الصين وتحديات صراع الهيمنة الدولية
مآلات - يونيو 2020

تتقدم الصين كدولة صاعدة بقوة.. إذ تمتلك مزيج القدرة الاقتصادية والعسكرية والديموغرافية بالإضافة إلى الطموح لتشكيل نظام دولي جديد

تحميل الإصدار

موجز تنفيذي

• يستمر العالم في الابتعاد عن نظام الهيمنة أحادي القطبية الأمريكي، الذي وُجِد في الفترة 1989-2008، إلى نظام متعدّد الأقطاب، تظهر فيه الصين كدولة صاعدة بقوة تمتلك مزيج القدرة الاقتصادية والعسكرية والديموغرافية، والطموح لتشكيل نظام دولي جديد.

• تستفيد الصين من بعض العوامل الجيوسياسية؛ فالعلاقات بين اليابان والصين في تحسن في الآونة الأخيرة، وكوريا الجنوبية تحتاج إلى الصين بجانبها لإبقاء التقارب بين الكوريتين على المسار الصحيح. وعلى الرغم من أن معظم الدول الآسيوية وازنت حتى الآن بحذر بين علاقاتها الاقتصادية مع الصين وعلاقاتها الأمنية مع الولايات المتحدة، لكن قد يخلُص بعضها إلى مسار المضي قدماً في الاصطفاف مع الخطط الصينية المستقبلية المتعلقة بالتجارة والأمن الإقليمي. في حين ستمنع الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي وضرورة الإبقاء على تعاون براغماتي مع الصين في مناطق أخرى، حدوث تصعيد كبير بين الطرفين.

• ومع ذلك، ما يزال لدى الصين ما يدفعها للتحرك بحذر، في ظل تباطؤ مرجّح تدريجي للنمو المحلي على المدى المتوسط ليصل إلى نحو 5% بحلول عام 2029، وتفاقم مشكلات اقتصادية هيكلية على إثر تفشِّي كوفيد-19. 

• كذلك، فإن الولايات المتحدة تضع على أولوياتها التصدي للصين، وهو ما يتجلى في الحرب التجارية التي مازالت تميل نتائجها لصالح واشنطن، والإجماع الناشئ في واشنطن حول تبني سياسة صناعية نشطة على المستوى الغربي لمواجهة الاستراتيجيات الصينية؛ مثل مبادرة “الحزام والطريق” و”صنع في الصين 2025″. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الحاجة ماسة لموازنة موقع الصين ببديل آخر، أو بدائل، وهو ما يفتح الباب لفرص جيوسياسية أكبر لقوى مثل الهند.

• وربما نشهد وقوع صدام عرضي بحري في آسيا والمحيط الهادئ على وقع انتشار الجيش الأمريكي بأعداد وصفتها الصين مؤخراً بـ “غير مسبوقة”. وستمنح المواجهة الهندية الصينية، فرصة للولايات المتحدة لنقل الهند من نهج عدم الانحياز إلى مزيد من التعاون العسكري مع واشنطن وحلفائها ضد بكين، بينما ستعزز الصين مشاركتها مع دول أخرى في جنوب آسيا، مثل باكستان ونيبال، مع استبعاد صراعاً صينياً هندياً صريحاً على المدى القريب.

