أمير الكويت الجديد وولي عهده واتجاهات السياسة الجديدة
سياقات - أكتوبر 2020
تحميل الإصدار

الحدث |

في يوم الثلاثاء 29 أيلول سبتمبر توفي أمير الكويت “صباح الأحمد الجابر الصباح”. أعلن مباشرة مبايعة أخيه غير الشقيق، ولي عهده، الشيخ “نواف الأحمد الجابر الصباح” ليكون الأمير الـ 16 للكويت. بعد حوالي أسبوع، قرر الأمير تزكية نائب رئيس الحرس الوطني الشيخ “مشعل الأحمد الجابر الصباح” كولي للعهد، واكتملت إجراءات تعيينه بأداء القسم أمام مجلس الأمة يوم الخميس 8 تشرين أول أكتوبر. 

مؤشرات الانتقال السلس

  • تعكس عملية انتقال السلطة السلسة، والتي تعتبر واحدة من أسرع عمليات الانتقال في تاريخ الكويت، حرص الأمير الجديد على وحدة الأسرة وقدرته على حسم ملف ولاية العهد دون إبطاء.  كما تعتبر مؤشرا على استقرار النظام السياسي الكويتي، واستمرار الثقة في حكم “آل الصباح” للبلاد.
  • العمر المتقدم للشيخ “نواف” (83 عاما) يشير إلى أن فترة ولايته من المرجح أن تكون قصيرة، وستتميز بمناورات على النفوذ داخل الأسرة الحاكمة، خاصة مع تعيين الشيخ “مشعل” وليا للعهد (80 عاما)، والذي قد يجعل الأعضاء الأصغر سنًا في العائلة المالكة أكثر تحفزا لضمان مكان في خط الخلافة المستقبلي الذي لا يبدو بعيدا. لكن بصورة عامة، لا يعتبر حكم آل “الصباح” في خطر خلال المدى المنظور.
  • اختيار الشيخ “مشعل” قدم مؤشرا على أن الاتجاه السائد في صناعة قرار الأسرة الحاكمة مازال يميل إلى الخبرة والتقاليد أكثر من الطموح والنظرة المستقبلية. كان “مشعل” من الشخصيات المحورية في الديوان الأميري طوال السنوات الماضية، ويبدو أن بعده عن المناصب الحكومية كان مقصودا لعدم الدخول في تجاذبات السياسة اليومية الكويتية. لكنه لا يعني أنه كان مهمشا؛ حيث يعتبر القائد الفعلي لجهاز الحرس الوطني (قوات عسكرية مستقلة عن الجيش)، كما كان دائما مرافقا للأمير الراحل، حتى أنه كان المرافق الوحيد له في رحلته الأخيرة لتلقي العلاج بالولايات المتحدة الأمريكية.

استمرارية السياسة رغم التحديات

  • لم يتم تعريف مسيرة الشيخ “صباح” (91 عاما) المهنية من خلال فترة توليه منصب الأمير بقدر ما تم تحديدها من خلال دوره السابق كوزير للخارجية لأكثر من 40 عامًا – بما في ذلك أثناء غزو البلاد واحتلالها من قبل العراق في 1990-1991. عزز هذا التحالف الاستراتيجي الرئيسي مع الولايات المتحدة، التي لديها أكثر من 13000 جندي متمركزين في الكويت. وهو أمر ليس من الوارد أن يطرأ عليه تغيرا خلال عهد “نواف”.
  • لعب الأمير الراحل دورًا مركزيًا في محاولة التوسط في النزاعات بين دول مجلس التعاون الخليجي. الآن، من المرجح أن تزيد القيادة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من الضغط على الأمير الجديد للابتعاد عن نهج الكويت الأكثر تصالحية. ومن المرجح أن تعطي الرياض الأولوية لانسحاب الكويت من خطة الدفاع الثنائية الموقعة مع تركيا في عام 2018، والسعي إلى إدانة كويتية لقطر، وتجديد التواصل مع إسرائيل – وهي أمور ليس من المرجح أن تكون على أجندة حكم الأمير “نواف”، لكن مسألة التطبيع تحديدا، وموازنة العلاقة مع إيران، ستمثلان تحديا خاصا في حال إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي “ترامب”.
  • لا يبدو أن اختيار الأمير مشعل لولاية العهد مبشرا للسعودية والإمارات، مقارنة مثلا بتعيين “ناصر صباح الأحمد الصباح” وليًا للعهد كما كانت بعض التوقعات ترجح. من المعروف أن “ناصر” تربطه علاقة عمل أوثق مع المسؤولين السعوديين. في حين أن الشيخ “مشعل” يبدو متماهيا مع أجندة الأمير الراحل، ليس فقط لأنه يحمل نفس التقاليد التي تبلورت خلال العقود الماضية في حكم الكويت، لكن أيضا كونه أحد رجال الظل طوال عهد الأمير “الصباح” وأحد المقربين منه، ما يعني أنه على وفاق مع سياساته الرئيسية.
  • في مقابلة قديمة مع صحفية محلية، أثناء توليه رئاسة “أمن الدولة” أظهر الشيخ “مشعل” أفكاره وانحيازاته، والتي من بينها تأييد فرض الضرائب كونها تربط المواطن بدولته، واعتباره الديمقراطية ضمانا لاستقرار البلاد والديكتاتورية زعزعة له، كما تبنى فكرة تعيين “مجلس للشيوخ” يمثل كافة عائلات الكويت الأصلية.

