تداعيات أزمتي كورونا والنفط على القطاع الخاص الإماراتي
سياقات - يونيو 2020

أدت أزمتي كورونا والنفط في الإمارات إلى فقدان العديد من الموظفين لوظائفهم، لكن سرعان ماتدخلت الحكومة لانقاذ الشركات الخاصة المتضررة، فهل تعود ثقة المستثمرين؟

تحميل الإصدار

تقديم| أثارت الضغوط المفروضة على الشركات الإماراتية مخاوف جادة حيال صحة القطاع الخاص في البلاد، مع سلسلةٍ من المؤشرات التي تُنبِئ بأزمةٍ تُواجه الاقتصاد غير النفطي، بالتزامن مع تفاقم المشكلات القائمة نتيجة الضربة المزدوجة لانخفاض أسعار النفط وفيروس كورونا. التحديات في الإمارات عديدة؛ وتتراوح بين فقدان الوظائف، وانقطاع طلب المستهلكين، وتراجع في ثقة المستثمرين. ورغم حزم الدعم الحكومي الضخمة، ما تزال الآفاق المستقبلية للقطاع الخاص على المدى القريب ضعيفة، فضلاً عن أنّ التطوّرات الأخيرة أثارت التساؤلات حول كفاءة جهود السلطات الحكومية منذ وقتٍ طويل، لدعم نمو القطاع الخاص، بوصفه مُحرّكاً للتنوّع والنمو الاقتصادي.

فقدان الوظائف يفرض تحديات على المنظومة الاقتصادية

  • لا شكّ في أنّ فقدان الوظائف يُمثّل التحدّي الأكثر إلحاحاً الذي يُواجهه الاقتصاد الإماراتي، حيث أقالت الشركات الكثير من الموظفين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بغرض الحد من التكاليف. وكان هذا جزءاً من أسباب تقلُّص الأعمال التجارية المحلية، إذ أظهر مؤشر مديري مشتريات القطاع الخاص الشهري التابع لبنك الإمارات دبي الوطني في مايو/أيار، أكبر تراجع مُسجّل في تكاليف الموظفين، بالتزامن مع تقليص الشركات لمدفوعات الرواتب عن طريق الاستغناء عن الخدمات أو تطبيق خفض الأجور أو منح نسبة من العاملين أجازة بدون راتب لعدة أشهر كما هو الحال في شركات الطيران الرئيسية. 
  • ويُمثّل تراجع أعداد المغتربين خلال الأشهر الأخيرة تحدياً كبيراً، خاصةً في سوق العقارات التي تُعاني بالفعل. إذ تُشير التقارير إلى تقديم نحو 300 ألف وافد هندي وباكستاني بطلبات عودة إلى أوطانهم في مايو/أيار، مع أدلةٍ متناقلة تُشير إلى استمرار هذا التدفّق للعمالة إلى خارج الامارات في شهر يونيو/حزيران الجاري.
  • ويتجلّى فقدان الوظائف في دبي تحديداً أكثر من غيرها، حيث تعتمد الإمارة بشدة على العمالة الوافدة، وهو ما زاد من تآكل الطلب خاصةً في قطاع الإيجارات (حيث يُمثّل الأجانب الجزء الأكبر من دخل الإيجارات). وعلى الرغم من جهود تحسين الوضع بتمديد تأشيرات الإقامة حتى نهاية العام للعاملين الأجانب في دبي، فإن فقدان الدخل سيُجبر الآلاف على مغادرة الإمارات خلال أشهر الصيف، وستزيد هذه الخسائر من تآكل استهلاك الأسر. ومع تراجع إجمالي الأجور، ستظل القوة الشرائية للمستهلك تحت الضغط في عام 2020، وهو ما يُضعف فرص النمو للشركات التي تتعامل مع العملاء تحديداً.
  • ومع ذلك، وعلى الرغم من أن غالبية القطاعات تُعاني، إلا أنه يبقى مستبعداً خطر أن يُؤدّي فقدان الوظائف إلى إثارة الاضطرابات الاجتماعية؛ نظراً إلى أن غالبية المواطنين الاماراتيين يعملون بالقطاع العام، حيث تُعدُّ الوظائف أكثر أماناً في الوقت الراهن على الأقل مقارنة بالعمال الأجانب الذين يُمثِّلون 85% من سكان الإمارات. خاصة وأن التعديل القانوني الذي أقرته الحكومة مع بدء تفشي الوباء منح الشركات حق إقالة أو خفض رواتب أو منح أجازة مؤقتة بدون راتب للعمالة الأجنبية فقط وليس المواطنين. 

