تقرير حالة دولة: تونس
تقرير حالة دولة - سبتمبر 2020
تحميل الإصدار

باختصار

– موافقة البرلمان على الحكومة ستقلص عدم الاستقرار السياسي وتعزز موقف المشيشي، لكن من المُستبعد أن يستمر ذلك، إذ يبقى البرلمان في واقع الأمر منقسماً بقوة، وسيؤدي الصراع بين رئيس البلاد ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان إلى إعاقة جهود التوصل إلى توافق على السياسات العامة للبلاد.
– وضعت جائحة فيروس كوفيد 19 حداً لسلسلة النمو التونسي، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي ودخول الاقتصاد في حالة ركود بسبب الانكماشات في التصنيع والقطاعين الصناعي والخدمي. وتبقى آفاق التعافي هشّة ومتوقفة على تحسُّن الظروف العالمية.
– من المتوقع اندلاع احتجاجات جديدة مناهضة للحكومة على مدار العام، خاصة في المحافظات الداخلية والجنوبية، وسيقودها إلى حد كبير الشباب العاطل عن العمل والاتحادات العمالية. عودة الاحتجاجات بنفس صخب احتاجاجات عام 2019 مرتبط أكثر برفع القيود الحكومية الخاصة بالحد من انتشار كوفيد 19.
– تهديد “الإرهاب” في تونس مدفوع باحتمالية شن هجمات من أفراد محليين تطرَّفوا ذاتياً، أو مجموعات إسلامية عابرة للحدود الوطنية، لاسيما في المناطق الساحلية والسياحية، ويُشكِّل داعش التهديد الأساسي، إلى جانب عمليات إطلاق نار “فردية” أو هجمات غير معقدة ولا منسّقة.
– ليبيا هي التحدي الرئيسي للسياسة الخارجية التونسية حيث تفتقر تونس إلى الأهمية الجيوسياسية أو النفوذ اللازمين لتحفيز أي تغيير عميق في ليبيا. ويحاول الرئيس قيس سعيّد إظهار توازن في العلاقات مع المتنافسين في المنطقة الامارات وتركيا، دون استثمار رأس مال سياسي كثير في ذلك. 
– من المتوقع أن تركز السياسة الخارجية التونسية في الأشهر المقبلة على الحفاظ على علاقات قوية مع الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربية، وستواصل السعي للحصول على المساعدة الدولية لتحسين الآليات الأمنية ودعم الاقتصاد.

