكت الإرادة السياسية لذلك. كما أن نهج الصين الانتهازي وعدم الاهتمام بسياسات المنطقة يجعل دول الشرق الأوسط حذرة حيال التعامل مع الصين كشريك حقيقي.
– وفي شأن علاقاتها مع اللاعبين الدوليين في المنطقة تميل الصين أكثر لسياسة التعاون الحذر، حيث تتشارك مع روسيا في العديد من استخدامات حق النقض في قضايا الشرق الأوسط، لكنها تُحجم عن إقامة تحالف كامل مع موسكو. وهي تسعى للتعاون مع الاتحاد الأوروبي في محاولة خفض التصعيد في صراعات ليبيا وسوريا واليمن، لكن عبر مسار الأمم المتحدة، وتدعم كذلك حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والتمسك بالاتفاق النووي مع إيران دون استعداء صارخ لواشنطن.

الطاقة والتجارة.. عنوانا التحرك الصيني بالمنطقة

  • تفوقت الصين على الولايات المتحدة لتصبح أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، بحسب العديد من الإحصاءات ومنها تقرير “فوسيل” (Fossil) 2018. وعلى الرغم من أن روسيا تنافس بقوة في حصة السوق الصيني -إذ تعتبر من الموردين الرئيسيين لبكين وتتعاون مع بكين بتوسيع خط أنابيب شرق سيبيريا والمحيط الهادئ لزيادة حجم دخول الخام الروسي للسوق الصيني- تظل دول الشرق الأوسط من الموردين الرئيسيين، حيث يأتي نحو 50% من النفط الخام من هذه المنطقة، وبشكل أساسي من السعودية. وأظهرت بيانات التجارة الصادرة عن “تومسون رويترز” أن واردات النفط الصينية ستصل هذا العام إلى مستوى قياسي يبلغ 9 ملايين برميل يوميا.
  • وعلى الرغم من أن الصين لم تُعلن عن إستراتيجية إقليمية تجاه الشرق الأوسط، فإنها أشارت إلى نيتها زيادة التعاون مع المنطقة، وخاصة عبر مبادرة الحزام والطريق التي يُعتبر الشرق الأوسط نقطة انطلاق مهمة لها وبوابة أيضاً لأوروبا وأفريقيا. وورد في ورقة السياسة العربية لعام 2016، أن مشاركة الصين ستتم وفق “نمط تعاون 1+2+3″، ودلالة ذلك في أن جوهر التعاون سيكون في مجال الطاقة، ثم في التجارة والاستثمار، وفي الدرجة الثالثة التقنيات الجديدة في الطاقة النووية والأقمار الصناعية.
  • وتأتي استثمارات الصين في جزء مهم منها ضمن تطوير البنية التحتية الحيوية، سواء تلك المرتبطة بالطاقة أو بالشحن والاتصالات. فعلى سبيل المثال، تستثمر الشركات الصينية في السعودية في مرافق البتروكيماويات، وفي الإمارات في تنمية الموانئ، وفي مصر في إعادة تطوير قناة السويس وميناء بورسعيد. وكذلك في بنية الاتصالات عبر تضمين شركة هواوي وشبكات جي5، وربط مثل هذه الاستثمارات في كثير من الحالات بـالأهداف الاقتصادية الطويلة المدى مع الدول الإقليمية.
  • تعتبر السعودية والإمارات الآن أكبر شريكين تجاريين للصين في الشرق الأوسط، وبطبيعة الحال تشمل الواردات الصينية من النفط الخام الجزء الأكبر من تلك التجارة. وقد وقّعت الرياض وبكين في أغسطس/آب 2017 مذكرة تفاهم بشأن إنشاء صندوق مشترك بقيمة 20 مليار دولار للاستثمار في قطاعي الطاقة والتعدين، وأبدت شركات النفط الصينية اهتماما قويا بالاستحواذ على حصص في شركة الطاقة السعودية العملاقة أرامكو، إضافة إلى أن الصين تشارك في أبحاث الطاقة النووية ومفاعل السعودية وصيانته، كجزء من جهود المملكة لتنويع مزيج الطاقة المحلية.
  • وعلى المدى الطويل، ترغب الصين أيضا في زيادة واردات النفط الخام من إيران كوسيلة لتقليل الاعتماد على النفط السعودي، وكانت بكين وطهران تأملان على حدٍ سواء في زيادة حجم الاستثمارات مع رفع العقوبات المرتبطة بالاتفاق الإيراني النووي، لكن انسحاب واشنطن من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات الأمريكية أعاقت تطور العلاقات الصينية الإيرانية. ويتكهن بعض المراقبين بأن ما تم الكشف عنه مؤخرا بخصوص صفقة شراكة إستراتيجية شاملة بين بكين وطهران يمكن أن يؤدي إلى تعميق العلاقات الصينية الإيرانية، على الرغم من استمرار العقوبات الأمريكية وحاجة بكين إلى مراعاة اهتمامات الرياض التي من المرجّح أن تحاول وضع قيود على حجم التعاون معها.