معاناة الشركات الخاصة المتوسطة والصغيرة

  • شهدت ثقة المستثمرين تراجعاً كبيراً في أنحاء الإمارات كافة، وما تزال الشركات الإماراتية تُسجّل تراجعاً في الطلب، ووفقاً لأحدث مؤشرات “مديري المشتريات”، فإنّ تراجع نشاط الأعمال في دبي خلال شهر مايو/أيار، كان واسع النطاق لدرجة أنّه شمل قطاعات السفر، والبيع بالجملة والتجزئة، والإنشاءات. في حين سجّل قطاع السياحة تحديداً انكماشاً حاداً للشهر الثالث على التوالي.
  • وفي الوقت ذاته، كشف مؤشر “مديري المشتريات” أنّه على الرغم من الزيادة الشهرية البسيطة إلى 46.7 نقطة (ارتفاعاً من أدنى مستوياته عند 44.1 في أبريل/نيسان، مع العلم أنّ أي نتيجة أقل من 50 تُشير إلى مشاعر سلبية بين مديري المشتريات)؛ فإن معدلات الطلب والتوظيف الجديدة تراجعت بالكامل وفقاً للمعدل الموسمي.
  • ويُعاني قطاع الطيران مشكلات خطيرة على نحوٍ خاص، فقد اضطر فيروس كورونا الإمارات إلى تعطل أكبر شركتي نقل في البلاد: شركة طيران الإمارات (التي سرحت 10٪ من موظفيها كخطوة أولى يتوقع أن ترتفع إلى 15٪ وخفّضت الأجور الأساسية بنسبة 50% لكافة موظَّفي الفئة الأولى)، والاتحاد للطيران التي لم تستأنف رحلاتها الجوية بعد، إلى جانب مطاري دبي وأبوظبي، وهو ما أضر بشدة بمكانة الإمارات بوصفها مركزاً للسفر الإقليمي.
  • ورغم أنّ الشركات الضخمة المدعومة من الدولة، مثل طيران الإمارات، تستطيع في النهاية الاعتماد على الدعم الحكومي لمواصلة عملياتها، سواءً من سلطات دبي مباشرةً أو بالتنسيق المُحتمل مع أبوظبي، فإن كثيراً من الشركات الأصغر حجماً لا تحظى بهذا النوع من الدعم. 
  • ومع ذلك فإنّ الخطوات الأخيرة لإسقاط الرسوم الحكومية وفواتير خدمات المرافق ساعدت في إنقاذ بعض الأعمال التجارية خلال أسوأ فترات الإغلاق، إلى جانب تخصيص مصرف الإمارات المركزي نحو 70 مليار دولار من دعم السيولة عبر المُقرضين التجاريين. غير أن الحزمة لا تستهدف في الأساس تمويل الأنشطة الرامية إلى النمو، كما ستحتاج السلطات إلى دراسة المكان الأنسب لتوجيه الدعم؛ من أجل تشجيع النمو وبناء مرونةٍ اقتصادية أكبر.