البيئة السياسية

  • فازت حكومة رئيس الوزراء هشام المشيشي بتصويت منح الثقة لها في البرلمان التونسي في الثاني من سبتمبر/أيلول بأغلبية مريحة. وجاء تصويت منح الثقة لحكومة المشيشي بعد أسبوعين فقط من استقالة حكومة إلياس الفخفاخ وسط منازعات بين مؤسستي البرلمان والرئاسة، وتحولات داخل التحالفات الهشة التي تشكَّلت بعد انتخابات 2019.
  • لو أسقط البرلمان الحكومة المقترحة لدفع ذلك إلى انتخابات تشريعية مبكرة، ووفق الدستور ينبغي إجراؤها في غضون ثلاثة أشهر. وجاءت موافقة البرلمان لتُقلِّص من احتمالية إجراء انتخابات مبكرة في الوقت الراهن، وتمنح الحكومةالجديدة فرصة بدء المهمة الشاقة المتمثلة في معالجة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجدكوفيد 19.
  • كانت الحكومة الائتلافية التونسية المغادرة فعَّالة نسبياً في احتواء كوفيد 19. ففي مارس/آذار الماضي تلقَّت دعماً سياسياً واسع النطاق من أجل تبنّي إجراءات إغلاق صارمة لاحتواء الفيروس، وتضمَّن ذلك إغلاق الحدود البريةوالبحرية، وتعليق رحلات الطيران الدولية، وإغلاق المدارس، وفرض حظر تجوال ليلي. لكنَّ استقالة رئيس الوزراءالسابق إلياس الفخفاخ جاءت على خلفية اتهامات بالتورط في تضارب مصالح وسوء استغلال السلطة بغرض إبرامصفقات “غير شرعية”.
  • منح البرلمان ثقته لحكومة المشيشي بأغلبية 134 صوتاً مؤيداً مقابل 67 صوتاً رافضاً، وتغيَّب بعض أعضاء البرلمانعن الجلسة. ويبدو من نتائج التصويت أنَّ نوابا في البرلمان من خارج كتل النهضة وقلب تونس ومستقبل تونس؛صوتوا لصالح منح الثقة، وهو ما سمح بتمرير تصويت منح الثقة بأغلبية مريحة.
  • يبدو أنَّ أحزاباً كانت معارضة سابقاً لحكومة تكنوقراط صوتت بالموافقة لعدة أسباب:
    • الأول: الخوف الذي تعززه استطلاعات الرأي الأخيرة من أنَّ رفض حكومة المشيشي سيؤدي إلى انتخابات مبكرة من شأنها أن تؤدي إلى خسارة الأحزاب السياسية الرئيسية مقاعد بالبرلمان.
    • الثاني: أن بعض الوزراء بعيدون عن كونهم مستقلين كلياً، إذ أنهم في الواقع مُقرَّبون من بعض الأحزاب القيادية.
    • الثالث: أن مخاوف الأحزاب السياسية من إمكانية سعي الرئيس لتجاوز صلاحياته الدستورية وإملاء سياسة الحكومة عبر رئيس الوزراء الذي اختاره وهو هشام المشيشي، قد هدأت، وذلك نتيجة خلاف غير متوقع حدث في الأيام الأخيرة بين الرجلين. ويبدو أنَّ التصدُّع حدث نتيجة إصرار المشيشي على حقه الذي يكفله الدستور فيالتصرف باستقلالية لا أن يكون مجرد مُنفِّذ لسياسات الرئيس سعيّد.
  • انزعج الرئيس أيضاً من تأكيدات المشيشي للأحزاب القيادية بأنَّه سيكون لها دور مهم في صياغة سياسةالحكومة، وأنَّ ممثلي الأحزاب قد يجري اختيارهم في الحكومة في أي تعديلات وزارية مستقبلية. ويسعى سعيّد لإضعافالأحزاب السياسية التي لا يثق بها، وإعادة تونس إلى نظام الحكم الرئاسي. ووفقاً لتقارير إعلامية محلية، فإن الرئيس غيَّررأيه وطَلَبَ من الأحزاب القيادية التصويت لإسقاط حكومة المشيشي، وهو الأمر الذي رفضته الأحزاب.
  • بعد تصويت منح الثقة لحكومة المشيشي مباشرةً، أعلن الأمين العام للتيار الديمقراطي محمد عبو -الذي ظلَّ داعماً للرئيسسعيّد ولرئيس الوزراء السابق إلياس الفخفاخ- استقالته وانسحابه من المشهد السياسي. ومن المتوقع أن تؤثر هذهالاستقالة على التماسك السياسي للتيار الديمقراطي وحضوره في الساحة السياسية وحظوظه في الانتخاباتالمقبلة. علاوة على ذلك، هناك احتمال بانتقال عدوى الانشقاق هذه إلى الأحزاب والكتل الأخرى.