من الاقتصاد إلى السياسة والأمن

  • يشغل العامل الاقتصادي الحيز الأكبر في حسابات الصين بمنطقة الشرق الأوسط، لكن بكين مع ذلك تعمل أيضا على زيادة نفوذها الأمني والعسكري هناك. وحتى الآن، أبرمت الصين أكثر من 15 اتفاقية شراكة مع دول في المنطقة، وتشارك في مهمات مكافحة القرصنة التي تديرها الأمم المتحدة في خليج عدن وبحر العرب ومصر، وأجرت عمليات إنقاذ لرعاياها في ليبيا عام 2011 واليمن عام 2015، وكان لها دور فعّال في إقناع طهران بالتوقيع على الاتفاق النووي الإيراني، وتعيين مبعوثين خاصين لدول الشرق الأوسط في القضايا المتنازع عليها. وعلاوة على ذلك، أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي عام 2017، فضلاً عن العسكرة المحتملة لميناء “غوادر” الباكستاني، وتدريبات بحرية مشتركة تم تنفيذها خلال السنوات القليلة الماضية مع مصر وإيران والسعودية.
  • وبموازاة سلسلة الأحداث الأخيرة في مضيق هرمز التي زادت التوتر بين إيران وخصومها الجيوسياسيين، هناك نقاش آخذ في الاتساع فيما إذا اضطرت الصين إلى مواجهة دور أمني أكبر لحماية مصالحها في المنطقة. ويجادل عدد متزايد من الخبراء الصينيين بأنه يجب على الدولة أن تتخلى عن صورتها كـ”متسابق حر” وأن تزيد من وجودها العسكري، ويرون أن مبادرة الحزام والطريق لا تعزز التجارة العالمية فقط، ولكنها تخلق أيضا نظاما اقتصاديا خارج سيطرة واشنطن، مما سيولّد في مرحلة ما تحدّيا للهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط.
  • من جهة أخرى، فإن نقاط ضعف السياسة الأمنية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط أصبحت أكثر وضوحا بعد احتدام المعركة بين سياسة “الضغط الأقصى” للولايات المتحدة و”المقاومة القصوى” لإيران، وبعد الهجمات الأخيرة على المنشآت النفطية لأهم حليف إقليمي لواشنطن، وهو السعودية. فقد أظهرت هذه الهجمات تراجعاً في مصداقية واشنطن وقيمة الردع في المنطقة، في وقت تواجه فيه دول الشرق الأوسط معضلة في تأمين متطلباتها الأمنية، وهو ما دفع دولاً في المنطقة إلى البحث عن شركاء آخرين، بما في ذلك الصين، وذلك كجزء من إستراتيجية التحوط. يضاف إلى ما سبق أن العديد من هذه الدول ينظر إلى الصين كأداة مفيدة في إستراتيجياتها للتنويع ليس فقط اقتصاديا، بل وسياسيا أيضا، خاصة في ضوء الخلاف مع العديد من جوانب السياسة الأمريكية وتدخلات واشنطن في العراق ومصر وسوريا وإيران وقضايا أخرى لم تخدم مصالح المنطقة، وغالبا لم تكن كذلك بالتنسيق مع دول المنطقة.
  • وعلى الرغم من أن مجلس التعاون الخليجي لم يعد كتلة متجانسة، فإن هناك أدلة متزايدة على استعداد أعضائه لاستكشاف ترتيبات أمنية بديلة. وقد يكون الوقت أزف لدول الخليج كي تعيد ضبط الترتيبات الأمنية لتعكس هذه الحقائق المتغيرة. وبينما لا يمكن لأي جهة دولية أن تحل مكان الولايات المتحدة على المدى القصير، فإن شركاء اقتصاديين رئيسيين للمنطقة في الوقت الحاضر يمكن أن يلعبوا دورا على المدى المتوسط ​​وحتى الطويل. ويمكن أن تكون إحدى الصيغ المستقبلية في “هيكل أمن جماعي” يجمع بين اللاعبين الإقليميين الرئيسيين ولاعبين دوليين من خارج الإقليم، بما في ذلك الصين وروسيا، وربما الهند.
  • في وقت مبكّر من عام 2004، أرسلت السعودية -من بين دول أخرى في الشرق الأوسط- إشارات باتجاه تحول في الإستراتيجية الأمنية، مفاده أن المنطقة بحاجة لضمانات أمنية توفرها “الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي”، وبأنه لا يمكن توفير أمن المنطقة من قبل الولايات المتحدة وحدها. كما أن هناك تطورا آخر مثيرا للاهتمام هو التحالف الدولي الأخير لحماية شحنات النفط الذي جمع بعض دول الخليج والهند والصين وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من بين آخرين، نشروا سفنا لحماية مصالحهم، ويمكن لهذا الأمر أن يكون مقدمة لما هو متوخّى من نظام “أمن جماعي”.
  • هذا البديل قد يكون مفيداً للولايات المتحدة، حيث يقدّم لها خروجاً كريماً يتماشى مع سياسة “أمريكا أولاً” لإدارة دونالد ترامب الحالية، ويضمن أيضاً استمرار فاعلية واشنطن وأهميتها في المنطقة، دون كلفة عالية ودون أن تكون الوحيدة المسؤولة عن أمن الخليج. 
  • ولكن ما ينبغي الانتباه له، هو أن الأساس المنطقي للدور الأمني ​​الصيني في المنطقة يستند إلى الفرضيات التالية:

