تقرير حالة دولة: الجزائر
تقرير حالة دولة - أكتوبر 2020
تحميل الإصدار

الملخص

– لن تُفضي الإجراءات الإصلاحية المُتبعة من قبل السلطات الجزائرية لاستيعاب حالة التذمر الشعبي، لاسيما في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي وحالة الامتعاض الشديدة من ضعف مستوى الخدمات الصحية، وهو ما ظهر في بروز دعوات لاستعادة الزخم الجماهيري في الشارع. بالإضافة إلى أن الرئيس الجزائري يواصل التمسك بالأجندة السياسية التقليدية، والتي تركز على حماية الهيمنة السياسية للحزب الحاكم.
– رغم تنفيذ الحكومة الجديدة تعديلات في سياساتها التجارية -وأهمها إلغاء نسبة 49% كحد أقصى للحصص الأجنبية في الشركات (باستثناء القطاعات الإستراتيجية)، وإلغاء حق الدولة في تنفيذ القرارات استباقياً في حالة التجريد من الممتلكات- فإنه يُتوقع أن يشهد اقتصاد البلاد انكماشاً قد يتجاوز 10% في عام 2020، بسبب انخفاض أسعار الطاقة وإجراءات احتواء فايروس كوفيد 19.
– في محاولة لتقليل الاتساع المتزايد في العجز المالي الضخم، أعلنت الحكومة عن مخططات لخفض الإنفاق المالي العملياتي بنسبة 50% في أبريل/نيسان 2020، لكنْ يُتوقع أن يستمر الإنفاق الحكومي في دعم الغذاء والدواء والسكن رغبة في تجنب أي اضطرابات اجتماعية.
بينما تواجه الجزائر خطر التهديد لأمنها من خارج حدودها، ستلتزم في الغالب بمبدأ عدم التدخل، وستوجِّه أولويتها للتعاون الإقليمي والمشاركة الاستخباراتية والتفاوض باعتبارها بدائل للتدخل العسكري في نزاعات المنطقة. 