أولويات: الاقتصاد والإعداد لانتخابات محلية

  • أشرف الشيخ “الصباح” على التغييرات الزلزالية في الاقتصاد المحلي الذي يواجه حاليًا تحديات ضخمة ولدت من الاعتماد المفرط على النفط، ثم تفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا (كوفيد -19). فضل “الصباح” اتباع نهج تدريجي للإصلاح، وهو أمر ملزم جزئيًا بموجب برلمان قوي يمكنه تعطيل بعض سياسات الحكومة. تركت إصلاحات “الصباح” المحدودة النمو متراجعا عن نظرائه الإقليميين الرئيسيين.
  • §      يعد انهيار أسعار النفط العالمية ووباء COVID-19 صدمة مزدوجة تؤثر على الاقتصاد الكويتي، حيث تتوقع IHS Markit أن يواجه اقتصاد الكويت انكماشا قياسيا في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 9.8 ٪ في عام 2020. سجلت الكويت عجزًا في الميزانية قدره 46 مليار دولار أمريكي للسنة المالية 2020/21، وهو يمثل 52٪ زيادة عن العجز الأولي المتوقع حكوميا قبل جائحة COVID-19 وانهيار أسعار النفط العالمية. 
  • تتوقع فيتش أن تنخفض صادرات الكويت السلعية بنسبة 34٪ على أساس سنوي نتيجة تراجع انتاج النفط، الذي يمثل أربع أخماس صادرات السلع، بنحو 14٪ في عام 2020. ونتيجة انخفاض الإيرادات المالية عموما بنسبة 37٪ عن العام السابق، تتوقع IHS Markit أن يبلغ العجز حوالي 18.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
  • من المرجح إذا أن تكون قضايا الانتعاش الاقتصادي على رأس أولويات السياسة الداخلية في عهد الأمير “نواف”. سيكون هناك أيضًا ضغط إضافي على حكومة الأمير الجديد لتمرير قانون الديون بشكل فعال، والذي من شأنه أن يسمح للدولة بالوصول إلى أسواق رأس المال الدولية دون أن يعيقها مجس الأمة الذي عطل القانون حتى الآن.
  • من المرجح أن قوى المعارضة ستحتفظ بالهيمنة على مجلس الأمة القادم الذي سيتم انتخابه نهاية العام، بالنظر إلى سجلها الحافل في تأخير إجراءات التقشف، والتي من المرجح أن تعزز الدعم الشعبي للأعضاء. وفي حين أن هذا يشير إلى استمرار بعض الجمود في صنع السياسات، فإن المخاطر على الاستقرار السياسي العام في الكويت تظل محدودة.
  • التوترات بين الحكومة ومجلس الأمة من المرجح أن تستمر بعد الانتخابات. لكنّ هذا لا يعني أن المعارضة الكويتية تتجه لأي تصعيد في عهد الأمير الجديد. كما لا تنذر بأن الأمير أو لي عهده بصدد تبني سياسة خشنة ضد المعارضة خصوصا الإسلاميين. من المرجح أن تستمر المعادلة الراهنة قائمة، وربما تقدم المعارضة بعض المرونة إزاء حكومة الأمير الجديد لكن بعد الانتخابات.

رأي السياق |

ستشهد الكويت استقرارا في المدي القريب، لكنّ تقدم سن الأمير وولي عهده سيفتح شهية أفراد الأسرة الأصغر سنا لتعزيز نفوذهم لضمان موقع في سلم الخلافة المستقبلي. ورغم الضغوط الخارجية، من غير المتوقع أن يؤدي انتقال السلطة الحالي إلى أي تغييرات كبيرة في السياسة الداخلية أو الخارجية للكويت، حيث يُنظر إلى الوريثين على أنهما يشاركا سلفهما في نهجه التدريجي للإصلاح الاقتصادي، وتفضيلات السياسة الخارجية المتوازنة. من جهة أخرى، لا تبشر الخلفية الأمنية للأمير (كوزير أسبق للداخلية طوال عشر سنوات)، أو لولي العهد بتغير في نظرة الديوان الأميري لدور المعارضة خاصة الإسلامية منها، وليس من المرجح أن نشهد سياسة تتسم بالعداء على غرار نهج الإمارات والسعودية.