سقوط الفاشر… انعطافة في الصراع تقرّب شبح انفصال غرب السودان
مآلات - نوفمبر 2025

ملخص

● يكرّس سقوط مدينة الفاشر بيد قوات الدعم السريع، تحوّلًا حاسمًا، ينقل البلاد فعليًا إلى تقسيم جغرافي–سياسي بين شرق وغرب. وعلى الرغم من هزيمة حميدتي في الخرطوم إلا أن سيطرته على ولايات دارفور، وتشكيله حكومة موازية في نيالا، رسّخ سلطة أمر واقع تمتلك مقومات “الدولة” في الغرب، مما يجعل خطر الانفصال قائما أكثر من كونه سيناريو بعيد المدى.

● يسعى الجيش إلى استعادة التوازن عبر مسار مزدوج يجمع بين التصنيع العسكري المحلي وعقد صفقات تسليح نوعية، أبرزها صفقة محتملة مع باكستان تتضمن طائرات K-8 ومنظومات مسيّرة ودفاع جوي ومدرعات. وإذا تأكدت تفاصيل الصفقة، فستوفر للجيش أدوات هجومية نوعية تعزز موقفه الميداني. غير أن فعالية هذه المنظومات تبقى مرهونة بتوافر بنية تحتية ملائمة وكوادر فنية مؤهلة، وهو ما يجعل أثر الصفقة تحولًا تدريجيًا أكثر من كونه انقلابًا سريعًا في ميزان القوى.

● تعيد التطورات رسم خريطة التفاعلات الإقليمية في السودان. فدخول باكستان على خط التسليح يفتح الباب لدور تركي وصيني غير مباشر، وقد تكون السعودية أحد الممولين للصفقة ضمن سعيها لتقليص نفوذ إيران وموازنة الدور الإماراتي. في المقابل قد تتحرك الهند لاحتواء المحور الباكستاني-التركي في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، بما يجعل السودان جزءًا من تنافس آسيوي-خليجي أوسع.

● يواجه البرهان ضغوطًا متزايدة من “الرباعية” (واشنطن، الرياض، القاهرة، أبوظبي) لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وإقصاء الحركة الإسلامية وفك الارتباط مع إيران وروسيا. لكن هذه المقايضة محفوفة بالمخاطر، إذ قد تؤدي إلى تفكك في جبهة داعمي الجيش وفقدان حلفائه الخارجيين، دون ضمان أن تغيّر الإمارات مسار دعمها للدعم السريع أو أن توفر واشنطن بديلاً كافيًا.

بناءً على مجمل هذه المعطيات، يبدو السودان مقبلًا على أحد مسارين: أولهما ترسيخ التقسيم الفعلي بين مركزين للسلطة شرقًا وغربًا، وهو ما قد يتطور لاحقا إلى انفصال رسمي، وثانيهما تسوية رمادية ترعاها أطراف إقليمية تضمن وقفًا هشًّا لإطلاق لنار. أما احتمالات الحسم العسكري السريع فتبقى ضعيفة في المدى المنظور. ومع امتداد خطوط الإمداد عبر تشاد وأفريقيا الوسطى وشرق ليبيا، ترتفع احتمالات توسّع رقعة الصراع إقليميًا، ولو على شكل ضربات محدودة أو عمليات نوعية عبر الحدود.

مقدمة

يشهد السودان منذ أبريل/نيسان 2023 حربًا مدمرة بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”. وتحول الصراع إلى واحد من أعنف الأزمات الإنسانية في القارة الأفريقية ومنطقة الشرق، حيث نزح داخليا أكثر من 12 مليون شخص، فيما فرّ عبر الحدود نحو 4 ملايين. بعدما دمّر الصراع البنية التحتية، بما في ذلك المنظومات الصحية، وتسبب في ظروف مجاعة واسعة النطاق، ووضع حوالي 24.6 مليون شخص في خطر الجوع الحاد، مع تأكيد المجاعة في أجزاء من دارفور وجبال النوبة.