السياسة الداخلية

  • ستتميز فترة إدارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالاضطرابات السياسية الحادة، ومحاولة إنعاش الاقتصاد في ظل تراجع أسعار النفط. وتعمل السلطات حالياً على إعادة تشغيل الأنشطة الاقتصادية التي عرقلتها بقوة القيود المرتبطة بفيروس كورونا (كوفيد 19)، وذلك بطريقة تتجنّب بدء موجة ثانية من الفيروس. وتُعتبر الجزائر في أمس الحاجة إلى هذا التنشيط، حيث يعني انخفاض أسعار النفط أن الحكومة لن تتمكن من تقديم الدعم المالي الواسع النطاق للأعمال التجارية والأسر المُحتاجة، وهو ما يجعل من المهم للغاية إعادة تشغيل الاقتصاد غير النفطي.
  • يسعى تبون إلى ترسيخ منصبه في السلطة عن طريق الاستفتاء على الدستور الجديد الذي أجري في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. وقد بدأ تبون عملية تعديل الدستور بعد انتخابه في ديسمبر/كانون الأول 2019 عبر لجنة معيّنة بالكامل. وأكملت اللجنة مسودتها في مايو/أيار، ووافقت الحكومة في بداية سبتمبر/أيلول على نسخة نهائية بعد فترة من المشاورات.
  • وكما كان متوقعا أسفر الاستفتاء عن الموافقة على التعديلات الدستورية، لكن بمعدل مشاركة منخفض بالتوازي مع وجود احتجاجات متفرقة في أنحاء البلاد. مع الإشارة إلى أن الحراك المعارض كان قد انتقد العملية بأكملها، وطالب بنهجٍ أكثر شمولية وبتغييرٍ جذري. 
  • من جهة أخرى، ستبقى الانتخابات البرلمانية القادمة على موعدها في الربع الثاني من 2022، وهي انتخابات ليست تنافسية بالكامل، إذ لا يزال البرلمان يمارس دوره المعتاد الذي ينحصر في كونه مجلسا للتصديق على قرارات النظام، بدلاً من أن يكون مصدراً مستقلاً للتشريع أو جهة لها تأثير كبير فيه، وستسفر تلك الانتخابات على الأرجح عن أغلبية أخرى موالية للحكومة.
  • يبقى السؤال الأهم في المشهد الداخلي مرتبطاً بالتوازنات السياسية الداخلية، حيث تعرضت الأحزاب -ومنها جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي- لضربات قوية، لكن لم تظهر بعد مؤشرات قوية على ظهور أحزاب بديلة تقدم طرحاً معقولاً لملء الفراغ السياسي والانتخابي، بخلاف بعض الخطوات التي اتخذها تكتل من الأحزاب الإسلامية الصغيرة.
  • كان لافتاً خلال الفترة الماضية إثارة مسألة المزايا الاقتصادية التي ينعم بها كبار العسكريين، إذ زعمت تقارير نهاية أغسطس/آب بأن نجلي القيادي العسكري الراحل أحمد قايد صالح -الذي كان من رجال “بوتفليقة”- يخضعان حالياً لتحقيقات بسبب استغلال نفوذ والدهما في جني ثروات طائلة. وفي هذا إشارة إلى أن تبون ورئيس الأركان الجديد السعيد شنقريحة يسعيان إلى إحكام قبضتهما على القوات المسلحة عبر إبعاد الموالين لقايد صالح. ويأتي ذلك في وقت يجرى فيه الحديث عن علاقة جيدة تجمع تبون بقادة في الجيش، وبأن قيادات عسكرية نافذة ضغطت بقوة لصالحه على حساب عز الدين ميهوبي مرشح التجمع الوطني الديمقراطي والمرشح المفضل عند كثيرين في صفوف الجيش.
  • وخلال الشهور الماضية اتبع تبون الأجندة السياسية التقليدية التي تركز بشكل رئيسي على حماية الهيمنة السياسية لجبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم)، وأيضاً حماية المصالح السياسية والاقتصادية بمن يُسمَّون “أصحاب النفوذ”، أي تكتل النخب السياسية والتجارية والعسكرية المتربعين فوق النظام السياسي الذي يُمكن وصفه بأنه نسخة من “الديمقراطية الموجهة”.
  • وكانت قد ظهرت مؤشرات رفض شعبي لتبون في مقاطعة 60% من الناخبين للتصويت في الانتخابات الرئاسية، ورفض المتظاهرين له بعد ظهور نتائج الانتخابات. ويعود هذا الرفض جزئياً إلى حقيقة أن 11 من 39 وزيراً في الحكومة خدموا في عهد بوتفليقة أو في عهد الحكومة الانتقالية المرفوضة، مما يعزز سخط المحتجين على عدم رغبة وعجز السلطات عن تلبية مطالبهم بتغيير شامل في النظام السياسي.

