من الصراعات الصفرية إلى تصفير المشاكل: الإمارات تتبنى نهجا إقليميا جديدا
مآلات - أكتوبر 2021
تحميل الإصدار

الملخص

●يستند النهج الإماراتي الجديد إلى تقدير أن البحث عن الأمن القومي وأمن النظام لا يمكن أن يعتمد فقط على الدعم من واشنطن. وبدلا من ذلك، يتطلب الأمر من أبوظبي أن تصبح أكثر واقعية في تكوين الشبكات والعلاقات في جميع أنحاء المنطقة، ليس فقط مع حليف محتمل مثل “إسرائيل”، ولكن أيضا مع جار قوي عدواني مثل إيران، وحتى الخصوم الإقليميين مثل تركيا وقطر.

● لا يقوم نهج “تصفير المشاكل” الإماراتي فقط على طي صفحة النزاعات ومحاولة التوصل لتفاهمات أمنية وسياسية، ولكن بالأساس على تحصين العلاقات الجديدة من خلال نسج روابط تجارية واستثمارية واسعة تجعل من شبكة المصالح بين الإمارات والأطراف الأخرى أكثر قوة للدرجة التي تضمن صمودها في مواجهة أي تباين في السياسات الإقليمية أو تعارض المصالح في بعض الملفات.

● لا يعني هذا النهج الجديد أن الإمارات انتقلت من محور تحالفات إلى محور مضاد؛ لأنه لم ينشأ نتيجة إعادة تعريف المنافسين والحلفاء، أو نتيجة تغير أهداف الدولة الاستراتيجية، لكنّه نشأ استجابة لتقدير المخاطر. فمن أجل تجنب مخاطر الاستهداف المباشر دون غطاء غربي مساند، تم تعديل نهج إدارة التنافس الإقليمي وليس أهداف الدولة طويلة الأمد. لذلك، فإن التحول في السياسة الإماراتية يمكن اعتباره أكثر من كونه مجرد إجراء تكتيكي، لكنه مازال أقل من كونه تحولا استراتيجيا.

● كما نرجح أن يخلق هذا التحول هدوءً مهما في بيئة المنطقة المشحونة، ويوفر مساحة كافية للتنافس بوسائل بديلة. غير أن استمراره سيكون محكوما فقط بتفوق نفعه على المواجهة المباشرة بالنسبة للامارات.

الدوافع

يمتلك قادة الإمارات القدرة على قراءة التحولات في ميزان القوى والتكيف معها دون أن يعوقهم عن ذلك مشاعرهم الخاصة. وسبق أن ناقشنا في أحد أعداد نشرة سياقات كيف قامت دولة الإمارات بعملية إعادة تموضع في اليمن، ضمن تحول في سياستها الإقليمية من العمل كقوة استكشافية موجهة لإظهار القوة وبسط النفوذ في المنطقة، إلى قوة رد فعل ومراقبة تركز على حماية مصالحها المباشرة. لكنّ دوافع هذا التحول، وتطوره، بحاجة لمزيد من التحليل. ويمكن الإشارة لأبرز هذه الدوافع كما يلي:

أولا

  • كانت البداية الأساسية في سبتمبر/أيلول 2019، حين استهدفت هجمات إيرانية أو مدعومة من إيران، يرجح أنها بطائرات بدون طيار، منشآت معالجة النفط السعودية في بقيق وخريص. أدركت الإمارات حينها أن الانخراط في نزاعات المنطقة ليس من المضمون أن يُبعد التهديدات عن إقليم الدولة نفسها. وبحسب وزير الدولة الإماراتي السابق للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، فإن الهجوم أقنع قادة الإمارات بأن زيادة التوتر في المنطقة ونهج التصعيد أو المواجهة من شأنه أن يورط البلاد في صراعات طويلة الأمد. لذا؛ أطلقت أبوظبي مراجعة شاملة وصفها “قرقاش” بعملية “إعادة الفحص”، نتج عنها تبني الدولة لنهج جديد قائم على “صفر من المشاكل” وفق تصريح “قرقاش”.