الحالة الاقتصادية

  • رغم معدلات الإصابة المنخفضة بكوفيد 19 في تونس، فإنه من المتوقع أن ينكمش بشدة معدل النمو -الضعيف أصلا- في العام الحالي 2020، دافعاً البلاد إلى الركود، ويتوقع الخبراء انكماش الاقتصاد التونسي هذا العام بما بين 5.2% و8.1%. وسيستمر معدل البطالة في التزايد، وقد يصل هذا العام إلى 21.6%، مقارنةً بـ15% في 2019.
  • سجَّلت صادرات السلع والخدمات -التي شكَّلت 50% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019- تراجعاً بواقع 20.6% من حيث القيمة في النصف الأول من عام 2020 على أساس سنوي، وتأثرت غالبية القطاعات من جرَّاء هذا التراجع في الطلب الخارجي.
  • شهدت الزراعة -التي تمثل 11% من الناتج المحلي الإجمالي التونسي وكانت بالفعل في وضع صعب قبل أزمة كوفيد 19 بسبب جفاف فصل الربيع الذي أثَّر على الإنتاجية- تدهورا أكبر بسبب إجراءات الإغلاق، ويواجه المزارعون صعوبة في الحصول على الأسمدة، الأمر الذي يتسبب بتراجع كبير في الإنتاج وفي الصادرات، لاسيما الحمضيات والتمور ومنتجات المأكولات البحرية.
  • وبدوره يشهد قطاع التصنيع -الذي يمثل 16% من الناتج المحلي الإجمالي- انكماشا بسبب التعطلات في سلاسل الإمداد وتراجع الطلب الأوروبي، لاسيما على المنسوجات والملابس. ورغم تراجع واردات البضائع والخدمات بنحو 24% من حيث القيمة في النصف الأول من عام 2020 بسبب تقلُّص الطلب المحلي، يستمر عجز الحساب الجاري في الاتساع بسبب التراجع الأكبر في الصادرات، فضلاً عن توقف السياحة فجأة.
  • وكانت المساهمة المباشرة من السياحة في عام 2019 توفر 13.9% من الناتج المحلي الإجمالي. ويشهد هذا القطاع حالة توقف بسبب إغلاق الحدود الوطنية طيلة 14 أسبوعاً وإجراءات الإغلاق. وكانت إيرادات السياحة تراجعت بنسبة 47% في النصف الأول من عام 2020 على أساس سنوي.
  • كما تراجعت تحويلات التونسيين المغتربين -التي تعتمد عليها كثير من الأسر التونسية- بصورة حادة تُقدَّر بـ17%، وهو ما يؤثر على استهلاك الكثير من الأسر. وكانت هذه التحويلات تعادل 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019.
  • ويتسع العجز العام بسبب تراجع العائدات وزيادة النفقات، كما انخفضت عائدات الضرائب بنسبة 12% على أساس سنوي في النصف الأول من 2020. وفي 21 مارس/آذار الماضي أعلنت الحكومة أنَّها ستضخ قرابة 695 مليون دولار أمريكي (2% من الناتج المحلي الإجمالي) لدعم الاقتصاد والأسر الأكثر ضعفاً. وتتضمَّن خطة التحفيز هذه -على سبيل المثال- إلغاء الجزاءات على المدفوعات المتأخرة للدولة، أو إعادة جدولة الديون الضريبية للشركات التي سجَّلت تراجعاً بنسبة 30% على الأقل في نشاطها.
  • بالإضافة إلى ذلك، سيؤجل الاضطراب السياسي المتوقع بين رئيس البلاد ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان؛ المفاوضات بشأن اتفاق ائتماني جديد مع صندوق النقد الدولي حتى 2021. ولن يمنع ذلك عمليات الاقتراض الميسر الأخرى، لكن من غير المتوقع إصدار أي سندات حتى أواخر 2021 على الأقل. وتتضمن الشروط المحتملة التي سيجري ربطها بالاتفاق إجراءات لتقليص دعم الطاقة، وتحقيق نمو أعلى وأكثر شمولاً، وتقليل فاتورة الأجور العامة. ويتعين إعادة مستويات الدينالحكومي إلى مستويات أكثر استدامة.

