الحدث
شهد يوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 توقيع اتفاقية للتعاون في المجال العسكري بين المغرب وإثيوبيا في العاصمة المغربية الرباط. تشمل الاتفاقية التدريب وتبادل الخبرات في مختلف المجالات العسكرية. جاء ذلك خلال زيارة عمل لوزيرة دفاع إثيوبيا عائشة محمد موسى إلى المغرب، إذ التقت بالوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني المغربي عبد اللطيف لوديي. تنص الاتفاقية على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة تجتمع بالتناوب في الرباط وأديس أبابا للإشراف على مجالات التعاون المتفق عليها. وبحسب بيان إدارة الدفاع الوطني المغربي، فإن هذه الخطوة تأتي ضمن توجه المغرب لتعزيز الانفتاح والتنسيق مع الشركاء الأفارقة بهدف دعم الأمن الجماعي والاندماج الإقليمي في أفريقيا.

التحليل: المغرب يواصل تنويع شركائه في أفريقيا وعينه على قضية الصحراء
تندرج هذه الخطوة ضمن السياق الاستراتيجي للسياسة الأفريقية التي ينتهجها المغرب في السنوات الأخيرة، والتي تسعى إلى تنويع الشركاء داخل القارة الأفريقية. إذ لا تقتصر على حلفائه التقليديين في غرب أفريقيا، بل تمتد إلى شرق القارة ووسطها. فمنذ عودة انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي عام 2017، تبنّت الرباط إستراتيجية نشطة لتعميق حضورها في شرق أفريقيا عبر شراكات متنوعة تشمل الاقتصاد والأمن والدفاع.
يسعى المغرب من خلال هذا التقارب مع إثيوبيا إلى ترسيخ موقعه كشريك أمني وتنموي موثوق. إذ سبقه تكثيف الزيارات والتدريبات المشتركة وتبادل الملحقين العسكريين مع دول أفريقية عدة مثل إثيوبيا وكوت ديفوار ورواندا في الفترة الأخيرة. وقد برزت الرباط في السنوات الماضية كلاعب إقليمي يقدم الدعم لجيوش الدول الصديقة عبر فتح مدارسها العسكرية للتدريب والمناورات المشتركة، فضلًا عن تقديم مساعدات تقنية ولوجستية.
يتكامل ذلك مع جهود المغرب في تطوير صناعاته الدفاعية محليًا بشراكات خارجية، خاصة مع إسرائيل بعد تطبيع العلاقات عام 2020. حتى بات المغرب يمتلك أحد أكبر أساطيل الطائرات المُسيَّرة في أفريقيا ويسعى لتصنيعها محليًا؛ وقد أبرم اتفاقات مع شركات إسرائيلية وتركية لإنشاء مصانع لإنتاج طائرات بدون طيار منخفضة التكلفة على أراضيه. هذه الطفرة في برامج التصنيع العسكري تمنح المغرب أوراق قوة إضافية لتعزيز التعاون الدفاعي مع دول أفريقية، وربما تتيح له مستقبلاً تزويد شركائه بالتكنولوجيا أو المعدات، ما يزيد من جاذبيته كشريك في مجالات الدفاع.
توقيت الإتفاق العسكري بين المغرب وإثيوبيا:
يأتي توقيت التقارب العسكري المغربي الإثيوبي في ظل مشهد إقليمي متوتر. فمن جهة إثيوبيا، تأتي أزمة سد النهضة مع مصر والتنافس في القرن الأفريقي، مما يفتح المجال لوضع هذا الاتفاق بشكل غير مباشر كجزء من منافسة إثيوبيا الإقليمية مع القاهرة، كونها تستقطب إلى جوارها حليفا عربيا جديدا يشترك معها في الشراكة مع “إسرائيل”. ومن جهة أخرى، كان من السهل والمتوقع في الجزائر تأويل الاتفاق ضمن مسار فرض واقع جديد في قضية الصحراء المغربية؛ إذ تعتبر إثيوبيا من أبرز داعمي جبهة البوليساريو تاريخيا، لكنها بدأت تعيد تقييم موقفها مؤخرا، وهو ما يهدد الجزائر بفقد صوت أفريقي مهم.
وعلى الرغم من حرص الرباط على النأي بنفسها عن صراع سد النهضة، فمن المرجح أن تراقب القاهرة هذا التطور بحساسية؛ فمصر التي تربطها بالمغرب علاقات تاريخية جيّدة، تدرك أن انخراط شريك عربي وأفريقي مثل المغرب في تعاون عسكري مع خصمها الإقليمي إثيوبيا قد يُكسب أديس أبابا دعمًا معنويًا وتقنيًا هي بأمسّ الحاجة إليه. على المدى القريب، لا يغيّر الاتفاق حسابات مصر الأمنية في شرق أفريقيا، إذ يظل تأثير دعم قوى إقليمية أخرى (كتركيا أو إسرائيل) لقدرات الجيش الإثيوبي أهم. لكن هذه الشراكة الناشئة قد تدفع القاهرة إلى تكثيف تحركاتها الدبلوماسية داخل الاتحاد الأفريقي لتأكيد روايتها بشأن أزمة السد، وربما حثّ حلفاءها العرب والأفارقة – وبينهم المغرب – على عدم الانحياز ضد مصالحها المائية الحيوية.
رغم الأبعاد الإستراتيجية المهمة للتعاون العسكري المغربي الإثيوبي، فإنه حتى الآن أقرب إلى شراكة ثنائية، ولا ترتقي إلى مستوى تحالف عسكري أو محور إقليمي جديد. يركز الاتفاق على مجالات تدريب وبناء القدرات والدعم التقني والصحي، دون أن تصل إلى التزام دفاعي متبادل أو تنسيق عملياتي ضد أطراف أخرى. أي إن هذا الاتفاق لبِنة جديدة في شبكة التحالفات الثنائية التي ينسجها المغرب أفريقياً، كما يؤكد استمرار المغرب في نهجه بتعزيز حضوره العسكري والدبلوماسي في أفريقيا، مما يدعم التقديرات السابقة حول طموحه للريادة الإقليمية، ويطرح في الوقت نفسه على الأطراف الأخرى ضرورة التكيّف مع هذا الواقع في القراءات المستقبلية للتوازنات الإقليمية.
إقرأ أيضاً:
✚ تشاد تنضم لداعمي مغربية الصحراء الغربية وتزيد من إحباط الجزائر
✚ خط أنابيب الغاز عبر الصحراء: أداة الجزائر لتعزيز نفوذها في غرب أفريقيا وأوروبا
✚ إعلان أنقرة بين إثيوبيا والصومال: إنجاز دبلوماسي تركي لكنّ مستقبل الصراع يظل غامضا
✚ الصراع في القرن الأفريقي: لعبة الجغرافيا السياسية بين مصر وإثيوبيا