العلاقات الدولية

  • واصلت السلطات الجزائرية التزامها بمبدأ عدم التدخل، مُحافظةً على تقليدها السياسي بالتأكيد على أولوية التعاون الإقليمي، والمشاركة الاستخباراتية، والتفاوض، باعتبارها بدائل عن التدخل العسكري في نزاعات المنطقة.
  • وفيما ترى الحكومة ضرورة دعم الإجراءات الدولية لتعزيز جهود المصالحة في ليبيا ومالي، والعمل على تعميق أواصر التعاون الإقليمي لاحتواء خطر التنظيمات المسلحة وتجنب مزيداً من الفوضى، ما زال التنافس طويل الأمد مع المغرب يؤثر سلباً على المساعي المبذولة لترسيخ تكامل إقليمي بين دول المغرب العربي، خاصة مع الرؤى المتعارضة حول وضع إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه.
  • وتزعم تقارير مختلفة أن الحكومتين الجزائرية والمغربية، تخططان لبناء قواعد عسكرية بالقرب من الحدود بين البلدين، غير أن احتمالية نشوب نزاعٍ مباشرٍ بينهما مستبعدة بدرجة كبيرة.
  • وفي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة الجزائرية إلى تعميق علاقاتها بتركيا، برؤية تقتضي زيادة التجارة والاستثمار بين البلدين، عملت السلطات الجزائرية على توطيد علاقة بنّاءة مع الاتحاد الأوروبي، على اعتبار أن أوروبا وجهة مهمة لصادرات الغاز الطبيعي الجزائري، مع توقعات باختلافات ستبرز بين الطرفين من حين لآخر حول المهاجرين غير الشرعيين وحقوق الإنسان.
  • وتتمتع فرنسا والجزائر بعلاقة معقدة، بالأساس بسبب إرث الحقبة الاستعمارية والحرب التي أدت إلى استقلال الجزائر في 1962. ومع ذلك، يتمتع البلدان بتعاونٍ دبلوماسي واقتصادي وثقافي وثيق، وشهدت الشهور الماضية توقف لمسار التعاون والتواصل العسكري بين الطرفين لخلافات دبلوماسية يُتوقع حلها خلال الفترة المقبلة. 
  • بموازاة ذلك، ساهم بحث الصين عن تعزيز مواردها من الطاقة إلى توسيع نطاق العلاقة مع الحكومة الجزائرية، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وقعت الصين اتفاقاً قيمته 6 مليارات دولار مع الجزائر لبناء مصنعٍ لإنتاج الفوسفات في ولاية “تبسة”. وفي سبتمبر/أيلول 2018، وقعت الجزائر اتفاقية للالتزام بمبادرة الحزام والطريق. وقد حصلت الشركات الصينية على عدد من عقود الإنشاءات التي قيمتها ملايين الدولارات في الجزائر. لكن في ظل جائحة كورونا، تشير التوقعات إلى توقف مؤقت لجهود تقوية العلاقات الاستثمارية مع بكين على المدى القريب.