الاستقرار الاجتماعي

  • أدَّى بطء عملية صنع السياسة في نهاية المطاف إلى عرقلة قدرة حكومة الفخفاخ السابقة على معالجة الشكاوى الاقتصادية الرئيسية المستمرة بعد الثورة. وتظل البطالة على وجه الخصوص -وهي عامل مُحفِّز مهم في ثورة 2011- مرتفعة باستمرار وتتضاعف في معظم المحافظات الداخلية. ويُعَد هذا بالنسبة للشباب التونسي النشط سياسياً والساخط عاملاً مُحفِّزاً رئيسياً للاضطرابات. وستعاني حكومة المشيشي على نحوٍ مماثل في معالجة تلك المشكلات الرئيسية، وذلك بالنظر إلى المأزق السياسي المستمر، وشَلل السياسة، وضعف الاقتصاد.
  • وبالنظر إلى ما سبق، من المتوقع اندلاع احتجاجات جديدة مناهضة للحكومة على مدار العام، وسيقودها إلى حد كبير الشباب العاطل، إلى جانب الاتحادات العمالية. وبينما توجد احتمالية ضعيفة بأن تكتسب تلك الاحتجاجات زخماً في صورة تمرد أو ثورة، يُتوقع أن تحتوي الحكومة بفعالية حوادث الاضطرابات تلك على مدار الأشهر التالية. علاوة على ذلك، فإن البيئات السياسية المضطربة في ليبيا ومصر المجاورتين ستقللان من إمكانية دعم عامة السكان للإطاحة بالحكومة عبر تمرد واحتجاجات.
  • ورغم ذلك، هناك خطر شديد من اندلاع احتجاجات بسبب الوضع الاقتصادي، لاسيما في المحافظات الداخلية والجنوبية في بن قردان وقفصة والقصرين وكاف ومدنين وسيدي بوزيد وتطاوين.
  • وعلى الأرجح ستكون معظم الحوادث سلمية، ورغم ذلك هناك إمكانية لأن تختطف بعض العناصر “التخريبية” التظاهرات مما يؤدي إلى اندلاع اشتباكات بسيطة مع الشرطة وتدمير الممتلكات المدنية. كما أن هناك خطرا أقل باندلاع احتجاجات جماهيرية عنيفة في المراكز الحضرية الكبرى، بما في ذلك تونس العاصمة، حيث تكون التظاهرات سلمية في العموم.
  • أحد التهديدات المتوقعة الفترة المقبلة، حدوث احتجاجات مدنية للعاملين في القطاع الصناعي لتحسين فرص عملهم، خاصةً في المحافظات الداخلية، الأمر الذي قد يعزز شعور المواطنين في تلك المحافظات بتهميشهم وإقصائهم، وبالتالي مشاركتهم في تلك الاحتجاجات.
  • في العادة يقود تلك التحركات الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يتمتع بقاعدة دعم كبيرة ويحظى بنفوذ كبير في البلاد، وفي الغالب تتجاوب المجاميع إلى حد كبير مع دعوات الاتحاد للإضرابات المتعلقة بالقطاعات، ونجح الاتحاد في التصدي لمحاولات رفع سن التقاعد، وتقليص الوظائف، وتجميد أجور القطاع العام. ويجدر بالذكر أنَّ الحكومات المتعاقبة في تونس فشلت في تنفيذ إصلاحات اقتصادية بسبب معارضة الاتحاد. وبما أنَّ الاتحاد يمثل بحسب تقارير ما يُقدَّر بثلث القوة العاملة في البلاد، فمن المرجح أن يكون قادراً على التأثير في معظم القطاعات الاقتصادية.
  • وبينما تسبَّب كوفيد 19 إلى حدٍ كبير بتضاؤل تلك الأشكال من الاحتجاجات في 2020، فإنه من المرجح في ظل رفع القيودالحكومية أن نشهد عودة النشاط الصناعي والاحتجاجات المرتبطة بهذا القطاع وغيره بنفس شدة احتجاجات2019.

