الشراكة الحذرة: آفاق العلاقات الإيرانية الروسية على وقع حرب أوكرانيا
مآلات - يناير 2023
تحميل الإصدار
خارطة أفكار العلاقات الإيرانية الروسية

الملخص

● تنظر إيران وروسيا للغرب نظرة متقاربة؛ حيث يرى “بوتين” أن الغرب لم يأخذ روسيا على محمل الجد عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، ولم يحترم مصالحها وثقافتها، فيما ترى إيران أنها تواجه تهديدات غربية تستهدف استقرارها الداخلي ونفوذها الخارجي والقضاء على مسار الثورة الإسلامية.
● تهدف طهران عبر العلاقات مع موسكو إلى التغلب على القيود والتهديدات التي تعيق دورها كقوة إقليمية رئيسية في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز وأسيا الوسطى، بينما تحتاج موسكو إلى شركاء إقليميين أقوياء للتغلب على الحصار الذي يسعى الغرب لفرضه عليها.
● تتشارك موسكو وطهران في السعي لبناء نظام دولي متعدد الأقطاب وتغيير النظام الدولي الحالي الذي ينظران إليه كأداة يوظفها الغرب لتحقيق مصالحه وفرض قيمه، ويلتقيان في دعم الرئيس السوري بشار الأسد، ويرفضان توسعة حلف الناتو شرقا، كما اعتبرا أن ثورات الربيع العربي، مؤامرات غربية تهدف لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بشكل يضعف نفوذ إيران وروسيا.
● في المقابل؛ يوجد رصيد تاريخي من عدم الثقة والتنافس بين البلدين على النفوذ في آسيا الوسطى، وتختلف مواقفهما تجاه “إسرائيل” والعلاقات مع دول الخليج العربي، ومستقبل سوريا، كما يتنافسان في تصدير الغاز والنفط.
● رغم التهديدات المشتركة؛ مازالت العلاقات بين البلدين لا تستند إلى رؤية استراتيجية متكاملة أو تعاون مؤسسي ثنائي واتفاقيات محددة، ولا توجد قيم مشتركة بين نظامي الحكم، ويرسم كل منهما سياسته الخارجية بشكل مستقل، ويتعاونان بشكل ظرفي يرتبط عادة بالمصالح الذاتية لكل طرف، وطبيعة علاقاتهما الآنية بالغرب.
● ولذا؛ فلا يمكن وصف العلاقة الإيرانية الروسية بأنها شراكة استراتيجية، وبالتالي لا نرجح أن تطور إيران انخراطها في حرب أوكرانيا وسيظل دعمها لموسكو في الحرب محدودا باعتبار أن أولويتها هي التوصل لاتفاق نووي مع الغرب.
● التطور الحالي في العلاقة بين الجانين والذي مازال يتخذ طابعا تكتيكيا ليس من المستبعد أن يتطور إلى مستويات استراتيجية في ظل تصاعد التحديات المشتركة. وفي حال الوصول لتفاهم روسي مع الغرب بخصوص أوكرانيا، أو تفاهم بين إيران والغرب في الملف النووي، سينعكس هذا سلبا على مستوى تطور الشراكة بين موسكو وطهران؛ إذ سيوظف كل منهما علاقته مع الآخر كورقة للمساومة مع الغرب، وهو نهج سبق أن اتبعه كلاهما خلال مراحل الانفراج المتقطعة مع الدول الغربية.