منذ استعادة الجيش السوداني العاصمة الخرطوم، يتخذ مشروع حميدتي طابعا انفصاليا، عبر إعلانه تشكيل حكومة موازية في نيالا، نهاية يوليو/تموز 2025 مع الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، إذ أعلن نفسه رئيسا وعين عبد العزيز الحلو نائبا له. وقد توّج هذا الواقع بتحول ميداني كبير من خلال إحكام السيطرة على مجمل إقليم دارفور بعد انسحاب الجيش من الفاشر.

تلعب الأطراف الدولية والإقليمية دورا مهما في رسم مسار مستقبل الصراع وتغذيته، حيث تشارك دول إقليمية ودولية في الصراع القائم، يأتي في مقدمتها الإمارات العربية المتحدة التي توفر إمدادات لوجستية مكثفا للدعم السريع عبر شبكة معقدة تشمل شرق ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى والصومال. في المقابل ينخرط عدد من الدول في دعم جهود الجيش بمستويات متفاوتة سياسية أو عسكرية مثل مصر وتركيا وروسيا والصين وإيران، بينما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية لهندسة مستقبل سياسي يضمن بقاء السودان خارج دائرة النفوذين الروسي والإيراني، ويضمن الحد من الشراكة طويلة الأمد بين الجيش والحركة الإسلامية في السودان.

سقوط الفاشر نقطة تحول تكرّس واقع التقسيم 

يمثل إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، ثم انسحاب الجيش رسميا، نقطة تحول نحو تعزيز سلطة الأمر الواقع واحتمالات التقسيم التي يدفع لها حميدتي. حيث باتت جميع ولايات إقليم دارفور الخمس تحت سيطرة الدعم السريع، لتصبح السودان مقسمة بحكم الأمر الواقع بين شرق وغرب على غرار ليبيا. وتتزامن التطورات في الفاشر مع موجة من الهجمات التصعيدية استهدف فيها مطار الخرطوم ومدينة سنار بمسيرات، كما صعد حميدتي من خطابه السياسي مهددا باستهداف أي مطار أو طائرة تقلع من أي دولة مجاورة، في رسالة غير مباشرة لمصر التي سبق واتهمها بتقديم دعم للجيش السوداني.

وبينما يمثل إعلان حميدتي عن حكومته الموازية اعترافا ضمنيا بعجزه عن العودة إلى العاصمة في المدى القريب أو المتوسط، لكنّه يفتح الباب أمام مستوى متقدم من تآكل مركزية الدولة. ولذلك؛ فقد قوبل إعلان الحكومة الموازية بإدانة سريعة من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي وأمريكا ومصر.

لكنّ السيطرة الجغرافية المتصلة في الغرب ستجعل من إعلان الحكومة الموازية خطوة ذات مغزى؛ إذ بات للدعم السيطرة على كافة مقومات “الدولة” من الناحية النظرية، بما يشمل الحدود الجغرافية، والقدرة على استخراج الموارد وتمويل آلة حرب لفترات طويلة، والاستفادة من البعد القبلي للصراع في نسج تحالفات إقليمية واسعة، فضلا عن الدعم الدبلوماسي الذي من الممكن أن يحظى به، وإن كان ذلك ما زال مسألة مبكرة.

البرهان يعيد حساباته في ضوء ضغوط إقليمية وأمريكية

عززت حكومة الخرطوم، بقيادة البرهان ورئيس وزرائه كامل إدريس، شرعيتها من خلال ملء المناصب الوزارية عبر تعيين 20 من أصل 22 حقيبة وزارية أواخر يوليو/تموز 2025. لكنّ الدول الخارجية تمارس ضغوطا على البرهان من أجل تقليص نفوذ الحركة الإسلامية في الجيش والسلطة. وهو ما صدر صراحة في بيان رباعي لوزراء خارجية أمريكا ومصر والسعودية والإمارات في سبتمبر/أيلول 2025، ودعا إلى إبعاد مستقبل السودان عما وصفها بـ”الجماعات المتطرفة” والتي قال إنها مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين. وقد تزامن ذلك مع اعتقالات في صفوف المنتسبين للحركة الإسلامية، وهو ما اعتبر رسالة من البرهان مفادها أنه مستعد لإعادة هيكلة القيادة العسكرية واستبعاد الإسلاميين من الصفوف العليا. 