البيئة الأمنية

  • يأتي تهديد “الإرهاب” في تونس مدفوعاً بالأساس باحتمالية شن هجمات من أفراد محليين تطرَّفوا ذاتياً، أومجموعات إسلامية عابرة للحدود الوطنية، مثل تنظيم الدولة “داعش” وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ومنالمرجح أن يكون التهديد “الإرهابي” مبعث قلق مستمر في البلاد، لاسيما في المناطق الساحلية والسياحية الرائجة علىمدار العام المقبل، ويُشكِّل داعش التهديد الأساسي. وأظهر داعش القدرة والعزم على شن هجمات كبيرة التأثير على الأهداف الأجنبية في العاصمة والمراكز السياحية الكبرى الأخرى.
  • في 6 سبتمبر/أيلول، صدم عناصر من داعش بمركبتهم نقطة تفتيش للحرس الوطني عند تقاطع قرب ميناء مدينة سوسة، وطعنوا ضباطاً بسكين مما أسفر عن مقتل أحدهم وإصابة آخر. ويأتي هذا بعد بضعة أشهر من تفجير انتحاريَين سترتيهما الناسفتين خارج مركز أمني في منطقة بيرجس دو لاك في العاصمة تونس حيث تقع السفارة الأمريكية، وأسفر ذلك عن مقتل ضابط شرطة وإصابة خمسة.
  • هناك تهديد آخر يعد ثانويا، وهو ناتج عن وجود مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مثل كتيبة عقبة بن نافع، التي تنشط حصراً في المنطقة الغربية الداخلية، لاسيما السلاسل الجبلية لمحافظات القصرين والكاف وجندوبة (التي تضم الحديقة الوطنية بالشعانبي، وجبل سمامة، وجبل سلوم). علاوة على ذلك، فإن قدرات القوى الأمنية المحلية في احتواء التهديد وقصره على تلك المناطق تؤدي إلى الحد من فرصة وقوع هجمات في المراكز الحضرية.
  • قامت الحكومة التونسية بإجراءات كبيرة لتعزيز الأمن في أرجاء المناطق الحدودية وفي المنتجعات السياحية، وفي قدرة السلطات على التجاوب مع أي هجوم “إرهابي”. وتنتشر قوات الأمن الحكومية -بما في ذلك الجيش والشرطة والحرس الوطني- بشكل واضح في عموم تونس. وبينما تؤدي زيادة قدرات القوات الأمنية المحلية إلى تقليص تهديد “الإرهاب” جزئياً، فإن هناك احتمالية كبيرة لاستمرار التهديد على مدار فترة التوقعات.
  • ما سبق يشير إلى أنَّ الشكل الأكثر احتمالاً للهجمات في تونس يأخذ شكل عمليات إطلاق نار “فردية” أو هجمات غير معقدة ولا منسّقة، مثل تلك التي دُبِّرَت في المملكة المتحدة أو فرنسا. ومن المرجح أن يبقى السياح والمواطنون الأجانب وقوات الأمن هم الأهداف الرئيسية لداعش، وهو ما يتماشى مع أنماط الهجمات السابقة في تونس وفي أماكن أخرى بالمنطقة.   
  • من ناحية أخرى، يُعَد احتمال وقوع حرب بين تونس ودول أخرى أو حرب أهلية في تونس منخفضاً. ويتمثل تهديد الحرب الأساسي في العنف العابر للحدود في الجنوب الشرقي، وبصفة أساسية في محافظتي مدنين وتطاوين، ومصدره ليبيا. غير أن هناك احتمالا ضئيلا بأن يقع تمدد كبير للعنف في العام المقبل، لأنَّ التوترات على طول الحدود هدأت عقب تراجع قوات شرق ليبيا من كافة مواقعها في الغرب في مايو/أيار 2020. وتمدّ حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس نفوذها ببطء على المنطقة باستخدام العديد من المليشيات القوية.

