الخبر
التقى أمين عام “حزب الله” نعيم قاسم، في لبنان، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني بحضور سفير طهران لدى بيروت مجتبى أماني، يوم الأربعاء 13 أغسطس/آب. وجاءت الزيارة بعد أيام من رفض إيران أي مسعى لنزع سلاح “حزب الله”، إثر قرار الحكومة اللبنانية حصر السلاح بيد الدولة. وقال الرئيس اللبناني جوزاف عون خلال لقائه مع لاريجاني إن بلاده ترفض أي تدخل في شؤونها الداخلية، وترغب في تعاون مع إيران “ضمن حدود السيادة والصداقة”، معتبرا أن “اللغة التي سمعها لبنان في الفترة الأخيرة من بعض المسؤولين الإيرانيين غير مساعدة”. ويوم الثلاثاء 5 أغسطس/آب، كلفت الحكومة اللبنانية الجيش إعداد خطة للسيطرة على جميع الأسلحة الخارجة عن سلطة الدولة، بحيث تكون قابلة للتنفيذ قبل نهاية 2025. من جهته؛ رفض الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، أي نقاش حول نزع سلاح الحزب قبل “وقف العدوان وسحب الاحتلال وإعادة الإعمار وتحرير الأسرى.”

التحليل: إيران ستواصل الاستثمار في حزب الله بينما إسرائيل لا تتجه للقبول بتسوية
تشير زيارة لاريجاني، الذي تسلم منصبه حديثا، ورفض إيران وحزب الله خطة الحكومة لنزع سلاح الحزب إلى أن طهران لا تتجه للتخلي عن حزب الله وأنها جادة في جهود ترميم قدراته ضمن جهود إيران الأوسع استعدادا لهجوم جديد محتمل قد يستهدف تقويض النظام في طهران وليس فقط تدمير القدرات النووية. ومن الواضح أن استعادة حزب الله ولو نسبيا موقعه كقوة ردع في التوازن الإقليمي بين إيران و”إسرائيل” مسألة ملحة في ظل تآكل قدرات الردع الإيرانية بصورة غير مسبوقة.
محليا، يُشير تكليف الحكومة للجيش بوضع خطة لنزع سلاح الحزب في غضون نفس المدة المحددة من قبل الولايات المتحدة، إلا أن الحكومة اللبنانية لا تملك الكثير من الخيارات، وأنها ستواصل إبداء المرونة بما يجنب بيروت المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية أو يفتح الباب لعودة المواجهات العسكرية مجددا. ومع ذلك؛ وبرغم موافقة الحكومة على الهدف الرئيسي للخطة وإطارها الزمني العام، إلا أن تكليف الجيش بوضع خطة تفصيلية يفتح الباب لمزيد من المفاوضات بشأن واقعية الإطار الزمني المطلوب، وحدود مسألة نزع السلاح، والخطوات المتبادلة من الطرفين أثناء عملية التنفيذ.
يصطدم مطلب نزع سلاح الحزب وفقا للصيغة الأميركية المطروحة بالضرورات الاستراتيجية الحيوية للحزب ولإيران. إذ سيكون نزع سلاحه بالكامل، خاصة الصواريخ الدقيقة، تقويضا استراتيجيا على المستوى العسكري، فضلا عن أثرة السياسي والطائفي داخل المعادلة اللبنانية إلى حد تقويض الهوية المُؤسِّسة لشرعية حزب الله في المجتمع الشيعي اللبناني باعتباره الأقدر على حماية الطائفة.
ومع ذلك؛ فمن غير المرجح أن يُبدي الحزب رفضا مطلقا لمقترح نزع سلاحه تجنبا لعودة المواجهات المفتوحة مع “إسرائيل”، في وقت يُفضل فيه قادة الحزب وإيران تهدئة الصراع والحفاظ على ما تبقى من بنيته التحتية في ظل احتمال توسع المواجهة الإقليمية مجددا. وسيستمر الحزب في تقديم عروض بديلة تتضمن بهدف التوافق مع الجيش اللبناني وتجنب الصدام. لكن التعنت الإسرائيلي في التجاوب مع أي من مطالبه التي تتمثل في وقف الهجمات والانسحاب من المناطق المحتلة وإعادة الإعمار قبل مناقشة نزع سلاحه، سيزيد من احتمالات لجوء “إسرائيل” لتصعيد الضغط العسكري على الحزب.
