الخبر
أمر الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، يوم الإثنين 11 أغسطس/آب، بتقديم مساعدات لأوكرانيا بقيمة مليوني دولار، وذلك عقب اتصال هاتفي مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أدانا خلاله غارات جوية روسية استهدفت مستودع نفط تابع لشركة النفط الوطنية الأذربيجانية “سوكار” (SOCAR)، ومحطة نقل الغاز الأذربيجاني إلى أوكرانيا. وتشير التقارير إلى أن باكو تدرس رفع الحظر على إمدادات السلاح إلى أوكرانيا إذا واصلت روسيا استهداف منشآت الطاقة المرتبطة بأذربيجان. جاء هذا عقب توقيع علييف ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، يوم الجمعة 8 أغسطس/آب، على اتفاق سلام تاريخي بوساطة أمريكية، في البيت الأبيض بحضور الرئيس ترامب، إذ تعهد الجانبان بوقف الأعمال العدائية، والاعتراف بالسيادة الإقليمية لكل منهما، بالإضافة إلى فتح علاقات دبلوماسية واقتصادية. كما يتضمن الاتفاق الموافقة على إنشاء ممر عبور يربط أذربيجان وأرمينيا عبر جيب ناخيتشيفان. وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن بلاده ستدعم الممر طالما أنه لا ينتهك السلامة الإقليمية لدول المنطقة، لكنه أعرب عن قلقه من مشاركة شركات أميركية في أعمال إنشائه، وهو نفس الموقف الذي أعلنته الخارجية الإيرانية إذ رحبت بالسلام والاستقرار في منطقة القوقاز لكن حذرت من “العواقب السلبية لأي شكل من أشكال التدخل الأجنبي.” وأكد علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري خامنئي، أن طريق العبور “سيُغيّر الحدود”، واصفاً إياه بأنه “مؤامرة”.

التحليل: ممر النقل بين أذربيجان وأرمينيا يجسد تحول توازن القوى في جنوب القوقاز
يعكس مجمل مسار السلام بين أذربيجان وأرمينيا تحولا عميقا في النفوذ بمنطقة جنوب القوقاز، إذ تراجع نفوذ كل من روسيا وإيران لصالح تنامي نفوذ تركيا والولايات المتحدة، و”إسرائيل” بصورة غير مباشرة. ويأتي التلويح الأذربيجاني بدعم أوكرانيا كإشارة ليس فقط على شعور باكو بثقة متزايدة، ولكن أيضا على نظرتها لروسيا كقوة متراجعة. كانت روسيا طوال ثلاثة عقود هي الضامن الأساسي للأمن الأرميني، وللتوازن بين باكو ويريفان. لكنّ حرب أوكرانيا حدت من قدرة موسكو على التدخل، ودفعت أرمينيا للبحث عن بدائل بعد أن اهتزت بعنف ثقة يريفان في مظلة الحماية الروسية.
ويمثل التطبيع التركي الأرميني تجسيدا لا يقبل الشك لهذا التراجع الروسي والإيراني على حد سواء؛ فكل خطوة تُعيد دمج أرمينيا في شبكة إقليمية تتقاطع مع تركيا، والغرب عموما، وتُدار بمعزل عن روسيا، تُقوّض من نفوذ موسكو في القوقاز. ومع الدعم الغربي الممنهج والمتزايد لأرمينيا، يبدو أن يريفان تمضي بثبات نحو إعادة تموضع استراتيجي بعيد عن محور موسكو، وضمن هياكل لا تخدم مصالح إيران التي طالما كانت حليفا لأرمينيا في صراعها مع أذربيجان.