المقدمة

  • مع تعثر الهجوم الروسي على أوكرانيا في تحقيق انتصار كاسح، وتحول القتال إلى حرب استنزاف، بدأت طهران في إمداد موسكو بطائرات مسيرة، وهو ما كشفه للمرة الأولى مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في يوليو/تموز 2022، ثم ظهرت تلك الطائرات في ساحة القتال للمرة الأولى في سبتمبر/أيلول الماضي، مما دفع كييف لسحب أوراق اعتماد السفير الإيراني، ثم ناقش سكرتير الأمن القومي الروسي “نيكولاي باتروشيف” مع الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني “علي شمخاني” خلال اجتماعهما في طهران، في نوفمبر/تشرين أول، نقل صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى روسيا لتعويض النقص في مخزونها الصاروخي، في المقابل؛ طلبت إيران من روسيا مساعدتها في الحصول على مواد نووية إضافية لتسريع وتيرة مشروعها النووي، كما طلبت إمدادها بأسلحة متقدمة مثل طائرات سوخوي 35، ومنظومة الدفاع الجوي S-400.
  • يواكب هذا زيارات متبادلة رفيعة المستوى، وتنسيق أكبر في المواقف السياسية، وهو ما برز خلال العام الماضي عبر زيارة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” لموسكو في يناير/كانون ثاني، وزيارة “بوتين” لطهران في يوليو/تموز الماضي، ولقائه مع المرشد “علي خامنئي” الذي أعرب عن دعمه للموقف الروسي تجاه الغرب وحرب أوكرانيا.
  • تكشف تلك التطورات عن قفزة في مسار العلاقات الإيرانية الروسية تتموضع خلالها طهران في مربع موسكو ضد الغرب، وتمضي أكثر في سياسة التوجه نحو الشرق، نظرا لصعوبة وقوفها بشكل أحادي في مواجهة الضغوط الغربية، وفي ظل تلك المستجدات نتناول آفاق التعاون الإيراني الروسي، ومدى إمكانية تحوله إلى شراكة استراتيجية بين البلدين.

دوافع التعاون بين موسكو وطهران

  • تُعد إيران في المنظور الروسي لاعبا محوريا وفاعلا أساسيا في ملفات الشرق الأوسط وجنوب القوقاز وبحر قزوين وأسيا الوسطى، وهي ملفات حيوية لموسكو، كما تمتلك طهران بموقعها الجغرافي الاستراتيجي أحد أكبر الاحتياطات العالمية من الغاز بنحو 18%، وتتحكم نسبيا في حركة الملاحة بمضيق هرمز الذي تمر عبره نحو 40% من إمدادات النفط عالميا، كما لدى طهران مشروع إقليمي يصطدم مع مصالح الغرب وبالأخص الولايات المتحدة، وهو ما يصب في صالح روسيا.
  • وفي المقابل يرى المنظرون الإيرانيون أن بلدهم عانت عبر تاريخها من مأزق جيوسياسي يتجلى في لعنة الجغرافيا وضعف قدرتها على الدفاع عن حدودها الشاسعة التي تآكلت بمرور الوقت، وافتقادها إلى حليف استراتيجي من القوى العظمى مما تركها فريسة لخصومها، وولد شعورا دائما بانعدام الأمن، وذلك بعكس إسرائيل وتركيا على سبيل المثال، اللتان استندت عقيدتهما الخاصة بالأمن القومي إلى التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة للأولى، ومع حلف الناتو للثانية.
  • وقد عزز الانسحاب الأمريكي في عهد ترامب خلال عام 2018 من الاتفاق النووي عدم ثقة إيران في الغرب، ودفعها لترسيخ علاقاتها مع الشرق وبالأخص الصين وروسيا بهدف الخروج من العزلة الدولية، وتنمية حركة التجارة، والحصول على أسلحة وتكنولوجيا متطورة، فضلا عن تعزيز العلاقة بعضوين دائمين في مجلس الأمن يمكن أن يستخدما حق النقض لعرقلة فرض عقوبات جديدة على إيران.
  • وتتجلى دوافع تطور التعاون بين إيران وروسيا فيما يلي:

أولا: الموقف من الغرب والعقوبات الدولية

  • تنظر إيران وروسيا للغرب نظرة متقاربة؛ حيث يرى “بوتين” أن الغرب لم يأخذ روسيا على محمل الجد عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، ولم يحترم مصالحها، فوسع حلف الناتو شرقا حتى أوشك على ضم أوكرانيا وجورجيا لصفوفه، كما وقف خلف الثورات الملونة في الجوار الروسي، ولم يحترم روسيا كقوة عظمى تحمل ثقافة أرثوذكسية محافظة، وترفض المنظومة الليبرالية الغربية وبالأخص في شقيها القيمي والثقافي.
  • بينما ترى إيران أنها وريثة حضارة فارسية عريقة، وتواجه تهديدات غربية تستهدف وجودها وهويتها عبر فرض عقوبات اقتصادية مشددة عليها، واستثارة الأقليات العرقية داخل أراضيها مما يهدد وحدتها، وصولا إلى دعم المعارضة الإيرانية بهدف تغيير النظام الحاكم، فضلا عن فرض القيم الثقافية الغربية كقيم عالمية، مما يهدد بتفكيك القوة الإيرانية الثقافية التي تجذب أتباع المذهب الشيعي حول العالم.
  • كذلك تعرضت إيران للعزل منذ عدة سنوات عن النظام المالي والمصرفي الدولي “نظام سويفت” بسبب العقوبات الدولية والأمريكية، وهو ما يؤثر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين، وينعكس على تنامي المشاكل الداخلية وحالة السخط المجتمعي، ما يهدد استقرار وبقاء النظام الحاكم ذاته، وهو نفس السيناريو الذي بدأت موسكو تتعرض له إثر العقوبات الغربية المفروضة عليها عقب شنها للحرب على أوكرانيا، وهو ما يدفع البلدين لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما لمواجهة تداعيات العقوبات المفروضة عليهما، والعمل على تطوير آليات بديلة غير خاضعة للهيمنة الغربية، وهو أمر تهتم به الصين أيضا.