الحالة الاقتصادية

  • استمر الاحتياطي النقدي للجزائر في التراجع نتيجةً لتراجع عائدات تصدير النفط والغاز، لكن تقليل الواردات أدى إلى انخفاض معدل التراجع. وكان الرئيس تبون قد صرح لمجموعة من القادة في مجال الأعمال في منتصف أغسطس/آب بأن “الاحتياطي النقدي يبلغ 57 مليار دولار بالمقارنة بـ63 مليار دولار بنهاية 2019”. وهو رقم أعلى بقليل من بيانات البنك المركزي، لكن بكل الأحوال يشير الرقمان إلى استقرار الاحتياطي في الأشهر الثلاثة الماضية، استجابةً لثبات أسعار النفط وتقليل الإنفاق على واردات السلع والخدمات.
  • سيغطي المستوى الحالي للاحتياطي 18 شهراً من الواردات، ونتوقع أن يصل بنهاية العام إلى 48 مليار دولار ليغطي 15 شهراً من الاستيراد. وسيوفر هذا متسعاً للحكومة لتتنفس، لكن قرار طلب قروضٍ خارجية لا يُمكن تأجيله إلى أجلٍ غير مسمى.
  • وقد نفذت الحكومة الجديدة بعض التعديلات على السياسات التجارية، من بينها إلغاء قاعدة تضع حداً أقصى للحصص الأجنبية في الشركات عند 49% باستثناء القطاعات الإستراتيجية، وإلغاء حق الدولة في تنفيذ القرارات استباقياً في حالة التجريد من الممتلكات. وفي تقرير البنك الدولي عن ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020، تظل الجزائر في المركز 157 من بين 190 دولة. وحصلت الجزائر على مراكز متأخرة بالأخص في الحصول على الائتمان (181)، والتجارة عبر الحدود (172)، وسهولة دفع الضرائب (158)، مما يُظهر عيوباً هيكلية في بيئة أنشطة الأعمال سيصعب تلافيها.
  • وتمثل صناعة الغاز والنفط 90% من صادرات الجزائر، و60% من عائدات الموازنة. وأدى استمرار الانخفاض الحاد والممتد في معدلات الإنتاج وأسعار النفط العالمية منذ منتصف 2014، إلى عجزٍ كبير مستمر في الحساب الجاري بلغ في المتوسط أكثر من 13% من إجمالي الناتج المحلي على مدار الأعوام الخمسة الماضية، وهو ما نتج عنه استنزاف سريع لاحتياطي النقد الأجنبي الذي تجاوز 190 مليار دولار في 2013، لكنه انخفض إلى أقل من 60 مليارا بنهاية 2019.
  • وتتوقع شركة “أي إتش إس ماركت” (IHS Markit) أن ينكمش اقتصاد الجزائر بأكثر من 10% في عام 2020 بسبب أثر إجراءات احتواء كوفيد 19 وانخفاض أسعار الطاقة. ولضعف الاقتصاد العالمي بسبب كوفيد 19، من المتوقع أن تتراجع أسعار الطاقة بنسبة 40% في المتوسط في 2020، وهذا سيؤثر مادياً على اقتصاد الجزائر طوال العام. 
  • ونظراً لأن الجزائر كانت تعاني بالفعل من عجزٍ مالي ضخم، أعلنت الحكومة خطط تخفيض الإنفاق المالي العملياتي بنسبة 50% في أبريل/نيسان 2020، في محاولة لتقليل الاتساع المتزايد في العجز المالي. لكن من المتوقع أن تستمر الحكومة في دعم الغذاء والدواء والسكن، لرغبتها في تجنب أي اضطرابات اجتماعية.
  • وبما أن البلد لا يتمتع بإمكانات الرعاية الصحية التي تؤهله لتوفير عناية صحية متقدمة، من المتوقع أن تحافظ الحكومة على إجراءات الإغلاق من فترة لأخرى وفقاً لمعدل الانتشار الوبائي. وأعلن الرئيس عبد المجيد تبون أن الحكومة ستسمح للقطاع الخاص بإنشاء البنوك وشركات الطيران والنقل ضمن مساعي الحكومة للتكيف مع الأزمة المالية التي سببها التراجع الكبير في أسعار موارد الطاقة.
  •  وهذا الإجراء الجديد ليس مفاجأة، إذ صرحت الحكومة عدة مراتٍ بحاجتها إلى تقليل فاتورتها المالية، وأن يلعب القطاع الخاص دوراً كبيراً في الاقتصاد من بين إجراءاتٍ عدة للمساعدة في موازنة حسابها المالي.
  • ومن المتوقع أن تسجل الحكومة عجزاً مالياً للعام الثاني عشر على التوالي في 2020. ومع أن الحكومة تخطط لتقليل نفقاتها بنسبة 50%، من المتوقع أن يبقى العجز عند 6.5% من إجمالي الناتج المحلي.
  • وفي الوقت نفسه، ستقل واردات الجزائر لكن ليس بنفس معدل الانخفاض في صادرات السلع. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة أعلنت خطة لتقليل الواردات الزراعية إلى النصف عن طريق زيادة الإنتاج المحلي، وهذا غير مرجح، وكذلك زيادة صادرات البلاد من الأدوية المصنعة. وسيستمر ارتفاع معدل البطالة في تقليل الطلب المحلي وإشعال المطالب الشعبية في المستقبل القريب.
  • فيما تُقدر مؤسسة ” فيتش سوليوشنز” (Fitch Solutions) أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الجزائري بواقع 8.3% في عام 2020. ودفع الهبوط في الطلب على الطاقة من جرَّاء كوفيد 19 والتراجع الناجم عن ذلك في أسعار النفط الحكومة لخفض ميزانية شركة النفط التابعة للدولة سوناطراك بمقدار النصف من 14 مليار دولار إلى 7 مليارات.
  •  في غضون ذلك، سيشجع التراجع في العائدات الحكومية القيادة على تقليص الإنفاق الحكومي. ومن المتوقع أن تتراجع قيمة إنتاج النفط بواقع 45.2% على أساس سنوي.
  • وبالنظر للمناخ السياسي الحساس، من المستبعد حدوث تقليص كبير في الدعم والأجور والإعانات الاجتماعية، الأمر الذي يشير إلى أنَّ الإنفاق الاستهلاكي سيصمد على الأرجح بشكل أفضل في مجالات الاقتصاد الأخرى. وتبحث السلطات أيضاً عن طرق لخفض فاتورة الاستيراد، مثل استخدام الأسطول الوطني لجلب البضائع من الخارج. ومن شأن خطوة كهذه أن تُقلِّص استهلاك البلاد لخدمات النقل الأجنبية.