خريطة أفكار - الصين وتحديات صراع الهيمنة الدولية

سياسة صينية حذرة في طريقها للعدوانية

  • في مسار نظام متعدّد الأقطاب، فإن الولايات المتحدة والصين هما الدولتان الوحيدتان اللتان تملكان فرصة. ففي حين تملك روسيا القوة العسكرية والطموحات الدولية، إلا أن لديها اقتصاد وسكان أصغر بكثير وأقل تنوعاً وأكثر شيخوخة. وبينما تملك الهند عدد سكان يُقارَن بالصين، لكنَّ اقتصادها أصغر بكثير وأقل تطوراً، ونظامها السياسي أكثر تشظياً، ما يجعل أولويتها للقضايا الداخلية في المستقبل المنظور. أما الاتحاد الأوروبي، فيواجه انقساماً داخلياً متزايداً، ويفتقر إلى وجود سياسة خارجية موحدة على نحو يصعب معه أن يكون قائداً محتملاً للعالم.
  • تبنَّت بكين بصورة مطردة سياسة خارجية أكثر حزماً ونشاطاً منذ عام 2010 تقريباً، على خلفية مطالبها في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي. ومنذ وصول “شي جين بينغ” إلى السلطة عام 2012، تُعسكِر الصين سياستها الخارجية في بحر الصين الجنوبي، وتُروِّج لمبادرة “الحزام والطريق” لدى بلدان في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا. 
  • مقارنة بالقوى الأخرى، مازالت الصين أقل “عدوانية”؛ حيث لم تهاجم دولة ذات سيادة منذ غزوها الوجيز لشمالي فيتنام في 1979. وسيعتمد المدى الذي تصبح فيه الصين أكثر “عدوانية” على الطريقة التي تتصرف بها الولايات المتحدة وحلفاؤها. فكلما زاد الضغط الخارجي على الصين، زادت مقاومتها. ومما يثير قلق بكين على نحوٍ خاص الانتقاد الأمريكي للمشكلات الداخلية الصينية، مثل الاضطرابات في هونغ كونغ وإقليم شينجيانغ، والدعم الأمريكي المتصاعد لتايوان، التي تعتبرها الصين مقاطعة منشقة عنها.
  • ما يزال لدى الصين ما يدفعها للتحرك بحذر إلى حد ما، حتى يمكنها نثر بذور الانقسامات بين الولايات المتحدة وحلفائها، مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، فالعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين في الوقت الراهن متوترة إلى حد ما بسبب التجارة وكوفيد 19، في حين أن العلاقات بين اليابان والصين في تحسن في الآونة الأخيرة. وتحتاج كوريا الجنوبية إلى الصين بجانبها لإبقاء التقارب بين الكوريتين على المسار الصحيح. وإن تبنَّت الصين خطاباً قاسياً على نحوٍ متزايد على الصعيد الدولي، فإنَّها قد تثير قلق حلفاء واشنطن وتستعدي بلداناً أخرى تسعى لعلاقات أوثق مع الصين، مثل الفلبين.
  • يعمل الاتحاد الأوروبي على تعزيز موقفه الاستراتيجي إزاء الصين منذ مارس/آذار 2019، حين أيَّد قادة دول الاتحاد الأوروبي 10 إجراءات تجاه بكين، بما في ذلك مسائل النزاعات المتعلقة بالدعم الحكومي للصناعات (subsidies) والنقل القسري للتكنولوجيا، والمعاملة بالمثل في سوق المشتريات الصينية، وقواعد الاستثمار الأجنبي، والبنية التحتية الحساسة. وأحرز الاتحاد الأوروبي بعض التقدم تجاه تحقيق تلك الأهداف لكنَّه واجه انقسامات داخلية منعته إلى حد كبير من الاستفادة من وزنه الاقتصادي لتحقيق أغراض جيوسياسية.
  • العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين ستتدهور بصورةٍ ما في خضم التصورات المتزايدة بأنَّ بكين استغلت جائحة كوفيد 19 على نحوٍ غير عادل. مع ذلك، ستمنع الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي وضرورة الإبقاء على تعاون براغماتي مع الصين في مناطق أخرى حدوث تصعيد كبير مثل الحرب التجارية الأمريكية الصينية. ستشهد هذه الدينامية تعزيز العوائق أمام الشركات المملوكة للحكومة الصينية في السوق الأوروبية، من بين الاعتبارات الرئيسية. وقد تتبنّى بعض الحكومات الوطنية إجراءات أحادية إذا منعت العوائق الهيكلية الاتحاد من اتخاذ إجراءات موحدة. 

ثلاث مشكلات هيكلية بعد كورونا

من المرجّح أن تشهد الصين عام 2021 نمواً يصل إلى نحو 6%، يتحول إلى تباطؤ تدريجي ليصل إلى نحو 5% بحلول عام 2029. حيث أدّى تفشِّي كوفيد 19 إلى تفاقم ثلاث مشكلات هيكلية أساسية، من شأنها أن تُؤثّر على النمو على المدى المتوسط والبعيد، هي:

1. تدهور التركيبة المؤسسية

تتوقّع Fitch Solutions تراجعاً في حصة الشركات الخاصة من الاقتصاد الصيني لصالح المؤسسات المملوكة للدولة عقب انتهاء تفشّي كوفيد-19. ويمثل القطاع الخاص نسبة 22.8% من إجمالي الأصول الصينية في فبراير/شباط عام 2020، مقارنةً بـ 3% فقط في فبراير/شباط عام 2001، لكن هذا الاتّجاه بلغ ذروته بالفعل، حيث باتت الشركات الخاصة عرضةً للإغلاق بسبب أولا الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ثم تداعيات كوفيد 19. وفي الوقت ذاته، من المُرجّح أن تُواصل حصة الأصول الأجنبية انكماشها. فرغم جهود الحكومة لتقليل القطاعات التي يُحظَر أو يُقيّد داخلها الاستثمار الأجنبي، فإن حصة الأصول الأجنبية في الصين تُواصل انكماشها منذ الأزمة المالية العالمية، حيث تراجعت من 27.4% في مايو/أيار 2008 إلى 19.2% في فبراير/شباط الماضي. لذا، سيزداد تتبنّى المؤسسات الأجنبية استراتيجية “الصين زائد واحد”، عن طريق نقل جزءٍ على الأقل من عملياتها داخل الصين إلى إحدى الأسواق الناشئة الآسيوية الأخرى.

2.”مؤسسات الزومبي” المُثقلة بأعباء الديون نتيجة عقد من الحوافز

تتضاعف الاتجاهات السلبية في التركيبة المؤسسية بسبب تطبيق المزيد من التدابير التحفيزية، بغرض تخفيف التباطؤ الاقتصادي نتيجة كوفيد-19. وتنطوي التدابير التحفيزية الصينية منذ الأزمة المالية العالمية على مخاطر كبيرة من سوء الاستثمار، إذ تُحافظ على بقاء الشركات غير المنتجة التي كانت ستنهار من دونها، ويحرم المؤسسات الأكثر إنتاجية من رأس المال؛ حيث تراجع العائد على أصول المؤسسات من ذروته في عام 2011 عند نسبة 8.3%، إلى 5.2% في عام 2019. سيحظى هذا الاتجاه بالمزيد من الزخم نتيجة حوافز جائحة كوفيد-19، ومن ثم زيادة أعباء الديون المُرهقة، ما يُحدّد حجم الائتمان المُتاح لتمويل الاستثمارات والنمو المستقبلي. 

3.استمرار سياسة التحوّل إلى إبطاء النمو

نظراً للحاجة إلى علاج المشكلات الهيكلية أعلاه، نتوقّع من بكين أن تواصل تحوّلها في اتّجاه نمو أبطأ خلال السنوات المقبلة. وبالطبع نتوقّع في حال عدم وقوع المزيد من الأزمات أن تُخفّض الحكومة حوافزها تدريجياً، وتستأنف جهود كبح نمو الدين أو حتى تخفيض المديونية، وتسمح بدرجةٍ أكبر من الغربلة في الاقتصاد لضمان الكفاءة العامة. ونعتقد أنّ هذا الأمر سيُمثّل أولويةً أساسية في السياسات بمجرد أن يصير الاقتصاد مستقراً بما يكفي للسيطرة على الاضطرابات.