السياسة الخارجية

  • تظل ليبيا هي التحدي الرئيسي للسياسة الخارجية التونسية. وبصفتها ثاني أكبر شريك تجاري لتونس، تبقى ليبياالمصدر الأساسي للتجارة غير الرسمية العابرة للحدود، إذ تشكل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي لتونس. وعلىالرغم من إغلاق المعابر الحدودية أحياناً، اتخذ مئات الآلاف من الليبيين تونس ملجأً لهم هرباً من الصراع الدائر، ويواصل آلاف التونسيين العمل في ليبيا. ويتجنَّب تونس التدخل في الشؤون الليبية ويدعو إلى الحلول السلمية. ويُرجَّح أنتواصل السلطات صلاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع كل من طرابلس وطبرق حتى يبرز فائز واضح في ليبيا.
  • تفتقر تونس إلى الأهمية الجيوسياسية أو النفوذ اللازمين لتحفيز أي تغيير عميق في ليبيا. لكنَّ إحدى السماتالثابتة لسياسة تونس تجاه ليبيا تتمثل في محاولة جمع الفاعلين الآخرين في نهج دبلوماسي موحد اعترافاً بحقيقة أنَّ استقرار ليبيا يمثل أهمية قصوى بالنسبة للاستقرار الاقتصادي والسياسي التونسي الطويل الأجل. وكلما استمر عدمالاستقرار في الجهة المقابلة للحدود الشرقية لتونس، زادت مخاطر مواجهة البلاد للتنظيمات الخارجة على القانون.
  • وفي ما يتعلَّق بالتنافس بين تركيا والإمارات في المنطقة، يغازل الرئيس قيس سعيّد كلا الطرفين دون استثماررأس المال السياسي الكثير في هذا التنافس. وتشير مواقف السياسة التي تتخذها البلاد حتى الآن إلى درجة كبيرة منالاستقلالية عن كلا الجانبين، وذلك رغم الإشارات الفاترة وعلى استحياء باتجاه المعسكر التركي القطري.
  • ومع ذلك قد يكون لذلك ثمن إذا دعت حاجة تونس لطرف من الأطراف، فقد أوضح الإماراتيون لصانعي السياسة التونسيين أنَّ الاستثمارات والمساعدات ستكون مشروطة باستبعاد الإسلاميين من الحياة السياسية.
  • لا تملك تونس تحالفات دولية مهمة ولا قوة كافية لمواجهة أطراف دوليين مثل الإمارات ومصر، وتنبع سياستها منموقعها الجيوإستراتيجي الذي تضعه القوى الدولية الكبرى حالياً نصب عينيها.
  • من المتوقع أن تركز السياسة الخارجية التونسية في الأشهر المقبلة على الحفاظ على علاقات قوية مع الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربية، وستواصل تونس السعي للحصول على المساعدة الدولية لتحسين الآليات الأمنية ودعم الاقتصاد. لكنَّ الدعم من دول الاتحاد الأوروبي المفردة مثل إيطاليا وفرنسا، والذي كان قوياً في السابق بسبب المخاوف المرتبطة بالمهاجرين غير النظاميين، سيضعف على الأرجح في المدى القريب في ظل القيود التي يتسبب كوفيد19 بفرضها في تلك الدول.

استشراف حالة الدولة

  • بعد حصول حكومة المشيشي على ثقة البرلمان، يدخل المشهد السياسي والمؤسسي التونسي مرحلة جديدة، وهي مرحلة يُتوقع أن تهيمن عليها الصراعات والتوترات.
  • وحتى لو تعهَّد المشيشي ببدء العمل على حزمة إجراءات لمعالجة الأزمتين الاجتماعية والاقتصادية اللتين تواجههما البلاد، فإنَّ المؤشرات السلبية المتدهورة والأزمات الهيكلية التي تعاني منها النماذج التونسية الاقتصادية والتنموية -فضلاً عن الصعوبات التي تفرضها جائحة كوفيد 19 وفوضى الوضع في ليبيا- تجعل من المستبعد حدوث تغييرات جذرية في المستقبل المنظور.
  • نظراً لاحتمال فشل الحكومة الجديدة في تحقيق تقدم في أيٍ من أولويات السياسة، فإنَّ آفاق الاستقرار السياسي الأكبر والأطول مدى ضعيفة. علاوة على ذلك، تشير نوبات التخاصم السياسي بين الأحزاب، وكذلك بين الرئيس ورئيس الوزراءوالبرلمان، إلى أنه من المستبعد أن تكمل حكومة المشيشي السنوات الأربع المتبقية من تفويضها.
  • سيظل معدل البطالة البالغ 15.5%، ومعدل التضخم السنوي البالغ نحو 7.4%، وإجراءات التقشف؛ عوامل مُحفِّزة للاحتجاجات العنيفة. ومن المرجح وقوع اضطرابات عمالية في القطاعين العام والخاص مثل الفوسفات والنقل.