ثانيا

  • تتجه دول المنطقة عموما، بما فيها الإمارات، نحو خفض التصعيد مع تحول تركيز الولايات المتحدة بعيدا عن المنطقة وعدم اهتمامها بتوجيه مواردها للانخراط في صراعاتها. حيث تتزايد شكوك الإمارات، كما بقية حلفاء واشنطن، حول مدى التزام الولايات المتحدة بدعمهم في مواجهة التهديدات الإقليمية. على سبيل المثال، وحتى خلال حكم إدارة “ترامب” الحليف الوثيق للإمارات والسعودية، أصيب شركاء واشنطن بالذهول من عدم وجود أي رد عسكري أمريكي على الهجمات ضد منشآت النفط السعودية. ومع قدوم إدارة “بايدن” باتت الإمارات تشعر بقدر أقل من الغطاء الأمني، حتى أن ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد طلب صراحة من مستشار الأمن القومي الأمريكي “جيك سوليفان” توقيع معاهدة أمنية ثنائية يقرها الكونغرس بما يضمن أن تكون العلاقات المستقبلية الثنائية أكثر استقراراً.

    علاوة على ذلك، فإن التطورات في أفغانستان بعثت رسالة إلى أبوظبي مفادها أن النظام الإقليمي الأوسع أكثر هشاشة مما يبدو. وأدت صور القوة العظمى المهزومة وهي تحاول بيأس السيطرة على آخر خط عبور لها في كابول إلى إقناع قادة الإمارات، خاصة “محمد بن زايد” وأخيه مستشار الأمن الوطني الشيخ طحنون بن زايد، بأن البحث عن الأمن القومي وأمن النظام لا يمكن أن يعتمد فقط على الدعم من واشنطن. وبدلا من ذلك، يتطلب الأمر من الإمارات أن تصبح أكثر واقعية في تكوين الشبكات والعلاقات في جميع أنحاء المنطقة، ليس فقط مع حليف محتمل مثل “إسرائيل”، ولكن أيضا مع جار قوي عدواني مثل إيران، وحتى مع الخصوم في الأيديولوجيا إقليمياً مثل أنقرة وطهران. صحيح أن إدارة “ترامب” عززت الاتجاه للتطبيع مع “إسرائيل” بصورة أساسية، لكنّ هذه الخطوة كان لها جذور أعمق في تقدير الإمارات بأهمية احتضان التعاون الإقليمي، بغض النظر عن الأيديولوجيا، بينما الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط تتضاءل، وبينما سياسة واشنطن باتت “متعرجة ولا يمكن التنبؤ بها” كما يراها “محمد بن زايد”.

إقرأ أيضاً:

اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية في عهد “بايدن”
تقرير حالة دولة الإمارات العربية المتحدة
تداعيات أزمتي كورونا والنفط على القطاع الخاص الإماراتي

ثالثا

  • تراجع تأثير أبوظبي في المنطقة بصورة ملموسة، على الأقل مقارنة بسنوات ما بعد الانقلاب في مصر. تفاوضت السعودية منفردة تقريبا مع قطر على اتفاق العلا الذي وضع نهاية للأزمة الخليجية. لاحقا وبصورة متسارعة، تجاوز إصلاح علاقات قطر مع مصر والسعودية كونه مجرد سلام بارد، حيث تعاونت الدوحة مع القاهرة لتسهيل وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحماس في الوقت الذي جرى فيه تهميش أبوظبي التي فشلت في الوفاء بوعدها بالاستفادة من اتفاقيات أبراهام لتعزيز ما يدعى بـ”عملية السلام”. بينما ناقشت السعودية وقطر التعاون الأوثق في مجموعة من الملفات، والذي بلغ ذروته في إنشاء مجلس التعاون السعودي القطري. وفي حين شاركت الإمارات في تدبير الحصار بهدف عزل الدوحة إقليميا ودوليا، فقد خرجت قطر منه بروابط أوثق مع واشنطن، وتم الاعتراف بها كشريك ووسيط موثوق به في المنطقة، كما ظهر تناقض بين نهج أبوظبي الصفري وبين عودة قطر كوسيط في فلسطين وأفغانستان والقرن الأفريقي وإيران.

رابعا

  • تراجع العلاقة مع السعودية واتجاهها للشراكة مع منافسين إقليميين. انتقلت العلاقات الثنائية بين أبوظبي والرياض من مرحلة شهر العسل كما كان عام 2017 إلى التنافس الاقتصادي الواسع، وهذا انعكس في عدة مؤشرات – ناقشناها في إصدار سابق – تعزز اتجاه الأمير “محمد بن سلمان” نحو تقوية اقتصاد السعودية على حساب مساحات عمل مشتركة مع الامارات كانت متنوعة حتى عهد قريب، لتعود العلاقات بين البلدين لطابعها التنافسي، وينعكس ذلك تعاوناً أكبر بين السعودية ودول أخرى مثل سلطنة عمان، مما سيفتح الباب لتحول جيوسياسي أوسع من التعاون الاقتصادي الحالي. هذا التحول السعودي في الموقف من الامارات قد يدفع قيادة الأخيرة إلى تغيير نهج تعاملها خليجياً وعربياً لتخفيف حالة العدوانية المباشرة لها مع دول تجد في السعودية شريكاً لها في المرحلة المقبلة.