بحسب الاتفاق، أصبح إنشاء ممر عبور يُسمى “طريق ترامب للسلام والازدهار الدوليين” (TRIPP)، والذي كان يطلق عليه سابقا ممر “زنغزور” جزءًا أساسيًا من خطة السلام، وستُمنح الولايات المتحدة حقوق تطوير حصرية لمدة 99 عامًا. ورغم التصريحات الرسمية، ليس من المرجح أن تتسامح إيران مع المشروع، وإن كان هذا لا يعني بالضرورة أنها قادرة حاليا على تعطيله. كما أن رد فعل روسيا الضعيف من وجهة نظر إيران يزيد من تراجع ثقة طهران في موسكو كشريك يعتمد عليه بعد أن أظهرت الحرب الأمريكية الإسرائيلية على إيران مؤخرا عدم فاعلية هذه الشراكة إزاء ردع التهديدات الخارجية.
بالنسبة لطهران، فإن مغزى هذا الممر يتجاوز الصراع التاريخي بين أذربيجان وأرمينيا، إذ يمثل منصة اختراق لحلف الناتو في جنوب القوقاز هدفها حصار روسيا في الجنوب وإيران في الشمال. بالإضافة لذلك، فإن الممر يعيد رسم خريطة النقل بين آسيا وأوروبا إذ يربط تركيا بآسيا الوسطى بريا، وهو أمر يفقد إيران ميزة جيوسياسية مهمة. إذ يصطدم فتح الممر بالمساعي الإيرانية الروسية لتفعيل ممر الشمال – الجنوب لتعزيز النقل والتجارة بين روسيا وإيران والهند والقوقاز وآسيا الوسطى؛ وسيتيح ممر زنغزور نقل المزيد من البضائع والأفراد بين الصين وأوروبا عبر الممر الأوسط الذي يمر بالأراضي الآذرية، وهو ما أشار إليه أردوغان بطريق بكين-لندن، ولا شك أن هذا سيؤثر على مساعي إيران للتحول إلى مركز للنقل الدولي حال رفع العقوبات الغربية عنها.
في المقابل؛ سيعزز ممر زنغزور اتصال تركيا بريا بدول آسيا الوسطى ذات العرق التركي (العالم التركي)، ويخدم مساعي أنقرة لتوكيد دورها كقائد لمنطقة أوراسيا، ويرفع من أسهم “منظمة الدول التركية”. وسيربط ممر زنغزور تركيا بأذربيجان بريا عبر أراضي أرمينيا دون الاضطرار للمرور بإيران ودفع رسوم عبور لها، كما ستتقلص المسافة بين أذربيجان وتركيا، حيث سيكون الخط الجديد أقصر من خط سكة الحديد الممتد من مدينة قارص التركية مرورا بالعاصمة الجورجية تبليسي، وصولا للعاصمة الأذرية باكو. وسيزيد ذلك من مكانة تركيا كمركز لنقل الطاقة والبضائع من آسيا الوسطى إلى الأسواق الأوروبية.
أي إن تركيا اليوم ترى في أرمينيا منفذًا بريا، لا عبئًا تاريخيًا، كما أن أرمينيا ترى تركيا بوابة ضرورية لانفتاحها علي الغرب. ووفق هذه الرؤية، فإن إعادة فتح الحدود المشتركة بين البلدين البالغ طولها نحو 311 كيلو مترا ليس فقط ضرورة جيوسياسية لنقل الطاقة والبضائع إلى آسيا، بل وسيلة لتطوير المناطق الشرقية الفقيرة في تركيا، ووسيلة لتثبيت مكانتها كوسيط إقليمي يتجاوز روسيا في جنوب القوقاز.
من جهة أخرى؛ فإن الممر يمثل مؤشرا على تسارع وتيرة ربط أذربيجان بمنطقة الشرق الأوسط؛ فبعد أن ظهرت باكو كوسيط بين “إسرائيل” وكل من تركيا وسوريا، فإن بحضورها يتعزز من خلال مشاريع النقل واتفاقيات الطاقة، كما في الاتفاقية الرباعية بنقل الغاز من أذربيجان إلى سوريا عبر تركيا وبتمويل قطري.