ثانيا: الرؤية تجاه الملف الأفغاني

  • تتشارك موسكو وطهران الرؤية تجاه الملف الأفغاني، إذ يتخوفان من تداعيات انفراد طالبان بالسيطرة على الحكم. فبالرغم أن موسكو لا تملك حدودا مباشرة مع أفغانستان إلا أنها تخشى من انبعاث صحوة دينية تدفع باتجاه تنامي قوة الجماعات الإسلامية المسلحة في شمال القوقاز وآسيا الوسطى انطلاقا من أفغانستان، ولذا تتشارك مع إيران وآخرين العمل ضمن المقر الرئيسي لمكافحة الإرهاب التابع لمنظمة شنغهاي والخاص بتبادل المعلومات عن الجهات التي تمثل تهديداً لأمن المنطقة، كما تحتفظ بقوات روسية تحرس الحدود الطاجيكية الأفغانية.
  • من جهتها، تتوجس إيران من أن تعزز الجماعات السنية البلوشية قواعدها الخلفية في أفغانستان للعمل داخل بلوشستان بإيران، فضلا عن تمدد نشاط داعش للعمل داخل إيران، وهو ما ظهرت دلائل عليه في الهجوم على زوار ضريح “شاه جِراغ” في مدينة شيراز بمحافظة فارس في 26 أكتوبر/تشرين أول 2022، مما أسفر عن مقتل 14 شخصا وإصابة العشرات، فضلا عن الهجمات المتواصلة ضد تجمعات الشيعة الهزارة في أفغانستان.
  • وبالمقابل تملك إيران عدة أدوات في الملف الأفغاني من أبرزها استضافتها لأبرز قادة المعارضة لطالبان مثل اسماعيل خان، ووجود ما يزيد عن مليون ونصف لاجئ أفغاني على أراضيها، فضلا عن علاقاتها الوثيقة مع القادة الأفغان من ذوي الأصول الطاجيكية والأوزبكية منذ أن كانت تقدم لهم دعما عسكريا برعاية روسية خلال حقبة الحكم الأولى لطالبان (1996-2001).

ثالثا: رفض توسع الناتو

  • ترفض موسكو وطهران توسع حلف الناتو شرقا، فروسيا اعتبرت أن طلب كييف الانضمام للناتو يمثل تهديدا مباشرا لأمنها القومي، وكان هذا أحد دوافع شنها الحرب على أوكرانيا، بينما تتخوف إيران من امتداد الناتو إلى جورجيا وحدود أذربيجان في جنوب القوقاز، مما سيضيف جبهة تطويق جديدة إلى جبهة الخليج الذي تعتزم واشنطن بناء منظومة دفاع صاروخي متكامل به، وجبهة أفغانستان تحت حكم طالبان.

رابعا: الموقف من ثورات الربيع والثورة السورية

  • تشابه موقف إيران وروسيا من ثورات الربيع العربي، حيث نظرا لها باعتبارها مؤامرات غربية تهدف لإعادة تشكيل المنطقة بشكل يضعف نفوذهما ويسعى لطرد موسكو من شرق البحر المتوسط وإيران من الشام، وهو ما أشعله تدخل الناتو في ليبيا لدعم الثوار ضد القذافي المقرب من روسيا، ومطالبة واشنطن وحلفائها الأوربيين لبشار الأسد بالرحيل.
  • ويمكن القول بأن الملف السوري هو الذي دفع طهران وموسكو للعمل معا بشكل وثيق غير مسبوق خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ثم جاءت حرب أوكرانيا لترفع العلاقات الثنائية من المستوى الإقليمي إلى المستوى العالمي، ولكن؛ هل يعني هذا أن إيران وروسيا يسيران على طريق بناء شراكة استراتيجية؟