داخليا؛ ستؤدي أية محاولات لنزع سلاح الحزب دون التوافق معه إلى حوادث عنف طائفي، لا سيما مع انخراط قوى سياسية وطائفية مناهضة لحزب الله مثل حزب القوات اللبنانية (حزب مسيحي يميني) في تبني خطاب عدائي تجاه سلاح الحزب والمطالبة بتحديد جدول زمني سريع لنزعه. لكن سيكون من المستبعد تدهور الأوضاع إلى حرب أهلية شاملة مثل التي شهدها لبنان في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، إذ من المرجح أن يكون الجيش اللبناني أكثر عقلانية في الإقدام على نزع سلاح الحزب بالقوة، لسببين يتعلق أحدهما باحترام التوازن الطائفي الهش داخل لبنان وتجنب الصدام مع الطائفة الشيعية بصورة عامة والذي سيؤثر على تماسك الجيش نفسه، وثانيهما يتعلق بتقدير القدرات العملية للجيش ومدى إمكانية النجاح في نزع سلاح الحزب دون الانجرار لحرب أهلية مفتوحة.
ومن المُرجح أن تزيد الولايات المتحدة ودول الخليج ضغوطها الاقتصادية على لبنان، وتعليق أي مساعدات مالية دولية للحكومة بالمضي قدما في خطة نزع السلاح، مما قد يحدث أثرا مزدوجا؛ يتمثل في احتدام الجدل الداخلي حول مسؤولية حزب الله في تقويض أوضاع الدولة اللبنانية والمغامرة باستقرارها، ومن جهة أخرى قد يدفع أنصار الحزب وبيئته الاجتماعية للتشدد أكثر تجاه التمسك بالسلاح في ظل الإحساس بالخطر الخارجي.
وعلى الرغم من أن إيران تعطي أولوية خلال الأشهر القادمة لترميم قدراتها الذاتية العسكرية، وسد الثغرات الدفاعية والاستخباراتية التي ظهرت خلال أيام الحرب، فإنها ستواصل الاستثمار في قدرات الحزب باعتباره أحد خطوط دفاعاتها الأمامية بصرف النظر عن فعالية هذه الخطوط خلال المواجهة القريبة المتوقعة، ولذا فمن المرجح أن طهران، سوف تستمر في دفع الحزب لمقاومة مساعي نزع سلاحه بكل الوسائل.
التحدي الرئيسي للجهود الإيرانية ومناورات حزب الله أن النهج الإسرائيلي الحالي بعيد تماما عن تقديم تنازلات أو القبول بتفاهمات ترى “إسرائيل” أنها لا تستند لتوازن القوى الإقليمي الجديد. كما أنه بافتراض استعداد حزب الله للقبول بنزع سلاحه، وهو أمر مستبعد، فليس من المرجح أن تنسحب “إسرائيل” من أية مناطق في جنوب لبنان تراها حيوية لتأمين بيئتها الاستراتيجية من أي مخاطر أخرى على المدى البعيد. وهو التقدير الذي قد يدفع أيضا قادة الحزب لرفض نزع السلاح وتحمل مخاطر المواجهة التي يبدو في نهاية المطاف أنها قادمة.
إقرأ أيضاً:
✚ وقف إطلاق النار في لبنان: انسحاب متبادل لكنّ حزب الله أكثر تراجعا
✚ الضربات الأميركية للمنشآت إيران النووية تؤسس لمعادلة جديدة في الصراع
✚ حرب إسرائيل على إيران تدشن عملية استراتيجية تستهدف تغيير النظام
✚ من الطوفان إلى سقوط نظام الأسد: سيناريوهات منطقة الشرق 2025 في ضوء “تأثير الفراشة” و”أحجار الدومينو”