قبل سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر بيوم صدر مرسوم رئاسي رقم (1) لسنة 2025 بشأن “مكافحة الإرهاب”، ما يعتبر مؤشرا إضافيا على تبني البرهان مسار تقويض حضور الحركة الإسلامية. ومن المحتمل أن تتسبب مثل هذه القرارات في تأثيرات سلبية على تماسك منظومة القرار داخل الجيش خاصة في ظل موجة التصعيد العسكرية التي تشنها قوات الدعم السريع.

من جهة أخرى، تبدو محاولة إعادة الضبط التي يراهن البرهان على القيام بها محفوفة المخاطر بصورة واسعة. فقد استعاد الجيش تماسكه الميداني خلال 2024 و2025 قبل سقوط الفاشر كنتيجة لتلقي دعما متعدد الجبهات يشمل روسيا وإيران وتركيا ومصر وربما الصين أيضا. وقد أكد البيان الرباعي الذي سبقت الإشارة إليه التزام الدول الأربع بالضغط على طرفي الصراع لحماية البنية التحتية وضمان أمن البحر الأحمر ومواجهة التهديدات العابرة للحدود، وهي إشارة ضمنية إلى حماية الملاحة المرتبطة بـ”إسرائيل” من التهديدات المتوقعة من سواحل السودان وتقويض الحضور الإيراني.

أي إن محاولة البرهان لتغيير الموقف الأمريكي، باعتبار أن ذلك فقط يمكن أن يغير أجندة الإمارات المتطرفة، لا يتوقف على تقليص نفوذ الحركة الإسلامية، ولكن على الحد من علاقة الجيش مع روسيا وإيران أيضا. أي إن البرهان يغامر بتقويض تحالفاته الداخلية والخارجية، بينما ليس من المؤكد أن يؤدي ذلك إلى تخلي الإمارات عن الدعم السريع، خاصة، أو إلى دعم أمريكي بديل يضمن تفوق الجيش.

صفقة باكستانية محتملة لإعادة بناء قدرات الجيش

يعمل الجيش السوداني على تعزيز قدراته العسكرية من خلال تبني مسار التصنيع المحلي وإبرام الصفقات. ويأتي مشروع المسيرة سفاروق (Safarooq) ضمن المساعي السودانية لتوطين الصناعات العسكرية وتقليل الاعتماد على الواردات. وتعتبر هيئة الصناعات العسكرية السودانية (MIC)، نموذجا للاهتمام بتطوير القدرات المحلية السودانية مع شركاء دوليين، وقد عُرضت المسيرة  في المؤتمر العسكري في اسطنبول IDEF 2025.

بجانب التصنيع المحلي، يعمل الجيش على توقيع صفقات عسكرية بهدف موازنة الدعم الذي يتحصل عليه حميدتي. وفي ذلك السياق نشر موقع (propakistani)  عن توقيع كلا من الجيش السوداني وباكستان صفقة، في منتصف أغسطس/آب 2025، وتبعه العديد من المواقع السودانية والحسابات السودانية المقربة والمحسوبة على القوات المسلحة السودانية، بالرغم من عدم وجود تصريحات أو بيانات رسمية، إلا أن الأصوات الإماراتية الناقدة للصفقة ترجح إبرامها.

تشكل الصفقة محطة مهمة في مسار الحرب السودانية، إذ تشتمل على تزويد القوات المسلحة السودانية بطائرات هجومية خفيفة، ومنظومات متقدمة للطائرات المسيرة والدفاع الجوي، إلى جانب عربات مدرعة. وتصنع ديناميات إقليمية جديدة باعتبارها خطوة غير متوقعة وغير مألوفة سواء من باكستان أو السودان. 