تقارب تكتيكي وليس استراتيجي

  • توجد عدة سمات تحدد مدى وجود شراكة استراتيجية بين بلدين، من أبرزها: عدم وجود قضايا خلافية خطيرة بينهما، ووجود درجة مرتفعة من الثقة المتبادلة، واحترام كل طرف لمصالح الآخر، والتنسيق الوثيق في رسم السياسات الخارجية، ووجود تعاون اقتصادي واسع، ومشاركة قيم مشتركة بين نظامي الحكم، ووجود علاقة عميقة وطويلة الأمد لا تتأثر بتغير القادة.
  • وعند تطبيق تلك المعايير على العلاقات الإيرانية الروسية سنجد أن العديد منها غير متحقق؛ فلكل منهما مصالحه وسياساته المستقلة، وتصوره المختلف للتهديدات، وقيمه الخاصة التي ينبثق منها نظامه السياسي والاجتماعي، فضلا عن رصيد ممتد من الصراع التاريخي بين الإمبراطوريتين الفارسية والروسية عبر قرون، وهو ما خلف نفورا شعبيا متبادلا محملا بصراعات الماضي والاختلافات الدينية والثقافية والحضارية بين الشعبين.
  • وتشير المؤشرات التالية إلى معوقات تطور العلاقة بين إيران وروسيا إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية:

أولا: رصيد تاريخي من الخلافات وعدم الثقة

  • احتلت روسيا أجزاء من شمال إيران في أربعينات القرن المنصرم، ودعمت العراق في حربه ضد إيران (1980-1988)، واتفقت سرا مع واشنطن في عام 1995 عبر رئيس الوزراء الروسي “فيكتور تشيرنوميردين” على تجميد التعاون العسكري والتقني الروسي مع طهران، وهو ما استمر إلى عام 2000، وكذلك دعمت موسكو في عهد “بوتين” نحو 6 مرات فرض مجلس الأمن لعقوبات على إيران بخصوص الملف النووي، كما فرضت روسيا في عهد “ميدفيديف” حظر أسلحة كامل على إيران تماشيا مع الموقف الدولي، فيما توجد خلافات بين البلدين في ملف ترسيم حدود بحر قزوين.

ثانيا: تعارض العلاقات مع دول الخليج

  • تحرص روسيا على تعزيز وتطوير العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها السعودية، بينما في المقابل تتصادم المصالح الإيرانية مع المصالح الخليجية، وسيؤثر التحالف الاستراتيجي بين إيران وروسيا حال حدوثه على علاقات موسكو مع دول الخليج، وهو ما سيضر المصالح الروسية في ملفات عديدة مثل ملف إدارة سوق النفط والذي تنسق فيه مع الرياض عبر أوبك بلاس، فضلا عن حرمان موسكو من استثمارات دول الخليج الثرية، كما قد يؤدي مثل هذا التحالف إلى استثارة المجتمعات المسلمة داخل روسيا وفي جوارها في حال النظر له على أنه تحالف أرثوذكسي شيعي يستهدف العالم السني.

