الخبر
عُقدت في القدس المحتلة، الإثنين 22 ديسمبر/كانون الأول 2025، القمة الثلاثية العاشرة التي جمعت رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسو تاكيس ورئيس قبرص نيكوس خريستودوليديس، واختُتمت بإعلان مشترك ركّز على مأسسة الإطار الثلاثي عبر قمة سنوية للقادة، وتعميق التعاون في الأمن والدفاع ولا سيما الأمن البحري وحماية البنى التحتية الحيوية. كما أبرز ملفات الطاقة والربط، وفي مقدمتها الدفع بمشروع Great Sea Interconnector وتعزيز التعاون ضمن مسارات الربط الإقليمي، بما فيها ممر الهند-الشرق الأوسط. وتضمن البيان أيضًا مواقف بشأن قضايا إقليمية، شملت غزة، والتأكيد على سيادة لبنان واحتكار السلاح بيد الدولة، فضلًا عن ملفات شرق المتوسط والقضية القبرصية. وفي سياق متصل، كشفت تقارير صحفية، عن مقترح يوناني لإنشاء لواء مشترك للرد السريع للعمليات في شرق المتوسط، تهدف إلى حماية البنية التحتية البحرية وردع التهديدات. وبحسب ما ورد، قد تضم القوة 2500 جندي (حوالي 1000 جندي من كل من اليونان و”إسرائيل”، و500 جندي من قبرص) وستكون قابلة للانتشار في غضون مهلة قصيرة بدلاً من التمركز بشكل دائم. وتشمل الخطط أيضًا دعمًا جويًا وبحريًا، مع مناطق انتشار محتملة بما في ذلك رودس وكارباثوس وقبرص وقواعد في “إسرائيل”.
التحليل: تحالف إسرائيل–اليونان–قبرص: بنية تحتية محمية وشراكة أمنية متصاعدة
تجسّد القمة مسارا واضحا لتحويل الشراكة الثلاثية إلى منصة استراتيجية متكاملة تجمع الأمن الصلب (بحري/عسكري) مع الأمن الاقتصادي (طاقة/ربط كهربائي/ممرات)، ضمن جهود استراتيجية لموازنة “التهديد التركي”، وفي لحظة إقليمية تتسم بتقاطع تهديدات الملاحة وإعادة ترتيب شبكات الطاقة والاتصال.
ينسجم هذا التطور مع مسار متواصل من تعزيز التعاون العسكري والأمني بين الأطراف الثلاثة، فضلا عن الصفقات الثنائية، والتي كان أحدثها شراء قبرص منظومة “باراك MX” الإسرائيلية، والتي تشمل صواريخ اعتراضية بمدى 150 كم، وأجهزة متطورة للمراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية عبر رادارات ثلاثية الأبعاد يصل مداها إلى 460 كم، ما يغطي جزءًا كبيرًا من المجال الجوي لجنوب تركيا.
نلاحظ التركيز على حماية البنية التحتية، إلى جانب الإشارة إلى إنشاء “مركز تميز للأمن السيبراني البحري” (MCCE) في قبرص، المتوقع افتتاحه في 2026، مما يشير إلى إدراك متزايد بأن التهديدات لم تعد محصورة في الاشتباك العسكري التقليدي، بل تشمل قابلية التعطيل عبر الفضاء السيبراني والهجمات الرمادية على الكابلات والمنشآت البحرية. ولذلك؛ فإن التقارير حول مشروع قوة التدخل السريع تكتسب مغزى مهما على الرغم من غياب أي إشارة رسمية لها حتى الآن. وتُظهر التغطيات الإسرائيلية واليونانية والقبرصية أن القمة استُخدمت كمنصة رسائل ردع سياسية في شرق المتوسط، ولا سيما تجاه تركيا.
رغم احتواء التوتر البحري بين كل من قبرص واليونان من جهة وتركيا من جهة أخرى، خلال العامين الماضيين على الأقل، فإن الصراع طويل الأمد بين تركيا واليونان، والتنافس الجيوسياسي الواسع في شرق المتوسط، ثم أخيرا تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية بعد محاولة بناء تفاهمات، كل ذلك يضع أطراف الصراع عند نفس خطوط التوازن التقليدية، والتي تجد فيها “إسرائيل” واليونان وقبرص ضرورة لاحتواء ما تعتبره التهديد التركي، مستفيدة من دعم أمريكي متزايد.
- ولذلك؛ فإن تقدير “أسباب” السابق يرجح أن يتواصل الصراع في شرق المتوسط عبر نهج تحقيق توازن الردع من خلال تطوير القدرات العسكرية وتوسيع التحالفات الإقليمية والدولية، مع بقاء قنوات التفاوض. وسيظل من المحتمل أن تتجدد الاحتكاكات البحرية المحدودة بين تركيا وكل من اليونان وقبرص، خاصة إذا جرى تنفيذ مشروع قوة التدخل السريع. لكنّ تدهور الصراع إلى صدام عسكري أوسع ما زال غير مرجح في الأجل القصير والمتوسط.
وبقدر ما تسعى أثينا ونيقوسيا إلى تثبيت مشاريع الربط والطاقة كرافعة سيادية واقتصادية، فإن حساسية هذه المشاريع تجاه الاعتراضات والاحتكاكات الإقليمية ستجعل اختبار النجاح الحقيقي هو قدرة الأطراف الثلاثة على حماية مسارات التنفيذ، تمويلًا وتشغيلًا وأمنًا، خاصة تحديات المرتبطة بتمويل وجدوى مشروع Great Sea Interconnector، وعلى إدارة معادلة التوازن مع تركيا دون دفع المنطقة إلى سباق تصعيد مفتوح.