البيئة الأمنية

  • تشير المظاهرات الشعبية إلى أنَّ الجيل الحالي من الشباب الجزائري -الذي لم يشهد الحرب الأهلية في التسعينيات- لا يُبدى تخوفاً كبيراً من اللجوء للعنف السياسي، ولكن مع ذلك ظلَّ المحتجون سلميون إلى حدٍ كبير، وهو على الأرجح ما يعكس الطموحات غير العنيفة للحراك الاحتجاجي الأوسع ووجود قرار إستراتيجي بتجنُّب إعلان الحكومة حالة الطوارئ. إضافة إلى خشية كل الأطراف من إثارة تصعيد مزعزع للاستقرار في خضم حالة الاضطراب.
  • وقد واصل الجيش الجزائري بصورة منتظمة الكشف عن أسلحة ومخابئ للذخيرة، معظمها من العبوات الناسفة والأسلحة الخفيفة. وهو ما يشير إلى ضعف الإمكانيات والموارد لدى التنظيمات الجهادية المسلحة، كما أن التقديرات تشير لعدم قدرة تلك التنظيمات على شن هجمات كبيرة على المراكز الحضرية الكبيرة، ولذلك تركز على الهجمات المحلية التي تستهدف قوات الأمن، وعمليات الاختطاف الفردية لطلب فدية.
  • ويُرجَّح أن تواصل التنظيمات المسلحة -مثل تنظيم الدولة الإسلامية- منح الأولوية للهجمات ذات احتمالية النجاح الأكبر في ليبيا وتونس، بينما سيواصل تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب” تركيز جهوده على تأسيس وجود صلب في منطقة الساحل التي توفر تجارة تهريب مربحة يسيطر عليها الجهاديون.
  • ومن المرجّح أن تكون القدرة على شن الهجمات في العمق داخل الجزائر منخفضة نسبياً في مواجهة الأصول الأمنية، وسيجري تنفيذها من خلال خلايا صغيرة منخفضة القدرات لا تزال متناثرة عبر منطقة ومدن القبائل، بما في ذلك سطيف وسكيكدة وخنشلة.
  • ولطالما أولت الجزائر تركيزاً كبيراً لتأمين مناطقها الحدودية التي تزيد عن 6 آلاف كيلومتر، خاصة ضد عمليات التسلل من ليبيا ومالي والنيجر التي تعززت خلال فترة الاحتجاجات المناهضة للسلطات الحكومية. وهو أمر يقع ضمن العقيدة العسكرية الراسخة في الجزائر التي تمنح الأولوية لتعزيز أمن الحدود وتمنع نشر القوات في عمليات خارج الجزائر.  
  • ضمن هذا السياق، يظل التعاون الأمني الإقليمي ضعيفاً، ولو أنَّ الجزائر سعت مؤخراً لتعزيز تعاونها الأمني مع دول الجوار، فشاركت على سبيل المثال في مؤتمر برلين بشأن ليبيا في يناير/كانون الثاني 2020، وذلك في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الجزائرية زيارات متتابعة لمسؤولين في المؤسسة العسكرية الأمريكية إلى الجزائر.
  • ويُعَد الخلاف الجزائري المستمر مع المغرب حول وضعية منطقة الصحراء الغربية الغنية بالفوسفات والنفط -والتي يعتبرها المغرب جزءاً من أراضيه- هي بؤرة التوتر الوحيدة التي تنطوي على خطر نشوب حرب بين الدولتين، لكنَّ مخاطر حدوث صراع مفتوح منخفضة.