“لقد تغيرت نظرتنا. نرى العالم بشكل مختلف قليلا”

سفير الإمارات في واشنطن “يوسف العتيبة”

خامسا

  • عززت سنوات النفط الرخيص من قناعة قادة الإمارات بأنهم يقتربون من “نهاية عصر النفط” الذي كان محرك النمو المبكر للإمارات. لذلك يتطلب مسار تنويع الاقتصاد تغيير مسار تحقيق أمن البلاد إلى التركيز على التنمية الاقتصادية وتعزيز الروابط التجارية، وليس على الانخراط في صراعات تحد من فرص الاقتصاد وتستنزف الموارد المحلية.

ملامح السياسة: من سبارطة المغامرة إلى سنغافورة المزدهرة

  • لطالما استخدمت دولة الإمارات ثروتها النفطية لتصبح واحدة من أهم محركات السياسة الإقليمية، وبين أكثر دول الإقليم انخراطا في صراعات المنطقة بما فيها الصراعات المسلحة، رغم كونها دولة صغيرة، مما دفع الجنرال جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، لوصفها بـ “سبارطة الصغيرة Little Sparta”. لكن الدولة تطمح الآن إلى أن تكون أقرب إلى “سنغافورة الصغيرة”، بحسب حديث مسؤول إماراتي إلى مراسل الواشنطن بوست “ديفيد إغناتيوس”. وهو تلخيص جيد للرؤية الجديدة التي تقوم إجمالا على تجنب الانخراط المباشر في النزاعات، وتعزيز مظاهر التحول إلى مركز مالي عالمي، متقدم في مستوى العولمة. هذا التحول عبر عنه سفير الإمارات في واشنطن “يوسف العتيبة”، بلغة أكثر غموضا قائلا: “لقد تغيرت نظرتنا. نرى العالم بشكل مختلف قليلا”.
  • ومع التأكيد بأن “محمد بن زايد” مازال هو الصوت الحاسم لدولة الإمارات، لكن استكشاف ملامح هذا النهج الجديد يتطلب متابعة تحركات شقيقه “طحنون”، مستشار الأمن الوطني للإمارات، والذي ظهر باعتباره الرجل المهم في التحركات السياسية الأخيرة. بحسب الديبلوماسي الأمريكي “مارتين إنديك”، عمل “طحنون” في الظل، وسافر سرا إلى إيران، لبدء مناقشة ما “يرقى الآن إلى اتفاق عدم اعتداء”. ومن خلال اتصالاته بشبكة من رؤساء المخابرات الأقوياء في تركيا ومصر والأردن والسعودية، ودول أخرى، هيأ “طحنون” للتحول في السياسة الإماراتية، والذي أصبح معلنا خلال الأسابيع القليلة الماضية حين توّج بزيارات استثنائية التقى خلالها ليس فقط حلفاء وأصدقاء للإمارات مثل ولي عهد السعودية والرئيس المصري وملك الأردن، ولكن أيضا الرئيس التركي وأمير قطر، حين زار طحنون الشهر الماضي تركيا وقطر لدفع خطط المصالحة مع هذين البلدين.