دعم على مستوى الإمارات يسعى لسد الفجوة

  • ظهر الاعتراف بحاجة الشركات الإماراتية إلى مزيدٍ من المساعدة، في التدابير الأخيرة الرامية إلى تقديم الدعم على مستوى الإمارات. ففي أواخر مايو/أيار، أدخلت دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي تدابير تُوفِّر المساعدة اللوجستية لشركات الاستيراد والتصدير التي تُواجه تحدّيات إبان “الجائحة”، رغم عدم وجود تمويلٍ فعلي. وفي دبي أطلقت “مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة”، مبادرات جديدة لمساعدة الشركات الساعية للتغلُّب على “الجائحة”، مع إعفاءات من الإيجار ووصولٍ أفضل إلى التمويل.
  • لكنّ هذه التدابير لا تبدو كافيةً في الوقت الراهن لإصلاح الأضرار التي أصابت كثيراً من الشركات على الناحية المالية خلال الأشهر الأخيرة. ووفقاً لاستطلاعٍ أجرته غرفة تجارة دبي على أكثر من 1.200 رئيس تنفيذي خلال الفترة الأكثر صرامة من حالة الإغلاق بالمدينة في أبريل/نيسان؛ قالت 70% من شركات الضيافة إنّها تتوقّع إغلاق أبوابها بشكلٍ دائم خلال الأشهر الستة المقبلة، وهو ما قد يضع الإمارات بوضع صعب في أثناء محاولة إعادة إحياء قطاع السياحة والسفر الحيويين، خاصةً في الفترة التي تسبق الانطلاقة المُؤجّلة لمعرض إكسبو الدولي 2020 في أواخر عام 2021.
  • وفي سياق التآكل المستمر لطلب المستهلكين، فإنّ فرص القطاع غير النفطي في إظهار أي نشاط خلال النصف الثاني من عام 2020، فرصٌ تبدو محدودة. ورغم أنّ تخفيف قيود الإغلاق سيُعيد إحياء النشاط الاقتصادي بعض الشيء، فإن ذلك لن يكفي لإعادة قطاع السياحة إلى سابق عهده، إذ ما يزال معتمداً على أعداد الزوار الكبيرة.
  • ومع ما تتعرض له كثير من الشركات من ضغوط لتقليص مزيد من نفقاتها، ربما ستجد الشركات الأضعف تمويلاً صعوبةً أكبر في مواصلة عملياتها في ظل هذه الظروف. وفي الوقت الذي تُشير التقارير إلى أنّ دوائر حكومة دبي ستخفض الإنفاق الرأسمالي إلى النصف، تثار تكهُّنات بأنّ حكومة دبي ربما تستعد لخفض تكاليف المرافق والرسوم الجمركية خلال وقتٍ لاحق من عام 2020. وربما يُساعد معرض إكسبو 2021 في إعادة تنشيط الاقتصاد الإماراتي غير النفطي في وقتٍ لاحق من ذلك العام، لكنّ ذلك يتركنا أمام عديد من الأشهر الصعبة على كيانات القطاع الخاص التي تبيّن مدى ضعف نماذج أعمالها في مواجهة الرياح العاتية لفيروس “كورونا”.
  • وخفضت ستاندرد اند بورز هذا الشهر تصنيف إعمار العقارية، أكبر شركة عقارات في الإمارات والتي شيدت برج خليفة بدبي، إلى التصنيف عالي المخاطر الاستثمارية، وتوقعت تراج أرباحها بين 30 – 40٪. 
  • من الجدير بالاهتمام أن متوسط انتاج الدولة من النفط خلال 2020 من المتوقع أن يهوي إلى حوالي 2.8 مليون برميل في اليوم، نتيجة انهيار الطلب والالتزام باتفاق أوبك، وذلك بعد أن سجل مستوى قياسي في نيسان أبريل بلغ 4.2 مليون برميل / يوم قبل الاتفاق. وهو ما يفرض مزيد من القيود على إيرادات الدولة. ومن ثم تشير تقديرات “فيتش سوليوشنز” إلى انخفاض نمو أبوظبي إلى 6٪- (انخفاضا من 2.1٪+)، وانخفاض نمو دبي إلى 4.1٪- (انخفاضا من 3.8٪+) خلال 2020. وفي المحصلة تراجعت تقديرات نمو الإمارات لعام 2020 من 1.9٪ إلى 5.8٪-.
  • تعتبر الإمارات من أنجح دول الخليج فيما يتعلق بتنويع اقتصادها بعيدًا عن استخراج الهيدروكربونات، والذي شكل 30.0٪ من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في 2018 (بأسعار 2010). ومع ذلك، تظل أسعار النفط وإنتاجه محددات قوية للمشاعر الاقتصادية الواسعة نظرًا لأنها تدفع قدرة الحكومة على الحفاظ على سياسة مالية سخية ومصدر تمويل لاستثمار ات كبيرة. لذلك يؤثر الانهيار في انتاج وأسعار النفط بشدة على النشاط غير النفطي. تجدر الإشارة هنا لانخفاض فائض الحساب الجاري لدولة الإمارات من 22.0٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013 إلى 0.0٪ في عام 2016 عندما وصلت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها.
  • ووفقا لإحصاءات نشرتها مؤسسة “ريفينتيف Refinitiv” العالمية، احتلت الإمارات المرتبة الثانية بالشرق الأوسط، خلف السعودية، في إجمالي إصدارات سندات الديون في النصف الأول من 2020 بقيمة 19.1 مليار دولار. وهو مؤشر على نقص السيولة اللازمة لتمويل إجراءات التصدي لحالة الإغلاق وتراجع النفط.
  • في حين أن حكومة الإمارات العربية المتحدة لم تفصح عن وضع الاستثمار الدولي الصافي (NIIP)، إلا أن الدولة كانت تقليديًا دائنًا صافًا لبقية العالم. قدر صندوق النقد الدولي مؤشر الاستثمار الوطني الإماراتي بنسبة 149٪ من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2017. واعتبارًا من يناير 2020، كان لدى البنك المركزي أصول خارجية بقيمة 106 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل خمسة أشهر من الواردات. هذا المستوى المتواضع إلى حد ما من غطاء الاستيراد يكمله المال الموجود في صناديق الثروة السيادية للبلاد. أكبرها، هيئة أبو ظبي للاستثمار (ADIA)، التي لا تنشر ميزانياتها العمومية، لكن تقديرات معهد صندوق الثروة السيادية تقدر قاعدة أصولها بأقل من 700 مليار دولار. وبشكل عام يتوقع تأثيرا متواضعا جدا على هذه الأصول. وهو ما ظهر في قرار صندوق أبوظبي للتنمية، تعليق مدفوعات خدمة الدين لبعض الدول والشركات لهذا العام. ويقدم الصندوق الذي تموله الحكومة مساعدات مالية للشركات في الإمارات ولدول من بينها باكستان ومصر والسودان وإثيوبيا.