– لا يوجد حل عسكري للخلاف الخليجي الإيراني، والسبيل الوحيد هو الدبلوماسية.

– لا تستطيع الولايات المتحدة وحدها أن تتوسط في سلام إقليمي بسبب إرث موقفها الثقيل مع إيران.

– الرهانات الاقتصادية مع دول الخليج وإيران، مع توسيع العلاقات السياسية والأمنية؛ تجعل الصين أكثر فاعلية في تيسير السلام بالمنطقة.

– يعتمد النجاح الاقتصادي للعديد من الدول الآسيوية على التدفق الحر للطاقة من الخليج، وهو ما يتطلب تجنّب اندلاع توترات خليجية.

  • وفي هذا السياق، يمكن فهم معادلة العلاقة المتقدمة للصين مع دول الخليج، بالتوازي مع المباحثات الصينية الإيرانية التي امتدت بعد فترة وجيزة من الانتهاء من اتفاق إيران النووي في عام 2016، وانتهت في العام الجاري إلى توقيعمسودة اتفاق للشراكة الإستراتيجية الشاملة، مدتها 25 عاماً، وتتضمن بالإضافة إلى الاستثمار في القطاعات الاقتصادية، تنمية مشتركة للصناعات العسكريّة، وتبادل المعلومات الاستخباراتيّة والمناورات العسكريّة المشتركة.وبحسب تقارير دوليّة، فإن الاتفاق سيسمح بوجود 5000 عنصر أمني صيني لحماية المنشآت والمشروعات الصينية داخل إيران.
  • إلى جانب ذلك، تستعد بكين للتحرك باتجاه لبنان والاستحواذ على مشاريع اقتصادية فيه، ضمن مسار بكين الأوسع للولوج إلى الشرق الأوسط، وذلك بعدما ناشد الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله -في نوفمبر/تشرين الثاني 2019- الصين لإنقاذ لبنان الذي يعاني اقتصاده من تدهور كبير. وقد يمتد ذلك أيضا إلى سوريا، حيث سعت روسيا منذ فترة طويلة للحصول على دعم صيني لإعادة إعمار سوريا. كما قد يمتد كذلك للأردن، مع توقيع الصين على اتفاقية تشييد وصيانة مفاعل نووي أردني.
  • وأخيراً، قدمت الصين أسلحة للعديد من دول الشرق الأوسط، وإن كان ذلك على نطاق ضيق. ويعمل جيش التحرير الشعبي (PLA) هو أيضا على توفير تدريب عسكري منخفض المستوى للجيش السعودي، وسرعان ما ستفعل الشيء نفسه مع الإمارات.