تتسم تفاصيل الصفقة العسكرية السودانية الباكستانية إلى تنوع لافت في مكوناتها، بما يمنح الجيش السوداني قدرات شاملة تغطي الجو والبر والدفاع الجوي. إذ تشمل 10 طائرات تدريب/هجوم خفيف من طراز K-8 Karakorum، وطيف واسع من المسيرات، يضم 20 مسيرة قتالية Shahpar-2، و150 مسيرة استطلاعية YIHA-III، و50 مسيرة Ababeel-5:MR-10K للاستطلاع الإلكتروني. وتشتمل أيضا على محركات جديدة لطائرات MiG-21 لتمديد عمرها التشغيلي، و150 مركبة مدرعة طراز ASV Mohafiz لتعزيز قدرات القوات البرية، فضلاً عن تزويد الجيش بأنظمة دفاع جوي متطورة من طراز HQ-9 وHQ-6، بما يمثل مسعى متكاملا لإعادة بناء التوازن العسكري في ساحة الحرب. 

ويحتمل أن تواجه بعض المعدات المتعاقد عليها قيودا في التصدير، خاصة محركات Mig-21 أو الطائرات التي تدخل في تصنيعها مكونات غير باكستانية. ويوضح الجدول التالي المدى الميداني للطائرات والمسيرات وأوجه الاستفادة التكتيكية للمعدات المتعاقد عليها:

كيف يمكن أن تؤثر الصفقة على ساحات الحرب بالسودان

إذا تأكدت تفاصيل هذه الصفقة، فستمثل نقلة نوعية في قدرات الجيش ميدانيا؛ إذ تتيح له عبر إدخال المسيّرات المتقدمة ومتعددة الاستخدامات امتلاك أداة فعّالة لتنفيذ مهام الاستطلاع وتوجيه الضربات الدقيقة في عمق مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، دون المخاطرة باستخدام الطائرات المأهولة في أجواء معرضة للتهديد. أما على المستوى الاستراتيجي؛ فإن الصفقة تعكس توجهاً لسد الفجوات القتالية التي عانى منها الجيش السوداني، وستجعل عملياته أكثر مرونة. غير أن فعالية هذه المنظومات تبقى مرهونة بتوافر بنية تحتية ملائمة وكوادر فنية مؤهلة، وهو ما يجعل أثر الصفقة تحولًا تدريجيًا أكثر من كونه انقلابًا سريعًا في ميزان القوى.

تمثل طائرات K-8 Karakorum نقطة تفوق للجيش، نظرا لقابليتها للاستخدام في مهام الهجوم الأرضي الخفيف ضد خطوط إمداد الدعم السريع، كما توفر هامش حركة أوسع يسمح بمهاجمة مطارات استراتيجية داخل دارفور، في مقدمتها نيالا عاصمة الحكومة الموازية والتي تبعد نحو 900 كم عن الخرطوم، ومدينة الجنينة غرب دارفور، أحد أهم معاقل الدعم السريع قرب الحدود التشادية، وكذلك مدينة زالنجي في وسط دارفور، إلى جانب مدينة الضعين شرق دارفور، المعقل القبلي لحميدتي. 

تتقاطع الصفقة مع مسارات إقليمية متشابكة. فالمسافة بين الخرطوم ومطار أمجراس في تشاد نحو 1049 كم، أي إن المطار سيكون ضمن نطاق استهداف القوات الجوية السودانية، حيث يستخدم المطار كجسر جوي لإمداد قوات الدعم السريع من قبل الدول الداعمة لها، وفق تحقيق أممي، وتقارير صادرة عن مجلس الأمن. فيما سيكون من الصعب على القوات الجوية السودانية مهاجمة خطوط الإمداد الأبعد في مطار نجامينا الدولي في تشاد، وقاعدة الخادم الجوية في ليبيا.

أما جمهورية أفريقيا الوسطى فتظهر في المشهد كفاعل ثانوي متورط بشكل غير مباشر، إذ ينحدر عدد من المقاتلين المرتبطين بقوات الدعم السريع من أراضيها. وقد استُخدمت عدد من القواعد العسكرية في الشمال الشرقي للجمهورية لتوفير إمدادات عسكرية بدعم إماراتي، وذلك ضمن شبكة إقليمية أوسع لتغذية عمليات قوات الدعم السريع. ومع ذلك، لا يُتوقع أن تذهب بانغي إلى حد إعلان موقف سياسي رسمي داعم لحكومة حميدتي، مكتفية بدور الظل الذي ينسجم مع هشاشتها الداخلية وارتباطها بشبكات إقليمية متشابكة بما في ذلك مع روسيا.