ثالثا: تناقض العلاقات مع “إسرائيل” والخلاف حول مستقبل سوريا

  • في حين تقيم روسيا علاقات جيدة مع إسرائيل، فإن إيران تناصبها العداء، وبالتالي فإن أي دعم روسي بعتاد عسكري متطور لإيران سيؤثر على علاقاتها مع تل أبيب، وهو احتراز دفع موسكو سابقا بعد لقاء بين “ميدفيدف” و”أوباما” في عام 2010 إلى تجميد صفقة بيع منظومة S300 إلى طهران لعدة سنوات مما ولد شكا لدى إيران تجاه جدوى الاعتماد على موسكو كحليف موثوق، وفي المقابل تحرصإسرائيل على بقاء العلاقات موسكو، إذ رفضت تل أبيب تزويد أوكرانيا بعتاد عسكري ألحت في طلبه مثل منظومة القبة الحديدية الخاصة بالدفاع الصاروخي، وذلك رغم الضغوط الكبيرة التي يمارسها الرئيس الأوكراني اليهودي الديانة “فولوديمير زيلنسكي”، ولذا تحرص موسكو على عدم توتر علاقتها مع تل أبيب.
  • كذلك تختلف رؤية إيران وروسيا الاستراتيجية لمستقبل سوريا؛ فبينما يدعم كل منهما نظام “بشار الأسد”، تميل موسكو إلى دولة علمانية تحافظ على المصالح الروسية بسوريا، والتي لا ترتبط بالضرورة ببقاء شخص “الأسد”، في ظل وجود قواعدها البحرية والجوية في سوريا، والتي تكفل لها حرية الحركة في البحر الأبيض المتوسط وتهديد أوروبا من سواحلها الجنوبية، بينما تعتبر طهران أن بقاء “الأسد” في السلطة ضروري للحفاظ على سيطرتها على الطريق البري الواصل من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا، وتعزيز ما تطلق عليه “محور المقاومة”، أي أنها لا تقبل إلا بسوريا متماهية أيديولوجيا مع طهران كي تظل حلقة وصل جوهرية في هذا المحور، وإلا سيتعرض نفوذ إيران في الشرق الأوسط للتهديد.
  • ينعكس الخلاف بين البلدين في الملف السوري على سماح روسيا لإسرائيل باستهداف التواجد الإيراني بسوريا دون أي تدخل من منظومات الدفاع الجوي الروسية، بل وبتنسيق كامل بين لجنة الاتصال العسكرية الروسية الإسرائيلية المعنية بالشأن السوري، وضمن هذا السياق نجد أن تل أبيب قتلت في مارس/آذار الماضي العقيدين بالحرس الثوري “إحسان كربلائي” و”مرتضى نجاد” في  قصف قرب دمشق، ثم قتلت في أغسطس/آب العميد بالحرس الثوري “أبو الفضل عليجاني” خلال عمله كمستشار عسكري في سوريا، فيما تواصل غاراتها بشكل مكثف على قوافل إيرانية ومواقع لتخزين وتطوير الصواريخ الدقيقة داخل سوريا، بينما استجابت روسيا للمطالب الإسرائيلية بإبعاد الإيرانيين عن المناطق الجنوبية المتاخمة للجولان.

رابعا: التنافس في ملف الطاقة

  • تتنافس إيران وروسيا في قطاع الطاقة، وبالتحديد تصدير النفط والغاز، فيما تستغل الشركات الروسية والصينية العقوبات الدولية على إيران، لإجبار طهران على قبول المقايضة بسلع منخفضة الجودة، وهو ما أدى إلى وجود تحفز شعبي تجاه موسكو وبكين باعتبارهما يستغلان موقف إيران التفاوضي الضعيف.
  • وفي المحصلة؛ فإن وجود علاقات سياسية قوية أو تعاون عسكري أو مواقف متطابقة بين البلدين بشأن بعض القضايا الدولية أو بروز تنسيق في بعض ملفات السياسة الخارجية لا يمكن تصنيفه ضمن بند الشراكة الاستراتيجية نظرا لغياب التخطيط المشترك للتعامل مع التحديات، وإنما يمكن إدراجه ضمن الشراكة الحذرة، والتعاون الثنائي، وسبق أن لخص “نعمت الله إزادي” آخر سفير لإيران لدى الاتحاد السوفيتي وأول سفير لدى روسيا، طبيعة العلاقة بين البلدين قائلا “لا يمكن أن تكون لدينا علاقات استراتيجية، ففي بعض المناطق أهدافنا متضاربة، ومع ذلك يمكن أن نبني علاقات جيدة على أعلى مستوى).