الصين.. طموحات حذرة 

  • على نطاق أوسع، لم تحذُ الصين حذو الولايات المتحدة في استخدام الاقتصاد والعضلات العسكرية للبحث عن نفوذ سياسي في الشرق الأوسط. ورغم نمو حضورها المتعدد الأوجه في المنطقة، لا تزال الصين مترددة في تحمل مسؤولية توفير الأمن للمنطقة، وهي تدرك بأن التعاون في القضايا الأمنية الناعمة مثل مكافحة القرصنة والتعاون في مكافحة الإرهاب هو أمر هين أمام الجهود المطلوبة في القضايا الأمنية الأصعب التي تنطوي على تهديدات واسعة محفوفة بالتحديات.
  • ويبدو أن الرأي القائل داخل الصين بضرورة التدخل أكثر في الشرق الأوسط، ما زال هامشيا نسبيا بالنسبة لأولويات السياسة الخارجية، وهناك عدد قليل من التصريحات التي يمكن اعتبارها بمثابة خروج على الخطاب التقليدي الصيني، منها ما أعلنه السفير الصيني لدى الإمارات في أغسطس/آب 2019 من أن “الصين قد تشارك في عمليات الأمن البحري في المضيق”. ويهدف الحزب الحاكم إلى زيادة شعبيته في الداخل من خلال استقرار علاقات الصين مع القوى العظمى وتوسيع مصالحها التجارية عبر منطقة الشرق الأوسط، بدلاً من السعي وراء التنافس الجيوسياسي مع الولايات المتحدة.
  • في الوقت الحالي، يبدو أن بكين حريصة للغاية على عدم الانخراط بدور أمني وعسكري بشكل كبير، ولا تزال تؤمن بأن الولايات المتحدة يمكن أن تتحمل مسؤولية إدارة الأمن في المنطقة. ومن وجهة نظر بكين، فإن الولايات المتحدة تمثل منفعة عامة تقدم مهمة في أمن الطاقة والملاحة في الخليج، وإن تقليصا جذريا لالتزامات واشنطن في المنطقة لن يكون في مصلحة بكين. ويؤكد ذلك المسافة التي يحتفظ بها السياسيون الصينيون عن الصراعات والتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، حيث أظهرت إحجاما عن المشاركة في الصراع السوري -على سبيل المثال- بما يتجاوز الغطاء الدبلوماسي المؤيد للأسد كنظام حاكم، ولم تُبد بكين أي اهتمام بالمزيد من التدخل عسكريا أو كوسيط سلام دولي. وبالمثل، كانت الصين راضية عن دعم قرارات الأمم المتحدة الداعمة للحكومة المعترف بها دوليا في اليمن، دون السعي لدور في التحركات الدبلوماسية لإنهاء الحرب هناك، كما رفضت المشاركة في الوساطة بين السودان وجنوب السودان.
  • وكجزء من مساعيها للوصول إلى مصادر آمنة للطاقة، تحافظ بكين على الحياد بين قطر والدول المقاطعة لها في مجلس التعاون الخليجي، ولا تُبدي رأيا ولا تسعى أبدا إلى التوسط. وبينما وقّعت على اتفاقية مع الدوحة في سبتمبر/أيلول 2017 للتعاون في مكافحة الإرهاب، فعلت الشيء ذاته مع الرياض وأبو ظبي، وتسعى إلى بيع الأسلحة أيضاً لكلا الجانبين.
  • علاوة على ذلك، تتفهم دول المنطقة أن بكين ليست على استعداد للمشاركة بشكل كبير في الشؤون الأمنية للمنطقة، وهم لا يرون الصين قادرة على أن تكون بديلاً للولايات المتحدة في الوقت الراهن، حتى لو امتلكت الإرادة السياسية لذلك. كما أن نهج الصين الانتهازي وعدم الاهتمام بسياسات المنطقة يجعل دول الشرق الأوسط حذرة حيال التعامل مع الصين كشريك حقيقي.
  • وفي شأن علاقاتها مع اللاعبين الدوليين في المنطقة، تميل الصين أكثر لسياسة التعاون الحذر، حيث تتشارك مع روسيا في العديد من استخدامات حق النقض في قضايا الشرق الأوسط، ولكنها تُحجم عن إقامة تحالف كامل مع موسكو. وهي تسعى للتعاون مع الاتحاد الأوروبي في محاولة خفض التصعيد في صراعات ليبيا وسوريا واليمن، لكن عبر مسار الأمم المتحدة. وتدعم كذلك حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني والتمسك بالاتفاق النووي مع إيران دون استعداء صارخ لواشنطن.