ديناميات التنافس الإقليمي بعد سقوط الفاشر والصفقة السودانية-الباكستانية

تحمل الصفقة رسالة إلى دول الجوار بأن الجيش لا يزال قادراً على إعادة بناء قوته وتثبيت مركزية الدولة، وأنه قد يطوّر الشراكة مع محور دفاعي ناشئ يضم تركيا وباكستان. وهكذا، تدخل كل من الصين وتركيا خريطة الصراع السوداني بشكل غير مباشر، إذ تمثل باكستان بوابة لكليهما في تمرير معداتهما العسكرية دون التورط مباشرة في الصراع. وتمثل السودان أهمية استراتيجية سواء كمركز لوجستي مهم للتحركات التركية تجاه القرن الأفريقي، أو لطريق الحرير الصيني. ويلاحظ نمو نشاط المخابرات التركية في بورتسودان، وهو ما يفتح الباب أمام احتمال أن تواصل أنقرة خطوات دعم الجيش. 

ثمة ترجيحات بأن تكون السعودية من بين الممولين للصفقة الباكستانية، في إطار بديل عن الدعم الإيراني. إذ سبق أن أعاد السودان علاقاته الدبلوماسية مع إيران بعد سنوات من القطيعة. وقد اتُفق حينها على إعادة فتح السفارات وقدمت طهران دعما نوعيا للجيش السوداني عبر تزويده بطائرات مسيّرة قتالية من طراز مهاجر-6 والمسيرة أبابيل-3، بخلاف شحنات الذخيرة والتدريب فني. وهو ما عزز قدرة الجيش وساهم في استعادة التفوق الجوي، خصوصاً في معارك تحرير الخرطوم والجزيرة. ويأتي توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان كمؤشر مرجح لأن تكون السعودية أحد الممولين للصفقة السودانية.

من جهة أخرى؛ قد تفتح الصفقة الباكستانية مع السودان المجال أمام استدعاء الهند كطرف مقابل في الصراع؛ إذ تنظر نيودلهي إلى البحر الأحمر والقرن الأفريقي كمسار مهم لتجارتها الدولية. ما يرجح أن تتوسع في رفع مستوى علاقاتها مع دول شرق أفريقيا. وبينما تتمتع الهند بشراكة واسعة مع الإمارات و”إسرائيل” فإنها ستكون معنية باحتواء النفوذ الباكستاني-التركي في منطقة الشرق، ما قد يضعها ضمن الجهات المساندة للدعم السريع. كما يتناغم ذلك مع سياسة التوجه نحو أفريقيا التي تبنتها الهند خلال العقد الماضي، والتي تستهدف بالأساس موازنة تمدد الصين في القارة.

مستقبل الصراع في السودان … هل يتجه للحسم؟  

يبقى مستقبل الصراع في السودان رهين تفاعل العوامل الداخلية والإقليمية والدولية. فعلى المستوى الميداني يعزز الجيش السوداني رهانه على القوة الصلبة من خلال بناء القدرات المحلية وإبرام صفقات تسليح نوعية. وفي المقابل تراهن قوات الدعم السريع على ترسيخ وجودها في الغرب كسلطة أمر واقع، بما يكرس خطر الانقسام الجغرافي والسياسي للدولة السودانية. أما على المستوى الإقليمي فإن تنوع داعمي الطرفين يفاقم من تعقيد المشهد وتتداخل فيه حسابات الجغرافيا السياسية مع العداء الأيديولوجي للإسلاميين. ودوليا تتداخل مصالح القوى الكبرى كالولايات المتحدة والصين وروسيا، كل هذا يجعل السودان ساحة مفتوحة لتقاطعات تنافسية أوسع. 

إلى جانب ذلك؛ تظل التحركات الإسرائيلية عاملا مؤثرا، في ظل سعي تل أبيب لترسيخ موطئ قدم في البحر الأحمر والقرن الأفريقي لمواجهة مصادر التهديدات المرتبطة بإيران والحوثيين. ومما لا شك فيه أن ضمان أمن “إسرائيل” وتقويض نفوذ إيران وحركات المقاومة الفلسطينية يأتي على رأس أولويات النظرة الأمريكية لمستقبل السودان، وهي ليست معنية كثيرا بمن سيكون على رأس السلطة سواء مدنيا كان أو عسكريا.