سلاسل التوريد: الانتقال من الصين إلى الهند

  • تُعَد سلسلة الإمداد الأمريكية حاسمة في عمل جزء كبير من سلسلة الإمداد العالمية. والأمر نفسه ينطبق على الصين. وكما تسببت الحرب العالمية الأولى وصولا إلى الكساد الكبير في تقييد الواردات وضرب الجزء الأمريكي في سلسلة التوريد؛ يحدث الأمر نفسه الآن مع الصين نتيجة لأزمة كوفيد 19، إذ تقلُّص الطلب في معظم البلدان، وتعذَّر تلبية الطلب المتصاعد على بعض المنتجات، مثل المواد الصيدلانية. كما ضرب الفيروس الصين نفسها، وتعطَّلت سلسلة إمداداتها الداخلية أو أُعيد توجيهها لتلبية الاحتياجات الصينية. ومن ثم، أدرك المستوردون أنَّ الاعتماد على دولة واحدة في سلسلة إمدادهم أمرٌ محفوف بالمخاطر. لا يعني هذا أنَّ الثقة في الصين قد تبددت، لكن يعني أنَّ غياب التنويع في سلسلة الإمداد باتت مخاطره أوضح.
  • ستفعل الصين ما فعلته الولايات المتحدة بعد عقدين من الكساد والحرب، وهو أن تخلق طلباً محلياً ضخماً ليدفع اقتصادها. وبما أنَّ الرأسمالية العالمية تُفضِّل المُنتِج منخفض التكلفة، يكون السؤال الآن هو: مَن سيأخذ مكان الصين؟ الخيار الأول الواضح هو الهند، فهي خامس أكبر اقتصاد في العالم وبها عدد ضخم من السكان المتنوعين والفقراء بشكل عام، أي قوة عاملة تتقاضى رواتب منخفضة، كما لديها درجة من الانضباط وثقافة ريادة الأعمال، شبيهة بالصين في عام 1980.
  • لكن في حين تصدر الصين ما قيمته تريليونا دولار سنوياً، لا تتجاوز صادرات الهند 345 مليار دولار فقط. وتُشكِّل الصادرات 19% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، و14% من الناتج المحلي الإجمالي للهند. نمت الهند اعتماداً على الطلب المحلي، وينبغي أن تكون مرحلة نموها المقبلة هي الزيادة في الصادرات. ومن ثَمَّ، في نفس اللحظة التي تنخرط فيها الصين في صراعٍ عميق متعدد الأبعاد مع أكبر زبونٍ لها، لدى الهند فرصة فريدة لإفادة اقتصادها. وبما أنَّ الهند والصين تنظران إلى بعضهما كخصمين فإنَّ لدى الهند مصلحة استراتيجية وكذلك اقتصادية في هذه الخطوة.
  • تمنح المواجهة الهندية الصينية، التي تعود لأكثر من نصف قرن، الولايات المتحدة فرصة من شأنها أن تجعل الاصطفاف الاقتصادي بين الطرفين أكثر جاذبية. وتُطوِّر الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند تحالفاً بحرياً يُسمَّى “الحوار الأمني الرباعي”. والهند على وجه الخصوص حذرة من أي تحالف رسمي يتطلَّب أي التزام، لكنّ هذا لم يمنع البحرية الهندية من إجراء مناورات في غرب المحيط الهادي مع حلفائها في التحالف الرباعي. 
  • الهند في وضع مهيأ لتكون لاعبًا مهمًا في المواجهة بين الولايات المتحدة والصين. داخلياً، خطت الحكومة الهندية خطوات مهمة في التنمية العسكرية والاقتصادية، على الرغم من استمرار الانقسام سياسياً واجتماعياً. كذلك، تعتبر الهند مشتر مهم للأسلحة من روسيا في وقت تحتاج فيه موسكو إلى قطاع التصدير لتعويض انخفاض أسعار الطاقة. وهو ما يعزز فرص نيودلهي للقيام بدور متزايد في تشكيل الشؤون الدولية.
  • بصورة عامة، ليس من المتوقع صراعا صينيا هنديا صريحا، حتى في أعقاب التوتر الحدودي المتصاعد منذ أسابيع والذي بلغ ذروته باشتباك غير مسبوق – من ناحية عدد القتلى في الجانبين – منتصف يونيو حزيران الجاري. يشير هذا الحادث إلى تدهور كبير في العلاقات الصينية الهندية، كما أضاف مزيدا من الحواجز أمام التجارة الثنائية والاستثمار. ومن الناحية الاستراتيجية، ستنتقل الهند على الأرجح من نهج عدم الانحياز إلى مزيد من التعاون العسكري مع الولايات المتحدة وحلفائها، بينما ستعزز الصين مشاركتها مع دول أخرى في جنوب آسيا، مثل باكستان ونيبال.

سياسة أمريكية أكثر حزماً لإعاقة الصين

  • هناك إجماع ناشئ في الولايات المتحدة حول الحاجة إلى سياسة صناعية نشطة لمواجهة الاستراتيجيات الصينية مثل مبادرة الحزام والطريق وصنع في الصين 2025. على الرغم من استمرار وجود عقبات في هذا النهج في الكونجرس، إلا أن القلق بشأن طموحات الصين التكنولوجية يساعد على تجاوز تلك العقبات.
  • من أجل هذا، صعّدت واشنطن من إجراءات تهدف لإضعاف روابط شركة هواوي Huawei الصينية، وتقييد تدفقات التكنولوجيا الأمريكية إلى الشركات الصينية الأخرى. بالإضافة إلى تعزيز هدف ضمان أن تصبح الولايات المتحدة المكان المفضل للصناعات التكنولوجية المتقدمة للشركات المحلية والأجنبية على حد سواء.