الاستقرار الاجتماعي 

  • شهدت الجزائر أكبر احتجاجاتها منذ 20 عاماً، والتي تطالب بتغيير كامل في الحياة السياسية. ومن المرجح أن تُستأنَف تلك الاحتجاجات عقب جائحة كوفيد 19. ومن المستبعد أن تكتسب إصلاحات الرئيس تبون الاجتماعية والاقتصادية المقترحة زخماً ما لم تُقدَّم السلطات تنازلات أكبر تُعتَبَر أكثر مصداقية، بما في ذلك الإفراج عن كل المحتجين المعتقلين.
  • وأجبر تفشي كوفيد 19 المحتجين على إلغاء احتجاجاتهم الأسبوعية في 20 مارس/آذار الماضي، للمرة الأولى منذ بدء الاحتجاجات في فبراير/شباط 2019. وقبل تفشي الجائحة كانت الحكومة -التي عُيِّنَت في يناير/كانون الثاني 2020- عاجزة عن تهدئة الاحتجاجات، على الرغم من تقديم تغييرات اجتماعية واقتصادية جديدة، مثل مراجعة الدستور الجزائري والقانون الانتخابي. ومن المرجح بقوة أن تُستأنَف الاحتجاجات بعد رفع الإجراءات المُقيِّدة للحركة التي فُرِضَت لمنع انتشار كوفيد 19.
  • واعتمد البرلمان في أبريل/نيسان الماضي مواد جديدة في قانون العقوبات تُجرِّم نشر الأخبار الكاذبة التي “تمس بالأمن والنظام العموميين“. ومع أنَّ المُسوِّغ الحكومي العلني لهذا التشريع كان هو الحاجة للتصدي للأخبار الكاذبة المتعلقة بكوفيد 19، يُنظَر إليه على نطاق واسع باعتباره يوفر شرعية بأثر رجعي لاعتقالات الحكومة الجديدة للشخصيات المعارضة، الأمر الذي يؤدي إلى تآكل قاعدة الدعم الهشة أكثر.
  • وظلَّت الاحتجاجات -التي احتشد فيها في بعض الأوقات 15 مليون محتج في أرجاء ولايات الجزائر الـ48- سلمية إلى حدٍ كبير، ولو أنَّ قوات الأمن استخدمت الغاز المسيل للدموع ضد المحتجين الشباب الذين شاركوا بعنف منخفض المستوى. ومن المرجح أن يواصل المحتجون في أنحاء البلاد الدعوة لبقاء الاحتجاجات سلمية بسبب الطموحات غير العنيفة للحراك الاحتجاجي الأوسع ذاته، ولأسباب إستراتيجية كذلك، بهدف تجنب إعلان الحكومة حالة الطوارئ.
  • كما اعتمدت الحكومة تقليدياً على الإنفاق العام الكبير واحتياطياتها المتراجعة من النقد الأجنبي من أجل تقليص مخاطر الاحتجاج عبر دعم الواردات الغذائية، وتوفير وظائف القطاع العام، وتوفير السكن، وتعزيز مستويات المعيشة. لكن هذه الإستراتيجية غير كافية الآن في ظل تقديم مطالب بتغيير سياسي جوهري، ومن المرجح أكثر فأكثر أن تكون غير قابلة للتطبيق بسبب تراجع عائدات الموارد الهيدروكربونية نتيجة تباطؤ تعافي أسعار النفط العالمية منذ 2016.
  • وتشير التوقعات إلى أنَّ تفشي كوفيد 19 سيفاقم المحركات الأساسية للحراك الاحتجاجي، وسيؤدى إلى اشتداد حدة الاحتجاجات المناهضة للحكومة بمجرد اجتياز المرحلة الأسوأ في الأزمة الصحية. 
  • واستغلت إدارة الرئيس تبون الهدوء في الاحتجاجات كفرصة لاعتقال قادة الحراك، لكن بدلاً من أن تؤدي هذه الخطوات لنزع زخم الحراك، يتوقع أنَّها ستؤجج المشاعر المناهضة للحكومة. وفضلاً عن تسليط الضوء على عدم تسامح السلطات مع المعارضة، لن يؤدي قمع الشخصيات المعارضة إلا لزيادة حالة التشكك التي ينظر بها الكثير من الجزائريين إلى جهود الحكومة المفترضة للإصلاح السياسي.
  • علاوة على ذلك، سيترك فيروس كورونا خسائر اجتماعية واقتصادية كبيرة على الجزائريين العاديين، ويؤدي إلى تدهور في مستويات المعيشة، وهو ما سيؤجج الغضب الشعبي.
  • وستؤدي التصورات العامة بأنَّ السلطات أساءت إدارة التعامل مع أزمة كوفيد 19 أيضاً إلى زيادة احتمالية السخط. وكانت هناك سلسلة من الهجمات المادية واللفظية على الأطقم الطبية، مما دفع الحكومة في منتصف يوليو/تموز الماضي لإعلان تشريع لحماية المهنيين الطبيين. وتمثل هذه الهجمات على الأرجح رد فعل تلقائي تجاه منظومة صحية تعاني.
  • ومع تحسن الوضع الصحي في النهاية، يُرجَّح أن يتحول هذا الغضب باتجاه القادة السياسيين لفشلهم في خلق نظام عام قادر على التعامل بصورة أفضل مع الجائحة. وسيتفاقم هذا الغضب بفعل التصورات بشأن وجود فساد واسع النطاق، والذي يُزعَم أنَّه جعل الخدمات العامة تفتقر إلى الموارد الثمينة. وسيزيد مدى الغضب العام بزيادة حصيلة الوفيات. وحتى 20 يوليو/تموز الماضي، كان هناك 1078 حالة وفاة تُعزى إلى كوفيد 19 في الجزائر.  