وبناءً على ذلك؛ فإن السودان يقف عند مفترق طرق: إما انزلاق نحو تقسيم فعلي يعيد إنتاج سيناريوهات مشابهة لليبيا واليمن، أو تكرار لحالة الانفصال التي اختبرها البلد سابقا، أو نجاح الجهود الإقليمية والدولية في فرض تسوية سياسية تحفظ وحدة الدولة، وهو احتمال يظل ضعيفًا في ظل ديناميات الصراع الراهنة. ويعطي اشتراك مقاتلين من كولومبيا ضمن صفوف قوات الدعم السريع دلالة على انفتاح الحرب على أبعاد أوسع، خصوصًا مع إمكانية امتداد الضربات إلى عمق دول مجاورة مثل ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى التي تشكّل قواعد خلفية وخطوط إمداد.

  • ويمكن إجمال أهم السيناريوهات المرجّحة على النحو التالي:

السيناريو الأول: ترسيخ التقسيم الفعلي (مرجّح بنسبة عالية)
○ يتجه السودان نحو تكريس واقع الانقسام بين شرق وغرب، مع تحوّل دارفور إلى كيان ذي سلطة أمر واقع، تديره قوات الدعم السريع ضمن منظومة حكم محلية-قبلية، مقابل بقاء الحكومة المركزية ممسكة بالواجهة الدولية والاعتراف الرسمي. هذا السيناريو يُبقي خطوط النار قائمة دون حسم، لكنه يرسخ تعايشًا قسريًا بين سلطتين متوازيتين، يوازي المشهد الليبي من حيث الشكل والمضمون.

السيناريو الثاني: الانفصال وإعلان استقلال الغرب (احتمال متوسط في المدى المتوسط)
○ إذا استقر الدعم السريع في دارفور، وتكرّس عجز الجيش عن استعادتها خلال الأشهر المقبلة، فقد يتجه حميدتي إلى تحويل سلطته الموازية إلى كيان سياسي مستقل. احتمال هذا المسار يرتفع كلما حصل حميدتي على غطاء سياسي أو حماية أمنية من الجهات الداعمة (الإمارات، تشاد، أفريقيا الوسطى، إثيوبيا، إسرائيل)، وكلما واصل المجتمع الدولي تجنّب الاعتراف الكامل بالجيش كسلطة شرعية وحيدة.

السيناريو الثالث: تسوية سياسية رمادية (احتمال متوسط)
○ قد تنجح الضغوط الأمريكية-العربية في دفع الطرفين إلى تسوية تُبقي على وحدة السودان اسميًا، لكنها تقوم على تقاسم إداري وأمني في دارفور وكردفان، مع استبعاد الإسلاميين. هذا السيناريو يحظى بدعم إقليمي متقاطع لكنه يفتقر إلى ضمانات التنفيذ على الأرض، ما يجعله هشًّا وقابلاً للانهيار.

السيناريو الرابع: اتساع رقعة الصراع إقليميًا (احتمال قائم)
○ في حال تصاعد الهجمات على مطارات أو خطوط إمداد في تشاد أو أفريقيا الوسطى أو شرق ليبيا، قد تنزلق الحرب إلى تصعيد إقليمي محدود، سواء عبر ضربات مسيّرة عابرة للحدود أو عبر تجنيد مزيد من المرتزقة الأجانب. يرفع هذا السيناريو مستوى المخاطر الأمنية، ويقوّض فرص أي وساطة قريبة.

السيناريو الخامس: حسم عسكري جزئي لصالح الجيش (ضعيف الاحتمال)
○ على الرغم من التطور المحتمل في قدرات الجيش عقب صفقة باكستان والتعاون مع تركيا وإيران، فإن الظروف الميدانية والامتداد الجغرافي لصراع دارفور تجعل الحسم العسكري الشامل غير مرجّح. ومع ذلك، يبقى احتمال تحقيق تفوق محدود في بعض الجبهات واردًا، وقد يُستغل كورقة تفاوضية في أي تسوية لاحقة.