أهم هذه الإجراءات: 

  1. توقيع اتفاقية مع عملاق صناعة الرقائق المهيمن عالميا: شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية (TSMC) لاستثمار ما يصل إلى 12 مليار دولار في منشأة تصنيع في أريزونا، والتي ستساعد على ترسيخ الشركة بقوة أكبر في سلسلة التوريد الأمريكية. حيث من المحتمل أن تجلب شركة TSMC، التي تنتج 90٪ من الإنتاج العالمي من الرقائق المتقدمة، شركات سلسلة التوريد المهمة، وتقوم بالبحث والتطوير في الولايات المتحدة، وتدريب المئات من المهندسين الأمريكيين في تايوان لتكون قادرة على تشغيل المصنع الجديد، مما يؤدي إلى نقل المعرفة التي تفيد الصناعة الأمريكية بمرور الوقت.
  2. إلزام مصنعي الرقائق من داخل وخارج الولايات المتحدة الذين يستخدمون تكنولوجيا أمريكية (معدات صناعة أو برامج التصميم أو أمور تخضع للملكية الفكرية) بالحصول على ترخيص قبل شحن الرقائق الدقيقة إلى عمالقة التكنولوجيا الصينية مثل Huawei. هذا الإجراء أجبر شركة TSMC على تعليق طلبات جديدة لهوواي.
  3. مشروع القانون المقدم من قبل مجموعة من النواب الأمريكيين من الحزبين، بهدف تخصيص حوافز حكومية لعمليات تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة في الولايات المتحدة. يقترح ما يسمى قانون إنشاء حوافز مفيدة لإنتاج أشباه الموصلات من أجل أمريكا (قانون CHIPS for America) عشرات المليارات من الدولارات من الحوافز ومبادرات البحث على مدى السنوات الخمس إلى العشر القادمة، والتي تركز على تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة، لتتناسب مع الحزم المماثلة التي تقدمها دول مثل ألمانيا وإسرائيل وسنغافورة.
  4. تستهدف الولايات المتحدة التوصل لإجراءات تنظيمية في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال مجموعة السبع والمفوضية الأوروبية، والتي قد تفضي لإنشاء جبهة مشتركة لاستبعاد الصين وعزلها في هذا المجال التكنولوجي الهام. كما تروج الإدارة الأمريكية لمبادرات أخرى مصممة لتقييد الصين وخلق مساحة أكبر للشركات الأمريكية. تم تصميم شبكة الازدهار الاقتصادي The Economic Prosperity Network، على سبيل المثال، لبناء شراكات مع الدول والشركات ومنظمات المجتمع المدني التي “ترتكز على الثقة وتعمل من خلال مجموعة من مبادئ الثقة”. وهذا يعني استبعاد البائعين “غير الموثوق بهم” المزعومين مثل Huawei وZTE من شبكات الاتصالات ووضع معايير عالية للشركات المشاركة في مشاريع البنية التحتية الحيوية.

التوتّرات الجيوسياسية ستُفاقِم التحدّيات بعيدة المدى

  • ربما سيتعدى اضطراب العلاقات بين الصين والغرب إلى تدهور في العلاقات الدبلوماسية، وسيتجلّى في حالة الولايات المتحدة أكثر من غيرها، إذ أشار استطلاعٌ أجرته مؤسسة Pew Research Center، نُشِرَ 21 أبريل/نيسان، إلى أنّ 66% من المشاركين كان رأيهم في الصين سلبياً، في حين أعرب 26% فقط عن آراء إيجابية في الصين، وهذه أسوأ نتيجة منذ عام 2005. وأعقب ذلك الكشف عن تقرير صيني داخلي عرضه وزير أمن الدولة على المكتب السياسي للحزب، حذّر من أنّ المشاعر العالمية المُعادية للصين بلغت أعلى مستوياتها منذ أعمال القمع التي وقعت في ساحة “تيانانمن” عام 1989.
  • ويزداد الموقف توتراً بسبب الخطوات التصعيدية من الجانبين، حيث وافق مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع على “مشروع قانون حقوق الإيغور الإنسانية”، الذي يُطالب بعقوبات على المسؤولين الصينيين، وسيُمرَّر على الأرجح أيضاً في مجلس النواب. وعلى الجانب الصيني تم تعليق صادرات اللحوم من أربع مجازر آلية أسترالية، وفرض تعريفات جمركية بنسبة 80% على الشعير الأسترالي. وتأتي تلك الخطوات في احتجاجٍ على الدعوات الأسترالية إلى فتح تحقيقٍ مُستقل حول تعامل الصين مع تفشّي المرض. وفي الوقت ذاته، أعدّ الدبلوماسيون الصينيون دفاعاً عنيفاً عن تعامل بكين مع تفشّي المرض، واستجابوا لدعوة الرئيس “شي جين بينغ” الذي طالبهم بإظهار “الروح القتالية”. لكن تعليقاتهم أثارت جدلاً كبيراً في الديمقراطيات الغربية، حيث تم استدعاء سبعة سفراء صينيين للاحتجاج على تعليقاتهم.
  • ونتوقّع أنّ سعي الصين الحازم للسيطرة على الرواية المُحيطة بتعاملها مع تفشّي المرض ستأتي بآثار عكسية، كما ستسفر تداعياتها عن دعوةٍ عالمية أكثر تصميما لفتح تحقيقٍ مع بكين. ولن يكون من السهل على الصين تسويق سردية تجاوزها للأزمة بشكل جيد، وبأنها قادرة على مساعدة البلدان الأخرى؛ إذ خرجت تقارير عن شكوى بلدان تلقَّت المعدات الطبية الصينية من أنَّها معيبة أو دون المعايير.