  • وتعكس طبيعة مهام “طحنون” داخل الإمارات نهج العلاقات الذي تسعى إليها أبوظبي. فلا يقتصر نفوذ “طحنون” على القضايا الأمنية الاستراتيجية للدولة، لكنه أيضا يمثل ثقلا اقتصاديا واستثماريا هائلا في الإمارات، من خلال إدارته لشبكة واسعة من أذرع الإمارات الاقتصادية والاستثمارية المتداخلة مع استراتيجية الدولة الأمنية بمفهومها الواسع. رأس “طحنون” بنك أبوظبي الأول، أكبر بنوك البلاد، بالإضافة إلى مجموعة شركات رويال غروب، والشركة الدولية القابضة، وهي شركات يمتد نشاطها من مصايد الأسماك إلى خدمات الرعاية الصحية، وقد تضاعفت أصولها أربع مرات لتبلغ قرابة 4 مليارات دولار سنة 2020، وهي السنة ذاتها التي تولى فيها “طحنون” رئاستها. وفي يناير/كانون الثاني الماضي أصبح “طحنون” رئيسا للمجموعة 42، التي تأسست سنة 2018 في أبو ظبي تحت إشرافه، وتعمل بمجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، وهي أول شركة إماراتية تفتح مكتبا لها في “إسرائيل” بعد التطبيع. كما دخلت في شراكة مع شركة “بي جي أي” الصينية لفتح مختبر لفيروس كورونا في أبوظبي وإجراء تجارب لتطوير اللقاح.
  • لذلك، فإن نهج “تصفير المشاكل” لا يقوم فقط على طي صفحة النزاعات ومحاولة التوصل لتفاهمات أمنية وسياسية، ولكن بالأساس تحصين هذه العلاقات الجديدة عن طريق نسج روابط تجارية واستثمارية واسعة تجعل من شبكة المصالح بين الإمارات والأطراف الأخرى أكثر قوة للدرجة التي تضمن صمودها في مواجهة أي تباين في السياسات الإقليمية أو تعارض المصالح في بعض الملفات. لذلك، وكما يلاحظ “ديفيد ماك”، نائب مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى والذي عمل أيضا سفيرا للولايات المتحدة لدى الإمارات، فإن التقارب بين تركيا والإمارات، على سبيل المثال، يبدو “منطقيا” نتيجة توفر إمكانية للتركيز على التجارة ذات المنفعة المتبادلة. وهو الأمر الذي كان على رأس الموضوعات التي ناقشها الرئيس “أردوغان” خلال زيارة “طحنون” لتركيا، وأكد عليه الطرفان.
  • ويتمثل هذا النهج ليس فقط في إعلان الإمارات أنها تستهدف علاقات اقتصادية مع “إسرائيل” بقيمة تريليون دولار، خلال العقد المقبل، وإلا كان هذا أمراً مرتبطاً بالتحالف مع “إسرائيل” دون أن يعكس نهجاً سياسياً أوسع. لذلك، أعلن وزير التجارة بدولة الإمارات، ثاني الزيودي، أن بلاده ستتبع برنامجاً زمنياً نشطاً للتفاوض على اتفاقيات اقتصادية شاملة مع ثماني دول تريد تعميق الروابط التجارية معها، وتأمل التوصل لهذه الاتفاقيات خلال عام. هذه الدول هي: المملكة المتحدة، كوريا الجنوبية، الهند، تركيا، إثيوبيا، كينيا، إندونيسيا، و”إسرائيل”. وحتى قطر التي لم تكن أبوظبي متحمسة لمسار المصالحة معها، إلا أن تطور الاتصالات الثنائية خلال الأسابيع الأخيرة، أيضا عن طريق “طحنون”، يجعل من المحتمل استعادة بعض الروابط التجارية بين البلدين خلال فترة مقبلة.