آفاق المستقبل

  • تفسر المقاربات القائمة على مواجهة التهديدات المشتركة تطور العلاقات الإيرانية الروسية رغم العوامل التاريخية وأوجه الخلافات بين البلدين، وفي ظل التهديدات المشتركة يتوقع أن يزداد التعاون بين البلدين بما يخدم مصالح كل منهما، ومن ثم فإن التطور الحالي الذي مازال يتخذ طابعا تكتيكيا ليس من المستبعد أن يتطور إلى مستويات استراتيجية، حيث تستهدف طهران من تعزيز العمل مع موسكو التغلب على القيود والتهديدات التي تعيق عملها كقوة إقليمية في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز وأسيا الوسطى، بينما تحتاج موسكو إلى شركاء إقليميين أقوياء للتغلب على الحصار الذي يسعى الغرب لفرضه عليها، كما يشترك الطرفان في السعي لبناء نظام دولي متعدد الأقطاب وتغيير النظام الدولي الحالي الذي ينظران إليه كأداة يوظفها الغرب لتحقيق مصالحه وفرض قيمه.
  • أصبحت الحرب في أوكرانيا والمواجهة مع الغرب معركة وجودية، تحشد لها موسكو جل مواردها، وهو ما دفعها إلى سحب بعض قواتها وعتادها من الأراضي السورية وتوجيهه نحو أوكرانيا، ذلك الوضع قد يعزز من التنسيق الروسي والإيراني في سوريا، بحيث تملأ القوات الموالية لإيران فراغ الانسحاب الروسي، وقد حدث ذلك بالفعل بشكل محدود حتى الآن في مستودعات مهين الاستراتيجية شرق حمص التي تقع على خط الإمداد بين إيران وحزب الله اللبناني مرورا بالعراق، فضلا عن تعزيز التواجد الإيراني في الحسكة والمناطق القريبة من سيطرة المليشيات الكردية في شرق سوريا بهدف الضغط على القوات الأمريكية ودفعها للانسحاب من سوريا.
  • يتوقع أن يساهم انضمام إيران مؤخرا لمنظمة شنغهاي للتعاون، في تعزيز التكامل الإقليمي بين الدول الأعضاء، مما يقدم لطهران وموسكو منصة للعلاقات التجارية والاقتصادية تمكنهما من الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة عليهما، ويعضد توجههما المشترك لاستخدام العملات الوطنية في المعاملات التجارية البينية بدلا من الدولار، وكذلك يمكن لإيران أن تساعد روسيا في الالتفاف على العقوبات الغربية عبر خبرتها في هذا الملف، فالمستوى المتقدم من العلاقات الاقتصادية والتجارية يعزز الثقة ويسهل التفاهم المتبادل بين البلدين على الرغم من الحواجز الأيديولوجية.
  • ورغم ما سبق، ففي حال الوصول لتفاهم روسي مع الغرب بخصوص أوكرانيا، أو تفاهم بين إيران والغرب في الملف النووي، سينعكس هذا سلبا على تطور العلاقات بين البلدين؛ إذ سيوظف كل منهما علاقته مع الآخر كورقة للمساومة مع الغرب، وهو نهج سبق أن اتبعه كلاهما خلال مراحل الانفراج بينهما وبين الدول الغربية، فالعلاقات بين البلدين لا تستند إلى رؤية استراتيجية متكاملة وتعاون مؤسسي ثنائي واتفاقيات وترتيبات محددة، إنما هو أمر لحظي يرتبط عادة بالمصالح الذاتية لكل منهما، وطبيعة علاقات كل منهما بالغرب.

مصادر إضافية:

Abdolrasool Divsallar, “The Pillars of Iranian-Russian Security Convergence”, The International Spectator, 2019.

Arash Reisinezhad, “Iran’s Geopolitical Strategy in the West Asia: Containment of ‘Geography’ and ‘History”, Iranian Review of Foreign Affairs, Vol. 11, No. 1, Winter- Spring 2020.

Azadeh Zamirirad (ed.), “Forced to Go East? Iran’s Foreign Policy Outlook and the Role of Russia, China and India”, SWP, April 2022.

Sinem Adar, Muriel Asseburg, Hamidreza Azizi, Margarete Klein, Mona Yacoubian,
 “The War in Ukraine and Its Impact on Syria:”, SWP Comment, NO.32, April 2022.

Hoshimjon Mahmadov, Muhammad Yaseen Naseem” Russia-Iran Defense Cooperation: Past and Present” The Journal of Iranian Studies, ISSN: 2536-5029 Vol: 2, No: 1, 2018.

“Modern Russian–Iranian Relations: Challenges and Opportunities,” Working Paper. Russian International Affairs Council (RIAC), Moscow, 2014.

I. Ivanov (ed.), “Russia-Iran Partnership: An Overview and Prospects for the Future”, Russian International Affairs Council, 2016.

Tehran and Moscow cannot create a strategic ally, but relations strategy, IRAS. 27 May 2016.

The Leader in a meeting with the Russian President: Iran-Russia cooperation in Syria shows joint goals achievable, The Office of the Supreme Leader, 2 November 2017.