رأي وخلاصة السياق

  • ستستمر معاناة القطاع الخاص، وستتواصل الضغوط على شركات الطيران بما سيمدد من إجراءات منح بعض الطيارين والعاملين أجازات إجبارية، وتخفيض رواتب البعض الآخر حتى نهاية العام. وبالرغم من قرار الإمارات بإعادة فتح المطارات أمام حركة الترانزيت، والسماح للمواطنين والمقيمين بالسفر اعتبارًا من 23 من يوليو/تموز الجاري، إلا أن قطاع السياحة سيبقى من القطاعات منخفضة الدخل بشكل ملحوظ، خاصة مع استمرار استبعاد الإمارات من قائمة الاتحاد الأوربي للدول المسموح بالسفر إليها.
  • حقيقة أن غالبية المواطنين الإماراتيين يتمتعون بنوع من الأمان الوظيفي كونهم يعملون بالقطاع العام، لا يعني إلغاء فرضية الاضطرابات الاجتماعية في البلاد، خاصة بين أصحاب الشركات الصغرى، والعمالة الأجنبية، حيث أن استمرار التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا وإجراءات الاستغناء عن العمالة، قد يجعلها ظاهرة متكررة وقابلة لإثارة قدر من الاضطراب الداخلي، لكنه سيكون دائما ضمن قدرة الدولة على الاحتواء ولا يمثل تهديدا للاستقرار الداخلي.
  • الأشهر القادمة ستحمل تحديات حقيقية على السلطات الإماراتية لناحية تمويل الأنشطة الإنمائية، في ظل الضغوط الفعلية على الاقتصاد، وتراجع حاد في قطاعات حيوية كالسياحة والتجارة. وربما سنشهد مزيداً من إجراءات الإنقاذ، على غرار ما كشفت عنه مصادر لـ”رويترز” بأن الشركة القابضة المملوكة لحكومة أبوظبي، تسعى للحصول على تمويل مصرفي تصل قيمته إلى 3 مليارات دولار، وما صرحت به إمارة أبوظبي، بأنها تدرس إصدار مزيد من أدوات الدين (السندات السيادية)، لحماية ماليتها من تأثير انخفاض أسعار النفط، بعد أن أصدرت سندات بقيمة 10 مليارات دولار خلال أقل من شهرين.

مراجع استفدنا منها:

تقرير  Private-sector woes mount الصادر عن الايكونوميست، يونيو/حزيران 2020

تقرير National oil company continues to expand capacity الصادر عن الايكونوميست 17 يونيو/حزيران 2020.

تقرير United Arab Emirates Country Risk Report الصادر عن Fitch Solutions، مايو/أيار 2020.