إقرأ أيضاً:

الإمارات.. إعادة تموضع استراتيجي في باب المندب والقرن الأفريقي
التنافس الاقتصادي بين السعودية والإمارات يُسهم في توتر العلاقات الثنائية

نهاية سياسات الغضب: قوى الشرق الأوسط تعيد التموضع وتفتح أبوابها الموصدة
مخاطر وآفاق الشرق الأوسط في العام 2021

حدود المتوقع والمآلات

  • رغم ما سبق، فإن هذ النهج الإماراتي لا يعني بأن الإمارات قامت بالانتقال من محور تحالفات إلى محور مضاد. ولكن يعني أن الإمارات قررت تبني نهجا تصالحيا تجاه منافسيها والجهات التي تعتبرها أبوظبي تهديدا لمصالحها ولأجندتها الإقليمية. تخلت الإمارات عن سياستها المغامرة وحسابات الصراع الصفرية لكنّ رؤيتها لمستقبل المنطقة ونظامها الإقليمي، تعريفها للحلفاء والمنافسين والتهديدات، فضلا عن انحيازاتها الأيديولوجية، كل ذلك لم يتغير. فقط تقرر التعامل معه بنهج مختلف أقل تكلفة، وأكثر عقلانية. وليس هذا تحولا بسيطا عل الإطلاق؛ حيث من المرجح تماما أن يخلق هدوءً مهما في بيئة المنطقة المشحونة، ويوفر مساحة كافية للتنافس بوسائل بديلة. إلا إن استمراره سيكون محكوما فقط بتفوق نفعه على المواجهة المباشرة. أي أن التحول في السياسة الإماراتية يمكن اعتباره أكثر من كونه مجرد إجراء تكتيكي، لكنه مازال أقل من كونه تحولا استراتيجيا في أهداف سياسة الدولة الإقليمية.
  • بناء قوة تجارية أمنية حليفة للغرب على مفترق طرق التجارة بين الشرق والغرب. لا تقبل الإمارات الاكتفاء بسياسة الدول الصغيرة التقليدية المتمثلة في التحوط، لكنّها صنفت نفسها كلاعب في حد ذاتها، ليس فقط في الخليج والمنطقة العربية، ولكن في المحيط الهندي والبحر الأحمر والقرن الأفريقي. في هذه الرؤية الاستراتيجية، يقع الإسلام السياسي وإيران والنفوذ التركي ضمن دائرة التهديدات الإقليمية، كما تبرز قطر كمنافس، بينما السعودية ومصر و”إسرائيل” حلفاء رغم التناقضات أحيانا والتنافس أحيانا أخرى. التحول في نهج الإمارات الإقليمي من المبكر تماما توقع أنه سيغير هذه الرؤية، لأنه لم ينشأ نتيجة إعادة تعريف المنافسين والحلفاء، أو نتيجة تغير أهداف الدولة الاستراتيجية، لكنّه نشأ استجابة لتقدير المخاطر المتمثلة بصورة أساسية في الشك حول مدى التزام الولايات المتحدة تجاه الإمارات وتجاه المنطقة عموما. من أجل تجنب مخاطر الاستهداف المباشر تم تعديل نهج إدارة التنافس الإقليمي وليس أهداف الدولة طويلة الأمد.
  • وحتى فيما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن، فإن الشك الإماراتي لم يغير بعد حقيقة أن الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين لا يزالون حتى الآن الأكثر تفضيلا لدى أبوظبي. ولا تخلو التقديرات التي تذهب إلى أن أبوظبي تتجه لفك الارتباط مع واشنطن لمصلحة الصين، من مبالغات. كما أنها تتجاهل أن تصاعد العلاقات الإماراتية الصينية، خاصة في مجال المعلومات والذكاء الاصطناعي فضلا عن صفقات الأسلحة، مرتبط أكثر بصعود الصين الاقتصادي والتكنولوجي وليس نتيجة تحول الإمارات تجاه الصين على حساب واشنطن. وحتى مع تراجع اهتمام واشنطن بالمنطقة، فإن أولوية احتواء الصين تحتم على الولايات المتحدة مراقبة علاقة بكين مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ومن بينهم الإمارات، والعمل على عدم تطورها لأبعاد تضر بالتوازن مع واشنطن. وهو ما يجعل الإمارات في مواجهة مزيج من الضغوط والإغراءات الأمريكية لضمان بقائها ضمن شبكة نفوذ الغرب.
  • في المقابل، ثمة اتجاهات يجب ملاحظة تطورها واحتمالاتها المستقبلية فيما يتعلق باتجاه علاقة الإمارات مع الصين، وأيضا روسيا. فعلى عكس الشراكة مع واشنطن، لا تلعب أبو ظبي دور الشريك الأصغر عند التعامل مع موسكو أو بكين. وبينما ترتبط العلاقات مع الغرب أحيانا بشروط حقوق الإنسان، فإن العلاقات الجديدة في الشرق تقوم على تناغم أيديولوجي مشترك. مثل روسيا والصين، لا تُظهر الإمارات أي تسامح مع المجتمع المدني وتعطي الأولوية لأمن النظام على الأمن الفردي. كما أنها، جنبًا إلى جنب مع موسكو وبكين، تؤطر الإسلام السياسي ضمن دائرة “الإرهاب”. لذلك ليس من المستغرب أن يخشى اللاعبون الثلاثة صحوة المجال العام العربي خلال ثورات الربيع العربي. وباعتبارها راعية للحملة الإقليمية المضادة للثورة، أصبحت أبو ظبي حليفًا مهمًا خاصة لموسكو عندما يتعلق الأمر بدحر الإنجازات المبكرة للثورات في ليبيا وسوريا.

المصادر

England, A. & Kerr, S. (2021, January 25). The Abu Dhabi royal at the nexus of UAE business and national security. Financial Times.
Ignatius, D. (2021, September 15). The UAE’s Machiavellian journey from ‘Little Sparta’ to ‘Little Singapore’. The Washington Post.
Ignatius, D. (2021, October 5). How regional realignments are helping depressurize the Middle East. The Washington Post.
Krieg, A. (2021, April 30). The UAE’s grand strategy is shaping a new regional order.
Krieg, A. (2021, August 27). UAE and Qatar: Soft power to replace the cold war. Middle East Eye.
Kilani, A. (2021, September 9). Eyes on U.S., regional concerns, UAE and Turkey improve ties. The Arab Gulf State Institute in Washington.