استشراف حالة الدولة

  • عاد الجيش الجزائري للتأكيد على مركزية دوره في الحالة السياسية من خلال دعوة قائد الجيش للجزائريين إلى المشاركة في الاستفتاء، وتطرّقه لمواضيع سياسية تخص الاستفتاء الشعبي، كما أن الأمر ينطوي على رسالة سياسية موجهة لأطراف في الداخل والخارج تتضمن التأكيد بأنّ مسار “الإصلاح السياسي والدستوري” الذي يباشره الرئيس تبون يتم بتزكية تامة من قبل المؤسسة العسكرية، وأن هناك انسجاماً وتوافقاً كبيراً بين الرئاسة والجيش.
  • في الوقت ذاته، يُسهم الاستفتاء الدستوري في تعميق حجم عدم الثقة في أوساط قطاعات شعبية واسعة تجاه العملية السياسية، لاسيما في ظل ما رافق الحملات الدعائية للاستفتاء من عودة رموز ووجوه من العهد السابق إلى المشهد وتسويقهم للاستفتاء، على غرار قادة حزبي “جبهة التحرير الوطني” و”التجمع الوطني الديمقراطي” ومسؤولي منظمات مدنية كانت لصيقة ببوتفليقة.
  • خارجياً، من غير المرجّح أن تخرج الجزائر عن سياستها التقليدية القائمة على مبدأ عدم التدخل، وستدعم الإجراءات الدولية لتعزيز جهود المصالحة في دول الجوار وتعميق التعاون الإقليمي الثنائي وبين أطراف متعددة في مجموعة من القضايا الإقليمية المُلحة، وبالأخص الأمنية منها. فيما ستستمر حالة التوتر مع المغرب لكن دون الوصول لمرحلة النزاع العسكري المباشر.