مخاطر الحرب الصينية الأمريكية

إلى جانب التوتر الدبلوماسي والحرب التجارية، ينتشر الجيش الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بأعداد وصفتها الصين مؤخرا بـ “غير مسبوقة”، محذرة من خطر وقوع صدام عرضي بحري بين الصين وأمريكا. وتتلخص مخاطر الصدام العسكري فيما يلي:

  1. بحر الصين الجنوبي: قد يندلع الصراع عقب تصادم عَرَضي أو خطأ في الحسابات العسكرية بين الطائرات أو السفن البحرية الأمريكية والصينية، أو أن يُسقِط أحد الطرفين طائرة ركاب بالخطأ للجانب الآخر. وللسيناريو الصدامي سوابق مماثلة، منها حادثة جزيرة هاينان عام 2001، حين اضطرت طائرة تجسس أمريكية إلى الهبوط في الصين بعد الاصطدام بمقاتلة صينية فوق بحر الصين الجنوبي.   
  2. بحر الصين الشرقي: تواصل الصين المطالبة بتبعية جزر سينكاكو (تُعرَف في الصين بجزر دياويو) التي تديرها اليابان. وعلى الرغم من الهدود المخيم على الملف منذ 2012، إلا أن أي تحرك صيني للسيطرة على واحدة أو أكثر من تلك الجزر غير المأهولة قد يدفع اليابان لاستدعاء معاهدتها الأمنية مع الولايات المتحدة.
  3. تايوان: لم تتخل الصين قط عن فكرة استخدام القوة للسيطرة على تايوان. وقد يمثل إعلان تايوان الاستقلال رسمياً، أو تأسيس حضور عسكري أمريكي على الجزيرة، مبرراً للحرب. وقد تمتنع الصين عن الغزو، وتلجأ بدلاً من ذلك لإطلاق وابل صاروخي ضخم أو تفرض حصاراً بحرياً على تايوان. ويمكن أن يدفع هذا الولايات المتحدة لإرسال قوات عسكرية لحماية الجزيرة.
  4. شبه الجزيرة الكورية: قد يؤدي اندلاع صراع إلى نشوب حرب وكالة، تدعم فيها الصين كوريا الشمالية وتدعم الولايات المتحدة كوريا الجنوبية. وقد تقاتل الصين بالتحديد لمنع كوريا الجنوبية، المدعومة من الولايات المتحدة، من السيطرة على كوريا الشمالية وتأسيس وجود عسكري على الحدود الكورية الصينية. 
  5. مواقع أخرى: على فرض مواصلة الصين توسيع أنشطتها العسكرية في الخارج على مدى العقد المقبل، قد تدخل القوات العسكرية الصينية والأمريكية في اشتباك في مناطق مثل جنوب المحيط الهادي أو المحيط الهندي أو حتى في الخليج. وفي أي سيناريو للصراع، نتوقع أن تظهر الهجمات الإلكترونية المتبادلة بصورة بارزة.

مراجع استند عليها التقرير:

تقرير Political Risk Strategy الصادر عن Fitch Solution، يونيو/حزيران 2020
تقرير Global Strategy الصادر عن Fitch Solution، يونيو/حزيران 2020
Fitch Solution, Political Risk Strategy, Vol. 4 Issue 5, June 2020.
Fitch Solution, Global Strategy, Vol. 4 Issue 7, June 2020.
George Friedman, From China to India, Geopolitical Futures, June 2, 2020.
Allison Fedirka, India Rising, Geopolitical Futures, June 26, 2020.
Paul Triolo & Kevin Allison, In struggle with China, US advances industrial policy of its own, Eurasia Group, June 11, 2020.
The Economist Intelligence Unit, Indian and Chinese casualties in border clash, June 17, 2020.