المآلات .. دور اقتصادي وأمني أوسع يحمل بذور توترات مستقبلية 

  • لا يزال لدى الصين شهية محدودة لتحدي البنية الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أو لعب دور مهم في السياسة الإقليمية. لكن على المدى الطويل، فإن اعتماد بكين على الطاقة في الخليج واتفاقياتها ومشاريعها الاقتصادية في المنطقة قد يُلزمها بلعب دور أمني أكبر في الشرق الأوسط، ولن تكون قادرة على الحفاظ على نهجها المنخفض المستوى في المنطقة لفترة أطول.
  • وإذا استمرت واشنطن في تقليص تركيزها الدبلوماسي على الشرق الأوسط، فسيفتح ذلك فرصا لقوى مثل الصين وروسيا لتكتسب مزيدا من النفوذ وعلاقات أقوى في مجال الطاقة مع دول الخليج والعراق وإيران، وستتحول مصالح بكين ونقاط الاتصال في الشرق الأوسط أكثر شبهاً بـتلك الموجودة لدى الولايات المتحدة والتي طالما اعتمدت على الطاقة في الخليج وشحن البضائع عبر المنطقة البحرية. وفي ظل هذه الظروف، ستسعى بكين إلى إقامة علاقات أوسع وأعمق مع دول الشرق الأوسط، وستحتاج أيضا إلى إقامة وجود عسكري أكبر في المنطقة.
  • من المرجّح أن تعارض الولايات المتحدة أي وجود عسكري صيني أكبر في المنطقة، وستتحول إلى نقطة توتر جديدة بين الطرفين إلى جانب الحرب الاقتصادية الدائرة بينهما. كما يُرجّح أن ينظر الأوروبيون إلى انخراط الصين الأوسع في المنطقة على أنه يضر مصالحهم، خاصة فيما يتعلق بقضايا تكنولوجيا المراقبة ومبيعات الأسلحة. لكنهم سيتجهون عوضاً عن التصعيد إلى إعادة التركيز على مشاركة الصين في المبادرات الاقتصادية البناءة.
  • حتى ذلك الوقت، ستبقى الولايات المتحدة القوة التي لا غنى عنها في الشرق الأوسط، وستحرص بكين على عدم استعداء الأمريكيين في قضايا حساسة مثل إيران، وستتجنّب الصين الانخراط في خلافات عميقة بين السعودية ومنتجي الطاقة الإقليميين الآخرين. ومن المرجّح أن تبقى مشاركة بكين في أزمات الشرق الأوسط منخفضة وغير فعّالة إلى حدٍ كبير.

مراجع استند إليها التقرير:

  • Oxford Analytica, MIDDLE EAST:CHINA- Focus will be energy, 2020
  • Stratfor, Asian-Led Collective Security for the Gulf Arab States, October 04 2019
  • The European Council on Foreign Relations (ECFR),CHINA’S GREAT GAME IN THE MIDDLE EAST, October 2019
  • CSS, China and Russia Maneuver in the Middle East, October 2020